دلالات استدعاء المحور في خطاب السنوار

نداءات السنوار توزّعت على الجميع، ومن ضمنهم حكومات التطبيع المجرمة والمدنسة مع الاحتلال، ومطالبتهم بالتراجع عن هذا الخطأ الجسيم بحق القضية الفلسطينية وشعبنا ومسجدنا الأقصى.

  •  رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار
    رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار

تضمَّن خطاب رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار في حفل الإفطار السنوي الذي نظمته الحركة مجموعة من الرسائل المهمة، أهمها تحذير الاحتلال بشكل واضح من العودة إلى المسجد الأقصى وتدنيس أرضه بالبساطير وتكبيل المرابطين داخله والتنكيل بهم، سواء كانوا شباناً أو كهولاً.

استعرض السنوار مخططاً متدرجاً ينفذه الاحتلال بقصد منذ العام 2000، سيصل في النهاية إلى التقسيم الزماني والمكاني بين المسلمين واليهود، وكشف أنَّ الجنود تعمدوا خلال شهر رمضان إخلاء المسجد وباحاته من المصلين -قسرياً- بين السابعة صباحاً والحادية عشرة والنصف ظهراً، وهو شكل من أشكال التقسيم الزماني، في حين كان مرور المستوطنين فرادى منذ العام 2000 لا يشمل تأدية طقوس تلمودية، وهو الأمر الجديد الذي سمحت به حكومة الكيان هذا العام، وهذا هو التقسيم المكاني الجديد لباحات المسجد الأقصى.

حذر السنوار من المشروع الذي نفذه الاحتلال -من قبل- بحق المسجد الإبراهيمي في الخليل، بحيث أصبح المسلمون يدخلون لأداء صلاتهم في المسجد بتصاريح وفق فئات عمرية، وعبر بوابات تفتيش إلكترونية، ما يستوجب إحباط مخطّط مثله يُنفذ في المسجد الأقصى في هذه الأثناء، الأمر الَّذي يستوجب انتباه جميع المسلمين في العالم.

صحيح أنَّ السنوار شدد على أهمية "سيف القدس" الذي أشهرته المقاومة في رمضان الماضي، دفاعاً عن حي الشيخ جراح وشباب باب العمود في ردع الاحتلال، وأكَّد أنَّ هذا السيف لن يغمد ما دامت استفزازات الاحتلال و"اليهود الحريديم" للمسلمين والمسيحيين مستمرة، ولكنه أكد أيضاً أهمية الجهاد والمقاومة وتفاعل الجبهات في الضفة والقدس والنقب والجليل والمثلث وحيفا ويافا، لكن الأهم - من وجهة نظري - هو استدعاء السنوار "محور القدس" الذي تشكَّل بناءً على توصيات قائد "قوة القدس".

حاول السنوار خلال كلمته أن يكون منضبطاً، واستدعى أدوات لم تكن المقاومة تعطيها بالاً من قبل، مثل ورقة تعطيل المشاركة في الكنيست، والتي اعتبرها على الدوام مسألة خاصة بأهلنا في فلسطين 48 واللواء الجنوبي للحركة الإسلامية، الذين يرون في دخول الكنيست الصهيوني وسيلة للحصول على حقوق الفلسطينيين في الكيان.

السنوار وصف انضواء القائمة العربية، ومعها الحركة الإسلامية "اللواء الجنوبي"، ممثلاً بمنصور عباس، ضمن الائتلاف الحكومي الحاكم -راعي مخططات التهويد للأقصى- بأنه "قمّة الانحدار"، وطالب عباس بالانسحاب الكامل من الائتلاف، وبشكل فوري، وألا يكتفي بتجميد المشاركة، لكونه محرم شرعاً، وعلى اعتبار أن حقوق الفلسطينيين في الداخل -مهما كانت – هي ثمن بخس مقابل ما يتعرّض له المسجد الأقصى، فخطورة ما يجري دفعت السنوار إلى التدخل في شؤون فلسطينيي 48، وهو أمر له دلالته في وحدة الوطن ورفض التقسيمات التي وضعها الاحتلال للشعب الفلسطيني.

نداءات السنوار توزّعت على الجميع، ومن ضمنهم حكومات التطبيع المجرمة والمدنسة مع الاحتلال، ومطالبتهم بالتراجع عن هذا الخطأ الجسيم بحق القضية الفلسطينية وشعبنا ومسجدنا الأقصى. لذلك، جاءت العبارات المهمة على لسان السنوار، وهي التنبيه إلى مفهوم "الحرب الدينية الإقليمية"، وهو بالتالي يشير إلى دول المحور التي باتت الجمهورية الإسلامية وحرس الثورة و"قوة القدس" فيها تشكّل العصب الأساسي للمحور، إلى جانب حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي في العراق، وحركة أنصار الله في اليمن، ورأس حربتها المقاومة الفلسطينية في غزة.

بطبيعة الحال، المحور لم يغلق، فالباب مفتوح لكل القوى الحية والفاعلة في عالمنا الإسلامي والعربي نصرةً للقدس للانضواء ضمنه سراً أو علناً، لكن المرحلة تقتضي تحرك الجميع، وبشكل علني وواضح، نحو المحور الذي تشكّل، والانتقال من محور الشر الذي ترعاه قوى الاستعمار والهيمنة العالمية، وكذلك مغادرة المناطق الضبابية والرمادية، فلم يعد هناك شيء يُسمى "حياداً" في هذا العصر. وبالنسبة إلى فلسطين والقدس، المطلوب من الجميع حسم مواقفهم، إما معها بشكل واضح، وإما مع أعدائها. 

ولعلَّ السنوار، في الوقت الذي يحاول ردع الاحتلال المجرم للكفِّ عن هذه السياسات الممنهجة والهادفة إلى هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه، أراد أيضاً تسمية الأشياء بمسمياتها، حتى لا يبقي عذراً للمطبعين والصامتين والمتخاذلين من الدول العربية والإسلامية حيال ما يجري داخل المسجد الأقصى.

أما الأهم، فهو تحضير الحلف للمعركة في حال اندلعت، ليكون على أهبة الاستعداد للدخول على خط المواجهة، والشاهد أنَّ السنوار، للمرة الأولى في تاريخ الحركة، أرسل تهديداً واضحاً للمصالح الصهيونية في الخارج، عندما أشار إلى أنَّ الكنس اليهودية لن تسلم إذا استمرّت سياسات تدنيس المسجد الأقصى.

وفي ما يلي أبرز دلالات خطاب السنوار:

أولاً: دعم صمود شعبنا المرابط في المسجد الأقصى ومؤازرته، وتحذير الاحتلال من التمادي في سياساته التهويدية الواضحة للمسجد الأقصى وردعه.

ثانياً: تأكيد دور "سيف القدس" والمقاومة المسلحة في غزة كقوة ردع كفيلة بصد أيِّ عدوان على أبناء الشعب الفلسطيني في كلِّ مكان، وخصوصاً في ظل وحدة قرارها وتشكّل قيادة موحدة لغرفتها المشتركة.

ثالثاً: تأكيد أهمية تفاعل كل الجبهات - الداخلية - وخصوصاً العمليات الفردية التي أربكت حسابات الاحتلال، وتواصل الزخم في القدس والضفة والنقب والشمال والشتات، وبكل الوسائل المشروعة، كلٌ حسب منطقته وما يتاح فيها من أدوات.

رابعاً: الانتقال بالقضية الفلسطينية من مربع الدفاع الداخلي والمقاومة إلى مربع المواجهة الإقليمية المفتوحة مع المشروع الصهيوني ومن يقف خلفه واستدعاء مفهوم الحرب الدينية الشاملة مع العدو.

خامساً: مطالبة كلّ من يقدر على المساس بالمصالح الصهيونية المباشرة أو مصالح حلفاء مشروعه في الخارج للتحرك من دون تردد.

سادساً: نبذ التطبيع العربي الذي شجع الاحتلال على التوسع في سياساته التهويدية للمسجد الأقصى وزيادة مشاريع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وتغيير الوقائع على الأرض بشكل أحادي، وفي ظل غياب ما يسمون "رعاة السلام".

سابعاً: تشجيع السلطة ومنظمة التحرير على التراجع عن خطايا أوسلو والتنسيق الأمني والعودة إلى الشعب واحتضان خيار المقاومة. هذا الأمر يمكن ملاحظته من غياب أيِّ إشارات إلى السلطة والمنظمة الصامتتين عن كل ما يجري في القدس في خطاب السنوار، وتعويض ذلك بتسمية رشقة الصواريخ القادمة 11-11 برشقة عرفات، تخليداً لذكرى الشهيد الراحل، كرسالة مبطنة لحركة فتح بالعودة إلى خيار الكفاح المسلح.

أما ثامناً، وهو الأهم، فالحضور الواسع لمحور القدس في الخطاب والتذكير بدور الجمهورية الإسلامية في إحياء يوم القدس العالمي منذ أكثر من 4 عقود، ودعم حرس الثورة للمقاومة الفلسطينية المسلحة والذي لم يتوقف.