هوكستين: تحييد لبنان والاستفراد بغزة!
لقد أدّى الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى تغيير منطقة الشرق الأوسط بالكامل، كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن ليس على النحو الذي قد تستفيد منه حكومته أو الحكومات المستقبلية.
مهّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارته إلى المنطقة، لمبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن والمستشار الأعلى لشؤون الطاقة آموس هوكستين، لتحقيق مجموعة أهداف تتناسب مع ما يحقّق الفوز بولاية ثانية للرئيس جو بايدن، ومن أهم الموضوعات التي تمّ التركيز عليها هي إعادة إحياء عملية التطبيع مع المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني، وعدم توسيع الحرب إلى خارج قطاع غزة وخاصة الحدود الشمالية أي الجنوب اللبناني، والضغوط على اليمن كي يسمح للسفن الإسرائيلية بالمرور من باب المندب نحو سواحل "إسرائيل"، وإدخال المساعدات لـ غزة، ولكن على قاعدة استمرار الحرب بوتيرة أخف... أي على قاعدة القضاء على ما تبقّى من حياة في قطاع غزة ولو بالموت البطيء.
ويبدو من زيارة هوكستين وطرحه لمجموعة أفكار كلّها تؤدّي إلى مخرجات تفيد الكيان الصهيوني، والإدارة الأميركية، أقلّها وقف النزيف الدائم على الحدود الشمالية كي تتفرّد "إسرائيل" بمقاومة غزة وشعبها.
العدوان على قطاع غزة والجنوب اللبناني يدخل شهره الرابع، والآلة العسكرية الأميركية – الصهيونية ما زالت تدكّ المدنيين بالقنابل الثقيلة الفتّاكة من البر والبحر والجو، بهدف "القضاء على حركة حماس والمقاومة"، وضرب البنية التحتية لقطاع غزة لجعله غير قابل للسكن بهدف تهجير الفلسطينيين خارج أراضي فلسطين نحو الشتات، ولكن الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني والمواجهة الشرسة للمقاومة، جعلت إدارة الكيان الصهيوني وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تتخبّطان فيما بينهما وبقراراتهما المتأرجحة ما بين عدم توسيع الحرب لتشمل الإقليم بأكمله، أم الانتقال إلى المرحلة الثالثة من العدوان على قطاع غزة.
ويعيش سكان قطاع غزة حالة ترقّب في هذه الأوقات، بعد الكشف الإسرائيلي عن بدء "المرحلة الثالثة" من الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، بسبب حالة الإبهام التي ترافقت معها، ويخشون من أن تكون أكثر إيلاماً من المراحل السابقة، خاصة وأن المرحلة الثانية كانت أعنف من المرحلة الأولى، بعد أن وسّع خلالها "جيش" الاحتلال عملياته العسكرية البرية، لتشمل جنوب ووسط القطاع.
وبلغت حصيلة غير نهائية للعدوان الإسرائيلي 23084 شهيداً، أكثر من 70% منهم نساء وأطفال، و58926 جريحاً، إضافة إلى أكثر من 7000 شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض، وذلك منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي (الأرقام بحسب القدس العربي).
ويبدو من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هناك إجماعاً بأن "إسرائيل" ومَن وراءها لغاية الآن لم يحقّقوا أيّاً من النتائج المعلنة لهذه الحرب (سحق حركة حماس واسترجاع الرهائن – بحسب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو)، على العكس من ذلك فإن أعداد القتلى في صفوف العدو يرتفع يومياً بالرغم من التكتم الشديد لوسائل الإعلام الإسرائيلية، وقالت هيئة البث الإسرائيلية في بيان الاثنين، إن هناك "أكثر من 1538 قتيلاً منذ بداية الحرب". وأضافت: "تم حتى الآن التعرّف إلى جثث 823 قتيلاً من غير الجنود، وتم نقل 715 جثة للدفن".
وأشارت الهيئة إلى أن "عملية التعرّف إلى باقي الجثث ما زالت مستمرة". وقال متحدّث باسم "الجيش" الإسرائيلي دانيال هاغاري، في مؤتمر صحافي إن عدد الجنود القتلى منذ بدء الحرب وصل إلى 311 والرهائن الإسرائيليين في غزة إلى 230.
إلا أن اعتماد المقاومة في قطاع غزة على تصوير العمليات الحربية وتوثيقها بحرفية عالية، أظهر أن عدد القتلى يفوق الـ 3000 قتيل منذ بداية الحرب، خاصة إذا ما أحصينا عدد الآليات والمدرعات والدبابات، والتي بلغت بحسب الناطق الرسمي لحركة حماس "أبو عبيدة" نحو 750 آلية وأكثر.
وكشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية أن كلفة الحرب الاقتصادية بلغت 60 مليار دولار، ووصفتها بالحرب الأعلى كلفة على الرغم من أن أهداف "إسرائيل" لم تتحقّق بعد.
وقال التقرير إنه وفقاً لأحدث الأرقام، ارتفعت تكلفة الحرب إلى ما يزيد عن 217 مليار شيكل أي ما يفوق 59 مليار دولار أميركي، وتشمل هذه التكلفة كلاً من الميزانية القتالية "للجيش" ودعم الحكومة للاقتصاد في مختلف المجالات. (تكلفة اليوم القتالي الواحد "للجيش" الإسرائيلي بحسب الأرقام التي كشفتها الصحيفة، بلغت مليار شيكل أي 270 مليون دولار أميركي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بما في ذلك تجنيد 360 ألف جندي احتياط في بداية الحرب).
أما على مستوى البنية المدنية التحتية، فتشير تقديرات إلى أن قيمة الأضرار التي لحقت بالمستوطنات في المناطق الحدودية مع لبنان قد تناهز ملياري دولار أميركي، إضافة إلى نحو خمسة مليارات دولار القيمة الأولية للأضرار التي لحقت بالممتلكات في منطقة غلاف غزة.
ولكن ماذا عن النتائج السياسية والاجتماعية والمعنوية، يقول ديفيد هيرست (في ميدل إيست آي): يرتكب الإسرائيليون الخطأ نفسه الذي ارتكبه الفرنسيون في الجزائر عندما قتلوا ما بين نصف مليون إلى 1.5 مليون جزائري، يشكّلون 5 إلى 15% من السكان، بين عامي 1954 و1962، معتقدين أنهم بذلك سينتصرون في الحرب. ومع ذلك، بحلول نهاية الحرب، كان عليهم المغادرة ومنح الجزائر استقلالها.
لقد أدّى الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى تغيير منطقة الشرق الأوسط بالكامل، كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن ليس على النحو الذي قد تستفيد منه حكومته أو الحكومات المستقبلية. إن أشباح لبنان تعود حقاً لتطارد "إسرائيل".
لقد استغرق الأمر 15 عاماً حتى تغادر "إسرائيل" بعد أن أصبحت بيروت في وضع لا يمكن الدفاع عنه، لكنهم غادروا في عام 2000. وعندما فعلوا ذلك، أصبح حزب الله القوة العسكرية والسياسية المهيمنة في البلاد.
"ميتوت حماس" (انهيار حماس) هو الشعار باللغة العبرية وهو هدف حكومة الحرب الإسرائيلية. وبعد 3 أشهر من هذا التدمير، يمكنهم أيضاً تعديل هذا ليصبح "ميتوت إسرائيل"، لأنّ هذا هو التأثير الذي قد تحدثه هذه الحرب.
هيلل شوكن كتب قائلاً في صحيفة "هآرتس": "نحن لن ننتصر. حتى لو كنا معاً. المعركة الحالية على حقنا بوطن قومي في أرض إسرائيل خسرناها في 7 أكتوبر. كل يوم إضافي في العملية البرية فقط يعزّز الفشل. عندما ستنتهي المعركة الحالية، كما هو متوقّع خلال بضعة أسابيع في أعقاب الضغط الدولي، فستكون إسرائيل في وضع أصعب من الوضع الذي دخلت فيه إلى هذه الحرب في إثر هجوم حماس".
بالرغم من الكلفة الباهظة التي يتكبّدها الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية، إلا أن الخلافات القائمة بينهما أو "الأدوار" التي يقومان بها، ما زالت لغاية الآن مبهمة، وما زالت "إسرائيل" تفتش عن هدف كي توهم الرأي العام الصهيوني بأنها حقّقت أهداف العملية، فالوقت والضوء الأخضر الذي أعطته الإدارة الأميركية للقيام بالمجازر بحقّ الشعب الفلسطيني، "يُروّج" بأنه كاد أن ينتهي إنما ما يجري على الأرض يدل على عكس ذلك تماماً، وخاصة فيما سمّي "المرحلة الثالثة من الحرب"، وظهر ذلك من حجم المجازر التي حصلت أمس في قطاع غزة.
العدوان الذي قامت به قوى التحالف الأميركي والبريطاني وتوابعها على اليمن ما هو إلا إشارة تبعث بها الولايات المتحدة كي تقول نحن مستعدون لإشعال المنطقة بأكملها إذا استمرت اليمن بإغلاق البحر الأحمر أمام السفن المقبلة للكيان الصهيوني، ولكن هل ستقف اليمن مكتوفة الأيدي أم أنها ستلجأ إلى مرحلة أعلى من التصعيد وتجعل من البحر الأحمر كتلة لهب تحرق بوارج وسفن "الحلف المعتدي"؟
هل نحن أم خدعة جديدة تقوم بها الإدارة الأميركية أم أن الكيان الصهيوني لم يعد يحتمل كلفة الحرب، من النواحي المادية والمعنوية والنفسية وعلى الصعيد الاجتماعي الذي زاد تململاً من الكلفة الباهظة، على صعيد القتلى، والجرحى والمعوّقين، والحالة الاقتصادية المعطّلة بالكامل منذ ثلاثة أشهر.