القوات المسلّحة اليمنية تؤكد: سنكسر الحصار بطريقتنا

جاءت العملية الثانية من مسار "كسر الحصار" العسكري والاقتصادي العابر للحدود للكشف عن جانب جديد من الصورة التي لطالما حاول النظام السعودي إبعادها.

  • تُقرأ عمليّة كسر الحصار الثانية من الناحية الاقتصادية في إطار الردّ المشروع
    تُقرأ عمليّة كسر الحصار الثانية من الناحية الاقتصادية في إطار الردّ المشروع

انتظر تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأميركي ثمرةً من حصار خانق وشامل فرضه على اليمن وأهله بعد سقوط جدار القبحِ العسكري طوال سنوات مضت، فجاء الحصار الذي فرضه مرّاً عليه. 

وعلى أعتاب عام جديد من الصمود والمواجهة، وفي مرحلة مفصليّة وحاسمة، جاء الجواب من أعلى هرم الدولة حاسماً وحازماً وواضحاً إلى من يهمه الأمر: "أما بعد، فإنّ الردّ آتٍ لا محالة على كلّ من يمارس الحصار والقتل الجماعي على أبناء شعبنا، فالحقوق تؤخذ عنوة، ولا تُسترد إلا بالقوة"، أكد الرئيس مهدي المشاط.

هذا الردّ أُرفق بُعيد ساعات معدودات بتأكيد ترجم عبر عملية عسكريّة جديدة داخل مملكة النفط، فطالت اليد الضاربة للقوات المسلحة العمق السعودي بدفعة من الصواريخ والطائرات المسيرة، مستهدفة جملة من الأهداف الحيويّة، ومعلنة بذلك دخول عمليّة "كسر الحصار بنسختها الثانية" حيّز التنفيذ.

تجدد الإعصار بمرحلته الثانية انطلق بالتزامن مع دخول العدوان على اليمن عامه الثامن، إيذاناً منه بافتتاح عام مليء بمفاجآت طابعها الرد والرّدع التصاعدي، في عمليات استراتيجية تخبّئ العديد من الأهداف الواقعة تحت مجهر القوة الصاروخية، وذلك في إطار معركة النفس الطويل الذي لن ينقطع إلا بالحسم والنّصر.

وقد جاءت العملية الثانية من مسار "كسر الحصار" العسكري والاقتصادي العابر للحدود للكشف عن جانب جديد من الصورة التي لطالما حاول النظام السعودي إبعادها عن مخيلته وهو يضاعف معاناة اليمنيين: "صورة المملكة وهي تحترق". 

من العاصمة الرياض إلى ينبع إلى خميس مشيط وظهران الجنوب ومدن سعودية أخرى، ارتفعت أعمدة الدخان في مجموعة كبيرة من المنشآت الحيوية (التابعة بمعظمها لشركة "أرامكو")، بعد استهدافها بدفعات من الصواريخ البالستية والمجنّحة والطائرات المسيرة في آنٍ واحد، في واحدة من أكبر عمليات الردع العابرة للحدود، فما الأبعاد التي حملتها؟

لقد أمعن تحالف العدوان خلال الأشهر الماضية في خنق الشعب اليمني وحصاره بشتّى الوسائل، فحبس النفط والغاز والمواد الغذائية، تقديراً منه بأنَّ ذلك سيمكّنه من حصد ورقة التّذمر الشعبي من الداخل تجاه القيادة اليمنية.

ومع استفحال الوضع ووصول أزمة المشتقات النفطية إلى ذروتها بالشكل الذي وضع استمرارية معظم القطاعات الخدماتية على المحك وهدَّدها بالتوقف، أرسلت حينها صنعاء رسائل عديدة إلى المملكة بضرورة رفع الحصار، معتبرة أن إذعانها واستمرارها فيه سيستدعي ردّاً عسكرياً لم تشهده من قبل، وهو بالفعل ما حصل بعد تغافلها عن جلّ التحذيرات والرّسائل، فكانت "عملية كسر الحصار الأولى" بطائرات "صماد" المسيرة بمثابة غيض من فيض ما لبثت أن تلتها نسخة ثانية نفذت على 3 مراحل.

تُقرأ عمليّة كسر الحصار الثانية من الناحية الاقتصادية في إطار الردّ المشروع للشعب اليمني على الحصار، باعتبار أن الأزمة الراهنة هي الأشدّ منذ بدء العدوان. وقد شمل الاستهداف هذه المرة مراكز حساسة، مثل محطات الغاز وتحلية المياه والكهرباء والنفط في مختلف المناطق، بحسب ما جاء في وسائل الإعلام المحلية، والتي تجسّد ببساطة عمود الاقتصاد السعودي، "الضرع الحلوب" للولايات المتحدة، أي أنَّ توالي الضربات واستمرارها سيكبّدها خسائر لن تكون في الحسبان.

عسكرياً، تعتبر العملية واحدةً من العمليات التي تتجاوز – لشدّتها - أبعادها ودلالاتها الزمانية والمكانية، لتعبّر عن المصائر والدلالات الحتمية، فالرسالة اليوم ليست عبارة عن عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة التي تجول في أجواء واسعة من المملكة المدرعة بمنظومات الدفاع الغربية الحديثة أو "المقذوفات" - كما يسميها النظام السعودي - التي تصيب منشآت معينة فحسب، بل إنَّ ما تقوله فعلياً هو أنَّ القوات المسلحة تمتلك من القدرات والإمكانيات ما يمكّنها من الرد على معاناة شعبها بشكل متكافئ في عدة عمليات، أي أنَّ ما احتاج تحالف العدوان إلى تحقيقه عبر عشرات الغارات المسنودة بقرارات ومبايعة ومساندة دولية، يمكن تسوية حسابه بما هو أسرع وأقلّ كلفة من ذلك، وتسوية الحساب قد تعني انهيار اقتصاد المملكة.

من جهة أخرى، استُخدمت في العملية بمراحلها الثلاث ترسانة واسعة من سلاح الجو المحليّ الصنع، منه الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية والمجنحة من نوع "قدس 2". ويؤكّد إمكانيات القوات المسلحة توجيه الضربات بكميات كثيفة من الصواريخ والمسيرات إلى أهداف متعددة ومتباعدة في وقت واحد ومن دون توقف.

وتظهر مشاهد الأضرار والنيران التي نُشرت عقب العملية امتلاكها أيضاً مئات قواعد الإطلاق الحديثة والمحصنة، إضافةً إلى أسلحة الردع ذات القوة التدميرية الكبيرة. هذا التطوّر في الترسانة العسكريّة من شأنه أن يؤثّر في كسر الحصار الظالم المفروض على اليمن، وأن يؤثر أيضاً في مجمل التوازن العسكري والسياسي في المواجهة بين الشعب اليمني وتحالف العدوان، كما أنه يكرّس اليمن كدولة مقتدرة وقادرة وصاحبة سلاح ردع استراتيجي لا تملكه كلّ دول المنطقة.

في المحصّلة، إنَّ النظام السعودي يسير نحو هاوية حتمية في حال استمرّ بحربه العبثية، فأدوات "الهيمنة" التي يعول عليها لن تنفعه ولن تنقذه، لأنَّ ما تم تأكيده اليوم هو أن تحالف العدوان ورعاته يواجهون يمناً غير الَّذي ظنّوا أنهم سيواجهونه.

وبالتالي، إنَّ التعامل معه بالطرق التقليدية لن يجدي نفعاً، ولن يمرّ الكثير من الوقت في حال استمرّت السعودية بمكابرتها، حتى تتجلّى حقيقة بقية تحذيرات القوات المسلّحة في أماكن أخرى "قابلة للاشتعال".

لقد تغافل تحالف العدوان عن حقيقة واحدة حين شرعن الحصار الاقتصادي على اليمن، مفادها أنَّ محاربة الشعوب بقوتها ولقمة عيشها ما هي إلا وسيلة العاجز ووسيلة الفاشل، وهذا هو حاله في المستنقع الَّذي أوقع فيه نفسه عن جهل وغباء وسوء تقدير.

واليوم، باتت المعادلة المتحققة بعد 7 سنوات مواجهة واضحة لا لبس فيها: لا استقرار لدول التحالف إلا باستقرار اليمن وأمنه. وما دون ذلك كلّه، ليس سوى وهم وضرب من العبث.