المقاتلون الأجانب في أوكرانيا: مرتزقة وإرهابيون يخالفون القانون الدولي
قد يرقى هذا العمل إلى اعتباره عملاً عدوانياً في مواجهة روسيا من قبل الدول التي ترسل أفرادها للقتال. وبالتالي، هذا الأمر يخرق القانون الدولي العام.
منذ أن بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فتحت الأخيرة الباب واسعاً للمقاتلين الأجانب للانضمام إلى ساحات المواجهة ضد الجيش الروسي، فيما سارعت الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية إلى دعوة هؤلاء للتوجه والقتال إلى جانب الجيش الأوكراني.
وبدأت طلائع المسلحين تصل إلى أوكرانيا، كما حصل في سوريا تماماً إبان دخول الإرهاب إليها وانتشار تنظيمي "جبهة النصرة" و"داعش" فيها، وكما حصل في أفغانستان إبان الاحتلال السوفياتي وما عُرف حينها بظاهرة الأفغان العرب وغيرهم.
لقد عُرضت مشاهد وصور لأفراد وصلوا إلى أوكرانيا لقتال الجيش الروسي، إذ عُرض فيديو لأول عسكري بريطاني سابق مختص بالدفاع الجوي، وظهر في مقطع فيديو أثناء مروره عبر نقطة تفتيش تابعة لحرس الحدود في غرب أوكرانيا.
كذلك، عُرضت صور لشبان يقاتلون في أوكرانيا، في حين أكَّدت مصادر لوكالة "سبوتنيك" أنّ 450 مسلحاً أجنبياً من جنسيات عربية وأجنبية، ينتمون إلى "التركستاني" و"حراس الدين" و"أنصار التوحيد"، وصلوا إلى أوكرانيا عبر الأراضي التركية للمشاركة في القتال ضد القوات الروسية.
هذه الخطوة، إضافة إلى خطورتها، لكونها تعيد تقوية مشروع الإرهابيين وما يعرف بظاهرة المقاتلين الأجانب التي نصَّ مجلس الأمن الدولي على مكافحتها، تشكل أيضاً خرقاً للقانون الدولي، وهذا ما سوف نتحدث عنه في هذه المقالة.
أولاً: تعريف الإرهاب ومكافحته
حظرت الأمم المتّحدة الإرهاب في قراراتها الصّادرة عن فروعها، واعتبرته مهدداً للسّلم والأمن الدوليّين. وفي العام 1994، أصدرت الجمعية العامّة للأمم المتّحدة إعلاناً عالميّاً لمكافحة الإرهاب الدولي، وهو ما أكّدته أيضاً من خلال 12 معاهدة دولية ملزمة ورد ذكرها في القرار 1373 الصادر في العام 2001 عن مجلس الأمن، منها معاهدة "مونتريال" في العام 1971، ومعاهدة طوكيو 1963، ومعاهدة منع التّعذيب، ومعاهدة منع الإخفاء القسريّ، وغيرها من المعاهدات.
وهناك أيضاً قراراتٌ صادرةٌ عن مجلس الأمن قبل العام 2001، منها قرارٌ صادرٌ في العام 1992 في مسألة طائرة لوكربي في اسكتلندا، وقرارٌ صادرٌ في العام 1996 بحقّ السّودان عندما اتّهم بإيواء أسامة بن لادن.
وصدرت قراراتٌ عن مجلس الأمن تحت الفصل السّابع تعني المجتمع الدّوليّ بأكمله، ولا تُعنى فقط بإرهابٍ لدى دولةٍ واحدةٍ، وذلك بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، إذ صدر القرار 1373 الذي اعتبر أنّ الإرهاب يُشكّل تهديداً للسّلام والأمن الدوليّين.
وقد عرف الإرهاب بأنّه "كلّ عمل جرمي ضد المدنيين بقصد التسبب بالوفاة أو بالجروح البليغة أو أخذ الرهائن، من أجل إثارة الرعب بين الناس أو إكراه حكومة أو منظمة دولية للقيام بعمل ما أو الامتناع عنه، وكلّ الأعمال الأخرى التي تشكل إساءات ضمن نطاق المعاهدات الدولية المتعلقة بالإرهاب وفقاً لتعريفها، ولا يمكن تبريرها بأي اعتبار سياسي أو فلسفي أو أيديولوجي أو عرقي أو ديني".
وقد أُنشئت لجنةٌ دوليّةٌ لمكافحة الإرهاب "CTC: Counter Terrorism Commission". بعد ذلك، صدر قرارٌ مهمٌّ عن مجلس الأمن، هو القرار 1540 في العام 2004، الذّي يتناول حظر الإرهاب النّوويّ، وصدر القرار الثّالث 1566 في العام 2004، والذي أكّد أنّ الإرهاب الدّوليّ في كلّ أشكاله ومظاهره يُشكّل أخطر التّهديدات للسّلام والأمن الدوليّين "Threat To Peace and Security".
وكانت المحطّة الثّانية للجمعيّة العامّة في مكافحة الإرهاب في العام 2006، عندما أقرّت الاستراتيجية الدوليّة لمكافحة الإرهاب "The UN Global Counter Terrorism Strategy". كذلك، هناك العديد من المؤتمرات والاتفاقات الإقليميّة والقرارات التّي سعت إلى وضع تعريفاتٍ ومعايير وإجراءاتٍ لمكافحة الإرهاب.
ثانياً: مكافحة ظاهرة الإرهابيين الأجانب
ذهب مجلس الأمن في القرارات الصادرة عنه إلى اعتبار الإرهابيين والتّنظيمات الإرهابية بأنها تُهدّد السّلم والأمن الدّوليّين. وتقوم هذه المُنظّمات والكيانات الإرهابيّة بإنشاء شبكاتٍ دوليّةٍ تربط بين دول المنشأ والعبور والمقصد، ويُنقل من خلالها، ذهاباً وإياباً، المقاتلون الإرهابيون الأجانب والموارد اللازمة لدعمهم، وهذا ما يُشير إليه مجلس الأمن الدّوليّ في قراره 2178 الصّادر في 24 أيلول/سبتمبر 2014.
وكان من شأن اتخاذ هذا القرار "في الاجتماع الرفيع المستوى لمجلس الأمن، الذي تولى رئاسته الرئيس الأميركيّ باراك أوباما، أن يجعل مسألة المقاتلين الإرهابيّين الأجانب في صدارة جدول الأعمال الدوليّ". وبموجبه، أكّد المجتمع الدّوليّ الحاجة الملحَّة إلى اتّخاذ تدابير على نحوٍ كاملٍ وفوريٍّ في ما يتعلق بالمقاتلين الإرهابيّين الأجانب، ولا سيّما أولئك المرتبطون بتنظيم "داعش"، فضلاً عن جبهة "النُّصرة" وسائر الجماعات الأخرى.
القرار 2178 أدان التّطرّف العنيف الذي قد يهيئ المناخ للإرهاب والعنف الطائفيّ، وحاول معالجة ظاهرة المقاتلين الأجانب، وأدان ارتكاب الأعمال الإرهابيّة. ودعا مجلس الأمن في هذا القرار جميع الدول الأعضاء إلى التّعاون بهدف التّصدّي لتهديدات الإرهابيّين الأجانب، بما في ذلك منع انتشار الفكر المتشدّد وتجنيد المقاتلين، مؤكِّداً أنّ مكافحة التّطرّف العنيف الذّي يمكن أن يُفضي إلى الإرهاب تُشكّل عاملاً أساسياً في التصدّي لتهديد الإرهابيين الأجانب، لكنّنا لم نشهد أيّ تقدمٍ في هذا الأمر.
لقد طلب القرار من بلدان العالم أن تمنع وتكبح تجنيد وتنظيم ونقل وإمداد المقاتلين الإرهابيّين الأجانب وتمويل تنقّلاتهم ونشاطاتهم، ولكنّ ذلك لم يحصل. ودعا القرار 2178 الدول إلى تحسين التّعاون الدّوليّ والإقليميّ والفرعيّ لمنع سفر المقاتلين الإرهابيّين الأجانب، بما يتضمّنه ذلك من زيادة تبادل المعلومات.
ثالثاً: مقاتلون إرهابيون ومرتزقة
تشكّل خطوة فتح الباب أمام المقاتلين الأجانب خرقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2178، وهي تضرب القانون الدولي بعرض الحائط، كما يمكن اعتبار هؤلاء مرتزقةً يقاتلون إلى جانب أوكرانيا.
وقد يرقى هذا العمل إلى اعتباره عملاً عدوانياً في مواجهة روسيا من قبل الدول التي ترسل أفرادها للقتال. وبالتالي، هذا الأمر يخرق القانون الدولي العام، كما يخرق القانون الدولي الإنساني، لأنَّ المقاتل ليس من أبناء البلد، ولا يحمل جنسيتها، بل هو من المرتزقة.
ويتمّ تعريف المرتزق، بحسب المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، بأنه "يجند خصيصاً، محلياً أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح، ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويُبذل له فعلاً من قبَل طرف في النزاع أو باسم هذا الطرف وعد بمكافأة مادية تزيد كَثيراً على ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم، ولا يكون من رعايا طرف في النزاع، ولا من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع، وليس من أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع".
وتنص المادة الثانية على أنّ كلّ شخص يقوم بتجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم، وفقاً لتعريفهم الوارد في المادة (1) من هذه الاتفاقية، يرتكب جريمة في حكم هذه الاتفاقية، فيما تقول المادة الثالثة المادة 3 إن كل مرتزق، كما هو معرف في المادة (1) من هذه الاتفاقية، يشترك اشتراكاً مباشراً في أعمال عدائية أو في عمل مدبر من أعمال العنف، تبعاً للحالة، يرتكب جريمة في حكم هذه الاتفاقية.
وبحسب المادة الخامسة، لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم، وعليها أن تقوم، وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية، بحظر هذه الأنشطة. وإضافة إلى ما تقدم، إنّ هذا المرتزق، وفق القانون الدولي الإنساني، ليس له الحقّ في وضع المقاتل أو أسير الحرب، وفقاً للتعريف الوارد في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف.