إردوغان وأميركا.. وما الحب إلا للحبيب الأول
ويتوقع الكثيرون لإردوغان بعد هذه الانتخابات صياغة دستور جديد للبلاد، يساعده على إحكام سيطرته المطلقة على جميع مؤسسات الدولة ومرافقها وأجهزتها، وهو ما يحتاج إلى ضوء أخضر أميركي.
في ظل الفتور الذي يخيّم على العلاقات التركية –الروسية، والذي كان سبباً في إلغاء زيارة الرئيس بوتين إلى أنقرة في 14 الشهر الماضي، أرسل الرئيس إردوغان وزير خارجيته هاكان فيدان ورئيس مخابراته إبراهيم كالين إلى واشنطن ليبحثا مع المسؤولين الأميركيين سبل تسخين العلاقة وإحيائها بينه وبين الرئيس بايدن.
فيدان الذي كان رئيساً لمخابرات إردوغان وحلّ محلّه كالين الذي كان مستشاراً شخصياً له حظيت زيارته وكالين باهتمام كبير من وسائل الإعلام الموالية، والتي توقعت فتح صفحة جديدة في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، بعد أن وافق إردوغان على انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي، وهو ما غيّر من موازين القوى بين الحلف، وموسكو التي قالت إنها قد تلجأ إلى السلاح النووي.
وتحدث الإعلام المذكور بإسهاب عن اللقاءات التي تمت بين فيدان وكالين، وهما بمنزلة الساعدين الأيمن والأيسر لإردوغان، مع عدد كبير من المسؤولين الأميركيين، وفي مقدمتهم وزير الخارجية بلينكن ومستشار الأمن القومي ساليفان ومدير المخابرات بيرنز، بالإضافة إلى قيادات الكونغرس ومسؤولين في مراكز الدراسات الاستراتيجية، وتناولت جميعها رغبة الطرفين في ضرورة إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي في العلاقات المشتركة، والتي بدأت قبل نحو 75 عاماً.
وجاءت زيارة الرئيس الأوكراني المفاجئة إلى أنقرة (الجمعة) كرسالة واضحة بتوقيتها الزمني من الرئيس إردوغان الذي يبدو أنه يريد أن يقول للرئيس بايدن إنه مستعد للعمل معه في أوكرانيا، التي تشهد تصعيداً عسكرياً خطيراً بين موسكو وواشنطن وعواصم الحلف الأطلسي الذي له في تركيا عشرات القواعد العسكرية بقنابلها النووية.
ومع انتظار الرد الأميركي ونتائج مباحثات فيدان وكالين، ويتوقع لها الكثيرون أن تكون إيجابية، بدأ الحديث مبكراً عن اتفاق تركي -أميركي مبدئي للتنسيق والتعاون المشترك في ما يتعلق بالعديد من القضايا الإقليمية والدولية.
ويفسر ذلك حديث إردوغان قبل أيام خلال استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أنقرة عن قراره "بحسم الملفين السوري والعراقي وفق التصور التركي الاستراتيجي".
وأشار إردوغان خلال هذا الحديث إلى "عزم أنقرة وإصرارها على ترسيخ الوجود العسكري التركي في الشمال السوري، وضمان استمرارية المنطقة الآمنة بعمق يتراوح بين 30-40 كم للقضاء على أي وجود إرهابي على طول الحدود السورية -التركية مع استمرار التعزيزات العسكرية في المنطقة".
وأشار إردوغان خلال هذا الحديث إلى " محاولات البعض لتقسيم سوريا" وقال "إنهم سيتصدون لذلك " ولكن من دون أن يذكر اسم أميركا التي تحتل شرق الفرات، وكما كان يفعل ذلك في أحاديثه السابقة.
ولم يكتف إردوغان بحديثه عن سوريا، بل تطرق إلى الوضع في شمال العراق متوقعاً عملاً عسكرياً كبيراً في المنطقة لترسيخ الوجود العسكري التركي هناك.
الإعلام الموالي لإردوغان ذكر بالزيارات المتتالية التي قام بها فيدان وكالين ووزير الدفاع يشار جولار إلى بغداد وأربيل، خلال الشهر الماضي، وهو ما صادف الحديث عن احتمالات الانسحاب الأميركي الشامل من العراق، متوقعاً تنسيقاً وتعاوناً جديداً بين واشنطن وأنقرة لمنع إيران من ملء الفراغ في الشمالين السوري والعراقي بعد انسحاب الأميركيين من المنطقة.
مع التذكير بالوجود العسكري التركي أساساً في هذه المناطق مع شبكة واسعة من أطراف سورية وعراقية عربية سنية كانت أم كردية في أربيل حيث يحكم البرزاني، مع استمرار الفتور وأحياناً التوتر بين أنقرة والسليمانية القريبة من طهران.
الأوساط السياسية، وفي حال نجاح مهمة فيدان وكالين والعودة إلى الغرام التقليدي بين أنقرة وواشنطن، تتوقع تصعيداً في الموقف التركي قولاً وعملاً تجاه سوريا والعراق، وبغياب الاهتمام الإقليمي والدولي بذلك بسبب الوضع في غزة
وهو ما سيساعد الرئيس إردوغان على استغلال مثل هذه القضايا الوطنية والقومية في حملته الانتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية نهاية الشهر الجاري.
ويتوقع الكثيرون لإردوغان بعد هذه الانتخابات صياغة دستور جديد للبلاد، يساعده على إحكام سيطرته المطلقة على جميع مؤسسات الدولة ومرافقها وأجهزتها، وهو ما يحتاج إلى ضوء أخضر أميركي، ومن دونه لا ولن يحالفه الحظ في إخراج تركيا من مستنقع أزماتها المالية والاقتصادية الخطيرة، خاصة بعد أن فشل في جذب المليارات الخليجية أي القطرية والسعودية والإماراتية، ويبدو أنها تنتظر بدورها أيضاً الضوء الأخضر الأميركي.
ومع انتظار عودة فيدان وكالين مع المعلومات التي تتوقع زيارة مفاجئة لإردوغان إلى البيت الأبيض بات واضحاً أن الاتفاق التركي –الأميركي، إن تحقق، سوف يؤدي إلى واقع جديد في المنطقة بغياب الاهتمام العربي والإسلامي الرسمي بالإبادة الصهيونية للشعب الفلسطيني، وبضوء أخضر أميركي وتجاهل من موسكو التي اغتنمت الفرصة لتحقيق بعض من المكاسب العسكرية الأميركية في أوكرانيا.
ويتوقع البعض لها أن تحظى بدعم عسكري تركي أوسع خلال المرحلة القادمة في حال نجاح إردوغان في كسب ود الرئيس بايدن، وقد يرى في تكتيكات إردوغان الأخيرة فرصته الذهبية لإبعاده عن موسكو.
وهو الاحتمال الذي يراهن عليه الكثيرون بعد أن تعودوا على مفاجآت الرئيس إردوغان في السياسة الخارجية. فقد سبق له أن هدد وتوعد واشنطن بسبب دعمها الميليشيات الكردية شرق الفرات، ومن قبلها موسكو بعد إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 لكنه عاد وصالحها كما صالح حكام الإمارات والسعودية ومصر والكيان الصهيوني بعد أن قال عنهم ما قاله سياسياً وشخصياً.
وهو ما أثار ردود فعل الشارع السياسي والشعبي التركي، وعدّ ذلك "إهانة للكرامة الوطنية للدولة والأمة التركية". فيما ذكرت المعارضة إردوغان بعلاقاته الشخصية الحميمة مع الرئيس الأسد قبل أن يتحوّل إلى ألدّ أعدائه بعد ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وحقق إردوغان من خلاله الكثير من المكاسب السياسية والعسكرية والعقائدية والنفسية.
ومن دون أن يمنعه ذلك من طلب الوساطة من الرئيس بوتين كي يجمعه مع الرئيس الأسد الذي اشترط لذلك الانسحاب التركي من سوريا.
وربما لهذا السبب وبعد أن فقد أمله من الرئيس بوتين في معالجة الأزمة السورية وفق مزاجه الشخصي العقائدي منه والسياسي أراد إردوغان أن يجس نبض بايدن. فما فشل فيه "سلمياً" عبر الوسيط الروسي سيسعى لتحقيقه هذه المرة "سياسياً" عبر اللاعب الرئيسي واشنطن التي يريد لها أن تفتح له أبواب المنطقة، ليس فقط سياسياً عبر المصالحات بل أيضاً عبر القبول بدور تركيا العسكري في المنطقة، ما دام ذلك لا يتناقض مع الحسابات الأميركية، بل يخدمها بما أن هذا الدور سيكون ضد روسيا كما كان عليه في عهد الاتحاد السوفياتي عندما كانت تركيا "الحارس الأمين والخندق الأمامي للدفاع عن المصالح الغربية ضد الأطماع التوسعية للسوفيات الشيوعيين" والغرب يقول إن بوتين امتداد لها وهذا رأي البعض من الأتراك!