العقوبات الأميركية والغربية تزيد الاقتصاد الروسي قوة
في تقرير لوكالة بلومبرغ فإن صادرات النفط الروسية حقّقت نمواً هو الأكبر خلال العام الحالي بالمقارنة مع السنوات السبع التي سبقته، على الرغم من العقوبات الغربية.
يبدو أن العقوبات الغربية التي فرضت على الاقتصاد الروسي عقب بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة على روسيا قد فشلت في تحقيق هدفها في دفع روسيا إلى أزمة اقتصادية وبالتالي اجتماعية تفرض ضغوطاً على القيادة الروسية للانصياع للإملاءات الأميركية والغربية.
نمو الاقتصاد الروسي
فوفقاً لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي فإن الاقتصاد الروسي قد أثبت مناعة وصموداً غير متوقعين أمام الضغوطات الغربية عبر تحويل صادراتها خصوصاً من النفط والغاز بعيداً من الدول الغربية التي تفرض عليها عقوبات إلى دول أخرى لا تفرض عليها عقوبات وعلى رأسها الصين والهند والبرازيل.
وقد ساهم هذا في استعادة الاقتصاد الروسي لنشاطه في الربعين الثالث والرابع من العام 2022، متوقّعاً أن يتواصل هذا التحسّن في أداء الاقتصاد الروسي خلال العام 2023. وقد استفاد الاقتصاد الروسي من ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية ليزيد من عائداته ويحقّق نسب نمو تتجاوز الاثنين في المئة لهذا العام في ظل الاستعاضة الكبيرة عن الاستيراد باللجوء إلى سلع تنتج في السوق المحلية.
وفي تقرير لوكالة بلومبرغ فإن صادرات النفط الروسية حقّقت نمواً هو الأكبر خلال العام الحالي بالمقارنة مع السنوات السبع التي سبقته، على الرغم من العقوبات الغربية. ووفقاً للوكالة فإن الصادرات النفطية خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر نيسان/أبريل من العام الحالي كانت بنحو 1.9 مليون برميل يومياً وهو الرقم الأعلى منذ العام 2016 على الرغم من إعلان موسكو أنها ستقلّص إنتاجها من النفط بواقع 500 ألف برميل يومياً ردّاً على محاولة مجموعة الدول الصناعية السبع وضع سقف لأسعار النفط الروسية.
وقد تمكّنت روسيا من الوصول عبر تركيا الى أسواق نفط جديدة في شمال أفريقيا، ومن ضمنها المغرب وتونس وليبيا. كذلك فإن روسيا زادت من حجم صادراتها النفطية إلى دول أميركا اللاتينية وخصوصاً البرازيل. وقد حقّقت واردات النفط البرازيلية من روسيا نسبة 53 في المئة من مجمل الواردات النفطية البرازيلية مع حلول شهر نيسان/أبريل بالمقارنة مع العام الفائت حيث كانت واردات النفط الروسية إلى البرازيل 0.2 في المئة من مجمل الواردات النفطية البرازيلية.
بالتوازي مع ذلك فلقد حقّقت الصناعة الروسية نمواً بنسبة 1.2 في المئة خلال الشهر الفائت بالمقارنة مع شهر نيسان/أبريل 2022 و13.4 في المئة بالمقارنة مع شهر شباط/فبراير. ولقد كانت نسبة النمو الأكبر في قطاع الصناعات المعدنية بنسبة نمو 30.4 في المئة، وقطاع الإلكترونيات والكومبيوتر بنسبة 22.5 في المئة والمعدات الكهربائية بنسبة 21.5 في المئة.
وقد ترافق هذا مع تراجع كبير في نسبة التضخم لهذا العام، إذ سجل مؤشر التضخم في شهر نيسان/أبريل نسبة 3.15 في المئة بالمقارنة مع 10.99 في المئة خلال شهر شباط/فبراير، علماً أنها المرة الأولى منذ العام 2020 التي ينزل فيها مؤشّر التضخم تحت معدل 4 في المئة. ويتوقّع الخبراء أن يعاود مؤشر التضخم الارتفاع إلى ما بين 5 و7 في المئة في الأشهر المقبلة، إلا أنه سيعاود الانخفاض إلى ما دون الـ 4 في المئة في العام 2024.
أسباب فشل العقوبات الغربية
ويعزو الكاتب فرانك فوغل سبب فشل العقوبات الأميركية والغربية على الروس الداعمين للرئيس فلاديمير بوتين إلى مصلحة الكثير من المصارف الغربية في تدوير المال الروسي وفشل السلطات الأميركية والغربية في منع عمليات التدوير هذه. وهو يورد على سبيل المثال قيام مصرف دانسكي في أستونيا في العام 2018 بتدوير ما لا يقل عن 235 مليار دولار تعود لرجال أعمال روس وحصوله على عمولات ضخمة من جراء عمليات التدوير هذه.
أما الكاتب كينيث روغوف فيعزو فشل العقوبات الغربية في شل الاقتصاد الروسي إلى كون هذه العقوبات أخفّ بكثير من تلك المفروضة على إيران أو على كوريا الشمالية، خصوصاً أنها لم تتضمن فرض عقوبات على طرف ثالث.
ويشير الكاتب إلى أنه في حال فرض الغرب لعقوبات على طرف ثالث يتعامل مع روسيا فإن ذلك سيزيد من الضغوط على الاقتصاد الروسي إلا أنه في الوقت نفسه سيدفع عجلة العولمة الاقتصادية إلى الوراء ما سيضرّ بمصالح الولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك، فإن قدراً كبيراً من تصدير البضائع الروسية يتم عبر عمليات إعادة التعليب والشحن ما ساهم في ارتفاع حجم التجارة بين روسيا وتركيا وأرمينيا وقرغيزستان وكازاخستان بعدما تراجع حجم التجارة الروسية مع أوروبا.
ولقد نجحت العقوبات الغربية على التكنولوجيا والمكوّنات العسكرية في الحد من قدرة روسيا على تجديد احتياطياتها من الصواريخ عالية الدقة. والجدير ذكره أن العقوبات لم تمنع روسيا من الحصول على رقائق إلكترونية كافية لزرع أجزاء كبيرة من الجبهة في أوكرانيا بالألغام الأرضية الذكية.
ووفقاً لبعض التقديرات، فإن 30 في المئة من الأراضي الأوكرانية باتت مزروعة بالألغام، وقد تمكّنت روسيا من القيام بذلك من دون اللجوء إلى الصين للتزوّد بالتكنولوجيا العسكرية.
ولقد فرضت الولايات المتحدة والغرب عقوبات مالية واسعة النطاق ومعقدة استهدفت حتى المسؤولين الروس وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين نفسه. إلا أن هذه العقوبات ركّزت بالدرجة الأولى على تصدير النفط وأعفت عدداً كبيراً من السلع والمنتجات. فعلى سبيل المثال لا تزال الولايات المتحدة تستورد اليورانيوم الروسي لتشغيل محطاتها للطاقة النووية التي تزوّدها بـ 20 في المئة من حاجاتها الكهربائية.
وقبل العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا فإن روسيا كانت تحقّق فوائض تجارية كبيرة ما مكّنها من تكوين احتياطات كبيرة بالعملات الأجنبية واستطاعت تكوين صندوق سيادي من نحو 700 مليار دولار أميركي تحسباً للعقوبات التي كانت تعرف أنها ستفرض عليها فور انطلاق الأعمال العسكرية في أوكرانيا.
وتخشى الولايات المتحدة والدول الغربية من فرض عقوبات على أطراف ثالثة تتعامل تجارياً مع موسكو لأن هذا قد يؤدي إلى ركود عالمي، خصوصاً أن من بين المتعاملين اقتصادات كبرى مثل الهند والصين والبرازيل وليس من السهل فرض عقوبات عليها من دون أن ينعكس ذلك سلباً على اقتصادات الدول الغربية التي تعاني حالياً من تداعيات قطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا.
كذلك فإن الكثير من دول العالم الثالث ليست مستعدة لقطع علاقاتها الاقتصادية بروسيا. وفي حال لجأت الدول الغربية إلى خيار العقوبات الثانوية (أي العقوبات على طرف ثالث يتعامل مع روسيا) فإنها بذلك تكون تشجّع على قيام اقتصاد عالمي موازٍ يكون مستقلاً عن هيمنتها ما سيساهم بتقليص نفوذها العالمي ويضرّ بالعولمة الاقتصادية التي تنادي بها والتي تشكّل أداة الهيمنة الرئيسية بالنسبة لها خلال القرن الحادي والعشرين.