من يستلم صلاحيات الرئيس اللبناني في حال الشغور؟
الوضع القائم يدفع بالبعض إلى الحديث عن ضرورة تعويم الحكومة الحالية، واعتبارها صاحبة صلاحيات طبيعية لإدارة المرحلة المقبلة، إذا لم ينتخب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية.
تنص المادة 61 من الدستور اللبناني أنّه "في حال خلو سدة الرئاسة لأيّ علة كانت، تناط صلاحیات رئیس الجمهوریة وكالةً بمجلس الوزراء"، وبالتالي فإنّه في حال حصول أيّ شغور في سدّة الرئاسة الأولى في لبنان، فإنّ صلاحيات رئيس البلاد تنتقل إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، أي إلى الحكومة القائمة وقت حصول هذا الشغور، ولم يحدّد الدستور أيّ صلاحيات خاصة في هذه الحال لرئيس الحكومة، أو لأي من الوزراء، بل أناط صلاحيات الرئيس بالحكومة مجتمعة.
وهذا الحل الذي أراده المشترع الدستوري هو حل موقّت واستثنائي لحال يفترض أنّها استثنائية، ويجب ألا تطول كثيراً، والعلّة منها هي تجنّب حصول شغور كامل في المؤسسات الدستورية القائمة؛ حرصاً على سلامة المرافق العامة في الدولة واستمراريتها، والتي يجب ألا تتوقف تحت أيّ مبرر.
ولكن هذه النقطة الدستورية لها انعكاساتها السياسية في أرض الواقع اللبناني بين مختلف الأفرقاء، وتفتح الباب أمام اجتهادات عديدة بشأن كيفية إدارة المرحلة المقبلة، إذا لم يُنتخب رئيس جديد للجمهورية ضمن الفترة المقبلة، خاصةً أنّ الحكومة القائمة اليوم في لبنان برئاسة نجيب ميقاتي هي حكومة تصريف أعمال (منذ ما بعد الانتخابات النيابية الماضية). وكان يفترض تشكيل حكومة جديدة منذ تكليف ميقاتي نفسه من قبل النواب بتشكيل حكومة جديدة.
الوضع القائم يدفع بالبعض إلى الحديث عن ضرورة تعويم الحكومة الحالية، واعتبارها صاحبة صلاحيات طبيعية لإدارة المرحلة المقبلة، إذا لم ينتخب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية.
بينما يطرح البعض إمكانية استلام الحكومة الحالية صلاحيات الرئيس في حال الشغور الرئاسي، هناك من يتحدّث عن ضرورة تشكيل حكومة جديدة بصلاحيات كاملة، قبل الوصول إلى الشغور الرئاسي؛ كي تتمكن من استلام صلاحيات الرئيس، على الرغم من عدم وجود ضمانات تؤكد إمكانية تشكيل مثل هذه الحكومة في وقت قريب.
وبالتالي، كيف سيكون المشهد فيما لو انتهت ولاية الرئيس ميشال عون بدون تشكيل حكومة جديدة؟ هل ستتعطل البلاد ونبقى بلا رئيس أو من ينوب عنه في صلاحياته؟ وبالتالي، تكون الحكومة هي حكومة تصريف أعمال فقط، بدون وجود أي جهة تمارس صلاحيات الرئيس؟ وكيف يمكن الخروج من هذه الحال غير الطبيعية؟
الواضح أنّ الدستور اللبناني يحتاج لاحقاً إلى تعديل في هذا الإطار؛ لإيجاد مخارج تمنع الدخول في اجتهادات متضاربة بين مختلف الأفرقاء بشأن هذه النقطة، خاصةً أنّه لا توجد جهة دستورية مستقلة في لبنان تختص بتفسير الدستور.
في حال عدم تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، لا مفرّ من القبول بالأمر الواقع، وانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة تصريف الأعمال الحالية القائمة، وذلك لسبيين: أولهما أنّ الدستور لم يحدّد في المادة 61 عندما تحدّث عن انتقال صلاحيات الرئيس عن طبيعة الحكومة، سواء كانت تصريف أعمال أم لا. فالدستور تحدث فقط "تناط صلاحیات رئیس الجمهوریة وكالة بمجلس الوزراء"، أي إنّ مجلس الوزراء القائم في وقت الشغور الرئاسي هو من يستلم صلاحيات الرئيس، والسبب الثاني أنّ نظرية الأمر الواقع يجب أن تطبق هنا كي لا نقع في غياب كامل عن أي جهة تمارس صلاحيات الرئيس في حال الشغور.
كل ذلك، في ظل الظروف الضاغطة التي يمرّ بها لبنان من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية حادة، يجب أن يشكل دافعاً قوياً لكل الأفرقاء بالتحرّك بنيات صادقة وجدّية لانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة بدون تأخير، أو مماطلة لأن ذلك هو الأنفع للبلاد في حال البحث عن حلول للأزمات القائمة.