حقوق الإنسان خديعة الغرب المفضّلة

الإعلام الغربي لا يتوقّف عن الحديث عن "غزو روسي" محتمل لدولة يسعى الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لضمّها إلى حلف الناتو، ليتمكّن من توسعة بنيته التحتية، ونشر المزيد من الأسلحة في الشرق.

  • هل حقوق الإنسان هي مشكلة الغرب مع الصين؟
    هل حقوق الإنسان هي مشكلة الغرب مع الصين؟

قاطعت الدول الغربية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022 المُقامة في العاصمة الصينية بكين دبلوماسياً، بحجة انتهاكات في مجال حقوق الإنسان تمارسها الصين بحق المسلمين في مقاطعة شينغيانغ.

لا توجد دلائل حقيقية على هذه الاتهامات سوى الإعلام الغربي والدول الغربية، وهي الَّتي تحدّثت أيضاً عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل تمهيداً لغزوه. واليوم، تتهم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وتحثّ "إسرائيل" على "أن تدافع عن نفسها"!

ومهما تحدَّثت المنظمات الدولية (لا وسائل إعلامية مدفوعة الأجر) عن الجرائم الإسرائيلية الموثقة، لا تتعرّض "إسرائيل" لأي مقاطعة من الدول التي قاطعت أولمبياد بكين، سواء دبلوماسياً أو سياسياً، بل تشدد تلك الدول مع كل تقرير أممي ينتقدها على وقوفها إلى جانبها ودعمها غير المشروط لها، وكان آخرها تقرير منظمة العفو الدولية الَّذي وصف "إسرائيل" بأنها "دولة فصل عنصري"، فما كان من الدول الغربية ونوابها وإعلامها إلا مهاجمة التقرير وانتقاده، ومهاجمة المنظّمة التي لطالما استعانوا بتقاريرها لمحاربة خصومهم.

 لذا، يحقّ لنا أن نتساءل: هل حقوق الإنسان هي مشكلة الغرب مع الصين أو تفوّقها التجاري عليه، إذ بلغت صادرات الصين في العام الماضي 3.36 تريليون دولار مقابل واردات بقيمة 2.6 تريليون دولار، بفائض تجاري يعد قياسياً على مستوى العالم.

كما حقّقت فائضاً تجارياً بمئات المليارات مع كلٍّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن طريق الحرير الذي سيربط العالم كله بها، لتسهيل نقل البضائع منها وإليها، إضافةً إلى تفوقها على الغرب بتكنولوجيا الجيل الخامس من الإنترنت وكل ما يتبعه هذا التفوق في سرعة الإنترنت من تأثير في شكل الحياة المستقبلية المعتمدة على "إنترنت الأشياء"، أي ستصبح معظم الأشياء التي نستخدمها في حياتنا ذكية، وستعمل من تلقاء نفسها، ما يتطلَّب إنترنت فائق السرعة، لكن الغرب لا يمكنه أن يقدّم هذه الأسباب في حربه النفسية والإعلامية على الصين، لأنها أسباب غير أخلاقية، فالصين ربحت منافسة، ولا جريمة هنا.

كما أنَّ الغرب لن يتمكَّن من الحصول على تأييد الدول والمنظمات التي لا علاقة لها بالمنافسة. لذا، لجأ إلى تشويه هذا المنافس التجاري وتحويله إلى وحش يقتل المسلمين، ويتجسّس على الجميع، ويسعى لتوسيع نفوذه والهيمنة على العالم، واستغلال الشعوب الفقيرة، أو بمعنى آخر اتهامها بكل ما تفعله أميركا فعلاً. 

هذا الاستغلال البشع لمفاهيم حقوق الإنسان بات واضحاً بشكل فجّ في كلِّ القضايا التي شهدها العالم في العقود الأخيرة، لأنَّ روسيا خصمهم، فسيادة أوكرانيا مهمّة، ويجب الدفاع عنها، لكنّ السعودية والإمارات اللتين تشتريان السلاح من الغرب بمئات المليارات، لا ينطبق الأمر عليهما، ولا تكاد تسمع شيئاً عن اليمن في خطابات الساسة الغربيين المفعمين بالإنسانية، على الرغم من هول المأساة التي يعشيها شعبه!

كما أنّ الإعلام الغربي لا يتوقّف عن الحديث عن "غزو روسي" محتمل لدولة يسعى الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لضمّها إلى حلف الناتو، ليتمكّن من توسعة بنيته التحتية، ونشر المزيد من الأسلحة في الشرق، ونصب منصّات الصواريخ النووية الموجّهة نحو روسيا. 

طبعاً، في العقل الغربي، من المفترض أن تتقبّل روسيا ذلك، من دون القيام بأيِّ عمل لحماية أمنها القومي، في الوقت الذي لا تزال الولايات المتحدة تفرض العقوبات على كوبا منذ عقود، لنشرها صواريخ سوفياتية في أراضيها، وطبعاً "انتهاك حقوق الإنسان". هذه التهمة جاهزة دائماً لخصوم الغرب. إذاً، حقّ الدول ذات السيادة بتشكيل التحالفات العسكرية مكفول إذا كانت هذه التحالفات في مصلحة الإمبراطورية الأميركية فقط.

على كلِّ حال، تملك روسيا والصّين القدرة الاقتصادية التي تسمح لهما بتحمّل العقوبات، كما تملكان القدرة العسكرية الكبيرة التي تجنّبهما الضربة العسكرية الغربية المباشرة، لكنَّ المشكلة الحقيقية تعانيها باقي الدول الخارجة عن طاعة الغرب، إذ تُشنّ ضدها الحروب أو تُثار فيها الفتن والحروب الأهلية. وفي أحسن الأحوال، تُفرض عليها العقوبات الاقتصادية، بذريعة انتهاك حقوق الإنسان، ولا تحقّق هذه العقوبات إلا إفقار الملايين من سكّان البلاد وتجويعهم وحرمانهم من الدواء، وتدمير حياة من وصفهم الغرب بأنَّهم "مضطهدون"، بذريعة أنّ ذلك سيجبر المواطنين في تلك الدولة على الانقلاب على أنظمتهم، لتتحول إلى أنظمة يقبلها الغرب. وبذلك، يكون قد أعطى ذاك الشعب "حق تقرير المصير". 

ولنفرض أنَّ ما يسعى إليه الغرب من خلال هذه السياسات هو حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة. هناك عدة أسئلة يجب طرحها: هل الوضع الإنساني في أفغانستان أفضل الآن مما كان عليه قبل الغزو؟ الإجابة: قطعاً لا، فقد تدهورت أحوال الأفغان منذ بداية التدخل الأميركي، وتحديداً في مجال الحقوق المدنية، بعد زيادة سيطرة المتطرفين، فضلاً عن تردّي مستوى التعليم والأحوال الاقتصادية وتفاقم الأزمة الإنسانية. هل الوضع في العراق أفضل اليوم بعد 19 عاماً على الغزو مقارنةً بما كان عليه قبل الغرو؟ 

ماذا تحقّق في الدول التي فُرضت عليها العقوبات بحجّة الأمن القومي الأميركي وحقوق الإنسان، مثل كوبا وكوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا؟ هل تغيّرت الأنظمة الّتي ادّعى الغرب أنها شريرة؟ هل تغيرت القوانين "غير الإنسانية"؟ لم تحقّق العقوبات سوى الجوع والدمار والحرمان. 

كلَّما أرادت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مساعدة "المضطهدين"، ينتهي الحال بموتهم أو تشريدهم أو إفقارهم. إنه أسلوب غريب في المساعدة والاهتمام يختلف عن كلّ منطق عرفه الإنسان. أليس هذا غريباً؟