الولايات المتحدة تلعب على وتر العلاقة التركية الروسية

في سعيهم لعرقلة مسار العلاقة الروسية التركية التي يرون أنَّها تتوسع، يؤكد أعضاء الكونغرس الأميركي أنَّ أزمة أوكرانيا وتبعاتها الواسعة أظهرت أهمية الدور التركي.

  • الولايات المتحدة تلعب على وتر العلاقة التركية الروسية
    الولايات المتحدة تلعب على وتر العلاقة التركية الروسية

يتزايد التواصل بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان بعد سلسلة من تطورات الحرب الأوكرانية الروسية. أعلنت موسكو في الآونة الأخيرة تعليق مشاركتها في اتفاق نقل الحبوب، لكن تراجعها السريع أثار تساؤلات في الأوساط السياسية، بعدما علَّقت الولايات المتحدة متهمةً موسكو بمحاولة تجويع البلدان الفقيرة.

أتى تراجع روسيا نتيجة الوساطة التركية التي انخرطت مع الأمم المتحدة في ضمان نقل الحبوب عبر موانئها، لكن المشكلة أن التصدير استمرَّ رغم تعليق موسكو مشاركتها (تصدير حبوبها) في صفقة الحبوب.

كان يمكن لروسيا أن تمنع ذلك عسكرياً، لكنَّ المنع كان سيؤثر في العلاقات بين موسكو وأنقرة، التي تعتبر صفقة الحبوب إنجازاً لها، فاختارت في نهاية المطاف العودة إلى الصفقة. أدت الدبلوماسية التركية دوراً إيجابياً، وكان الرئيس الروسي قد صرح أنَّ روسيا، حتى لو انسحبت من الاتفاق، ستعوض الكمية الكاملة من الحبوب المخصصة "للدول الأكثر فقراً" من مخزونها مجاناً.

الضغط الأميركي على الشركات التركية يوقف تصدير الحبوب الروسية

في الواقع، لم يتمّ التوقيع على اتفاقية واحدة لتصدير الحبوب والأغذية في 22 تموز/يوليو، فقد كانتا اتفاقيتين؛ الأولى في إسطنبول، وهي اتفاقية تصدير الحبوب والأغذية من أوكرانيا التي وقعت عليها تركيا أيضاً، في حين تم توقيع الاتفاقية الأخرى بين روسيا والأمم المتحدة، وكانت تنصّ على أن روسيا يمكنها تصدير الحبوب والأسمدة.

المشكلة الفعلية هي أنَّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أعلنا العقوبات على الشركات والأفراد الذين يتعاملون مع روسيا، ما سبب الخوف لدى الشركات، وأدى إلى ابتعادها عن التجارة معها، خوفاً من إدراجها في القائمة السوداء، وهذه العقوبات تمنع روسيا من بيع منتجاتها المصدرة.

ألقت روسيا اللوم على الأمم المتّحدة التي وقعت اتفاقية معها، وهي بموقفها حاولت كسر العقوبات. وكانت زيارة الوفد الأميركي إلى أنقرة وإسطنبول ما بين 17 و20 تشرين الأول/أكتوبر تحذيرية للشركات التركية، لكونها ستواجه عقوبات، إذ التقت مساعدة وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية إليزابيث روزنبرغ ومساعد وزير الخارجية للتهديدات والعقوبات المالية إريك وودهاوس مؤسسات رسمية وغير حكومية، وأصدرت تحذيرات ترقى إلى مستوى فرض القانون المحلي الأميركي على تركيا.

أرادت روسيا من إيقاف تصدير الحبوب إرسال بعض الرسائل من خلال استغلال التصعيد العسكري في شبه جزيرة القرم، محاولةً فرض شروط أكبر في عملية المفاوضات المقبلة في ظل انتهاء مدة الاتفاقية التي لم يتبقَ لها سوى 3 أسابيع، ولا يعني عودتها إليها استمرارها فيها، فهناك استحقاق التجديد. وكانت موسكو قد طرحت شروطاً، منها إزالة العقبات أمام صادراتها عبر البحر الأسود وضمان وصول الحبوب إلى الدول الفقيرة.

تريد موسكو أن تستغل الاتفاقية من أجل تكريس وضع جديد في البحر الأسود وتكبيل قدرة أوكرانيا على التحرك العسكري، من بوابة أن أيّ تصعيد سيعرّض الممر الآمن في البحر الأسود للمخاطر.

وكان إردوغان أعلن أنه اتفق مع بوتين خلال اتصال هاتفي على إيصال الحبوب إلى الدول المحتاجة من دون مقابل، وقال إنه سيلتقيه في بالي الإندونيسية في 13 و14 تشرين الثاني/نوفمبر، لبحث قضية نقل الحبوب إلى الدول الفقيرة.

ترى الأوساط التركية المعارضة أن روسيا تبذل جهودها لاستخدام تركيا كحصان طروادة في صراعها مع الغرب. وفي هذا السياق، تقترب تركيا من خطة بوتين التي أعلنها في الآونة الأخيرة لتحويلها إلى مركز للطاقة، إذ تقوم بتسويق تعاونها مع روسيا في الداخل والخارج. 

ويرى أحد الدبلوماسيين الأتراك المقربين إلى الولايات المتحدة أن بوتين يحاول جر تركيا للتحايل على العقوبات ووضعها في موقف صعب، على الرغم من أنه يبدو كأنه يقدم خدمة لها، ولكن يبقى أن هدفه الرئيسي هو إضعاف التحالف الغربي من خلال الموقف التركي.

الناتو يتوسع والكونغرس يقايض تركيا بقبول صفقة F-16

أثناء زيارته لتركيا، وجه يانس ستولتنبرغ الشكر إلى تركيا ورئيسها إردوغان لحماية اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، وقال إنَّ كييف تطور دفاعها بفضل الدعم الذي قدَّمته لها تركيا، في إشارة إلى الطائرات من دون طيار ودورها في الأزمة الأوكرانية، وعدم اعترافها بضم القرم وإدانة ضم الدونباس إلى روسيا، ودعا إلى تسهيل دخول فنلندا والسويد إلى الناتو، وهما لم يفيا بعد بجميع التزاماتهما بموجب اتفاق مع تركيا، بحسب وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو.

في سعيهم لعرقلة مسار العلاقة الروسية التركية التي يرون أنها تتوسع، يؤكد أعضاء الكونغرس الأميركي أن أزمة أوكرانيا وتبعاتها الواسعة أظهرت أهمية الدور التركي، وهم يعتقدون أن تحرك تركيا أتى في الاتجاه الصحيح، وهو ما ظهر بوضوح في موقفها من الحرب الروسية في أوكرانيا، عندما أقفلت معبر مونترو في وجه السفن الروسية إلى البحر المتوسط.

وقد توصّلوا إلى نتيجة مفادها أنّ الوقت حان لكي تُشرك واشنطن أنقرة في محادثات إستراتيجية أكثر عمقاً لمناقشة القضايا العالقة بين البلدين، وإعادة الثقة إلى علاقات واشنطن بأنقرة، وهم يؤكدون أن تركيا حليف للولايات المتحدة يمكن الاعتماد عليه بعد سنوات من الشكوك.

يتراجع تشدد الكونغرس تجاه مبيعات السلاح لتركيا. في تشرين الأول/أكتوبر 2022، قرر مجلس الشيوخ إلغاء الشروط الخاصة ببيع طائرات "إف-16" لتركيا، وذلك في نسخته لمشروع قانون تفويض الدفاع الوطني، وهو المشروع الذي يتضمن ميزانية الدفاع الأميركية. وكانت أنقرة قدمت طلباً في العام الماضي لشراء 40 طائرة "إف-16" وتحديث 80 طائرة تمتلكها تركيا من الطراز ذاته.

إدارة بايدن أبلغت الكونغرس برغبتها في بيع محتمل لطائرات مقاتلة من طراز "إف-16" لتركيا، معلّلة ذلك بكون الصفقة تخدم المصالح الأميركية وتعزّز وحدة حلف شمال الأطلسي.