خضر عدنان مسيرة ختامها التحرير
ما قامت به قوات الاحتلال هو عملية اغتيال بشعة على مرأى من أنظار العالم.
ما أروع الكلمات التي نطقت بها زوجة الأسير الشهيد خضر عدنان حين قالت: "لن نفتح بيت عزاء للشيخ خضر عدنان بل سنستقبل المهنئين بعرس الشهادة". هذه الكلمات فيها آلاف العبر وآلاف الدروس ليس للفلسطينيين وحسب بل للعالم أجمع.
هذه الكلمات هي ما ينتظره العالم الحرّ من آخر حركات التحرّر حول العالم، الشعب الفلسطيني أثبت للعالم أجمع بأنه لا يستجدي المساعدات من أحد، وإنما يفرض احترامه على الجميع من خلال إصراره على المقاومة ضد المحتل، ومن خلال الكشف عن الوجه الحقيقي لهذا الكيان الذي لم يتوانَ عن اغتيال أسير في السجون الإسرائيلية.
لم تكن المرة الأولى التي يضرب فيها الشهيد عن الطعام، وإنما خاض الشهيد معارك كسر عظم طويلة مع قوات الاحتلال. ففي العام 2005 خاض الشهيد إضراباً مفتوحاً عن الطعام استمرّ لمدة 12 يوماً، نتيجة وضعه في عزل سجن "كفار يونا"، ولم يوقف إضرابه إلا بعد أن رضخت إدارة السجن لمطلبه المتمثّل بنقله إلى أقسام الأسرى العادية.
وفي عام 2012، خاض إضراباً استمرّ 66 يوماً، وبعد جلسات قضائية، قرّرت المحكمة العليا الإسرائيلية الإفراج عنه في نسيان/أبريل من ذاك العام، بعد تدهور حالته الصحية.
وفي عام 2015، شكّل إضراب خضر عدنان عن الطعام لمدة 56 يوماً، بدأه في 8 أيار/مايو 2015، ضغطاً على السلطات الإسرائيلية للإفراج عنه والتعهّد بعدم اعتقاله إدارياً، وتم لاحقاً الإفراج عنه، إلا أنّ قوات الاحتلال اعتقلته مجدداً، وخاض إضراباً في عام 2018 لمدة 59 يوماً، قبل أن ينتزع حريته، وفي عام 2021 خاض إضراباً مماثلاً لـ 25 يوماً.
ما قامت به قوات الاحتلال هو عملية اغتيال بشعة على مرأى من أنظار العالم، لقد انتهكت "إسرائيل" وكعادتها جميع المواثيق الدولية التي تؤكد ضرورة معاملة الأسرى معاملة حسنة واحترام حقوقهم. فهي قامت بتعذيب الأسير خلال إضرابه عن الطعام واحتفظت به في زنزانته على الرغم من تردّي وضعه الصحي للغاية، ورفضت تقديم أي علاج له خلال مدة الإضراب. وبالطبع فهذا ليس بغريب على كيان محتل يمارس "بلطجيّته" على المعتقلين وغير المعتقلين.
مسيرة خضر عدنان لم ولن تنتهي بهذه الجريمة البشعة التي أزهقت روحه، بل يبدو أنها منحته عمراً آخر لتحقيق ما سعى إليه طوال عمره وهو التحرير. فبعد مهرجان الصواريخ التي أطلقت من جنوب لبنان باتجاه الأراضي المحتلة جرى الحديث عن نظرية توحيد الساحات وربطها ببعضها البعض.
تشمل هذه الاستراتيجية الحدود العابرة لفلسطين ضمن ما يعرف بأنّ أي اعتداء على الأقصى أو الأراضي الفلسطينية هو اعتداء على محور كامل يمتد من فلسطين إلى سوريا ولبنان وإيران واليمن والعراق حتى. وأما الاستراتيجية التي سيرسّخها استشهاد خضر عدنان فهي توحيد ساحات ومساحات العمل الفلسطيني داخلياً.
توحيد الساحات في الداخل الفلسطيني تعني عدم الاكتفاء بالرد العسكري على اغتيال الشهيد بل تعني زعزعة أمن العدو في أي مساحة ممكنة. لقد بدأ الأسرى في سجون الاحتلال وتحديداً في سجن "عوفر" هذه الاستراتيجية بإعلان النفير العام في السجن مما استدعى قوات الاحتلال إلى إطلاق القنابل المسيلة للدموع. هذا النفير العام الذي يُنتظر منه أن يمتد إلى كل السجون في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما يجب الإشارة إلى الوجه الآخر لهذه الاستراتيجية المتمثّل في الإضرابات العامة في المدن الفلسطينية، هذا الإضراب الذي بدأته مدينة جنين وسينتقل إلى باقي مدن الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وإلى جانب الإضرابات والنفير العام في السجون ينبغي على الأحرار النزول إلى الشارع والتظاهر ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. بهذه الاستراتيجية فقط يمكن تشتيت العدو الصهيوني وتكبّده خسائر لا يمكن له أن يتحمّلها، ويفتح المجال أمام الفصائل الفلسطينية بشن هجمات انتقامية لروح الشهيد خضر عدنان.
ختاماً، لن تمرّ عملية اغتيال الشهيد خضر عدنان مرور الكرام لأنّ الشعب الفلسطيني سيحوّل هذه الجريمة إلى كابوس يقض مضجع "إسرائيل" كل يوم. ولعل أفضل الحلول في عملية الانتقام للشهيد هو ما وضّحناه بشكل مفصّل لنظرية توحيد الساحات الداخلية الفلسطينية. ومن يدري فقد يتحوّل حلم الشهيد إلى حقيقية عمّا قريب!!!