فلسطين الأكثر حضوراً في الجزائر
لم تتردد يوماً الجزائر في موقفها الواضح والعلني ضد الاحتلال الإسرائيلي على جميع الصعد.
"نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، هذا ليس شعاراً للرئيس الراحل هواري بومدين، بل قناعة مترسخة لاحظناها خلال وجودنا في الجزائر لتغطية القمة العربية أي قمة فلسطين كما سمّتها الدولة الجزائرية.
عادة تبنى علاقة الدول على المصالح المشتركة أو المتبادلة، التي يكون من ورائها جلب مصلحة ما، لكن هذا لا ينطبق على ما بين فلسطين والجزائر، فعلى الرغم من البعد الجغرافي بين البلدين، إلا أن الجزائر رسمت صورة جديدة للانتماء إلى القدس وغزة والضفة ورام الله وباقي المناطق الفلسطينية، ربما لم نشاهدها ولن نشاهدها في بلدان عربية أخرى.
لم تتردد يوماً الجزائر في موقفها الواضح والعلني ضد الاحتلال الإسرائيلي على جميع الصعد، وهذا ما شكل حالاً من الخوف والهلع عند كيان الاحتلال الإسرائيلي، فالخبير الإسرائيلي عاموس هارئيل مثلاً اعترف بأن الجزائر هي التي هزمت "إسرائيل" عام 1973، قائلاً في مقابلة سابقة "اعترف بأن الضربة الكبرى في حرب تشرين الأول/أكتوبر التي شهدت انتكاسة إسرائيلية، جاءت من الجزائر التي غامر وتشجّع طيرانها وحلّق فوق سماء "تل أبيب"، وهي المغامرة التي لم يجرؤ أي طيران عربي على اقترافها".
أما الصحافة الجزائرية فلم تترك فرصة إلا وتحدثت فيها عن الكيان الإسرائيلي، وحذرت الأمة من التهاون بخصوص هذا الأمر على سبيل المثال لا الحصر، كتب الشيخ سعيد الزاهري في جريدة "الإصلاح" عام 1929 عقب ثورة البراق، " أيها المسلمون الجزائريون هل سمعتم بأن الصهيونية وبلاشفة اليهود في فلسطين قد اغتصبوا البراق الشريف وردوه كنيساً لهم؟ واعتدوا على المسجد الأقصى في القدس الشريف وهم يحاولون أن يتخذوه كنيساً لهم؟"، مثل هذه الكتابات كانت حاضرة باستمرار في الصحف الوطنية، مع أن ارتكاز هذه الصحف في الأساس كان على القضية الوطنية ومواجه الاستعمار الفرنسي.
والتزامن مع المجازر خصوصاً مجازر الثامن من أيار/مايو 1945، جرى تأسيس الهيئة العليا لإعانة فلسطين عام 1948، حيث عملت اللجنة على جمع التبرعات لمصلحة فلسطين، وكان من أبرز أعمالها إرسال برقية إلى الحكومة الفرنسية تندد فيها باعتراف المجلس الوطني الفرنسي بالكيان الإسرائيلي، وعدت ذلك عملاً عدائياً ضد العالم الإسلامي، كما تبرعت، وجنّدت نحو 100 متطوع للجهاد في فلسطين.
كذلك سخرت جمعية العلماء الصحف الناطقة باسمها، لتعبئة الشعب لمساندة إخوانه في فلسطين، ونقل أخبار ما يحدث هناك بعيداً من الصحف الفرنسية.
وبعد استقلال الجزائر عام 1962، بدأ التعامل مع قضية فلسطين كدولة مستقلة، فوضعت كمبدأ من مبادئها دعم حركات التحرر وخصّت فلسطين وأعطتها الحظ الأوفر من هذا الدعم، فدربت قادة الثورة الفلسطينية وزودتهم بالسّلاح.
وفي عام 1988، رتبت عقد المؤتمر الوطني الفلسطيني وجرى في إثره إعلان قيام دولة فلسطين من الجزائر في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1988، التي كانت الجزائر أول المعترفين بها. وأخيراً وقّعت الفصائل الفلسطينية، وثيقة "إعلان الجزائر" للمصالحة، في ختام أعمال مؤتمر "لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية".
وخلال توقيع الاتفاقية، قال رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون "أتمنى عن قريب أن نرى قيام دولة فلسطين المستقلة كاملة الأركان في حدود عام 67 وعاصمتها القدس". وأضاف: "قبل أربعين سنة، وفي القاعة نفسها، وتحت السقف نفسه، أعلن من طرف ياسر عرفات قيام دولة فلسطينية، التي مضت بنكسات ومشكلات ومؤامرات، واليوم هو يوم تاريخي، ورجعت المياه إلى مجاريها".
وخلال الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة بين عامي 2008 و2014، وبفضل جهود الدبلوماسية الجزائرية، جرى استدعاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في آب/أغسطس عام 2014 من أجل وقف الاعتداء على غزة. كما ألزمت المبادرة الجزائرية مجلس الأمن بحث مشروع قرار أعده الأردن وفلسطين بدعم من الدول العربية.
ويشترط مشروع القرار اتخاذ خطوات فورية من أجل إنهاء الحصار والقيود التي تفرضها "إسرائيل" على عمليات التنقل والدخول والخروج في قطاع غزة، بما في ذلك فتح معابر دائمة نحو هذا القطاع لإيصال المساعدات الإنسانية وضمان تنقل السلع والأشخاص. أما فيما يخص تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي فقال رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون إنّ القضية الفلسطينية "مقدسة بالنسبة إلى الشعب الجزائري"
هذه المواقف ترجمت أيضاً في المواضيع الفنية والرياضية والاجتماعية، وما كان أكثرها وقعاً في النفس الفلسطينية، ما قامت به الجماهير الجزائرية في شباط/فبراير 2016، عندما شجّعت منتخب فلسطين لكرة القدم، على حساب المنتخب الوطني الجزائري.
في حين كان الرد الفلسطيني الدائم والمؤثر هو حمل الراية الجزائرية دائماً إلى جانب راية فلسطين في جميع فعالياتهم المقاومة ضد جيش الاحتلال.