هل يتدخل الروس في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في فرنسا؟
سوف تتجه الأنظار في روسيا صوب المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان وتعزيز معسكرها، حتى تحظى بنقاط قوة يمكن من خلالها أن تتقدم، ولو يسيراً، على الرئيس الفرنسي ماكرون.
ها هو التاريخ يُعيد نفسه في فرنسا. قبل 5 سنوات، نجح إيمانويل ماكرون ومارين لوبان في تخطي الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في فرنسا، وكان التنافس حينها على أشدّه بين الشعبوي الوسطي واليمينية المتطرفة.
ورغم أنَّ الكفّة رُجّحت لمصلحة ماكرون آنذاك، لأن الفرنسيين كانوا يتخوفون من برنامج لوبان المتطرف الذي كان ينصبّ آنذاك على الهجرة ومعاداة الإسلام والمسلمين، فإنَّ اليمينية المتطرفة لوبان لم تستسلم، وعاودت الكرّة مرة أخرى، لتخوض الانتخابات للمرة الثالثة في تاريخها السياسي؟
لكن الظروف اليوم اختلفت كثيراً، بعد ما حدث في العالم من تغيرات كبيرة ومتعددة على المستوى المحلي الفرنسي والإقليمي والعالمي، قد تصب في مصلحة المرشحة اليمينية، وقد تقلب الطاولة على الرئيس ماكرون الذي فاز في الجولة الأولى بالمرتبة الأولى، لأنَّ الأوضاع الداخلية في فرنسا تأزمت كثيراً بفعل العملية الروسية في أوكرانيا التي عارضها ماكرون بشدة، رغم محاولاته المتكررة لتفادي وقوعها، لكن محاولاته كلها باءت بالفشل، ولم تفضِ إلى أي نتيجة.
ولا شكّ في أنَّ مواقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتشددة تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ودعوته إلى مقاومة الحرب الروسية ومساعدة أوكرانيا بالسلاح وتوطين الأوكرانيين في فرنسا أثارت موجة من الانتقادات الداخلية من حزب اليمين المتطرف الذي يتبنى رأياً مخالفاً لرأيه، ويعارض العقوبات المفروضة على روسيا، ويقترح تقارباً بينها وبين الحلف الأطلسي. وكان هذا الموقف قد أحدث انقساماً بين المعسكرين، وقد يكون سبباً محتملاً لاحتدام التنافس بين المرشّحيْن إلى الرئاسة الفرنسية.
من جهتها، صرحت مارين لوبان بأنها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كثير من المواقف، ما جعل الأخير يأمل أن تفوز في الانتخابات القادمة، حتى يُحدث هزّة داخل الاتحاد الأوروبي وتتفكك الوحدة التي بناها الاتحاد في مواجهة العملية العسكرية في أوكرانيا.
من هنا، سوف تتجه الأنظار في روسيا صوب المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان وتعزيز معسكرها، حتى تحظى بنقاط قوة يمكن من خلالها أن تتقدم، ولو يسيراً، على الرئيس الفرنسي ماكرون.
ولكنّ مثل هذه الخطوة الجريئة التي يمكن أن تُقدم عليها روسيا، كما فعلت إبان الانتخابات الأميركية في 2017، بحسب التقارير الأميركية وتأثيرها فيها، حتى مالت الكفة لمصلحة دونالد ترامب، رغم أن استطلاعات الرأي الأميركية كلها آنذاك رشّحت هيلاري كلينتون لمنصب الرئاسة بسهولة، قد تجعل روسيا محلّ اتهام من الدول الكبرى، كأميركا وبريطانيا وألمانيا وغيرها، وقد تقوّي الجانب الروسي إذا ما حصل ذلك فعلاً، لإحداث بلبلة في الاتحاد، وتكريس لغة القوة التي يسعى الرئيس الروسي لترسيخها حتى يبني حواره المقبل على الأسس التي يريدها.
لكنَّ الفرنسيين اليوم ربما لا يعطون هذا الموقف الأهمية الكبرى، بل إن أنظارهم تنصبّ على مشاكلهم الداخلية، من غلاء الأسعار وارتفاع معدلات البطالة والحالة الاجتماعية الَّتي بدأت تتدهور هناك نتيجة سياسات ماكرون، ولم تعد تجذب أنظارهم ما يقوم به الرئيس الفرنسي من هجوم على الإسلام والمسلمين وعلى النبي محمّد (ص)، لأنهم يدركون أنَّ هذه الأحداث إنما تزيد المجتمع الفرنسي تفككاً وتشتتاً، وتنمي روح العداء بين الفرنسيين أنفسهم، وهو أمر لا يخدم المصلحة العامة.
لذلك، إن الناخب الفرنسي ما زال يعيش تذبذباً، بحسب رأيي، في نصرة هذا أو تلك، بحسب ما تمليه الأحداث الجارية مع قرب الاقتراع في الجولة الثانية في الانتخابات الفرنسية، لكن إن فازت مارين لوبان في هذه الانتخابات، فستكون أول امرأة تحكم فرنسا منذ الثورة الصناعية، وهي سابقة في تاريخ الدولة العتيدة التي لم تمنح أي أنثى فرصة في أن تتسيد الدولة وتسكن قصر الإليزيه، ربما لأن الذكور في الغرب ما زالوا يتوجسون خيفة من حكم المرأة وتقلدها منصب رئيسة للبلاد، وقد يفتح فوزها باب ولوج النساء إلى سدة الحكم لتتوالى بعدها التجارب.
لكن إن فشلت التجربة، فستبقى محاولات السيدات عبثية للوصول إلى هذه المرتبة التي لم تصل إليها أي امرأة إلى حد الآن في تاريخ فرنسا الحديث، وتبقى النظرية الناقصة للأنثى متجسدة في الفكر الغربي الذي يدّعي الديمقراطية ويتشدّق بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة، بينما يمارس العنصرية المقيتة ضدها.
على كلِّ حال، سنرى لمن ستؤول إليه كفّة الإليزيه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في فرنسا، فإن فاز ماكرون، سنشهد سنوات أخرى من الفشل الداخلي والخارجي، وإن فازت لوبان، سنشهد عهداً جديداً من التشدد والتطرف ومعاداة الإسلام والمسلمين والعنصرية ضد المهاجرين العرب، وإن كان فوزها سيفيد الروس، وذلك في كونه سيخلق نزاعاً جديداً بين دول الاتحاد الأوروبي لم تألفه من قبل ربما.