إغلاق حساب السيد خامنئي في مواقع التواصل. لماذا؟
إغلاق حسابات السيد خامنئي بسبب دعمه المطلق لفلسطين قولاً وفعلاً في مواقع التواصل يثبت أن حرية التعبير التي تروج لها الدول الغربية ليست إلا كذبة.
مرت سنوات على دخول مصطلح "حرية التعبير" إلى عالم السياسة منطلقاً من بعض الدول الغربية التي تعرف بتاريخها الاستعماري لاستهداف الدول التي تكون هدفاً لها سياسياً وأمنياً. ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، نسمع يومياً عن هذا المصطلح.
لا شكّ في أن "حرية التعبير" قبل شبكة الإنترنت كانت تعبيراً يستخدم بشكل محدود في بعض وسائل الإعلام، لكن بعد انطلاقة وتطوير وسائل التواصل الاجتماعي باتت حرية التعبير موضوعاً أكثر تداولاً، والهدف منه ليس إعطاء حق التعبير للإنسان فعلاً، بل استغلال مشاعر الناس وتصويبها كما يريد الطرف الغربي.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن هذه الحرية لا تستهدف أغلب الأوقات إلا مقدسات المسلمين ومعتقداتهم، كما شهدنا انتهاك حرمة المصحف الشريف عبر إحراقه أو الإساءة إلى رسول الله (ص) واستفزاز أكثر من ملياري مسلم بالاستهزاء بمعتقداتهم. وكل ذلك حصل تحت شعار حرية التعبير.
هل هذه الحرية التي يريد الغرب أن يمنحنا إياها مجاناً، والتي تسمح لنا بأن نعبر ما نعتقد به؟ بكل تأكيد لا، فهناك خط أحمر لدى الدول الغربية، وهو الاحتلال الإسرائيلي. هذا الغرب الذي يهمه حريتنا في التعبير يبذل كل جهده لقمع أبسط نداء أو صوت يعارض هذا الكيان، رغم ارتكابه أفظع مجزرة في عصرنا الحديث وإبادة أهل غزة باستشهاد أكثر من 30 ألفاً وجرح مئات الآلاف، ناهيك بتجويع أكثر من مليوني سكان غزة، فإذا صوبت كلامك باتجاه الصهاينة ستواجه الوجه الآخر لحرية التعبير الغربية. وهنا يكمن موضوعنا الأساسي، وهو إغلاق حساب السيد خامنئي في مواقع التواصل، وتحديداً إنستاغرام وفيسبوك، بذريعة "التصدي للتطرف"، علماً أنها ليست المرة الأولى التي تقوم شركة ميتا بإغلاق حسابات السيد خامنئي.
اهتم السيد الخامنئي بموضوع العالم الافتراضي وشبكة الإنترنت منذ البداية، لكونها تستطيع إيصال رسالته إلى أنحاء العالم بسهولة، فكان النشاط الإلكتروني موضع اهتمام مكتبه بناء على أمره المباشر للاهتمام بهذه الساحة. منذ انطلاق الأنشطة الإلكترونية، كان موضوع فلسطين كالعادة حاضراً فيها لإيصال صوت مظلومية الشعب الفلسطيني إلى العالم في زمن التطبيع والخضوع بشتى طرق والسبل الإعلامية، منها تصميم كليبات وصور وإنفوغرافيك وأي مادة تفيد القضية الفلسطينية أكثر.
وحظيت هذه الأنشطة التي كانت بمختلف اللغات العالمية بمتابعة عالمية من مختلف شرائح الناس، ما جعل حسابات السيد خامنئي في مواقع التواصل الاجتماعي أحد أهم مصادر لتقوية فكر القضية الفلسطينية ومقارعة الاستكبار. وبعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، برز بشكل ملحوظ اهتمام مكتب السيد خامنئي بالتركيز على القضية الفلسطينية.
السيد الخامنئي المدافع عن فلسطين منذ عقود
منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، رفعت الجمهورية الإسلامية شعار دعم مقاومة أهل فلسطين قولاً وفعلاً، ولم يكن هذا الموضوع مجرد شعار، وجميعنا نعلم كيف قدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية كل ما باستطاعتها من الأسلحة والعتاد والدعم اللوجيستي لتقوية المقاومة في فلسطين آنذاك، ثم تأسيس محور المقاومة الممتد من طهران إلى غزة مروراً من بغداد ودمشق وبيروت.
سمعنا كثيراً عن دعم الجمهورية الإسلامية للمقاومة رغم أن جزءاً كبيراً من هذا الدعم لا يمكن الحديث عنه علناً، لكن أحد وجوه الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية كان موقف السيد علي خامنئي الشخصي من القضية، فمنذ اندلاع الثورة كان يرفع صوته للدفاع عن المظلومين في فلسطين ولبنان، وأينما تتعرض الشعوب المسلمة لظلم الاحتلال الصهيوني. وتجلى هذا الموقف قبل توليه القيادة في مواقفه المتكررة في خطبة صلاة الجمعة كإمام للمصلين أو في مواقفه الدبلوماسية الرسمية من موقفه كرئيس الجمهورية للبلاد.
وكان للسيد خامنئي تواصل وثيق مع قادة المقاومة الفلسطينية في بداية انتصار الثورة، ثم المقاومة الإسلامية في لبنان فيما بعد. وقد حافظ على هذا التواصل بالرغم من انشغاله بإدارة البلد، بل كان له دور وإشراف في إمداد المقاومة بكل ما تحتاج.
بعد تسلم قيادة الثورة الإسلامية عام 1989، كان أعداء الجمهورية الإسلامية يتوقعون تغييراً جذرياً في سلوك الجمهورية على مستوى الخارجي، وتحديداً ملف فلسطين ودعمها للمقاومة الفلسطينية واللبنانية. وهنا المقصود من التغيير الجذري هو تغيير بوصلة الجمهورية من المقاومة باتجاه الاستسلام والتخلي عن حركات المقاومة، لكن ما حصل كان خلاف ما توقعه الأعداء، وعلى رأسهم الاحتلال الصهيوني.
بدعم مباشر وصريح من السيد علي خامنئي شخصياً، شهد مسار دعم الجمهورية الإسلامية للمقاومة الفلسطينية تحولاً غير مسبوق مقارنة بالسنوات الماضية. وحدة حركات التحرر التي كانت وحدة صغيرة جداً في تشكيلات حرس الثورة تحولت إلى "قوة القدس"، وحظيت حركات المقاومة في فلسطين ولبنان بموضع اهتمام خاص لدى شخص السيد خامنئي.
لكن دور السيد خامنئي لم ينحصر في هذا الإطار، بل كان في السنوات الماضية حاملاً للقضية مدافعاً بشكل علني أينما تتعرض القضية لمحاولات لتصفيتها وتكريس مفهوم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية. هنا، يجب أن نذكر بيان السيد خامنئي المشهور بعد مؤتمر مدريد عام 1991، الذي كان يحاول أن يقضي على القضية الفلسطينية بتطبيع العلاقات بين حركة فتح والكيان الصهيوني وإعلان إنهاء المقاومة في فلسطين بشكل نهائي.
السيد خامنئي حذر آنذاك من محاولة بعض الدول العربية لتطبيع العلاقات مع الاحتلال، وتحدث عن مسؤولية المسلمين تجاه القضية الفلسطينية أمام الله والتاريخ، ودعا المسلمين من العلماء والنخب إلى تبيين الخطر الذي سيحل على الأمة الإسلامية في حال نجاح العدو في إنهاء القضية الفلسطينية، وأكد أن الحل هو داخل فلسطين وعلى أيادي المقاتلين الفلسطينيين، وعلى الدول الإسلامية أن تقدم دعمها المادي والعسكري والاستخباراتي إلى فلسطين. وفي ختام بيانه، أعلن السيد خامنئي أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو تشكيل الدولة الفلسطينية من البحر إلى النهر.
هذا البيان لم يكن مجرد بيان كتب بالحبر، بل كان موقفاً صريحاً وواضحاً في وجه معظم دول المنطقة التي كانت تتجه نحو التطبيع مع الاحتلال الصهيوني ومحاولة لتصويب بوصلة الأمة الإسلامية باتجاه فلسطين بشكل أكثر جدية، لكن لم يلبِ أحد نداء السيد، فأتبع مساره بدعم المقاومة بكل ما باستطاعة الجمهورية الإسلامية، ولو بقيت الجمهورية وحيدة في دعمها للمقاومة على قاعدة لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه.
مضت سنوات، رغم فرض أشد حصار اقتصادي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبالرغم على أن التهديد العسكري الغربي كان أقرب إلى التنفيذ ضد الجمهورية الإسلامية بشكل مباشر، فقد ازداد السيد الخامنئي إصراراً على موقفه الداعم لفلسطين قولاً وفعلاً. وإلى جانب الدعم العسكري واللوجيستي، كان لخطابات ورسائل وبيانات السيد الخامنئي دور بارز في تذكير العالم بالقضية الفلسطينية ومظلوميتها، لكون السيد الخامنئي أكبر داعم للقضية الفلسطينية التي دعمها بالفعل قبل القول.
كذبة حرية التعبير الغربية
إغلاق حسابات السيد خامنئي بسبب دعمه المطلق لفلسطين قولاً وفعلاً في مواقع التواصل يثبت أن حرية التعبير التي تروج لها الدول الغربية ليست إلا كذبة، فإذا أردنا أن نتكلم عن التطرف واتهام حركات المقاومة وداعميها بالإرهاب، ففي يومنا هذا لا يوجد إرهابي في العالم إلا الكيان الاحتلال الذي تسبب باستشهاد أكثر من 30 ألفاً وشرد الملايين، معظمهم من النساء والأطفال، من دون طعام وأدوية وفي ظروف كارثية.
لكن رئيس وزراء هذا الكيان المجرم يستضاف في العواصم الأوروبية والأميركية معززاً ومكرماً لدى رؤساء تلك البلدان، دون أي اتهام له بالإرهاب. أما المقاومة، فهي أقدس رد فعل على جرائم العدو منذ ما يقارب 75 عاماً. وبمعرفتنا بنهج السيد خامنئي، نعرف أن السيد الذي أشرف منذ أكثر من 34 عاماً على مواجهة الصهاينة بشتى الطرق لن يتخلى عن قراره لنصرة فلسطين. وكلما حاول الغرب إسكات صوته إعلامياً ازداد قوة في أنشطته الرسمية إلى جانب تقديم ما يمكن تقديمه للمقاومة الفلسطينية.