انتخابات تركيا.. إلامَ يهدف إردوغان؟
انتصار إردوغان في الانتخابات سيعني هزيمة المعارضة وربما إلى الأبد بعد أن يفقد الشعب أمله في أي تغيير، حيث سيسيطر إردوغان على ما تبقّى من مؤسسات الدولة ليساعده ذلك في التخلّص من جميع معارضيه.
بعد أن أعلن الرئيس إردوغان عن موعد الانتخابات في الرابع عشر من أيار/مايو المقبل أي قبل شهر تقريباً من الموعد الدستوري، تشهد تركيا نقاشات مثيرة. أوّلاً حول صلاحيات الرئيس إردوغان في تقرير موعد الانتخابات، وثانياً عن حقّه في الترشّح لولاية ثالثة حيث سبق وأن انتخب للمرّة الأولى في آب/أغسطس 2014 والثانية في حزيران/يونيو 2018.
فالمادة 116 من الدستور تقول إن البرلمان وبأغلبية 3 من 5 من أعضائه هو الوحيد الذي يستطيع أن يقرّر موعد الانتخابات المبكر، وهو ما لا يستطيع أن يفعله الآن لأنّ "العدالة والتنمية" وحليفه "الحركة القومية" لا يملكان هذه الأغلبية. وأما المادة 101 من الدستور فتقول: "يتم انتخاب الرئيس لولايتين فقط وأما إذا قرر البرلمان إجراء الانتخابات قبل موعدها فحينها يحقّ للرئيس أن يرشّح نفسه لولاية ثالثة".
ويردّ إردوغان على اعتراض المعارضة وأساتذة القانون ويقول "بعد الاستفتاء على الدستور في نيسان/أبريل 2018 وتغيير النظام السياسي تمّ تصفير الفترات الرئاسية" لتبدأ من حزيران /يونيو 2018.
ردّ إردوغان هذا يثبت بوضوح عدم التزامه بالدستور، وهو الذي انتقد قرارات المحكمة الدستورية العليا في قضايا دستورية مختلفة ومن دون أن يتسنّى للمعارضة أو لأي جهة دستورية إجباره على ذلك طالما أنه يسيطر على جميع أجهزة ومؤسسات ومرافق الدولة، وأهمها الجيش والمخابرات والأمن والقضاء، بل وحتى المفوضية العليا للانتخابات، وقراراتها حاسمة ولا سلطة أعلى منها في موضوع الانتخابات.
فعلى سبيل المثال اتهم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو المفوضية العليا للانتخابات بتزوير نتائج الاستفتاء في نيسان/أبريل2017 عندما اعتمدت المفوضية مليوني بطاقة اقتراع غير مختومة وهو ما يمنعه قانون الانتخابات ليكون ذلك كافياً لتمرير التعديلات الدستورية التي جعلت من إردوغان حاكماً مطلقاً للبلاد.
كما رفضت المفوضية العليا عشرات الطلبات من أحزاب المعارضة والإعلام للكشف عن الشهادة الجامعية للرئيس إردوغان عندما رشّح نفسه لانتخابات الرئاسة في آب/أغسطس 2014. وقالت المعارضة آنذاك إن إردوغان لا يحمل أي شهادة جامعية وهو ما أثبته أحد الصحافيين وحُكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات. في الوقت الذي يأمر فيه الدستور أن يكون رئيس الجمهورية حاملاً لشهادة جامعية لمدة 4 سنوات. ولم يكن كل ذلك كافياً بالنسبة لإردوغان الذي استمرّ في انتهاكاته للدستور من دون أي حساب أو عقاب من أي جهة دستورية.
فالدستور يأمر الرئيس المنتخب بقطع علاقاته مع حزبه الذي ينتمي إليه لضمان عدم انحيازه إلى أي فئة سياسية، وهو ما لم يفعله إردوغان فبقي رئيساً للعدالة والتنمية بعد أن انتخب رئيساً للجمهورية في حزيران/يونيو 2018، وخلافاً لموقفه بعد انتخابات آب/أغسطس 2014. حيث استقال آنذاك من زعامة الحزب فحلّ محله أحمد داوود أوغلو الذي أصبح زعيماً له ورئيساً للوزراء وهو الآن زعيم لحزب المستقبل ومعارض عنيف لإردوغان بعد أن اتهمه بالاستبداد والفساد وعدم احترام الدستور والقوانين.
وهذا ما فعله وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان وهو أيضاً من أشد المعارضين لإردوغان بعد أن استقال من العدالة والتنمية ووزارة الاقتصاد، وهو الآن زعيم حزب الديمقراطية والتقدّم العضو في تحالف الأمة الذي أعلن اليوم في مؤتمر جماهيري ضخم عن برنامجه الانتخابي وخطة عمله المشترك ورؤيته للحكم وإدارة البلاد بالعودة إلى النظام البرلماني وانتخاب رئيس الجمهورية لفترة رئاسية واحدة مدتها 7 سنوات.
وتضمّنت الرؤية المستقبلية الحد من صلاحيات الرئيس مع التشديد على تخصيص قصور وطائرات إردوغان الخاصة ووضعها تحت تصرّف الحكومة الجديدة التي ستستغل هذه القصور والطائرات والسيارات الفاخرة في مجالات مختلفة تخدم الشعب مباشرة وسيتم بيع طائرات الرئاسة وتخصيص قيمتها لشراء مجموعة من الطائرات لإطفاء حرائق الغابات.
وعود المعارضة هذه وترشّحها لتحقيق انتصار مؤكد في الانتخابات المقبلة لا ولن تعني أن إردوغان سيستسلم هكذا بسهولة للمفاجآت المستقبلية. وهو ما يدفع المعارضة للحديث عن سيناريوهات مخيفة قد يلجأ إليها إردوغان على الصعيدين الداخلي والخارجي لضمان تأييد الناخبين له عبر شعارات ومقولات ومواقف قومية ودينية تضمن له دعم الناخبين ليس فقط في الانتخابات المقبلة بل لاحقاً في مشاريعه ومخططاته المستقبلية.
فالمراقبون يتحدثون عن إعجاب الرئيس إردوغان بما قام به صديقه الرئيس بوتين عندما أجرى في تموز/يوليو2020 تعديلاً دستورياً يضمن له البقاء في السلطة حتى العام 2036 بحيث يتم انتخابه لمرتين كل منها 6 سنوات ولكن اعتباراً من انتخابات 2024.
وهذه هي الصيغة التي لجأ إليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عندما استفتى الشعب المصري في نيسان/أبريل 2019 على تعديلات دستورية تهدف "لتصفير فترات الرئاسة السابقة" وتسمح له بترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة من جديد اعتباراً من العام 2022 لفترتين رئاسيتين مدة كل منهما 6 سنوات.
وما على إردوغان في هذه الحالة إلا أن يستنفر كل إمكانياته وعلاقاته الشخصية داخلياً وخارجياً وإمكانيات الدولة لضمان فوزه في الانتخابات المقبلة، ليكون ذلك بداية حاسمة لتحقيق كل أهدافه بما فيها البقاء في السلطة إلى متى يشاء من دون أي معارضة سياسية أو شعبية.
فانتصار إردوغان في الانتخابات سيعني هزيمة المعارضة وربما إلى الأبد بعد أن يفقد الشعب أمله في أي تغيير في الواقع السياسي، حيث سيسيطر إردوغان على ما تبقّى من مؤسسات الدولة كي يساعده ذلك للتخلّص من جميع معارضيه وأياً كان موقعهم في السياسة والإعلام وما تبقّى من مؤسسات المجتمع المدني والنقابات المهنية كالمحامين والأطباء والمهندسين وغيرهم. وذلك بعد أن أخضع النقابات العمالية لتعليماته التي تعني تجاهل حقوق العمال وخدمة أرباب العمل في القطاعين العام والحكومي.
وتجعل كل هذه المعطيات من الانتخابات المقبلة بمثابة المنعطف التاريخي بالنسبة لتركيا بإردوغان أو من دونه. فإما أن تنجح المعارضة بأحزابها الستة في إلحاق الهزيمة بإردوغان وحلفائه (عدد أحزاب تحالف الجمهور الذي يقوده إردوغان 6 أحزاب أيضاً) وهو ما سيفتح صفحة جديدة في تاريخ تركيا التي ستحتفل في 29 تشرين الأول/أكتوبر المقبل بالذكرى المئوية لقيام جمهورية أتاتورك العلمانية، أو يكرّر إردوغان انتصاراته السابقة منذ انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2002 ويقرّر مصير هذه الجمهورية التي سيضع من أجلها أسساً جديدة وفق مزاجه الشخصي طالما أنه سيحكمها حتى مماته كما هو يخطّط لذلك إن لم نقل يحلم بذلك.