اللعبة الأميركية الكبرى.. الغاز القطري أم قطر؟
تبدو الولايات المتحدة في إطار تصميم لعبة استراتيجية كبرى، تمثّل قطر الحجر الأساس فيها.
عقب محادثات خاضها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيره القطري، تم الإعلان عن زيارة سيقوم بها أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، لواشنطن نهاية الشهر الحالي، والتي ستتمحور، وفقاً للسكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، حول "ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية".
سياق القمة الأميركية القطرية يأتي في إطار الجهود التي تبذلها واشنطن من أجل تأمين مصادر بديلة عن الغاز الروسي لأوروبا. وفي الصورة الأكبر، تأتي هذه الجهود من أجل طمأنة بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى أن واشنطن مستعدة لتعويض أيّ نقص محتمَل في إمدادات الغاز خلال وقت قياسي، بهدف حشد الدعم الأوروبي من أجل ممارسة أقصى عقوبات ممكنة على موسكو.
توقُّف إمدادات الغاز الروسي سيعني صدمة اقتصادية عنيفة في أوروبا، بالتوازي مع ارتفاع جنوني في أسعار الغاز. لكن كَمَّ التحريض الذي تمارسه واشنطن ضد موسكو، يشي بأنها لا تتصرف كمن يتخوف من توقُّف إمدادات الغاز. على العكس، تبدو الولايات المتحدة كمن يريد افتعال الأزمة ووقف الصادرات الروسية إلى سوقها الرئيسية، ولا من يتحسَّب لدرئها. وفي هذا الإطار، تتركّز الجهود الأميركية في 3 اتجاهات رئيسة:
- تأمين مصادر بديلة عن الغاز الروسي. ويتعلق ذلك، بصورة أساسية، بقطر والنرويج، بالإضافة إلى مصادر أخرى لم تفصح عنها الإدارة الأميركية. وبذلك، تعوّل واشنطن في مرحلة لاحقة على إقناع أوروبا بالتخلي نهائياً عن الغاز الروسي.
- التحسُّب للصدمة الاقتصادية العنيفة، عبر ضمان الحصول على الغاز البديل، بأسعار مخفَّضة جداً. وهذا بالفعل جزء من المحادثات التي تخوضها الولايات المتحدة حالياً مع مصدِّري الغاز الطبيعي.
- لأن أغلبية الغاز الطبيعي حول العالم مرتبطة بعقود طويلة الأجل، تعمل واشنطن في مسار موازٍ مع مستوردي الغاز حول العالم من أجل التخلي عن بعض العقود، بهدف تحويل هذه الكمية إلى أوروبا، بصورة حصرية.
ضمن هذا السياق، يبدو التركيز الأميركي على قطر لافتاً للنظر.
لماذا قطر؟
تُنتج الدوحة الغاز الطبيعي حالياً في كامل طاقتها. وخلال العام الماضي، بلغ الإنتاج القطري 143 مليار متر مكعب، الأمر الذي يعني أن توجيه كامل الإنتاج القطري إلى أوروبا لن يكفي من أجل تعويض إمدادات الغاز الروسي.
في الموازاة، يرتبط إنتاج الغاز القطري بعقود طويلة الأجل، وغير قابلة للكسر، مع عدد من الأسواق الآسيوية. وبالتالي، فإن تحويل الإنتاج، على نحو حصري، إلى أوروبا، يعني بالضرورة حرمان سائر المستوردين من حصصهم.
تبعاً لهذه المعطيات، تبدو الولايات المتحدة في إطار تصميم لعبة استراتيجية كبرى، تمثّل قطر الحجر الأساس فيها. فإذا وافقت الدوحة على الطرح الأميركي، ضغطاً أو إقناعاً، فهذا يعني توجيه ضربة قاسية إلى الاقتصاد الروسي، عبر حرمانه من دعامته الأساسية، مع الإشارة هنا إلى أن تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا يتمّ عبر الأنابيب، أي أنه غير قابل لإعادة التوجيه إلى أسواق أخرى.
من جانب آخر، تحتلّ قطر المرتبة الثانية في جدول مصدّري الغاز الطبيعي إلى الصين. وفي حال موافقة الدوحة على كسر العقود المرتبطة بها، وتزويد أوروبا بصورة حصرية بالغاز، فسيعاني الاقتصاد الصيني نقصاً حاداً وغير قابل للتعويض، في المدى القصير.
وفق هذا المنطق، يبدو النقاش الأميركي القطري الحالي متجاوزاً فكرةَ الاقتصاد إلى السياسة، ويصبح الغاز القطري تفصيلاً في إطار الاستراتيجية الأميركية. أمّا المطلوب حقيقةً من قطر، فهو موقف سياسي يحوّلها إلى سلاح اقتصادي في مواجهة كل من الصين وروسيا. وفي المقابل، يدور الحديث عن تحول الدوحة إلى وكيل حصري للسياسة الأميركية في المنطقة.
الصورة الأكبر
تختبر واشنطن مؤخَّراً عدداً من الاستراتيجيات؛ تلك التي تدمج بين السياسة والأمن والاقتصاد. لا تنكر هذه الاستراتيجيات مناخات تراجع الهيمنة الأميركية عالمياً، لكنها تعوّل على حاجة بعض الحلفاء إلى الحضور الأميركي.
سيمثّل الموقف القطري المرتقب اختباراً للقدرة الأميركية على الصمود في الصراع على تشكيل النظام العالمي الجديد، وسابقة تقيس عليها الولايات المتحدة بشأن التعامل مع دول أخرى، إذ تأمل واشنطن في أن يساهم نجاحها في التحكّم في لعبة الطاقة في إعادة توزيع الأدوار في المسرح الدولي، معولةً على كونها الطرف الوحيد الذي لن يتأثر بنقص إمدادات الغاز ، بسبب اكتفائها الذاتي.
في نهاية المطاف، ليس هناك بَعْدُ ما يضمن نجاح الاستراتيجية الأميركية، وخصوصاً إذا أخذنا في الحسبان قرار أوروبا القاضي بالتحول إلى مصادر الطاقة المتجدِّدة، وهو ما يعني بالنسبة إلى منتجي الغاز الطبيعي، ومنهم قطر، أن السَّير في الخطة الأميركية يعني خسارة الأسواق الآسيوية الواعدة، وقبل كل شيء السوق الصينية، في مقابل سوق أوروبية غير مستدامة.