القنبلة النووية خيار إسرائيلي لمعاقبة أهل غزة
لم يمارس الغرب أي ضغوط على هذا العدو لنزع ترسانته النووية أو على الأقل لإخضاعها للرقابة الدولية. كما فشلت جميع جهود الأمم المتحدة في نزع الأسلحة النووية لـ "إسرائيل".
من يظنّ بأنّ التهديد باستخدام القنبلة النووية ضد شعب قطاع غزة هو زلة لسان أو موقف لا يعبّر عن الحكومة الإسرائيلية، فهو لا يفقه شيئاً في تاريخ "إسرائيل" وعقيدتها العسكرية وعليه أن يعتزل السياسة. لقد أظهرت ردة فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي الخجولة ضد وزير التراث الإسرائيلي "عميحاي إلياهو" مدى نفوذ فكرة استخدام سلاح يوم القيامة إلى قلب الحكومة الإسرائيلية، ومدى التفكير الجدي بهذا الخيار بوصفه الحل النهائي أمام الخسائر المفجعة التي تتعرّض لها "إسرائيل" وبشكل يومي على أرض غزة.
لم يتحرّك نتنياهو بشكل جدي ضد "إلياهو" الذي اعتبر بأن إلقاء قنبلة على قطاع غزة أمر وارد. بل اقتصر على تعليق حضور الأخير لجلسات مجلس الوزراء التي لا تعقد أبداً هذه الأيام. ويعود ذلك إلى أن هناك توجّهاً إسرائيلياً رسمياً سواء من الناحية السياسية أو العسكرية لانتهاج مثل هذا الخيار، فالمعركة البرية لم تجرِ بحسب ما كان مخطّطاً لها، فالخسائر البشرية مرتفعة للغاية والأنفاق تحوّلت إلى أبواب جهنم للقوات الإسرائيلية البرية.
في الحقيقة، لدى "إسرائيل" باع طويل وتاريخي بالتهديد باستخدام السلاح النووي، فهي منذ بدء تشكّلها سعت إلى امتلاك القنبلة النووية في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبناء على عقيدة "ديفيد بن غوريون" الذي عمل جاهداً على امتلاك إسرائيل للقنبلة النووية، وحثّ فرنسا على مساعدتها في تطوير برنامج نووي عسكري. ولذلك فقد انتقلت "إسرائيل" من مرحلة التهديد إلى مرحلة التحضير إلى استخدام القنابل النووية مباشرة بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 حيث هيئّت نفسها لاستخدام السلاح النووي لضرب كل من سوريا ومصر بعد الهزيمة المفاجئة التي تعرّضت لها في الأيام الأولى للحرب.
في تلك الأثناء منعت الولايات المتحدة "إسرائيل" من استخدام السلاح النووي ولكنها وفّرت لـ "إسرائيل" البديل الاستراتيجي المناسب لكسب المعركة، وذلك من خلال فتح ممر جوي مفتوح لمنعها من الانهيار ومساعدتها في الصمود أمام القوات السورية والمصرية.
لا تؤمن "إسرائيل" أبداً بالتفوّق العسكري التقليدي، ولذلك فهي تضع 50 رأساً نووياً في وضعية الإطلاق بحسب معهد ستوكهولموسوف، تستخدم "إسرائيل" صواريخ بالستية متوسطة المدى لحمل هذه الرؤوس، أو يمكن استخدام الطائرات الحربية الأميركية من طراز "F35" المتطورة أو غيرها من المقاتلات الحربية. وتشير التقارير إلى أن "إسرائيل" تمتلك اليوم أكثر من 200 رأس نووي، وتعتبر أكبر ترسانة نووية في كلّ منطقة الشرق الأوسط، وهي كذلك تمنع أي دولة من الدول العربية من امتلاك أي سلاح استراتيجي يكسر تفوّقها العسكري هذا. ولعل العائق المهم والرئيسي في عملية التطبيع مع المملكة العربية السعودية كان رفض "إسرائيل" أن تمتلك السعودية برنامجاً نووياً سلمياً مخصصاً للأغراض السلمية.
لم يمارس الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) أي ضغوط على هذا العدو لنزع ترسانته النووية أو على الأقل لإخضاعها للرقابة الدولية. كما فشلت جميع جهود الأمم المتحدة في نزع الأسلحة النووية لـ "إسرائيل". ولعل آخر المحاولات كانت في 2014 حيث وافقت الجمعية العامة بقرار غير ملزم على قرار بشأن مخاطر الانتشار النووي في غرب آسيا ودعت إلى:
1ــــ مطالبة نظام الاحتلال بالتخلّي عن امتلاك السلاح النووي.
2ـــــ الانضمام بسرعة ومن دون تأخير إلى معاهدة انتشار الأسلحة النووية (NPT).
3ــــ إخضاع المنشآت النووية كافة للضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
بالطبع وبحماية من الغرب لم ولن تنفّذ "إسرائيل" أيّاً من البنود السابقة، بل ظهر رئيس وزرائها نتنياهو قبل أشهر في الخطاب السنوي في الأمم المتحدة وأعلن بأن على إيران أن تواجه تهديداً نووياً حقيقياً. وكالعادة وبعد تمرير الرسائل العسكرية والسياسية بكل وضوح ظهر مكتب نتنياهو ليقول بأن المقصد من تلك العبارة هو "التهديد العسكري الجدي" وليس التهديد النووي.
إن رفض نتنياهو إقالة "إلياهو" وغيره ممن طالبوا بضرب غزة بالقنابل النووية يظهر العقيدة الإسرائيلية في التعامل مع كل من هو ليس صهيوني، والأحزاب والأجنحة في "إسرائيل" لا تختلف كثيراً فيما بينها في العنصرية والفوقية والتهور في التعامل مع الآخر. والمسألة هنا لا تتعلق بالمسلمين والعرب وحسب، فعناصر من حزب إلياهو نفسه بقيادة بن غفير هم من هاجموا المسيحيين وبصقوا عليهم في البلدة القديمة للقدس.
فبحسب منسّق مجلس الكنائس العالمي في القدس، يوسف ظاهر، فإن أحد رجال الدين من الطائفة الأرمنية في القدس تعرّض للبصق في وجهه 90 مرة خلال عام واحد. وأما عن الأحزاب الأكثر اعتدالاً فهي لا تختلف كثيراً عن الأحزاب اليمينية، فها هو وزير الدفاع الإسرائيلي "يوآبغالانت" يقول بأنه فرض حصاراً على مدينة غزة فلا كهرباء ولا ماء ولا غذاء، وبأنّ "إسرائيل" تتعامل مع حيوانات على هيئة بشر، بحسب وصفه.
ختاماً، لقد تحوّل التهديد باستخدام القنبلة النووية ضد قطاع غزة إلى حالة سائدة ومتكرّرة في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وهي من خلال هذه التهديدات تحاول تحقيق أهداف عديدة، أوّلها التغطية على الخسائر التي تتكبّدها بشكل يومي في قطاع غزة الصامد، وهي أيضاً محاولات لممارسة ضغط على الولايات المتحدة والغرب لتقديم المزيد من المساعدات المالية والعسكرية، وتقديم الغطاء السياسي لجريمتها البشعة وتصفيتها العرقية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويبدو بأنّ هذه التهديدات أتت ثمارها فقد أرسلت الولايات المتحدة غوّاصتها النووية أوهايو إلى الشرق الأوسط لتكون شريكة في الجريمة المروّعة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني وسط صمت عربي ودولي.