"إسرائيل الكبرى" و"طوفان الأقصى"

جذوة المقاومة الحية في المنطقة بداية بالمقاومة الفلسطينية البطلة والمقاومة اللبنانية وفصائل المقاومة العراقية وكذلك أنصار الله، عطلت المشروع الصهيوني طوال السنوات الماضية، وسوف تنتصر في النهائية.

  • مشاهد من الحرب على غزة.
    مشاهد من الحرب على غزة.

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي 2017، أعاد موقع "غلوبال ريسيرش" ما يعرف بخطة "إسرائيل العظمى" سيئة الصيت، والتي صاغها عيدون يونين من حزب الليكود (الحزب الذي ينتمي إليه نتنياهو، صاغها قبل اجتياح لبنان في حزيران/يونيو 1982، وأعاد الموقع نشرها بمناسبة قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل).

كنت قد سمعت عن هذه الخطة في بداية دراستي الأكاديمية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إذ أفصح عنها العلاّمة الدكتور حامد ربيع الذي كان قد غادر القاهرة قبل أن يبدأ جنون السادات باعتقال المعارضين لسياساته. تستند الخطة إلى فرضية أنه بعد خروج مصر من الصراع العربي-الصهيوني، وعزلها خلف صحراء سيناء، ينبغي لـ "إسرائيل" أن تصبح قوة إمبريالية إقليمية تستفرد بالقرار وبدول المنطقة. 

تقوم الخطة ببساطة شديدة على بلقنة (تفتيت المنطقة على غرار تفتيت البلقان) إلى كانتونات عرقية وإثنية ودينية وطائفية، لتحقيق "إسرائيل" الكبرى من النيل إلى الفرات. لأنه في هذه الحالة يكون الكيان الصهيوني هو الكيان "القائد" في الإقليم. 

يعلق على الوثيقة كل من الخبيرين الاستراتيجيين ميشيل تشودفسكي وإسرائيل شاحاك قائلين إن الهدف الرئيس للكيان الصهيوني هو نفي الوجود الفلسطيني الذي يتناقض مع الوجود الصهيوني (يجب إبادة الفلسطينيين ونفي وجودهم).

"إسرائيل العظمى" ينبغي لها أن تضم فلسطين التاريخية وهضبة الجولان وخط سكك حديد الحجاز حتى درعا وخليج العقبة وجنوب لبنان حتى نهر الليطاني (هذا نص الوثيقة) وهذا يفسر الغزو الصهيوني لجنوب لبنان (ما سمّي بعملية الليطاني مارس 1978) 

ثم غزو لبنان واجتياح بيروت 1982 واحتلال جنوب لبنان حتى أيار/مايو 2000.

يقوم تصور عوديد يونين على أن مصلحة "إسرائيل" تكمن في تفتيت الدول العربية إلى كيانات طائفية، ويبدأ بالعراق الذي يجب أن يقسم إلى ثلاث دول: دولة كردية في الشمال، ودولة سنية في الوسط، ودولة شيعية في الجنوب.

ويتحدث عن تقسيم سوريا إلى دولة علوية على الساحل، ودولة سنية في حلب معادية لدولة سنية في دمشق، ودولة درزية في الجولان.

ويتحدث عن تقسيم لبنان إلى دولة سنية ودولة شيعية ودولة درزية ودولة مارونية.

بالطبع، عوديد يونين يتحدث عن تلك الفسيفساء التي يتكون منها الوطن العربي مسيحيين ومسلمين (شيعة وسنة ودروز) وعلويين وأباضية ووهابية، وكذلك بربر وأمازيغ.

ويستنكر أن تحكم العراق الذي يتكوّن من أغلبية شيعية الأقلية السنية، وأن تحكم البحرين الذي يتكوّن من الأغلبية الشيعية الأقلية السنية، وأن تحكم سوريا السنية الأقلية العلوية.

يتحدث واضع الخطة لـ "إسرائيل العظمى" في الثمانينيات والتسعينيات عن مصر التي تسترد سيناء، وتصبح جثة هامدة وتضمحل معها أسطورة أن مصر تقود العالم العربي، كما يتحدث عوديد يونين عن تقسيم السودان وليبيا ومصر نفسها كذلك إلى دولة مسيحية في الجنوب ودولة مسلمة في الشمال.

كان الصهيوني في ذلك الوقت قد كلف سعد حداد قائد ما يُعرف بـ "جيش لبنان الجنوبي" بالهيمنة على جنوب لبنان، ويتحدث عوديد عن نموذج "حداد لاند" الذي يجب تعميمه.

أما بالنسبة إلى الأردن، فيتحدث عن كونفدرالية بين الأردن وما تبقى من فلسطين (خطة شارون –ايتان).

بطبيعة الحال، هذه الخطة الموضوعة في الثمانينيات، الفترة التي شهدت غزو لبنان وإبرام اتفاق 17 أيار/ مايو 1983 الذي أسقطته المقاومة اللبنانية في آذار/مارس 1984 بعد شهور من إبرامه، وقامت المقاومة اللبنانية بالنضال حتى تحرر جنوب لبنان من دون إبرام اتفاق سلام أو اعتراف بالعدو الصهيوني في 25 أيار/مايو 2000، ولم يكتف قائد المقاومة بالنصر المؤزر إذ صمم على استرداد الأسرى ورفات الشهداء فقام بخطف جنديين صهيونيين فشنّ العدو عدوانه الذي استمر 33 يوماً وانتصرت المقاومة مجدداً، وسطّرت فصلاً جديداً من فصول العز والفخار في تموز/يوليو 2006.

استراتيجية الصهيوني ليست منفصلة عن استراتيجية الناهب الدولي الذي أنشأ الكيان في المنطقة، لذلك قام الأميركيون بغزو العراق في آذار/مارس 2003 وقاموا بحل الجيش العراقي، وأصدروا دستور بريمر الطائفي الذي يعدّ تمهيداً لتمزيق العراق.

لولا دعم إيران المقاومة اللبنانية والفلسطينية لتحقق مشروع "إسرائيل الكبرى" منذ زمن.

إيران نفسها تدرك أنها موجودة في بنك أهداف الناهب الدولي ووكيله الصهيوني، والحديث عن "تمزيق" إيران (خاصة بعد الثورة الإسلامية) وتقسيمها موجود في خطة عوديد يونين. 

وبالعدوان البربري على سوريا منذ العام 2011 والصمود السوري المذهل الذي يعدّ استكمالاً لصمود لبنان والعراق ضد التقسيم إلى كانتونات طائفية، وفشل المشاريع الأميركية والصهيونية وآخرها انفصال إقليم كردستان العراق، يستعجل الصهيوني تحقيق أي مكسب ولو كان مكسباً فوقياً ينتزعه من القادة (المعتدلين العرب).

جاء قرار ترامب في سياق ما عُرف بصفقة القرن لإنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها إلى الأبد بإعطاء جزء من الضفة إلى الأردن وغزة إلى مصر (أو اقتطاع جزء من سيناء وضمّه إلى غزة وتعويض مصر بممر في صحراء النقب إلى الأردن) 

ومنح الفلسطينيين صحراء قرية أبو ديس، يكتبون عليها اسم القدس وتتكفل الإمارات والسعودية ببناء نموذج يحاكي المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.

ويأتي كذلك في هذا السياق تنازل مصر للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير الخاضعتين إلى اتفاق كامب ديفيد حتى تتمكّن السعودية من إخراج علاقتها القديمة بالصهيونية منذ حرب اليمن الأولى في الستينيات إلى العلن.

وكذلك يأتي في السياق هذا العدوان البربري على اليمن الذي هو عدوان أميركي -صهيوني في الأساس تشارك فيه أطراف عربية ويهدف إلى تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم فيدرالية، ويهدف إلى السيطرة الأبدية على باب المندب الذي يؤمن حركة الملاحة الإسرائيلية، والتي تم تأمينها بالاستيلاء على تيران وصنافير.

كل ذلك يأتي ضمن صفقة القرن الغامضة التي هي بلا شك مدخل لتأسيس "الحلف الإسلامي" الذي يقوده الكيان الصهيوني ضد إيران.

وهنا، يجدر القول إن خروج مصر من معادلة الصراع العربي-الصهيوني قابله، لحسن حظ، دخول إيران إلى الإقليم لتعويض خروج مصر.

وكادت المؤامرة أن تكتمل بإقامة تطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني، والحديث عن ممر التنمية من الهند إلى الكيان مروراً بالسعودية، لولا 7 أكتوبر العظيم.

وفي ظني الشخصي أن جذوة المقاومة الحية في المنطقة بداية بالمقاومة الفلسطينية البطلة والمقاومة اللبنانية وفصائل المقاومة العراقية وكذلك أنصار الله، عطلت المشروع الصهيوني طوال السنوات الماضية، وسوف تنتصر في النهائية.