ما كلفة العدوان الإسرائيليّ اليوميّ على غزّة؟ وإلى متى يستطيع الاقتصاد التحمّل؟
سيبقى الوضع الاقتصادي في الكيان، ورقة ضغط قاسية على رؤوس قادة الاحتلال، الذين باتوا مطالبين من قبل جمهورهم قبل الرأي العام الخارجي الداعم للكيان، بتحقيق إنجاز نوعي سواء لناحية القضاء على قدرات حماس أو تحرير الأسرى.
عند الحديث عن الكلفة المادية والاقتصادية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإنّ الأمر لا يقتصر بطبيعة الحال، على الخسائر والكلفة الميدانية المباشرة من سلاح وعتاد ووقود وغيرها، إنما يشمل الحديث الخسائر المنظورة وغير المنظورة والخسائر المباشرة وبعيدة المدى والتي قد تكون تداعياتها أخطر بكثير من الخسائر الملموسة، وخاصة لناحية الضرر الاستراتيجي الذي تلحقه الحرب بسمعة الكيان وتأثيره على الاستثمارات الخارجية والسياحة والزراعة والصناعة، وخاصة الصناعات العسكرية التي تمكّنت فصائل المقاومة من تهشيم سمعتها وتوجيه ضربات موجعة لها في المواجهات الميدانية اليومية.
ولكن هدف وغاية هذا المقال، هو تسليط الضوء على الخسائر والكلف المباشرة التي يتكبّدها كيان العدو بشكل يومي ومباشر، وخاصة كلفة الذخيرة والآليات والوقود والقبة الحديدة واستدعاء الاحتياط وطلبات الإعانة والتعويضات التي باتت تتزايد بشكل كبير يومياً. وهذه الهواجس باتت تقلق وتؤرق قيادات الكيان التي تشعر بأنها في سباق مع الزمن، في ظلّ وجود مخاوف كبيرة من حتمية انهيار الاقتصاد الإسرائيلي في حال طال أمد هذه الحرب.
عشرون ملياراً لتغطية بعض النفقات
وللدلالة على حجم المأزق الذي تواجهه حكومة العدو، اضطر الرئيس الأميركي جو بايدن، بتاريخ 20-10-2023، للطلب من الكونغرس تخصيص مبلغ 14 مليار دولار، كمساعدة عاجلة، لدعم الكيان (10 مليارات منها مخصّصة لتعزيز الدفاعات الجوية ومخزون الذخائر).
وفي السياق، ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية، بتاريخ 17-10-2023 أن "إسرائيل" اقترضت في الأسابيع الأخيرة 6 مليارات دولار للمساعدة في تمويل حربها على حماس، وأن "إسرائيل" اضطرت الى دفع تكاليف اقتراض مرتفعة جداً....
أزمة الاحتياط
مع بداية العدوان على غزة أعلن "جيش" الكيان المؤقت عن استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط، بلغ نحو 300 ألف جندي بحسب إعلام العدو، وذكر المتحدث باسم "جيش" الاحتلال دانيال هغاري بتاريخ 11-10-2023 أنه "عدد قياسيّ" وهو سابقة بتاريخ "جيش" الاحتلال.
وبغض النظر عن الكلفة المباشرة لتغطية نفقات هذا العدد الكبير، من نقل وطعام وتجهيز ورواتب وتعويضات، فقد أدّى هذا الإجراء الى إلحاق ضرر واسع في كبريات الشركات الإسرائيلية وخاصة في قطاع التكنولوجيا (الهايتاك)، الذي بات يُعتبر محرّكاً أساسياً للنمو الاقتصادي في كيان العدو، وقد خسرت هذه الشركات آلاف العاملين في صفوفها، وخاصة من المهندسين والاختصاصات المتفرّقة، وبحسب دراسة نشرتها مؤسسة "Start Up Nation Central"، وهي مؤسسة إسرائيلية مقرّها "تل أبيب"، فإنّ 10% من الموظفين في شركات التكنولوجيا في "إسرائيل" تمّ استدعاؤهم للخدمة، فيما بلغت هذه النسبة نحو 30% في الشركات الأخرى. علماً أن قطاع الهايتاك يمثّل 15% من الناتج الاقتصادي في الكيان، ويشغل 10% من الوظائف، ويشكّل أكثر من 50% من الصادرات، و25% من عائدات الضرائب.
وأوضح تقرير لموقع "فايننشال تايمز" البريطاني أنّ الطلب انخفض بشكل عام في "إسرائيل"، وأغلقت الشركات أبوابها، ولا سيما بعد أن تمّ تجنيد المستهلكين والعمال في احتياط "جيش" الاحتلال، الأمر الذي أدّى إلى إفراغ الشركات من موظفيها. ووفقاً لنتائج مسح لدائرة الإحصاءات المركزية الإسرائيلية، تمّ نشره بتاريخ 02-11-2023، أن دخل 51% من المصالح التجارية في "إسرائيل" تضرّر بشكل كبير، وأنّ 37% من المصالح التجارية في الكيان تعمل بشكل متدنٍ جداً بسبب العدوان على غزة واستدعاء الاحتياط.
نشير أخيراً في هذا المجال، أنه في الأسبوع الثالث من الحرب أجرى المكتب المركزي للإحصاء في "دولة" الاحتلال كشفاً أظهر أن 65% من الشركات في الشمال والجنوب خسرت أكثر من 50% من إيراداتها. وأظهر المسح أن شركات البناء تتعرّض لخسائر ضخمة، فقد بيّن أن أكثر من 62% من هذه الشركات في حالة شبه إغلاق، وأعلن المكتب أن أكثر من 42% من الشركات الإسرائيلية الصغيرة على وشك الإغلاق.
ولفتت قناة "كان 11" التابعة لهيئة البث الإسرائيلية، 16-11-2023، إلى أن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإسرائيلي بسبب تغيّب هؤلاء الجنود عن بيوتهم وأماكن عملهم، هي من بين الأسباب التي دفعت نحو التفكير بتسريح جزء منهم. وأشارت إلى أن التكلفة المباشرة لتجنيد 200 ألف جندي احتياط، تبلغ نحو 5 مليارات شيكل شهرياً (نحو مليار و345 مليون دولار)، يضاف إليها فقدان هؤلاء أيام عمل في مهنهم ومجالاتهم، والتي تقدّر تكلفتها بنحو 1.6 مليار شيكل (نحو 430 مليون دولار).
وتابعت القناة أنّ من بين الأمور التي تجري دراستها، هي توفير حلول مرنة بشأن فرق الاحتياط، تتيح للجنود فيها العودة إلى العمل لفترات زمنية متواصلة، على أن يكونوا مستعدين للعودة إلى "الجيش" عندما يُطلب منهم ذلك. وختمت القناة، أنّه بسبب التكلفة الاقتصادية المرتفعة، تدرس "إسرائيل" تقليص عدد أفراد قوات الاحتياط في "الجيش" الذين تمّ استدعاؤهم للحرب على قطاع غزة وتسريح قسم من قوامها.
القوى العاملة والتعويضات
وزير المالية يتسلئيل سموتريتش قال في تصريح صحافي أنّ الحكومة الإسرائيلية تعد حزمة مساعدات اقتصادية للمتضرّرين من الحرب، وستكون "أكبر وأوسع" مما كانت عليه خلال جائحة كوفيد-19. بدوره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قال إن الدولة ملتزمة بمساعدة جميع المتضررين.
وقال تقرير لصحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية إنه رغم موافقة الحكومة على حزمة مساعدات للعمال وأصحاب الأعمال، فإنه لا يزال من السابق لأوانه القول ما إذا كانت هذه ستكون مساعدة كافية لـ 760 ألف عامل غير قادرين على العمل في وظائفهم، أو تمكين الشركات الصغيرة من البقاء.
وأضافت الصحيفة أن تكلفة التعويضات للضحايا والمتضررين بلغت نحو 4.25 مليارات دولار (حتى الآن). أما وزارة العمل الإسرائيلية فقالت إن نحو 46 ألف عامل إسرائيلي تمّ تسريحهم منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وذكرت الوزارة ـــــ في بيان لها ـــــ أنّ هناك 760 ألف عامل إسرائيلي، أو نحو 18% من القوة العاملة، لا يعملون في الوقت الحالي.
بدوره، قال بنك "إسرائيل المركزي"، الخميس 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، إن التكلفة التي يتكبّدها الاقتصاد الإسرائيلي بسبب نقص القوى العاملة، والتي تأثّرت بالسلب بشكل كبير خلال الحرب مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تبلغ 2.3 مليار شيكل (600 مليون دولار) أسبوعياً.
أما موقع "Ynet" العبري، فقال في تقرير نشره يوم الخميس 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، إن بيانات مؤسسة التأمين الوطني في "إسرائيل" والتي تمّ نشرها بعد مضي أكثر من شهر على الحرب في غزة، كشفت عن زيادةٍ في أعداد المتقدّمين بطلبات الحصول على إعانة البطالة يوماً بعد يوم. حيث تصل أعداد طالبي إعانة البطالة إلى نحو 20 ألف شخص شهرياً في المتوسط خلال الأوقات العادية.
لكن في الـ40 يوماً التي أعقبت اندلاع الحرب شهدت إضافة أسماء 121.841 شخصاً إلى قوائم الحاصلين على إعانة البطالة، بينهم 90.844 شخصاً حصلوا على إجازة إجبارية. وذكرت مؤسسة التأمين الوطنية أن هناك 73.047 مستوطناً تقدّموا للحصول على إعانات البطالة منذ بداية تشرين الثاني/نوفمبر، وبينهم 60.857 شخصاً حصلوا على إجازات إجبارية، ما يُشير إلى زيادة في الأسابيع الأخيرة مقارنةً بمعدلات بداية الحرب.
التكاليف الميدانية
عند الحديث عن التكاليف الميدانية، نقصد بها الكلفة العسكرية المباشرة، من قبيل استدعاء قوات الاحتياط واستخدام الذخيرة وساعات تحليق الطائرات الحربية واستخدام وسائل جديدة، بينها طائرات من دون طيّار وصواريخ موجّهة عن بعد. إضافة الى عمليات الاستنفار وتحرّكات الشرطة في مناطق التوتر، والقبة الحديدية وصواريخ الاعتراض، إضافة الى وقود الطائرات والمركبات والصيانة المستمرة لتعزيز قوات "الجيش"، وتجهيز أماكن التحصين وغيرها من الكلف اليومية.
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية يوم الأحد (5-11-2023) أن نفقات الدفاع تصل إلى نحو مليار شيكل يومياً (255 مليون دولار). وأضافت الصحيفة، نقلاً عن أرقام أولية لوزارة المالية، أن تكلفة الحرب التي تخوضها "إسرائيل" أمام حركة حماس في قطاع غزة ستبلغ ما يصل إلى 200 مليار شيكل (51 مليار دولار) بشكل عام.
وبحسب ما نقلت وكالة "رويترز" وبناء على تقديرات كبير الاقتصاديّين في بيت الاستثمار الإسرائيلي أليكس زبيسكي، فإن "الحرب ستستمر نحو 60 يوماً، وستبلغ تكلفتها المباشرة أكثر من 6 مليارات دولار من حيث الذخيرة والاحتياطيات، وهو ضعف تكلفة حرب لبنان في عام 2006".
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بتاريخ 15-11-2023، إن "إسرائيل" أسقطت أكثر من 25 ألف طن من المتفجّرات على قطاع غزة، أي ما يعادل قنبلتين نوويتين، وذلك حتى الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.
وبذلك أُسقط على غزة يومياً ما معدّله 1086 طناً من المتفجرات. كما نفّذ "الجيش" الإسرائيلي أكثر من 4300 غارة على قطاع غزة بآلاف الأطنان من القنابل والمتفجرات. وتنتمي أغلب القنابل الثقيلة التي تمّ إسقاطها على قطاع غزة إلى عائلة "أم كي 80" المصنّعة في الولايات المتحدة، ويتمّ تصنيع هذه القنابل بأحجام وأنواع مختلفة، وتكلف القنبلة التي تزن 1000 كيلوغرام مثلاً، نحو 16 ألف دولار في الجيش الأميركي، ويتمّ بيعها بنحو 25 ألف دولار لجيوش الدول الحليفة وذلك للنسخة التقليدية.
يلقي العدو الإسرائيلي، يومياً كميات ضخمة من القنابل والصواريخ على قطاع غزة، وأعلن "الجيش" الإسرائيلي، الخميس، أنه قصف قطاع غزة بـ 4 آلاف طن من المتفجرات منذ السبت الماضي، مشيراً إلى أنه تمّ بذلك ضرب 6 آلاف قنبلة على القطاع.
في التفاصيل، وعلى سبيل المثال، يقدّر موقع "زمن ـــــ إسرائيل" أن "جيش" الاحتلال استخدم 20ـــــ25 ألف صاروخ اعتراض، وبتقدير تقريبيّ، فإنّ التكلفة الإجمالية للصواريخ تقارب 4 مليارات شيكل (حتى تاريخ 25-10-2023). وبالعودة الى منظومة "القبة الحديدية" (نظام صواريخ أرض ـــــ جو)، ورغم أن المعلومات الخاصة بتكلفة الصواريخ وعددها تبقى سرية، إلا أنه بحسب التسريبات والتقديرات المنشورة في الإعلام العبري، فإن كلّ صاروخ يكلّف نحو50 ألف دولار.
نشير أخيراً، الى أن العدو يتكبّد خسائر يومية في العتاد والآليات، وتحوّلت ناقلة الجند الإسرائيلية من نوع "النمر"(NMR)، على سبيل المثال، إلى هدف يومي لقوى المقاومة الفلسطينية داخل غزة، حيث يتمّ تدمير أو تعطيل العديد منها. علماً، أنه وبحسب جريدة "يديعوت أحرونوت" العبرية فإن كلفة إنتاج هذه المدرّعة تفوق 3 ملايين دولار أميركي، هذا عوضاً عن باقي الآليات والدبابات والجرافات العسكرية وغيرها...
خسائر متفرّقة:
بحسب صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية أيضاً، فإنّ تكلفة الخسائر على صعيد الإيرادات (الإيرادات الصناعية والتجارية....) ستتراوح بين 40 ملياراً و60 مليار شيكل (بين 10 و15 مليار دولار)، ومن 17 ملياراً إلى 20 مليار شيكل ستتكبّدها "إسرائيل" على شكل تعويضات للشركات. ومن 10 مليارات إلى 20 مليار شيكل سيتكبّدها الكيان بسبب إعادة التأهيل.
في بداية الحرب على غزة، طلبت وزارة الطاقة الإسرائيلية تعليق الإنتاج في حقل "تمار" للغاز الطبيعي (قرب أسدود)، وأدّى ذلك إلى انخفاض إنتاج الغاز في الكيان بنحو 35%.
وكان لذلك تأثير مباشر على توافر الغاز في الأسواق ولدى الدول التي تستورده من الكيان مثل مصر والأردن وبعض الدول الأوروبية، وتراجعت صادرات الغاز الطبيعي في الكيان بنسبة 70% منذ إنجاز السابع من أكتوبر، وبلغت الخسائر الاقتصادية لإغلاق الحقل نحو 800 مليون شيكل (نحو 200 مليون دولار) شهرياً، وفقاً لتقرير نقلته وكالة "رويترز" عن مؤسسة المحاسبة والاستشارات "بي دي أو إسرائيثل".
وأدت حرب "إسرائيل" على قطاع غزة المحاصر إلى زيادة حادة في نفقات "تل أبيب" لتمويل "الجيش" وكذلك صرف تعويضات للشركات القريبة من الحدود، إضافة إلى أسر الضحايا والرهائن الذين تحتجزهم حماس، مع تراجع الدخل من الضرائب.
وضع الاقتصاد عموماً
في دلالة واضحة عن حجم وتأثير العدوان على غزة على اقتصاد الكيان، ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية أن الحرب مع غزة ستلحق الضرر الاقتصادي بشكل كبير، ستجفّ السياحة، وسيصاب النشاط الاقتصادي في الجنوب بالشلل، وسيرتفع الإنفاق الدفاعي، وسيغيب العمال عن وظائفهم للخدمة الاحتياطية، وسيتم إلغاء أو تأجيل الأحداث، التي تتراوح من حفلات آذار/مارس إلى حفلات الزفاف العائلية.
كما تحدّث موقع "ذي ماركر" الاقتصادي الإسرائيلي الملحق الاقتصادي لصحيفة "هآرتس"، عن معلومات تفيد بأنّ "إسرائيل دخلت الحرب، وهي في حالة ركود، والتجارة صفر حالياً". وأشار "ذي ماركر" إلى أنّ "الشعور في إسرائيل هو أنّ الجميع في حرب وجودية".
في مقابلة مع إذاعة "جيش" الاحتلال في 25-10-2023، أوضح وزير المالية بتسئيل سموتريتش أنه لم يقم بعد بتحديد التكاليف غير المباشرة على الاقتصاد الذي دخل حالة شلل جزئي بفعل التعبئة الجماعية لجنود الاحتياط والهجمات الصاروخية الفلسطينية المكثفة، وقدّر التكلفة المباشرة للحرب بمليار شيكل (250 مليون دولار) يومياً. وفي السياق نفسه صرّح أن "الميزانية الحالية لإسرائيل لم تعد مناسبة، بسبب حرب غزة وسأقوم بتعديلها". ونقلت إذاعة "الجيش" الإسرائيلي عن سموتريتش قوله في تصريحات صحافية: على الحكومة إعادة النظر في ميزانية 2023-2024 بدعوى أنها لم تعد ذات صلة بالحرب مع قطاع غزة.
وأشارت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية إلى أن خبراء اقتصاديّين في الكيان يتوقّعون أنه بحلول نهاية العام الجاري، سيقفز العجز إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بتوقّعات العجز قبل الحرب البالغة 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي. وكان بنك "جي بي مورغان تشيس" الأميركي رجّح أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، مع تصاعد العدوان على قطاع غزة.
من جهتها، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن تقييمات وزارة المالية تشير إلى أنه "في حالة نشوب الحرب (اتساعها إلى الشمال)، سيكون الانتعاش بطيئاً ولن يعود الاقتصاد إلى اتجاه ما قبل الحرب". وأضافت الصحيفة "يعتقدون في وزارة المالية أيضاً أنه بحلول عام 2024 سيقع الاقتصاد في ركود كبير. وسط ارتفاع حاد في الإنفاق على الدفاع والأمن، وتراجع الإيرادات والتعويضات وإعادة التأهيل".
بدوره، قال مركز أبحاث الأمن القومي في "تل أبيب" في تقرير له إن حرب "إسرائيل" على غزة سيكون لها تأثير كبير وطويل الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي. وأطلق البنك المركزي الإسرائيلي برنامجاً بقيمة 30 مليار دولار لبيع النقد الأجنبي، بهدف منع حدوث تدهور حاد في سعر صرف الشيكل، وهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يقوم فيها المركزي ببيع النقد الأجنبي.
وقبل يومين، قال رئيس البنك المركزي الإسرائيلي، أمير يارون، إنّ الحرب في قطاع غزة تكلّف الاحتلال "أكثر من المتوقّع"، واصفاً إياها بـ "الصدمة الكبيرة" للاقتصاد.
إلى متى يصمد الاقتصاد الإسرائيلي؟
من خلال ما تقدّم، يتبيّن أنّ "الفاتورة" اليومية للحرب والعدوان على غزة، تُكبّد اقتصاد الاحتلال تكاليف باهظة، ومن خلال حسبة سريعة، يمكن القول إنّ هذه الكلفة قد تقارب المليار دولار أميركي، تشمل طبعاً الذخيرة والقذائف (نحو ربع مليون دولار وحدها)، تغطية نفقات الاحتياط، صواريخ الاعتراض والقبة الحديدية، الخسائر الفادحة بالآليات والعتاد العسكري، التعويضات، الضرر الاقتصادي والاستثماري... وهذا بحسب ما هو مُعلن من قبل إعلام العدو، الذي يحاول دائماً إخفاء خسائره أو التخفيف منها، ونحن نعلم أنه في هذا المضمار يبقى دائماً "ما خفي أعظم".
وإذا رجعنا إلى أحاديث ومواقف قادة الكيان، فإنّ الحرب على غزة مستمرة وطويلة، بهدف القضاء، بزعمهم، على قدرات حماس العسكرية، والتي قد تستغرق ما بين ثمانية أشهر وسنة، فقد نقلت مجلة "ايكونيميست" البريطانية عن مجموعة من الخبراء والجنرالات العسكرية في "جيش" العدو بتاريخ 02-11-2023 أن الحرب ستتواصل لأشهر أو ربما لعام كامل.
وفي آخر هذه التصريحات ما قاله، قبل يومين، رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، اللواء في الاحتياط يائير جولان: "نحن نعمل في تشابك صعب. نحن بحاجة إلى أن نكون منفتحين، فالمعركة مع حماس يمكن أن تستمر أشهراً وسنوات". فالسؤال المركزي الذي يفرض نفسه هنا، هل يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي الصمود والاستمرار حتى تحقيق هذا الهدف!!!
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، اختصرت الإجابة قبل يومين، حيث نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: توقّعنا استمرار الهجوم البري 3 أشهر وإنّ استمرّ أكثر فإن الاقتصاد سينهار. أي أن الفترة القصوى التي يستطيع اقتصاد الكيان تحمّلها هي ثلاثة أشهر، بقي منها النصف، إلا في حال اضطرار الراعي الأميركي للتدخّل ورمي طوق النجاة مجدداً للكيان من خلال مساعدات عسكرية ومالية كبيرة، علماً أن الاقتصاد الأميركي نفسه يعاني من مشاكل كبيرة، والتزامات ضخمة، من بينها تمويل جزء من حرب أوكرانيا مع روسيا، كما أن الإدارة الأميركية كانت مهدّدة قبل فترة وجيزة بالإقفال بسبب مشاكل داخل الكونغرس فيما يتعلّق بالموازنة والمصاريف....
بالخلاصة، سيبقى الوضع الاقتصادي في الكيان، ورقة ضغط قاسية على رؤوس قادة الاحتلال، الذين باتوا مطالبين من قبل جمهورهم قبل الرأي العام الخارجي الداعم للكيان، بتحقيق إنجاز نوعي سواء لناحية القضاء على قدرات حماس أو تحرير الأسرى، ومن هنا فإن الأيام المقبلة قد تحمل الكثير من التنازلات والتسهيلات من قبل حكومة العدو لأجل النزول عن الشجرة، والاكتفاء ببعض الإنجازات الوهمية أو المحدودة، لأن انهيار الاقتصاد، وهو عملياً بدأ حالة انحدار هائل، سيعني سقوط الهيكل على رؤوس الجميع داخل الكيان.