"طوفان الأقصى" وحكّام العرب: ما هذا الخنوع؟

الأنظمة العربية، ومعها الإسلامية، لم تكتفِ ببيع شعوبها الكلام. ولو لم تخجل منها، لوقفت إلى جانب الكيان الصهيوني الذي يقوم منذ أسبوع بمجازره الوحشية ضد الشعب الفلسطيني.

  • ما موقف العرب من عملية
    ما موقف العرب من عملية "طوفان الأقصى"؟

عندما غنَّت جوليا بطرس أغنيتها الشهيرة: "غابت شمس الحق"، وقالت: "باعوك كلام"، لم تكن تتحدث عن تحرير الجنوب فحسب، بل أيضاً عن كل ما عشناه وما زلنا نعيشه في المنطقة، وبشكل خاص فلسطين، التي باعت الأنظمة العربية قضيتها منذ البداية. 

الأنظمة العربية، ومعها الإسلامية، لم تكتفِ ببيع شعوبها الكلام. ولو لم تخجل من شعوبها لوقفت إلى جانب الكيان الصهيوني الذي يقوم منذ أسبوع بمجازره الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، ليس في غزة فحسب، بل حتى في الضفة الغربية أيضاً، من دون أن يحرك كل ذلك ساكناً في ضمير ووجدان هذه الأنظمة التي اجتمع ممثلوها في الجامعة العربية "ليستنكروا وينددوا" بهذا العدوان، في الوقت الذي لم يجرؤ هؤلاء الزعماء على عقد قمة عربية عاجلة أو في إطار ما يسمى بمنظمة التعاون الإسلامي، التي يبدو أنها أيضاً "بطولها وعرضها" تهاب الكيان الصهيوني، وإلا ليس هناك أي تفسير لموقف هؤلاء الزعماء الذين لو اتخذوا أي موقف عملي، مهما كان صغيراً، لأجبروا الكيان الصهيوني على وقف عدوانه الهمجي على مليوني فلسطيني في غزة. وما يجري في القطاع لا يمكن أن يتحمله أي إنسان يحمل ذرة من الوجدان والضمير، حتى إن لم نقل عن ذلك الإباء والشرف والكرامة العربية والإسلامية. 

هذا بالطبع إن لم يكن بعض هؤلاء الحكام متواطئين مع الكيان الصهيوني، سراً كان أم علناً، وإلا ليس هناك أي منطق عملي لهذا الموقف الخانع الذي يشجّع الصهاينة على المزيد من القتل والإجرام بحق الشعب الفلسطيني أمام أنظار العالم، ولكن الأهم الدول والشعوب العربية التي يبدو أنها تهاب حكامها، فيما هم يهابون نتنياهو، وهو ما يستغله الآخرون في العالم ليقولوا: "إذا كان الحكام العرب والمسلمون لا يقفون موقفاً عملياً وسريعاً ضد العدوان الإسرائيلي، فلماذا نفعل ذلك، في وقت لا تربطنا بالقضية أي علاقة سوى ضميرنا".

ولم يؤثر كل ذلك في مواقف الحكام في مصر والأردن والسعودية وقطر والإمارات وآخرين، كالمغرب والبحرين والسودان والكويت، فوقفوا موقف المتفرج الذي كاد يتحول لمصلحة الكيان الصهيوني مباشرة وضد الشعب الفلسطيني، بذريعة حماس "المتطرفة".

ولولا خوفهم من موقف إيران وسوريا واليمن والجزائر وتونس وحزب الله وأطراف أخرى كثيرة في دول وشعوب العالمين العربي والإسلامي التي خرجت جميعاً تعبيراً عن تضامنها المطلق مع الشعب الفلسطيني بأشكال مختلفة، لاتخذوا مواقف أكثر خنوعاً.

ولولا هذا التضامن لما تردّد الكيان الصهيوني في استهداف الدول التي يتواطأ حكامها مع هذا الكيان الذي لا يعرف أحد كيف ومقابل ماذا ركع الحكام له منذ "كامب ديفيد" إلى "وادي عربة" و"أوسلو"، ثم "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي جاءت بعد ما يسمى بـ"الربيع العربي" الدموي، الذي كان الجميع خلاله في خدمة هذا الكيان المحتل للأرض الفلسطينية والسورية واللبنانية منذ 56 عاماً، وقبل ذلك الأرض الفلسطينية التي اغتصبها الصهاينة قبل 75 عاماً، وفيها الكثير من الانتكاسات والنكبات التي يعود سببها كالعادة إلى عمالة وتواطؤ الأنظمة العربية المعروفة، التي تعدّ الخيانة فيها حالة جينية تنتقل بالوراثة، وإلا ليس هناك أي تفسير وتبرير منطقي ومقبول لمواقفها التي تشجع الكيان الصهيوني على المزيد من العدوان الدموي، وخصوصاً في هذا التوقيت الذي تلقى فيه أكثر ضربات المقاومة الفلسطينية وجعاً. 

ويعرف الجميع أن هذه الضربات بحجمها ونتائجها العسكرية لها انعكاسات خطرة على مستقبل الكيان الذي أسقط رجال المقاومة كل أساطيره من "الجيش الذي لا يقهر"، و"الموساد الذي يسمع حتى أصوات النمل" إلى "القنابل النووية التي تصل إلى كل العواصم العربية".

ويعرف الجميع أنَّ حكام الكيان سوف يستنفرون كل إمكانياتهم لإنقاذ المجتمع الصهيوني من سقوطه النفسي المدوي بعدما وصل رجال المقاومة إلى منازلهم وغرف نومهم وثكناتهم وقواعدهم ومستوطناتهم، وهو ما كان مستحيلاً بالنسبة إليهم، ولكن ليس بالنسبة إلى رجال المقاومة، إن كان في فلسطين أو لبنان أو أي مكان آخر في هذه الجغرافيا العربية. 

هؤلاء جميعاً ينتظرون ساعة الصفر بفارغ الصبر، مهما تآمر المتآمرون على الشعب الفلسطيني ومن معه، والمعلومات الأولية تتوقع هروباً جماعياً من الكيان إلى الخارج خوفاً من الحرب الشاملة المقبلة بلا محالة، بعدما أعلنت إيران استعدادها لردع العدوان الصهيوني، في الوقت الذي يعرف الجميع أن حزب الله ومن معه استنفروا كل إمكاناتهم، وهم على أهبة الاستعداد لتلقين العدو الدرس الذي يستحقّه، ليس الآن، بل منذ فترة طويلة.

هذه الحقيقة التي ستدفع المستوطنين الإسرائيليين إلى الهرب خارجاً ستمنع في الوقت نفسه اليهود في الخارج من السفر إلى "إسرائيل"  لإقامة "دولة إسرائيل الكبرى على أرض الميعاد من النيل والفرات". ويبقى الرهان على موقف الأنظمة العربية التي لو تحرك ضميرها، ولو ليوم واحد، لكان لها ما تريد، أي تحقيق "السلام" مع الكيان الصهيوني (كما يقولون)، وبالتالي إقامة الدولة الفلسطينية التي ينبغي للجميع أن يعرف أن حكام "تل أبيب" لن يسمحوا بقيامها، لأن ذلك يعني نهاية النظرية الصهيونية التي جاء من أجلها كل اليهود إلى فلسطين منذ أكثر من 100 عام، وهم الآن ليسوا على استعداد لمغادرتها أو تقاسم "أرض الميعاد" مع أصحابه الحقيقيين، أي الشعب الفلسطيني. 

وقد أثبت "طوفان الأقصى"، مهما كانت نتائجه أليمة على أبناء غزة، أن الكيان الصهيوني في طريقه إلى الزوال، مهما كانت الدول الإمبريالية والاستعمارية وحليفاتها في الداني والقاسي تدعمه. هذا الكيان سيقرر مصيره قريباً رجال المقاومة العظماء من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يستمدون قوتهم، ليس العسكرية فحسب، بل أيضاً السياسية والمعنوية والنفسية، من دول المقاومة وشعوبها. 

ولولا المقاومة لدخل "جيش" الكيان الصهيوني القاهرة بعد غزة وعمان والضفة الغربية، ومنها إلى الكويت وأبو ظبي والدوحة والمنامة، وأخيراً الرياض، ثم مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ الحلم الديني والتاريخي لليهود، ما دام حكام هذه الدول يبيعون شعوبهم والعالم الكلام فقط.     

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.