العقوبات الغربية على روسيا.. لغزُ العملية العسكرية في أوكرانيا؟
يبقى الجدال بين الغرب والروس حول مدى تأثر موسكو بما يطرحه الغرب من عقوبات جديدة ومتجددة.
وصف الروس العقوبات المفروضة على بلادهم بأنها "غبية"، ووصفها الغرب بأنها "مشدّدة وقاسية". وبين الوصفين، تبقى أوكرانيا تحت خطّ النار تتلظّى، ويبقى المدنيون يعيشون لحظات الرعب المتواصل بعد شهر من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
حتى الآن، لم يتوصل الطرفان الأوكراني والروسي إلى حلول لوقف إطلاق النار وإنهاء المعاناة، وكل العالم يراقب ما ستؤول إليه الأوضاع في هذه البقعة من العالم التي استعر لهيبها بشكل متزايد، رغم الوساطات التركية وغيرها، والتي لم تؤثر حتى الآن في الدبّ الروسي، فهل هي عقوبات غبية فعلاً أو أنها مؤثرة وقاسية؟
في نظر الرئيس الروسي السابق ديميتري مدفيديف، العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا لا يمكن وصفها إلا بـ"الغبية". وما دامت "غبية"، فهذا يعني أنها لا تؤثر بشكل مباشر في روسيا اقتصاديّاً، وبالتالي لا تؤثر فيها سياسياً.
ويعني ذلك أيضاً أن روسيا استعدت جيداً لهذه العقوبات، وكانت تعلم أن الغرب سيفرضها عليها، وربما كانت تنتظر أكثر من ذلك، لكن المعادلة التي كانت أوروبا تراهن عليها هي تأليب الرأي العام الروسي على قيادته من خلال الضغط الاقتصادي، بيْدَ أن ما حدث هو أن الروس، وإن كان بعضهم يعارض العملية العسكرية علانية، ولكنهم يلتفّون حول قيادتهم عندما يرون أن الغرب يعاديهم، من خلال إجراءاته القاسية التي دأب على الإعلان عنها في وسائل الإعلام.
ويبقى الجدال بين الغرب والروس حول مدى تأثر موسكو بما يطرحه الغرب من عقوبات جديدة ومتجددة. ورغم أنهم فعلوا ما بوسعهم وأقصى ما يمكنهم أن يفعلوه حتى الآن، فإن الرئيس الأوكراني رأى أن الغرب لم يقم بواجبه إلى يومنا هذا على النحو الأكمل، وبقي يطالب الدول الغربية في كل مرة بإقامة منطقة حظر جوي على أوكرانيا وحظر النفط والغاز الروسي كلياً، لكنهم عندما اجتمعوا في بروكسل بحضور الرئيس الأميركي نفسه، قرروا عدم القيام بهذه الخطوة الجريئة، خوفاً من التصادم مع روسيا مباشرة، وخوفاً من خسارة مزيد من الدول وإحداث اضطراب كبير في أوروبا الشرقية التي تشعر القلق على مصيرها في حال امتدت العمليات العسكرية إلى كل الأراضي الأوكرانية.
وما دامت هذه العقوبات القاسية على الشركات والكيانات الروسية ورجال الأعمال الروس في أوروبا لم تؤثر في القرار السياسي في موسكو، فإن هذا يعني أن الرئيس الروسي ماضٍ في قراراته الجريئة، وآخرها حصر بيع الغاز الروسي بالروبل، وهو بمثابة قنبلة نووية اقتصادية، ليضع الغرب أمام خيارات صعبة، ويجعله يفكر في مخارج من هذه الورطة أو هذه المشكلة، وخصوصاً إذا علمنا أن أوروبا تستورد حصصها من الغاز والنفط من روسيا تحديداً، وبالتالي هو مجبر على تنويع مصادر الإمدادات والبحث عن بدائل أخرى والاعتماد على الطاقة النظيفة وما شابه ذلك، لكن هذا الأمر لا يتحقق بين عشية وضحاها، ويحتاج إلى وقت طويل.
في هذه الفسحة من الزمن، وبينما يفكر الغرب في إيجاد البدائل، يستغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الفرصة، ويختصر الزمن ليزيد الإجراءات الاستفزازية للتأثير في قرارات واشنطن والغرب، ويسعى للحصول على تخفيف مشروط للعقوبات التي فرضها الطرفان، لكن هذا الأمر غير وارد الآن، بعد الاجتماعات التي قام بها الناتو مع الرئيس الأميركي والمفوضية الأوروبية ومجموعة السبع، وبعد المقترحات التي ظلت تتوالى على المجتمعين لإجبار بوتين على وقف العملية العسكرية الدائرة.
ما زال الغرب يأمل أن يكون ما يفعله هو الصحيح، ويعتقد أن العقوبات التي فرضها على النظام الروسي ستظهر آثارها على المدى المتوسط والبعيد، ويراهن على أنها ستتسبّب بانهيار الاقتصاد الروسي رويداً رويداً، لكن هل سيرى بوتين اقتصاد بلاده ينهار من دون أن يفعل شيئاً؟
لا أعتقد ذلك جزماً، فالرجل يفكر على مدار الساعة في ما يمكن فعله لمواجهة أي تهديد أوروبي، وخصوصاً بعد أن قرر الأوروبيون تعزيز جبهتهم الشرقية والتفكير جدياً في التقليل من الاعتماد على الغاز والنفط الروسي تدريجياً، والاعتماد على الطاقة النظيفة بديلاً للطاقة الأحفورية.
في النهاية، من سينتصر في هذه العملية العسكرية التي يبدو أنها ستطول ما لم يتوصل الطرفان إلى نقاط التقاء؟ حتى الإعلان التركي عن أن روسيا وأوكرانيا متفقتان على 4 نقاط من 6، فنّده وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا عبر وسائل الإعلام، وذكر أن ذلك لم يحصل، ليبقى الوضع على ما هو عليه بين شدّ وجذب، ويبقى الوصول إلى حلّ نهائي بعيد المنال في الأجل القريب على الأقل، لتتعقد المشكلة، وتمضي في مسار التصعيد الشامل ربما في الأيام والأسابيع المقبلة.