طهران ترسم حدود استراتيجياتها على هدير مسيراتها
منذ أشهر، برز قلق جديد لدى المؤسستين الأمنية والسياسية في "إسرائيل" بخصوص توقيع اتفاقات تصدير بين روسيا وإيران في مجال الطائرات المسيرة.
يسعى العدو الإسرائيلي إلى مواجهة التهديد الذي تشكّله الطائرات المسيّرة الإيرانية والصواريخ المتوسّطة والبعيدة المدى، وتلك ذات الإصابة الدقيقة، عبر إجراء مناورات في جبهته الداخلية، تهدف إلى التعامل مع آلاف الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يُتوقّع أن تستهدفه في أيّ حرب مقبلة على الجبهة الشمالية. هذا التهديد يشكل مصدر قلق للقادة العسكريين والسياسيين في كيان العدو، ومن أجل مواجهة هذا القلق أقيمت مشاورات أميركية-إسرائيلية.
ففي السنة الماضية، وفي أثناء كلمة لقائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال كينيث ماكنزي، في نيسان/أبريل الماضي، حذر من أنّ «المنطقة تتحوّل إلى ساحة اختبار للطائرات بدون طيار، ومعظمها إيراني الصنع». وهذا التهديد المتصاعد يُدركه وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، الذي قال إنّ «إيران تدرِّب ميليشيات من دول مختلفة لتشغيل طائرات بدون طيار متقدّمة في قاعدة كاشان (في إيران)».
وخلال كلمة ألقاها أمام «معهد سياسات مكافحة الإرهاب»، في جامعة رايخمان، في هرتسيليا منذ مدة، قال إنّ «الجمهورية الإسلامية تدرِّب ميليشيات من العراق واليمن ولبنان وسوريا في القاعدة الجوّيّة شمال مدينة أصفهان، وتحاول تعليمها كيفيّة تصنيع طائرات إيرانيّة مسيّرة."
أمام هذا القلق الإسرائيلي-الأميركي المشترك، جاء تأكيد قائد الثورة الإسلامية في إيران، السيد علي خامنئي، أن قضيتي الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية مسألة نرفض المساس بها، وأضاف أن قضيّة الطائرات من دون طيّار والصواريخ، وما إلى ذلك، التي تُثار هذه الأيام كمسألة أساسية ومهمّة في العالم، يريدكم العدو أن تغفلوا عن هذه القدرة ليتمكّن من مهاجمتكم بسهولة". وما يثير خوف الصهاينة، أنّ الطائرات المسيّرة الإيرانية هي طائرات محلّية الصنع، رغم الحصار والعقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية و تجني أرباحاً مالية من وراء التصدير. أمام هذا التهديد، يشير المراسل العسكري في صحيفة "هآرتس"أن الإيرانيين "يطوّرون وحدهم المكونات الأساسيّة كافة (جسم المسيّرة، المحرّك، منظومة التوجيه، القدرة على التهرّب من رصد الرادارات، والقدرة على المناورة بين مدى الرحلة ووزن الحمولة المنقولة)". ويضيف هرئيل" أن الحاجة مهمة إلى ردّ دفاعي متطوّر وعاجل" على هذه المسيّرات، وقد طُرح في اللقاءات الأمنية الأخيرة بين "إسرائيل" وبين الولايات المتحدة".
ويشير الباحث بوني بن مناحيم، في مقال له في «مركز القدس للشؤون العامّة والسياسة»، إلى أنّ المسيّرات الإيرانية «تحوّلت إلى سلاح خطِر جداً في الشرق الأوسط، طوّره الإيرانيّون، وهو يحقّق نتائج مذهلة في الحرب التي يخوضها الحوثيون الموالون لإيران في اليمن ضدّ السعودية، كما زوّد الإيرانيون الميليشيات الموالية لهم في العراق وسوريا، وكذلك حزب الله في لبنان، بهذا السلاح، وأيضاً حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزّة.
المسيرات الإيرانية في سماء أوكرانيا
منذ أشهر، برز قلق جديد لدى المؤسستين الأمنية والسياسية في "إسرائيل" بخصوص توقيع اتفاقات تصدير بين روسيا وإيران في مجال الطائرات المسيرة، وخاصة الخوف من الاستخدام الروسي لها في الحرب على أوكرانيا. أمام هذه الصفقات في مجال الطائرات المسيرة التي وصفتها أوساط إسرائيلية "بالمقلقة جداً، " أشار قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، الجنرال إيتان بن إلياهو، أن"صفقة السلاح بين طهران وموسكو أثارت قلقاً حقيقياً في أوساط "الجيش"، رغم أنه يحوز على أنظمة دفاع جوي، ولديه قوة جوية تهاجم في سوريا، وتعمل إلى ما لا نهاية، مرتين في الأسبوع، وبآلية تنسيق مع الروس أيضاً، و"الجيش" يأمل أن يستمر هذا الوضع، رغم أن الإيرانيين طوروا من تهديد الطائرات بدون طيار، وباتت لديهم كميات هائلة، ويعرفون أيضاً كيفية استخدامها بكميات كبيرة بشكل استراتيجي، وهذا يشكل نوعاً آخر من التهديد لم نكن نعرفه".
ويضيف شاي هارزفي في دراسة له في "مركز هيرتسيليا المتعدد التخصصات" أن الاستخدام الروسي للطائرات الإيرانية بدون طيار يعزز المعضلة الإسرائيلية في ما يخص وقوف "إسرائيل" إلى جانب أوكرانيا أو النظر في مجموعة القيود القائمة في العلاقة بروسيا، وأن تعميق العلاقات بين روسيا وإيران بشكل عام، وتحديداً في المجال العسكري، يخلق تحديات متنوعة لـ"إسرائيل" على المستويين الاستراتيجي والأمني"، مشيراً إلى أن هذا التعاون "قد يؤدي إلى محاولات موسكو الاستعانة بوسائل قتالية إيرانية، وبالتالي زيادة التعلق الروسي بإيران.
ويضيف أن "تعميق العلاقات بين الدولتين بشكل عام، وفي المجال العسكري بشكل خاص، يخلق تحديات متنوعة لـ"إسرائيل" على المستويين الاستراتيجي والأمني". وأمام استخدام القوات الروسية للطائرات الإيرانية المسيرة، تشير صحيفة "إسرائيل هيوم" نقلاً عن مسؤولين عسكريين صهاينة أن استخدام القوات الروسية للطائرات الإيرانية، تسبب في خسائر كبيرة لعدد من وحدات المدفعية المتنقلة، وعدد من الدبابات والمركبات المدرعة".
أوصت دراسة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في "تل أبيب" بأنه يجب على" إسرائيل" أن تقوم بصياغة نهج شامل للتعامل مع التهديد المتنامي للطائرات بدون طيار، لمواجهة السيناريوهات التي تنطوي على مخاطر عالية، مثل إرسال طائرة بدون طيار تحمل مادة مميتة إلى "إسرائيل".
وأما على المستوى الاستراتيجي، فإن "إسرائيل" ملزمة بالاستمرار في تطوير التقنيات المتقدمة لمواجهة تهديد الطائرات بدون طيار، وتعميق الجهود الاستخبارية وتوسيع التعاون الدولي في هذا السياق، إضافة إلى الصادرات الدفاعية في هذا المجال، لأن التهديد سيزداد، وهذا لا يقلق "إسرائيل" وحدها.