بريطانيا ما زالت عدواً فهي تشارك في الحرب علناً

ارتبطت خيانة بريطانيا لفلسطين وشعبها، وللعرب عامة في صراعهم مع الكيان الصهيوني، وتحديداً في حرب 1948 وما نجم عنها من نكبة، بالجنرال غلوب باشا والضباط الإنكليز ودورهم في تلك الحرب الكارثية على العرب.

  • رغم كل ما فعلته بريطانيا بالشعب العربي الفلسطيني لم تعتذر.
    رغم كل ما فعلته بريطانيا بالشعب العربي الفلسطيني لم تعتذر.

لم تكتف بريطانيا بكلّ ما فعلته بالشعب الفلسطيني، وما ألحقته به من آلام وعذاب وموت، منذ وعد- أو تصريح- بلفور وزير خارجية بريطانيا ( العظمى) آنذاك، عام 1917، للثري اليهودي الصهيوني روتشيلد، لمنح اليهود وعداً بوطن قومي لهم في فلسطين، وبتقسيم بلاد الشام بينها وبين فرنسا، ومن بعد بانتداب بريطانيا نفسها لاحتلال فلسطين، وبهدف بدأ مبكراً بالتكشّف، وهو إيجاد "دولة يهودية" في فلسطين تكون في خدمتها، لتمسك بقلب الوطن العربي، ولتضمن بقاء هيمنة بريطانيا على مصر، وبهذا تبعد خطر فرنسا وطموحاتها التي تكشفت في نداء نابليون عندما دخل فلسطين لليهود بالقدوم لتأسيس "دولة" لهم على "أرض الأجداد".

ذلك النداء الذي فضح طموحات نابليون في الهيمنة على الشرق وطرد بريطانيا، مع أنه وبلفور بعده، لا يؤمنان بالتوراة، ولم يكونا متدينين، ولا يأبهان بغير مصالح الإمبراطوريتين المتصارعتين، من قبل ومن بعد.

اندثرت "أحلام" نابليون على أسوار عكّا البطلة، وتكرست هزيمته في سهوب روسيا وثلوجها وأمام بسالة الروس وجيوشهم، وطُردت بريطانيا وكنست معها طموحاتها من فلسطين بمقاومة عرب فلسطين لها وتعليق ضباطها مشنوقين على الأشجار، وبالتفجيرات التي استهدفت جنودها، بحيث لم يعد أمامها سوى الرحيل قبل15 أيّار/مايو 1948 بعد أن مكّنت الصهاينة من بناء مؤسسات "دولتهم" القادمة والتي أعلن عنها بينما بريطانيا تنسحب من كل فلسطين، تاركة للعصابات اليهودية الصهيونية كل معكسرات جيشها وما تحويه من أسلحة وتجهيزات.

رغم كل ما فعلته بريطانيا بالشعب العربي الفلسطيني لم تعتذر، ولم تعترف للفلسطينيين بدولة، وتفضّلت عليهم بمنحهم مكتباً في لندن لا يرتقي إلى مستوى سفارة!  وللأسف، فإن القيادة الفلسطينية تكتفي بهذا التمثيل الهزيل من الدولة التي تسببت بشكل مباشر بالنكبة الفلسطينية، ولم تتحمّل مسؤولية ما فعلت إلى يومنا هذا! 

وتزيد حاليّاً على كل ما فعلته بشعبنا وبقضيتنا، أنها تشارك علناً في الحرب الأميركية -الإسرائيلية على شعبنا، وتحديداً في تدمير مدن قطاع غزّة وبلداته ومخيماته تدميراً شاملاً، وتدفن تحت الدمار ألوف الفلسطينيين، وفي مقدمتهم الأطفال والنساء والعُجّز، وبقنابل أميركيّة يبلغ وزن بعضها 1000كلغ تدك الأرض بهدف بلوغ أعماقها!

لقد أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، أي وزارة الحرب، عن تسيير دوريات جوية فوق قطاع غزّة، وذلك بهدف البحث عن "المخطوفين" الذين تحتفظ بهم حماس، وتحويل المعلومات إلى الجهات المعنية بالمتابعة، أي إلى حلفائهم في الحرب!

بريطانيا التي استحوذت أميركا على دورها عالمياً، بعد أن آلت من إمبراطورية إلى دولة عظمى بعد خسارتها ممتلكاتها التي كانت الشمس لا تغيب عنها، لا تتخلّى عن دورها الجوهري رغم أفول مجدها، فهي ترى في أميركا امتداداً لها، فثقافتهما الاستعمارية واحدة، ومصيرهما واحد، وصراعهما مع رافضي الهيمنة الأميركية على العالم واحدة، و"إسرائيلهما" جزء من مشروع هيمنتهما على الشرق الأوسط، حيث الموقع الاستراتيجي، والنفط والغاز، والمواجهة مع روسيا والصين...

لقد أسهمت بريطانيا في خلق الكيان الصهيوني، ودورها في ترسيخ ذلك الكيان ونصرته في حرب ال48 غير خاف، فالجنرال غلوب باشا، قائد الجيش الأردني، سلّمهم المدن الفلسطينية، وسهّل عليهم ذلك بتوجيهه الأوامر بانسحاب الجيش الأردني من مدن: اللد، والرملة، وعدم تقديم العون للجيش المصري الذي وقع في الحصار في الفالوجة، واحتاج إلى أن يسهم الجيش الأردني في فك الحصار، ولكن الجنرال غلوب باشا رفض بحزم!

رفض الضابط الأردني محمد حمد الحنيطي أمر الانسحاب، وانضم إلى المدافعين عن مدينة حيفا، وتسلّم قيادة الحامية، وقاد الدفاع ببسالة عن حيفا حتى استشهاده، رحمه الله. 

يكتب المناضل الفلسطيني الكبير رشيد الحاج إبراهيم في كتاب "الدفاع عن حيفا وقضية فلسطين" الذي أعدّه وأشرف على إصداره المؤرخ الدكتور وليد الخالدي، وقدّم له رشيد الحاج إبراهيم، واصفاً رحلة البطل العربي الأردني، قائد معركة الدفاع عن حيفا: يوم 11/3/ 1948، وصل الحنيطي إلى دمشق، وأطلع مسؤولي اللجنة العسكرية هناك على الأوضاع.

وفي يوم 17/ زوّد بكميات من الأسلحة، وتحركت القافلة وكانت مكوّنة من سيارتَي كميون، إضافة إلى سيارة القائد الحنيطي وحراسته، ومرّت ببيروت، ثم وصلت إلى عكا، وحاول وجهاء عكا أن يؤخروا سيرهم لعدم اطمئنانهم إلى الطريق، ولكنهم رفضوا، وتعرّضوا لكمين، واستشهد القائد الحنيطي، وتمّ الاتصال بأسرته في شرق الأردن، ونقل إلى مسقط رأسه حيث كرّم ودفن، رحمه الله (الصفحتان: 89 و90)

ارتبطت خيانة بريطانيا لفلسطين وشعبها، وللعرب عامة في صراعهم مع الكيان الصهيوني، وتحديداً في حرب 1948 وما نجم عنها من نكبة، بالجنرال غلوب باشا والضباط الإنكليز ودورهم في تلك الحرب الكارثية على العرب.

بعد سنوات، تمّ طرد الجنرال غلوب من الجيش الأردني، ومن الأردن، ومعه الضباط الإنكليز، وتمّ الإعلان عن "تعريب الجيش" الأردني، ولكن صفحة خيانة بريطانيا للعرب وأقدس قضاياهم لم تنطو.

بعد سنوات، شاءت الأقدار أن ألتقي بفارس غلوب، ابن غلوب باشا، المولود في القدس عام 1939، وفي تنظيم فلسطيني واحد يجمعنا، وعندما أسسنا جريدة " القاعدة" في بيروت، عام 1978انضم الرفيق فارس إلى أسرة تحرير الجريدة التي كنت رئيس تحريرها، وأخذ يزوّد الجريدة بمقالاته عن الصهيونية وعلاقات قادتها بالنازيين الألمان، وبجرائم أجهزة مخابراتها، بخاصة الموساد، وبأساليب تخريبها في حركات التحرر في العالم، في إطار ما تقدمه من خدمات للإمبريالية الأميركية.

قدّم الرفيق فارس عدداً من الكتب آخرها "عيون إسرائيل" الذي صدر عن منشورات "القاعدة" عام 1981، والذي كرّس فصوله لفضح طبيعة الصهيونية وكيانها ونشاطاتها وعلاقاتها مع النازية إبان حكم هتلر، وفي خدمة الإمبريالية، وانحطاط أساليبها في ممارسة اغتيالات المناضلين الفلسطينيين، والتقدميين في العالم.

أكد لي الرفيق فارس مراراً وتكراراً أن والده لم يقبل بفكرة الاعتذار للشعب الفلسطيني عن دوره في نكبة 1948، بادعاء أنه كان يخدم الإمبراطورية البريطانية! هذا مع العلم-أننا لسنا بريطانيين-كما أكدّ لي فارس-فنحن ننتمي إلى إيرلندا، ونشعر دائماً بأن بريطانيا شوّهت تاريخنا، واستتبعتنا لها نحن واسكتلندا وويلز...

بريطانيا لم ولن تعتذر لعرب فلسطين عن جرائمها، وعن العذاب الذي ما زالوا يعانونه، فهي تعيش بعقلية استعمار الشعوب، وسرقة خيراتهم، وترى في أميركا ابنة لها وامتداداً، ولن تعوّض الفلسطينيين عمّا ألحقته بهم، رغم أنه فادح وغير مسبوق في تاريخ البشرية قديماً وحديثاً.

بريطانيا تمعن في التآمر على فلسطين القضية والشعب، ولن تتوب عن اقتراف جرائمها، وها هي تواصل دورها الإجرامي الشرير.

المؤسف حقاً والمؤلم والمثير للغيظ أن قيادة الشعب الفلسطيني التي أغرقت قضيتنا في متاهات ندفع راهناً ثمنها، هي التي تقبل من بريطانيا ومن غيرها، فرنسا مثلاً صاحبة المفاعل النووي في "ديمونة"، ما يقدمونه رغم تفاهته، وتعدّه مكسباً، حتى أميركا ارتضت هذه القيادة أن تكون وسيطا!

وصف البروفسور رشيد الخالدي أولئك الوسطاء بأنهم وسطاء الخداع في كتابه الذي لم يقرأه أبطال سلام الشجعان!، فهل نستغرب أن بريطانيا ترسل طائرات تجسسها فوق قطاع غزة لتلتقط الصور العميقة بحثاً عن أسرى وقعوا في أيدي أبطال مقاومة الشعب العربي الفلسطيني، من كتائب القسام وسرايا القدس وإخوانهم!

ضبّاط بريطانيا يشاركون الضبّاط الأميركيين والفرنسيين والألمان والإيطاليين في غرفة عمليات واحدة، موجودة في "تل أبيب" ولها فرع قرب غزّة، مهمتها تقديم المعلومات عن كل ما يتعلّق بالمقاومة الفلسطينية، وكأن هذه الدول الاستعمارية المجرمة قديماً وحديثاً تخوض حرباً عالمية تستهدف الشعب العربي الفلسطيني ومقاومته الباسلة!

آن لنا أن نعيد تعريف من هو الصديق بالنسبة لنا، ومن هو العدو، فمن العار، فضلاً عن الخسران المبين، أن يواصل تضليلنا من هم في موقع القيادة بعد سنوات الفشل الممتدة من أوسلو 13 أيلول/سبتمبر 1993 وحتى معركة شعبنا الملحمية المجيدة، معركة "طوفان الأقصى".

*تزوّج الرفيق فارس من فتاة فلسطينية من مخيم شاتيلا، وأنجبا بنتين، كبرتا، وهما تعيشان حالياً في بريطانيا بعد وفاة والدهما. ترى، كيف يشعر الجنرال جون باجوت غلوب وهو في قبره، وهو يسمع هتافات حفيدتيه الفلسطينيتين ضد الكيان الصهيوني، وضد جرائم بريطانيا في فلسطين، وتسيران على هدي سيرة والدهما المناضل التقدمي الفلسطيني الذي عاش ورحل وهو يباهي بأنه ولد في القدس عام 1939 قبل ولادة الكيان الصهيوني الذي أوجدته بريطانيا؟

*انتقل الرفيق فارس إلى قبرص بعد مغادرة بيروت، ومنها انتقل إلى الكويت حيث واصل عمله الإعلامي، وقد تعرّض لحادث سير، أحسب أنه مُدبّر، فالصهاينة لن يغفروا له فضحه علاقة قادتهم بالنازية، ومسلسل جرائم الموساد فلسطينياً وعالمياً، ناهيك بدوره الأممي في الثورة الفلسطينية.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.