أميركا: انتخابات نصفية واعدة للجمهوريين ومقلقة للديمقراطيين
استطلاعات الرأي تؤشر إلى غلبة الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية، على الأقل في السيطرة على مجلس النواب، أما مصير مجلس الشيوخ فقد يوازي احتمالات نظيره لمصلحة الحزب الجمهوري، أو استمرار الحالة الراهنة.
استقراء اللوحة الانتخابية للحزبين، الديمقراطي والجمهوري، واستراتيجية كل منهما مقابل الآخر، في جولة الانتخابات النصفية المقبلة، يسير بمنحى تاريخي شبه ثابت في السياسة الأميركية والذي يفيد بتفضيل الجمهور الانتخابي للحزب خارج السلطة التنفيذية (البيت الأبيض)، ويعززه ثبات استطلاعات الرأي التي يسترشد بها الحزبان، والتي تؤشر إلى غلبة الحزب الجمهوري، على الأقل في السيطرة على مجلس النواب، أما مصير مجلس الشيوخ فقد يوازي احتمالات نظيره لمصلحة الحزب الجمهوري، أو استمرار الحالة الراهنة.
البيانات الإحصائية المتوفرة، والمعتمدة بقوة من قبل الحزبين، تشير إلى أفضلية الفرص لمصلحة الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ، إذ يستعد 14 عضواً لخوض جولة الانتخابات النصفية مقابل 21 عضواً عن الحزب الجمهوري. بيد أن الحسابات العملية لا تسير بالضرورة بشكل موازٍ لفرضيات الإحصائيات الجامدة.
في المستوى العملي، ارتكب الرئيس جو بايدن جملة من الهفوات السياسية عبّر فيها، ربما عن غير قصد، عن عمق مأزق الحزب الديمقراطي نتيجة عزوف شرائح متعددة عن تأييد مرشحيه، واللجوء إلى عقد سلسلة لقاءات انتخابية في عدد من الولايات.
كذلك، استشعر كبار قادة الحزب بوصلة النبض الشعبي المناهضة لسياسات الرئيس بايدن، وسارعوا إلى طلب النجدة من الرئيسين باراك أوباما وبيل كلينتون للقيام بجولة انتخابية من أجل تحفيز قواعد الحزب التقليدية، قطاعي السود وذوي الأصول اللاتينية وشريحة ما تبقى من عمّال، لعل بلاغتهما الخطابية تعيد حماس المشاركة يوم الانتخابات.
خطابات الرئيس بايدن لحشد جمهور الناخبين التقليديين استفزّ عدداً من الشرائح الاجتماعية، وخصوصاً أولئك المتعاطفين مع "غزوة الكونغرس"، وهم ليسوا هامشيين كما يروّج إعلامياً، عبر دقّ ناقوس الخطر من "القوى الظلامية" على مستقبل النظام الديمقراطي الأميركي، والتي بحسب توصيفه، تقوّض كل شيء بدءاً بـ "الحريات الشخصية ومروراً بسلطة القانون، فالديمقراطية في ورقة الاقتراع هي لمصلحتنا جميعاً".
تناغم الرئيس الأسبق باراك أوباما مع نذير المواجهة الداخلية، بين مناصري الحزبين، بصورة أشدّ سوداوية، قائلاً لحشد من ناخبي الحزب الديمقراطي في ولاية أريزونا إن الديمقراطية الأميركية "قد لا تبقى على قيد الحياة" بعد الانتهاء من جولة الانتخابات النصفية في الولاية، مستطرداً أن نبوءته "غير مبالغ فيها" (يومية "واشنطن بوست"، 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2022).
بعض النخب الفكرية والإعلامية الميّالة إلى الحزب الديمقراطي سبقت تصريحات الرئيسين الديمقراطيين، بايدن وأوباما، باستدلالها على تاريخ الكيان السياسي الأميركي القائم على العنف وإخضاع الآخرين. وجاء في تغريدة لصاحبها توم نيكولز، أحد كبار محرري معهد "أتلانتيك" النافذ في صنع القرار السياسي، أن "الولايات المتحدة تواجه الخطر الأكبر لنظامها الدستوري منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي" (يومية "وول ستريت جورنال"، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، ص 10).
واستطردت صحيفة المال والأعمال إلى توصيف النبض الشعبي العام باعتقادها أنه بمجموعه لا يبدي حماسه المعتاد في الحملات الانتخابية، لأن "معظم الأميركيين مُنهكون ومُستنزفون من هستيريا محاكمة"، الرئيس السابق دونالد ترامب، وكذلك من هوس التغطية الإعلامية المتواصلة للجان تحقيق الكونغرس في "غزوة الكابيتول".
استغل الرئيس جو بايدن منصبه بإبلاغ وسائل الإعلام الرئيسية نيته إلقاء خطاب للشعب الأميركي، 2 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري، حصر فحواه في التحذير من نفوذ الرئيس السابق دونالد ترامب، وامتداداً شرائح الحزب الجمهوري المناوئة لسياساته، ولجوء البعض إلى ارتكاب "أعمال عنف"، في الجولة القادمة، حاثّاً كل المرشحين من الحزبين على "احترام نتائج الانتخابات انتصاراً للديمقراطية". واتهم الرئيس بايدن منافسه السابق بـ "إذكاء الغضب والكراهية والعنف" لرفضه نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
في اليوم التالي لخطاب الرئيس بايدن، نقلت الوسائل الإعلامية الأميركية فحوى محادثة خاصة بين الرئيس بايدن ورئيس مجلس الشيوخ، تشاك شومر بإبلاغه الرئيس أن حظوظ الحزب الديمقراطي للاحتفاظ بأغلبية مجلس الشيوخ "ضئيلة".
جدير بالذكر أهمية مجلس الشيوخ ودوره المحوري في رسم القرارات السياسية، والتي تنبع من صلاحياته الواسعة الممنوحة للمصادقة على: سفراء السلك الدبلوماسي، والقضاة، والوزراء، وكبار القادة العسكريين والمناصب الرفيعة لمستشاري الرئيس. وربما الأهم من كل ذلك مصير الرئيس بايدن، الذي تبدو عليه حالات الإعياء والإجهاد، ما يؤشر إلى احتمال عدم استكماله لما يتبقى من ولايته الرئاسية. مجلس الشيوخ هو المخوّل بالمصادقة على شخص نائب الرئيس في حال تقدم نائبة الرئيس كمالا هاريس لمنصب الرئيس.
هناك شبه إجماع بين قادة الحزبين وقواعدهما على أن الرئيس جو بايدن أضحى عبئاً على مستقبل الكيان السياسي الأميركي، نظراً إلى تراجع حالته الذهنية وهفوات تصريحاته السياسية، التي غالباً ما يضطر طاقم مستشاري البيت الأبيض إلى إصدار "تصحيح" لما كان ينوي قوله، فضلاً عن سلسلة إحراجات تسبب بها خلال لقاءاته المحدودة مع زعماء دول أجنبية أمام أعين الكاميرات.
تقليدياً، دأب الرؤساء المتعاقبون على تخصيص الجزء الأكبر من حضورهم حملات الانتخابات النصفية لتحشيد شرائح انتخابية "بلغت السن القانونية حديثاً"، وزيارة ولايات متأرجحة أو تلك التي لم تكن مؤيدة لانتخاب الرئيس في السابق. بيد أن المحطات التي زارها الرئيس بايدن ونائبته كمالا هاريس، في الجولة الحالية، شذّت قليلاً عن تلك القاعدة، بحضورهما في ولايات "ديمقراطية" بغالبيتها، مثل نيويورك ونيو هامبشير وبنسلفانيا ونيو مكسيكو. الأمر الذي يدلّ على استشعار قادة الحزب الديمقراطي مأزقه الانتخابي بين قواعده التقليدية.
تباين إقرار ذوي الشأن بعدد الولايات التي ستشهد سباقاً ومنافسة محمومة بين الحزبين، بعضها حدد 6 ولايات: بنسلفانيا، ويسكونسن، مشيغان، جورجيا، إريزونا، ونيفادا (شبكة "سي أن أن"، 3 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري). البعض الآخر احتسب القائمة المشار إليها أعلاه مع إضافة ولاية نورث كارولينا. وأشار آخرون إلى احتدام التنافس في 10 ولايات، تضم: نيو هامبشير، بنسلفانيا، أوهايو، ويسكونسن، فلوريدا، أريزونا، كانساس، نيفادا، جورجيا، نورث كارولينا (استطلاع أجرته مجموعة "ماغواير وودز" للاستشارات، أيلول/سبتمبر 2022).
التقديرات الأكثر مصداقية في العرف السياسي جاءت من نشرة "بوليتيكو"، التي رست على تحديد 7 ولايات ستقرر مصير مجلس الشيوخ: بنسلفانيا، نورث كارولينا، جورجيا، نيفادا، أريزونا، ويسكونسن، ونيوهامبشير (نشرة "بوليتيكو"، 13 أيلول/سبتمبر 2022).
الغوص في تفاصيل الحملات الانتخابية المختلفة في الولايات وتوجهاتها والتي يعد بها كل فريق مؤيديه ليست ذات أهمية كبيرة، بيد أنها تشير بمجموعها إلى احتدام جولة المنافسة بين الحزبين، والميزانيات المالية العالية المرصودة للإنفاق من كليهما، مع ترجيح تفوّق الحزب الجمهوري في مجالي التبرعات والإنفاق لتصل بمجموعها إلى 13،7 مليار دولار (وكالة "بلومبيرغ"، 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2022).
من بين أبرز ردود قادة الحزب الجمهوري على الرئيس جو بايدن كان كارل روف، أحد كبار استراتيجيي الحزب الجمهوري لعدة عقود من الزمن، سلط فيها الضوء على أولويات القواعد الانتخابية للإدلاء بأصواتها. وقال "قوى الجاذبية لجولة الانتخابات النصفية هي: التضخم، وتدهور الاقتصاد، والأمن الحدودي"، فضلاً عن ثبات تراجع منسوب التأييد لأداء الرئيس بايدن. وخلص بالقول إن تلك "القوى تخدم توجهات الحزب الجمهوري، وتؤهله للفوز بمجلس النواب وربما تقلب نتائج مجلس الشيوخ" لمصلحته أيضاً (مقال رأي في يومية "وول ستريت جورنال"، 3 تشرين الثاني 2022).