العلاقات المصرية-التركية: الغاز و"إسرائيل" بينهما
يسعى الرئيس التركي للانتقال إلى مرحلة متقدمة في إطار علاقته بمصر، وهي استعادة العلاقات بالسعودية والإمارات والعمل على تطبيع العلاقة مع "إسرائيل".
يركز الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، على ضرورة الارتقاء في العلاقات بالقاهرة، وعدم بقائها على مستوى الأمن والاستخبارات، وانطلاقها إلى دائرة أرحب على المستوى السياسي في ظل المتغيرات التي يعيشها الإقليم.
من الواضح أن العلاقات المصرية -الإقليمية في طريقها إلى التغيير بعد استئناف العلاقات القطرية -المصرية رسمياً، وزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني القاهرة، فملف جماعة الإخوان، والملفات المتعلقة بوجودهم في تركيا جرت مناقشتها، وقامت تركيا بما يمكن أن تقدمه على طريق إعادة العلاقات بمصر.
يحتاج التفاهم بشأن التباينات وجوهر الخلافات إلى الولوج في الشق السياسي وما يمكن حلّه، لا سيما في الإقليم، والتركيز على المصالح المشتركة التي يمكنها أن تقرب البلدين، والسعي إلى تحقيق مكاسب حقيقية في ظل التطور الإيجابي في الملف الاقتصادي والتعاون الدولي.
يسعى الرئيس التركي للانتقال إلى مرحلة متقدمة في إطار علاقته بمصر، وهي استعادة العلاقات بالسعودية والإمارات والعمل على تطبيع العلاقة مع "إسرائيل". قرار التطبيع الكامل مع "تل أبيب" ناجم بالأساس عن رغبة تركيا في جلب استثمارات خارجية تسهم في النمو الاقتصادي.
لا يمكن الفصل بين هذه الخطوات وأخرى مماثلة مع عدد من الدول العربية التي اختلفت معها أنقرة، التي شهدت عام 2021 جهوداً ملحوظة لتحسين العلاقات بعدد من دول المنطقة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، كان يريد التحرك ببطء في تطبيع العلاقات مع تركيا ورؤية نتائج ملموسة أولاً، فـ "إسرائيل" لم تكن تثق بإردوغان، لكن اتفاق الطيران المدني، جنباً إلى جنب مع الجهود التركية في التعاون الاستخباري في ما خص إيران بعد اتهامها بمحاولات رصد شخصيات إسرائيلية في تركيا بهدف الانتقام لاغتيال شخصيات في حرس الثورة، وإلغاء إقامة قيادات حماس في الداخل التركي، إلى اتخاذ قرار بعدم التعليق على العدوان الإسرائيلي ضد حركة الجهاد في فلسطين، ما نظر إليه على أنه رد تركيا المنضبط على عملية غزة الأخيرة، كل هذه الخطوات أدت إلى المضي قدماً في مسار التطبيع.
تركيا ترى أن العلاقة الجديدة، تتماشى جنباً إلى جنب مع العلاقات المتنامية لـ "إسرائيل" ببعض الدول العربية، وتحمل أهدافاً بعيدة المدى، فالطرفان يريدان الاستفادة من علاقاتهما من أجل تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا.
"إسرائيل" من جانبها، تبحث عن طريقة لنقل غازها الطبيعي إلى أوروبا، وقد سبق للرئيس التركي أن أعرب عن رغبته في اتفاق من أجل تصدير الغاز إلى أوروبا.
في تقدير الرئيس التركي أن تحسّن العلاقات المصرية -الإسرائيلية، وتطويرها على قاعدة المصالح المشتركة، وشراكة الغاز الذي يجري تسييله في مصر، كذلك تطور العلاقة بين مصر و"إسرائيل" والاتحاد الأوروبي، وتوسيع نطاق التفاوض المصري -الإسرائيلي بشأن المناطق الصناعية، وانضواء بعض الأطراف العربية و"إسرائيل" في منظومة التعاون الإقليمي، جميعها عوامل ستفتح الباب لانخراط مصر وتركيا في نطاق منتدى غاز المتوسط مع التعامل على أرضية مباشرة.
فالاقتصاد التركي بحاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي، وقد انخفض إجمالي صافي موارد الدولة من الاحتياطات الأجنبية بنحو 50% في السنوات الخمس الماضية، وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 38 % على النطاق نفسه.
تدرك تركيا أن مفتاح الدخول في المنطقة هو مصر، التي لا تمانع ما يُطرح من جانب تركيا شريطة عدم المساس بأمن شرق المتوسط، أو إعادة فتح ملفات محسومة، ومنها شراكة مصر مع قبرص أو اليونان، وقد رسّمت مصر حدودها البحرية بالكامل مع البلدين، وفي طريقها لرسم الحدود البحرية مع "إسرائيل".
تركيا تضع ملف إمدادات الغاز على رأس الأولويات إقليمياً، وتدرك أن القاهرة باتت لاعباً قوياً ومركزياً في الإقليم مع السعودية والإمارات، وأن تحسّن العلاقات التركية بالبلدين سيؤدي إلى نتائج مهمة على مستوى العلاقات بمصر، لا سيما بعد التوافق القطري-المصري على تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات، خاصة في قطاعَي الطاقة والزراعة، إلى جانب التعاون الاستثماري وتنشيط حركة التبادل التجاري، وما يتعلق بتعزيز تدفق الاستثمارات القطرية إلى مصر.
الاستثمارات القطرية موجّهة نحو أصول، ودخلت "قطر للطاقة"، لأول مرة، إلى قطاع التنقيب عن النفط والغاز في مصر، باستحواذها على حصة قدرها 17% في منطقتين للتنقيب عن النفط والغاز تديرهما شركة "شل" في البحر الأحمر.
في ظل هذه المعطيات الاقتصادية، من مصلحة تركيا، وفي ظل علاقتها بدولة قطر، إنهاء المشكلات وحسمها وتصفيرها، وهو ما قد يحقق استقراراً حقيقياً للرئيس التركي داخلياً وخارجياً.
في هذا الإطار، يمكن قراءة الانفتاح التركي على حل المشكلات في الإقليم، لا سيما في سوريا، إذ تدرك أنقرة أن تصفير المشكلات سيحقق إنجازاً حقيقياً يمكن البناء عليه.
التعاون في قطاع غزة
نجحت قطر في الأشهر الماضية في صرف 10 ملايين دولار لنحو 100 ألف عائلة فقيرة في القطاع، بعد موافقة "إسرائيل" على آلية توزيع جديدة تحت إشراف الأمم المتحدة. ويأتي الدعم المصري لتشييد الشارع الساحلي استكمالاً لطريق رئيسي من أجل ربط شمال قطاع غزة بجنوبه، بعد أن شيّدت قطر جزءاً منه على ساحل مدينة غزة.
يسعى صانع القرار المصري للإبقاء على مفاتيح موقف قطاع غزة، فهل يقبل بأي شراكة، ولو كانت في إعمار القطاع، بعد أن أعربت تركيا لـ "إسرائيل" عن رغبتها في المساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة، بحسب المحللين الإسرائيليين.
كانت أنقرة أكدت لـ "إسرائيل" أن هدفها سيكون إقناع قطر بتأسيس علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ مع الكيان الإسرائيلي، وليس الاقتصار فقط على المكتب التجاري الموجود حالياً في قطر.
الموقف الإسرائيلي داعم لمصر في هذا الملف، إذ تريد "إسرائيل" التأكيد على أن الاقتصاد أهم من السياسة، وأنه أهم من القضية الفلسطينية، وأن التطبيع هو الحل الوحيد لكل مشكلات منطقة الشرق الأوسط، واستبعاد حل القضية الفلسطينية كونها توتر علاقات الدول في المنطقة.
عادت مصر مجدداً للعب دور في غزة، بعد فترة من الابتعاد، لا سيما مع أخذ حماس مسافة عن الموقف التركي، بعد أن سعى المسؤولون الأتراك إلى العودة أدراجهم في العلاقة بـ"إسرائيل" وبتنازلات أكبر، عقب فشل مشروع أنقرة في الاستثمار في "الربيع العربي"، فهل تنجح بالعودة إلى العلاقة مع مصر من دون مزيد من التنازلات؟