روسيا والعالم متعدّد الأقطاب
طرحت روسيا شعار "عالم متعدّد الأقطاب " على خلفيّة الالتزام بالقانون الدولي واحترام القيم والتقاليد وسيادة الدول ضمن حدودها بغضّ النظر عن إمكاناتها الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية.
رفض أحادية القطب بدأت مع خطاب بوتين في ميونخ 2007، وبدأ العمل مع الكثير من الدول فساهم بتشكيل عدد من المنظمات الإقليمية والتي أدّت دوراً عالمياً، وكان أكبرها شكلاً مجموعة البريكس. ورغم أنها تجمع الكثير من التناقضات السياسية وتضارب المصالح فيما بينها لكنها بدأت تلاقي صدى وسط الكثير خاصة في دول الجنوب وحتى الشرق الأوسط، وظهرت الدلائل لتشير إلى أنّ زمن أحادية القطب إلى أفوال، فما كان من الولايات المتحدة الأميركية وكل من يتبع لها إلا أن ركبوا هذه الموجة أو بالأحرى سبقوا التغيّرات وبدأوا يتصرّفون قبل تشكّل الأقطاب بضرب كلّ القوانين والضوابط ليشكّلوا أقطاباً متفلتة.
فهذا بايدن في خطاب الوداع يتحدّث عن الانتصارات بقيادة الولايات المتحدة والتي جمعت كما يقول 50 دولة في أوكرانيا ضدّ روسيا والتي فرضت عليها العقوبات والتزمت بها أوروبا رغم أنها المتضرّر الأول، تحدّث طويلاً عن التحالفات الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة وهي خمسة تحالفات، كلّها موجّهة ضدّ الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وهم أعداء الولايات المتحدة تنتصر عليهم بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
هذه هي "إسرائيل" عبر نتنياهو تتحدّث عن شرق أوسط جديد وبدأت تمارسه بالعنف والقتل، وقطاع غزة مثال على الإبادة الجماعية من دون رادع وبالاحتلال، حيث قضمت أرضاً واسعة من سوريا وتسعى للتمدّد في المناطق الكردية عبر ممر إبراهيم للوصول إلى بحر قزوين بحر الموارد الأولية، وهذه تركيا بدورها استغلّت الفرصة وانقضّت أيضاً على سوريا بوابتها إلى الإمبراطورية العثمانية الجديدة، والتي ستمتدّ من العالم العربي إلى آسيا الوسطى وبالتالي تصبح قطباً.
وبعد ابتعاد إيران ستتصارع مع "إسرائيل" على مركز القطب الأول في الشرق الأوسط، والإنكلوسكسونية تدفع أذربيجان للسيطرة أولاً على ممر كنزيغور الذي يربط أذربيجان بإقليم نختشفان وبالتالي مع تركيا وممر إبراهيم والسيطرة لاحقاً على أرمينيا وأذربيجان الإيرانية. فهذا هو الرئيس علييف يأخذ من الطائرة (والتي أصيبت فوق الشيشان عند التصدّي للمسيّرات الأوكرانية الموجّهة من المخابرات البريطانية) يأخذ منها مبرّراً لضرب العلاقات مع روسيا، وبالتالي إفشال التقارب الروسي الإيراني ولقطع ممر شمال جنوب بين شمال روسيا من سانت بطرسبورغ إلى جنوب إيران إلى ميناء بوشهر وميناء بندر عباس والذي حكماً يمرّ عبر الأراضي الأذربيجانية.
ونعود إلى الراعي الأوّل للفوضى الولايات المتحدة والتي لم تكذّب خبراً، فهذا ترامب بدأ برسم خريطة العالم قبل أن يصل من خلال ضمّ كندا، (والتي رئيس حكومتها قدّم العزاء بالملكة البريطانية كملكة كندا ففتحت شهية ماسك للمطالبة بالتخلّص من الملكية في بريطانيا ليبرّر ضمّ كندا) والمكسيك، وصولاً إلى قناة بنما والتمدّد شرقاً باتجاه جزيرة غرينلاند، ليقاسم روسيا المحيط المتجمّد الشمالي وليحكم السيطرة على أوروبا بعد أن حطّمتها الولايات المتحدة لتصبح بلا سيادة، بل ذهب ترامب مبكراً وبعيداً في عالم متفلّت الأقطاب مع رأس حربته الملياردير إيلون ماسك الذي بدأ يوزّع الاتهامات ويدعم قوى سياسية في الغرب ويتحدّى رؤساء حكومات وجمهوريات ويعطي تقييماً لسياستها طالباً تغيير الكثير من قياداتها إن كان في إنكلترا أو ألمانيا أو فرنسا.
روسيا والتي يلعبون في حديقتها الجنوبية من القوقاز وصولاً إلى آسيا الوسطى بعد إتمام حصارها وتطويقها من الشمال الغربي أين هي من هذه الفوضى للأقطاب المتفلتة وهي رفعت شعار تعدّد الأقطاب المتفقة.