إردوغان وليبيا.. هل ينتهي الحلم العثماني؟
يجري تداول معلومات عن تحرك روسي- مصري مشترك لجمع السراج وحفتر في قمة تحسم كل الأمور على طريق المصالحة النهائية، وقد يعني ذلك إنهاء الدور التركي العسكري في ليبيا.
شهد الأسبوع الأخير من العام الماضي تطورات مثيرة على صعيد الملف الليبي، ويبدو أنه سيزداد سخونة وإثارة خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة، فبعد تصريحات نارية أطلقها المشير خليفة حفتر، ودعا فيها إلى "طرد المحتل التركي"، لم يتأخر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الرد على ذلك بإرسال وزير الدفاع خلوصي آكار وقادة القوات المسلحة إلى طرابلس، في محاولة جديدة منه لعرض العضلات، وهو ما فشل فيه نسبياً بعد أن رفض "حليفه الاستراتيجي" فايز السراج استقبال الوفد الذي التقى الشخصيات الموالية لأنقرة، وفي مقدمتها وزير الداخلية فتحي باش آغا ذو الأصول العثمانية، وسط المعلومات التي بدأت تتحدث عن خلافات وانشقاقات وصراعات بين القوى والفصائل والمجموعات المسلحة التي تدعم حكومة الوفاق، وبعضها موالٍ لتركيا التي تولي فصائل مصراتة أهمية خاصّة، باعتبار أن مسلحيها من بقايا الحكم العثماني، وفق تصنيف الرئيس إردوغان.
وكان إردوغان قد تحدث عن مليون ليبي من أصول عثمانية متتالية، منذ أن لبى السلطان سليمان القانوني طلب النجدة من الليبيين لحمايتهم من هجمات فرسان مالطا ورودوس في العام 1553، واستمر هذا الحكم العثماني حتى العام 1911، عندما احتلت إيطاليا طرابلس.
وتتحدث المعلومات الصحافية أيضاً عن دور مهم لعبد الحكيم بلحاج المقيم في تركيا، والذي يملك شركة "الأجنحة" للطيران، التي أدت دوراً مهماً في عملية نقل المرتزقة السوريين إلى قاعدة معيتيقة قرب طرابلس. كما أن بلحاج الذي قاتل إلى جانب بن لادن يعدّ من أهم قيادات الفصائل المسلّحة في العلاقة بين أنقرة وباقي المجموعات الليبية التي ساعدتها لإنشاء قاعدتين جويتين في معيتيقة والوطية، وأخرى بحرية غرب مصراتة.
ويقوم الضباط الأتراك بتدريب الليبيين في هذه القواعد على مختلف أنواع الأسلحة، بما فيها استخدام الطائرات المسيرة والمدافع الثقيلة، وهو ما يفسر كلام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي قال خلال مؤتمره الصحافي مع لافروف في سوتشي بتاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر المنصرم: "لا يحق لحفتر أو أي دولة أخرى أن تطلب من تركيا مغادرة الأراضي الليبية ووقف دعمها للحكومة الشرعية، تركيا لن تغادر"، وهو الموضوع الأساسي في مجمل مباحثات الأطراف الليبية برعاية أممية، وسبق أن اتفقت على إجراء الانتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر القادم، على أن يتم إخراج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا حتى ذلك التاريخ.
ويعرف الجميع أن هذا الحديث يستهدف تركيا تحديداً، وهي الدولة الوحيدة التي أرسلت رسمياً قوات عسكرية إلى ليبيا، وهي الوحيدة التي قامت باعتراف الرئيس إردوغان بنقل الآلاف من المرتزقة السوريين إلى ليبيا.
وجاء دخول مصر على خط أزمتها ليحرج الرئيس إردوغان. وتتوقع المعلومات أن يسعى إلى استضافة رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح في إسطنبول، كرد على مساعي القاهرة في الحوار مع الأطراف الليبية في طرابلس التي زارها وفد عسكري واستخباراتي وسياسي مصري بعد يوم من زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار.
وجاء اتصال وزير الخارجية المصري سامح شكري بنظيره الليبي محمد السيالة، ومن بعده زيارة السيالة إلى موسكو ولقائه الوزير لافروف، وسط المعلومات التي تتحدَّث عن تحرك روسي - مصري مشترك لجمع السراج وحفتر في قمة تحسم كل الأمور على طريق المصالحة النهائية.
وقد يعني ذلك إنهاء الدور التركي العسكري في ليبيا التي تسعى باريس أيضاً لأداء دور مهم فيها، وعلى جميع الأصعدة، ويعرف الجميع أنَّ هذا الدور كان وسيبقى ضد حسابات أنقرة التي تواجه الكثير من المصاعب والمشاكل في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، والسبب الرئيسي في ذلك هو الرئيس إيمانويل ماكرون المتضامن مع اليونان وقبرص.
وببقاء ماكرون في السلطة في انتخابات أيار/مايو القادم، سوف يستمر في خلق المشاكل لتركيا إردوغان، وسيجد الأخير نفسه حينها في وضع لا يحسد عليه، مع الضغوط المحتملة من الرئيس بايدن، بغياب "صديقته التقليدية" المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي ستتخلّى عن منصبها في أيلول/سبتمبر القادم.
ولم تمنع كلّ هذه التطورات السريعة والمتلاحقة إردوغان من الاستمرار في تطبيق أجندته في ليبيا، التي يرى فيها ساحته المهمة لتحدي أعدائه الإقليميين والدوليين، وبشكل خاص القاهرة وباريس، التي يتمنى لها أن تعود إلى علاقاتها الطبيعية مع أنقرة في حال خسارة ماكرون في الانتخابات القادمة.
ولم يهمل إردوغان تعيين سفير جديد له في باريس، بعد أن وجد الشخص المناسب لذلك، وهو صديق سابق لماكرون في الجامعة. وتتحدث المعلومات عن رغبة الرئيس التركي في تحقيق انفراج مماثل في العلاقة مع القاهرة، التي تحدَّث الوزير جاويش أوغلو قبل أيام عن "قنوات استخباراتية مفتوحة معها، حالها حال تل أبيب"، وربما لمواجهة كل الاحتمالات المستقبلية.
وفي جميع الحالات، وأياً كانت النتائج المحتملة لمساعي المصالحة الليبية، والتي تتحدَّث المعلومات عن محاولات أنقرة لعرقلتها، فقد بات واضحاً أن إردوغان سيستنفر كل إمكانياته ليبياً وإقليمياً ودولياً للبقاء في ليبيا، لأسباب عديدة، أهمها نفسية، ولأنه لن يتقبل الهزيمة بسهولة.
كما لا يريد إردوغان لأتعابه أن تذهب هباء منثوراً، وهو الذي خطط للحصول على حصة ما في النفط والغاز الليبي براً وبحراً، كما خطط لإرسال الشركات التركية إلى ليبيا، لتساهم في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وهو ما سيحقق لتركيا دخلاً كبيراً يساعدها على تجاوز أزمتها المالية الصعبة.
ويبقى الرهان على الجانب العقائدي الذي يوليه أهمية خاصة في مجمل حساباته وتحركاته منذ ما يسمى بـ"الربيع العربي". ومن دون هذا الجانب، لن يبقى إردوغان زعيماً لجميع الإسلاميين في العالم، كما سيخسر سلاحه الأهم في مخاطبة أنصاره وأتباعه في الداخل، وهم الذين عوَّدهم على مقولاته القومية والدينية والتاريخية العثمانية، ونجح في إقناعهم بأن العالم أجمع يغار من تركيا ويحسدها على انتصاراتها ويهاب من عظمتها!