حقوق الإنسان في أميركا بين تحقيق المصالح والعنف والقتل الداخلي
أبرز التحديات التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية في الداخل هي ظاهرة تفشي السلاح والقتل التي تصاعدت بعد تفشي جائحة كورونا.
لا تحترم الإدارات الأميركية المتعاقبة أدنى معايير حقوق الإنسان؛ تلك الإدارات التي توالت انتهجت سياساتٍ عدوانية ملطخة بدماء الأبرياء في أرجاء المعمورة، فقد قامت الولايات المتحدة الأميركية على بحرٍ من الدماء والتهجير والسلوكيات الفظيعة والانتهاكات المتعمّدة لحقوق الإنسان.
وكلَّما رفعت واشنطن شعارات تحقيق مفهوم العدالة، كان علينا أن نعرف أنَّ شعاراتها هذه من زاوية الكسب والمصالح، مع إغفال النظر عن تحقيق العدالة الشاملة بين الشعوب والأمم، فهذا الكيان الذي استخدم شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، بُني على ارتكاب جرائم الإبادة.
التعامل الأميركي الذي يقوم على إذلال الدول وإهانة كرامتها وعدم ترك الشعوب تعيش حالة الأمن والاستقرار والحياة الكريمة يُمارس أيضاً على المهاجرين إلى الأراضي الأميركية، ويقوم على إذكاء الفتن والتحريض العنصري ضد أصحاب البشرة السمراء، فسجلّ واشنطن حافلٌ بجرائم حقوق الإنسان.
وممّا لا شك فيه أنّ الولايات المتحدة الأميركية تستخدم شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية والتنمية والتدخل الإنساني ومحاربة الإرهاب من أجل تحقيق مصالحها الاستراتيجية لكي تبقى متربّعة على عرش النظام الدولي، وتسيطر على السياسة الدولية، لكنها تعاني في الداخل الكثير من الأزمات والمشاكل والصراعات على مختلف المستويات، والتي تنعكس بدورها على حياة الشعب الأميركي، وتظهر ضعف الإدارة الأميركية على إدارة الأزمات الداخلية وضبط إيقاع الحياة فيها.
أولاً: القتل وانعدام الأمن
ينسحب انتهاك الولايات المتحدة الأميركية للمفاهيم الإنسانية وحقوق الإنسان على الداخل أيضاً، من خلال القتل الذي يمارسه الأميركيون أنفسهم جراء تفشي السلاح والظواهر الاجتماعية الغريبة والأمراض النفسية التي تخلفها هذه الظواهر، والتي تنعكس على الحياة الاجتماعية، إذ يُفقد الأمن والأمان اللذان يضاهيان الحاجات الضرورية لعيش الإنسان من طعام وشراب.
ويشهد وضع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة تدهوراً كبيراً، ولا سيما بعد تفشي جائحة كورونا، على صعيد حوادث إطلاق النار، إذ بلغت الحوادث رقماً قياسياً عام 2021، وأدّى إنفاذ القانون بعنف إلى جعل الحياة أكثر صعوبةً على المهاجرين واللاجئين، واشتد التمييز ضد فئات الأقليات العرقية.
أبرز التحديات التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية في الداخل هي ظاهرة تفشي السلاح والقتل التي تصاعدت بعد تفشي جائحة كورونا، إذ تشهد الولايات المتحدة الأميركية تفلتاً هائلاً جراء انتشار السلاح بين أفراد المجتمع، وهو ما يؤدي إلى حصول جرائم قتل وانتحار بشكل كبير جداً، ويودي بحياة الآلاف كل عام.
عام 2020 وحده، قُتل أكثر من 44 ألف أميركي بإصابات مرتبطة بالأسلحة النارية، بما في ذلك جرائم القتل والانتحار، من بينهم 21 ألف ضحية بجرائم قتل مباشر، بحسب مكتب التحقيقات الفيدرالي. وعام 2021، بلغ العدد 45 ألف قتيل، بينهم 24 ألف حالة انتحار، فيما كانت أعداد الجرائم قبل جائحة كورونا تصل تقريباً إلى نحو 14 ألفاً عام 2018، ونحو 15 ألفاً عام 2019، وكان العدد الإجمالي بين حالات القتل والانتحار يصل إلى 39 ألف ضحية، بحسب أرشيف عنف السلاح (GVA).
ومن المتوقع أن تزداد هذه الأعداد في نهاية عام 2022، إذ شهد المجتمع الأميركي العديد من أحداث القتل والانتحار حتى منتصف العام، ووصل عدد الضحايا حتى أوائل شهر تموز/يوليو إلى نحو 22 ألفاً بين قتل وانتحار، لم يكن آخرها حادثة إطلاق نار داخل منتزه هايلاند بارك، التي سقط جراءها 30 شخصاً بين قتيل وجريح، أو حادثة مدرسة روب الابتدائية في أوفالدي في تكساس التي قتل جراءها 19 طفلاً، فيما هناك أمر لافت، هو أنَّ مرتكبي حوادث إطلاق النار صغار في السن، وتتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً.
وقد سجّلت تجارة السلاح وحوادث إطلاق النار مستوى قياسياً، وتراجعت ثقة الشعب بالانتظام الاجتماعي. وعلى وقع الوباء وما صاحبه من احتجاجات من أجل العدالة العرقية وصراعات ذات صلة بالانتخابات، اشترى الأميركيون 23 مليون قطعة سلاح خلال عام 2020، بزيادة بلغت 64% مقارنة مع عام 2019.
ثانياً: ضعف السيطرة على ظاهرة تفلت السلاح
يقارب الرئيس الأميركيّ جو بايدن هذا الأمر بحسب الأولويات. وإلى الآن، يوجد خلاف كبير بين الديمقراطيين والجمهوريين على هذه المسألة، حتى إن بايدن يعلم مدى تعقيد هذا الأمر، نتيجة الجدل المؤسساتي والدستوري في واشنطن حول السيطرة على السلاح الفردي.
ولا يبدو بايدن متحمساً كثيراً للدخول في صدام مع الجمهوريين حول مسألة الحد من السلاح الفردي، مع وجود صعوبة كبيرة لحل هذه الأزمة الكبرى التي تتصاعد جراء تمدد نفوذ لوبي شركات السلاح، وخصوصاً أنهم يختبئون خلف قانون صدر عام 2005 تحت عنوان "قانون حماية تجارة السلاح القانونية" الَّذي يحمي صانعي الأسلحة النارية والمتاجرين بها من الملاحقة في المحاكم، عندما يستخدم أفراد أسلحة نارية تمّ شراؤها منهم بشكل غير قانوني، فضلاً عن وجود نفوذ كبير للجمعية الوطنية الأميركية للبندقيات "أن أر آي".
بايدن نفسه قال في خطاب العام الماضي: "معظم الناس لا يدركون أنَّ الصناعة الوحيدة في الولايات المتحدة التي لا يمكن ملاحقتها قضائياً، والتي تدر مليارات الدولارات، هي صناعة الأسلحة"، لكنه وقع على مشروع قانون جديد يقيّد حيازة السلاح في الولايات المتحدة، إنما دون ذلك عقبات كبيرة جداً.
ثالثاً: العنصرية وعنف الشرطة
يُضاف إلى ظاهرة تفلت السلاح ظاهرة أخرى تعدّ من أكثر المظاهر إساءةً إلى الولايات المتحدة الأميركية، تتعلق بالعنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى قتل الأبرياء.
من ينسى حادثة جورج فلويد الذي قتلته الشرطة بدم بارد، وغيرها من الجرائم الكثيرة التي ترتكبها الشرطة بكل عنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء، فضلاً عن المعاناة الكبيرة التي يعانيها هؤلاء جراء التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأميركية!
ويؤدي عنف الشّرطة العنصري إلى وفيات متعددة بين الأميركيين الأفارقة. في 13 آذار/مارس 2020، قُتلت بريونا تايلور، وهي سيدة أميركية أفريقية تبلغ 26 عاماً، برصاص الشرطة في منزلها، بعدما وُجهت إليها 8 رصاصات.
وفي 25 أيار/مايو 2020، قُتل جورج فلويد، وهو أميركي أفريقي عمره 46 عاماً، بعد أن جثا شرطي على عنقه في الشارع. وفي 23 آب/أغسطس 2020، تعرَّض جاكوب بلاك، وهو أميركي من أصل أفريقي عمره 29 عاماً، لإصابات بالغة بعدما قام ضباط شرطة بإطلاق 7 رصاصات عليه وأصابه في ظهره عندما كان يحاول استقلال سيارة. في ذلك الوقت، كان أطفال بلاك الثلاثة داخل السيارة يشاهدون هذا المشهد المروع.
وقتلت الشرطة الأميركية برصاصها 1127 شخصاً خلال عام 2020. وفيما يشكل الأميركيون الأفارقة 13% من تعداد سكان الولايات المتحدة، فإنهم مثلوا 28% من الأشخاص الذين قُتلوا على يد الشرطة. الأميركيون الأفارقة أكثر عرضة بنحو 3 أضعاف للقتل على يد الشرطة، فيما أدى المعدل المرتفع لجرائم الكراهية إلى تدهور العلاقات بين العرقيات وانتشار ظاهرة القتل على أساس عرقي.
كما يتضح إذاً، فإنَّ الإدارة الأميركية تستخدم شعارات حقوق الإنسان والأمن والاستقرار شماعةً للتدخل في شؤون الدول، فيما الداخل الأميركي يعاني مظاهر كثيرة تجافي النصوص التي يتحدث عنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها العيش بأمان وسلامة الحياة وعدم التمييز العنصري.
هذه الإدارة التي تستخدم الكثير من الشعارات من أجل بسط نفوذها وهيمنتها على العالم لا تبالي بأمن شعبها الداخلي، وتتناسى المظاهر الاجتماعية الخطرة في المجتمع، والتي تؤدي إلى قتل الأبرياء. وعندما تقع جرائم القتل فقط، يصدرون بيانات التضامن، فيما أمن الإنسان عندهم منعدم.