الذكاء الاصطناعي، أداة تُمعن في قتل الفلسطينيين

تعدّ الضفة الفضاء الذي يسهّل فيه الذكاء الاصطناعي للاحتلال التحكّم في حياة 3 ملايين شخص، حيث يُجري باستمرار اختبار أنظمة رصد وتتبّع ومراقبة قائمة على الذكاء الاصطناعي. 

  • الضفة والقدس، تحت مجهر تقنية
    الضفة والقدس، تحت مجهر تقنية "التعرّف إلى الوجه".

لم يعد يخفى على أحد اليوم، طموح "جيش" الاحتلال المتنامي لأن يصبح قوّة عظمى متفرّدة في مجال الذكاء الاصطناعي خاصة عندما يتعلّق الأمر بالحرب.

فمنذ أن تمّت عسكرة هذا المجال قبل عدة سنوات خلت، سعى الاحتلال وبشكل دائم وحثيث إلى اختبار تكنولوجيات عسكريّة مدعومة بالذكاء الاصطناعي بشكل مستمر، كـ "أسراب المسيّرات ذاتية التشغيل" والتي استخدمها خلال عدوانه على قطاع غزة عام 2021. 

وذلك بموازاة تجنيده لخريجي المدارس الثانوية الموهوبين لتدريبهم وتلقينهم الخبرات، بما يتيح لهم الالتحاق بالشركات الناشئة المختصة أو تأسيس شركاتهم الخاصة في هذا المجال. 

هذه المساعي الحثيثة لتشكيل رؤية جديدة للحرب، تسير جنباً إلى جنب مع اهتمام بمجالات من قبيل "الأمن السيبراني" وتكنولوجيا المراقبة والتّجسس، والتي لا يمكن فصلها مجتمعة عن غاية "إسرائيل" الأولى: إدامة الاحتلال. 

الضفة والقدس، تحت مجهر تقنية "التعرّف إلى الوجه"

تعدّ الضفة الفضاء الذي يسهّل فيه الذكاء الاصطناعي للاحتلال التحكّم في حياة 3 ملايين شخص، حيث يُجري باستمرار اختبار أنظمة رصد وتتبّع ومراقبة قائمة على الذكاء الاصطناعي. 

واحد من هذه الأنظمة يطلق عليه "الذئب الأحمر" بحسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في شهر أيار/مايو الماضي. هذا النظام المنشور على الحواجز العسكريّة، يعمل على مسح وجوه الفلسطينيين وإضافتها إلى قواعد بيانات ضخمة من دون موافقتهم، واستناداً إلى هذه البيانات يمكن تعقّب الأشخاص واعتقالهم وتقييد حرّية تنقّلهم وما إلى ذلك. 

تكنولوجيا التعرّف إلى الوجه ليست حكراً على الضفّة طبعاً، بل هي جزء من الحياة اليومية في القدس المحتلة، خاصة في المناطق المحيطة بالمستوطنات.

شبكة المراقبة المتنامية هذه، تعزّز وفق منظمة العفو الدولية الحفاظ على نظام الفصل العنصري الذي يفرضه الاحتلال على الفلسطينيين، والتي تساهم أيضاً في استمراره شركات تكنولوجية كبرى على رأسها شركتا "Google" و"Amazon"، اللتان التزمتا باتفاق مع حكومة الاحتلال عام 2021 بتوفير الخدمات السحابية لـ "جيش" الاحتلال عبر مشروع "Nimbus"، وهو ما يسمح بمزيد من المراقبة غير القانونية على حياة الفلسطينيين.

غزة، مختبر لأنظمة الذكاء الاصطناعي

أنشأ "جيش" الاحتلال خلال عام 2019 وحدة جديدة ضمن صفوفه العسكرية كان الغرض منها استخدام الذكاء الاصطناعي لـ "تسريع توليد الأهداف". 

بتفصيل أكثر، معالجة أعداد هائلة من البيانات بشكل أفضل وأسرع من أي إنسان وترجمتها إلى أهداف هجوم. فبدلاً من 50 هدفاً في السنة سابقاً، بات بالإمكان توليد 100 هدف جديد كل يوم، وهو ما حدث فعلياً خلال عدوان عام 2021. 

خلال تلك الحرب التي استمرت 11 يوماً فقط، والتي أطلق عليها "جيش" الاحتلال مسمّى " أول حرب ذكاء اصطناعي في العالم"، دُشّن العمل بأنظمة لها أسماء من قبيل "الإنجيل" و"مصنع النيران" وغيرها.

يعمل بعض هذه الأنظمة على تحليل كمّ هائل من البيانات الاستخباراتية التي غالباً ما تستخلص من صور ومقاطع الطائرات من دون طيار، ومن الاستماع إلى المحادثات الهاتفية ومراقبة الأفراد، وبناءً عليه اقتراح أهداف للغارات. 

من جهة ثانية، تعمل أنظمة أخرى على تحسين خطط هجوم الطائرات والطائرات المسيّرة تبعاً للأهداف المختارة، فيما تقوم أخرى بحساب دقيق لكميّة الذخيرة المناسبة لتنفيذ الهجمات. كلّ هذه العمليات يمكن اختصارها في جملة وردت في تحقيق نشرته مجلة "+972" ومنصة "لوكال كول"، عن لسان أحد المسؤولين العسكريين الإسرائيليين: "الأمر أشبه بمصنع، الكلمة المفتاح فيه هي السرعة، والأولوية فيه ليست لنوع الأهداف، بل لعددها..".

بالعودة إلى العدوان الذي تلا عملية "طوفان الأقصى"، أعلن "جيش" الاحتلال خلال بياناته قصفه لـ 15 ألف هدف خلال الأيام الـ 35 الأولى فقط، وهو ما يفسّر الأعداد الهائلة للشهداء والجرحى من المدنيين، وحجم الدمار الهائل الذي لم يسبق أن رأيناه في حروب الاحتلال السابقة على القطاع.

فعن طريق استخدام الذّكاء الاصطناعي وبالتحديد نظام "الإنجيل" في عملية توليد الأهداف، وسّع الاحتلال قصفه بشكل كبير ليشمل مخبزاً أو مركزاً تجارياً أو منزلاً أو برجاً سكنياً، فقط لأن الخوارزمية وضعته ضمن نطاق يوجد فيه شخص يشتبه بانتمائه لحركة حماس أو لفصيل مقاومة آخر.

استهداف وقتلٌ عن سابق إصرار..

جلّ ما ذُكر، قد يجعل الأمر يبدو كأنه متروك للصّدفة، لكن ليس تماماً. صحيح أن جزءاً مهماً من العملية يكون آلياً، لكن القرار النهائي يكون بشرياً، فهذه الأنظمة لا تتخذ القرار بإطلاق النار بمفردها، بل إنها أثناء تحديدها أهداف القصف تقدّر التأثير الذي يمكن أن يحدثه قرار أو آخر، بل وتعطي فكرة عن عدد المدنيين الذين سيفقدون أرواحهم في حال اتخذ قرار القصف.

 أي إنه "عندما تقتل فتاة في الثالثة من عمرها في منزل في غزة، فذلك لأنّ فرداً في جيش الاحتلال قرّر أن حياتها غير مهمة".. (أحد المصرّحين الإسرائيليين لمجلة "+972"). كلّ هذا الاستهداف المباشر للمنازل والأبنية الشاهقة التي يسكنها أعداد كبيرة من المدنيين، والتي يعرّفها "جيش" الاحتلال على أنها "أهداف قوة"، يأتي لتحقيق غرض أساسي بحسب المجلة: "تقويض المقاومة أمام الغزيين، ودفعهم للضغط عليها..".

العدوان على غزة بعد "طوفان الأقصى" وعلى اختلافه في مناح عديدة، يرى فيه الاحتلال مثل سابقيه، مختبراً لتجريب قدراته العسكرية على مرأى من العالم، وتسويق أسلحته الفتاكة، التي يزداد الطلب عليها مع نهاية كل عدوان، بعد أن تكون قد اختبرت على الفلسطينيين.