لماذا لا يقطع الاحتلال الإنترنت والاتصالات عن غزة بشكل كامل؟
لماذا تقطع الاتصالات في غزة تارة وتارة لا؟ ولمَ لا يعمل الإسرائيلي على الفصل التام الدائم للاتصالات والإنترنت في القطاع؟
قام "الجيش" الإسرائيلي بفصل قطاع غزة عن الاتصالات والإنترنت بشكل متكرر، وهذا يمثّل جزءاً من استراتيجيته العسكرية. تُعد تلك الإجراءات مساحة للتمادي الدموي ومحاولة لإخفات صوت آلام ومعاناة الأطفال وإعماء المجتمع الدولي عمّا يحصل هناك.
من ناحية أخرى، فإن "الجيش" الإسرائيلي يستخدم سيطرته على الاتصالات والإنترنت في غزة كجزء من جهوده لتنفيذ عمليات تجسس ومعلومات استخبارية. يمكن أن يمتثل هذا لاستراتيجيات تجسسية تهدف إلى جمع المعلومات حول النشاطات في القطاع.
من هنا سؤالنا، لماذا تقطع الاتصالات تارة وتارة لا؟ ولِمَ لا يعمل الإسرائيلي على الفصل التام الدائم للاتصالات والإنترنت في القطاع؟
واقع السيطرة والتحكّم الصهيوني بالاتصالات والإنترنت
أعلنت وزارة الاتصالات الفلسطينية في مساء يوم الأحد، الموافق 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، عن فصل "إسرائيل" للمرة الثالثة عن المسارات الدولية للاتصالات، وهذا الإجراء أدى إلى قطع الاتصالات وخدمات الإنترنت بالكامل في قطاع غزة. وأعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية (جوال) أيضاً عن انقطاع تام لخدمات الاتصالات والإنترنت في القطاع نتيجة تعرّض المسارات الرئيسية التي تم استعادتها مؤخراً للفصل مجدداً من قبل الجانب الإسرائيلي.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الانقطاع هو الثالث من نوعه منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، والتي جاءت كرد فعل على حادثة "طوفان الأقصى". وأشار التلفزيون الفلسطيني الرسمي إلى أن القوات الإسرائيلية نفّذت غارات عنيفة وغير مسبوقة استهدفت مدينة غزة بعد أن تم فصل شبكة الاتصالات والإنترنت عن القطاع.
وفي هذا السياق، أفادت وسائل الإعلام بأن "الجيش" الإسرائيلي استهدف عائلة أبو حصيرة بالقرب من ميناء غزة يوم الأحد، وأسفرت هذه الغارات عن سقوط عدد كبير من الشهداء، ومعظمهم من النساء والأطفال الذين كانوا متجمّعين في منزل العائلة والمنازل المحيطة به.
في كل مرة، يعمل بها الإسرائيلي على قطع الإنترنت والاتصالات، يهدف إلى التعتيم الميداني الحاصل الذي يفضح أمرين اثنين:
· حجم المجازر الدموية التي يرتكبها، إضافة إلى الوضع الإنساني المتأزم في القطاع.
· حجم الخسائر التي يتكبّدها مع فصائل المقاومة الفلسطينية في الميدان.
من هنا، ومع أنّ الفكر الإسرائيلي الذي عادة ما يسعى إلى التعتيم وطمس الوقائع والحقائق وحاجته لذلك، نرى أنّ هناك أمراً يحتم عليه عدم القطع المطلق للاتصالات والإنترنت في قطاع غزة.
الحاجة إلى البيانات المباشرة وغير المباشرة
تستخدم الاستخبارات وأجهزة الأمن في مختلف دول العالم الاستخبارات والتجسس للحصول على المعلومات اللازمة لحماية الأمن القومي واتخاذ القرارات السياسية، البيانات المباشرة وغير المباشرة مهمة أيضاً في مجال الفكر التجسسي.
يمكن لأجهزة الاستخبارات جمع البيانات المباشرة من مصادر مختلفة مثل الوكالات الحكومية والتجارة ووسائل الإعلام، هذه البيانات تساعد في فهم المستجدات السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم، تشمل هذه البيانات تقارير المخابرات والمعلومات الحكومية.
يمكن استخدام البيانات غير المباشرة لتحليل الأنماط والاتجاهات. على سبيل المثال، يمكن مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الأخبار لمتابعة الانتقالات السياسية والحركات الاجتماعية. تشمل هذه البيانات معلومات متاحة علناً على الإنترنت.
فيما يتعلق بأحداث غزة، يهم الكيان الصهيوني تجميع الداتا مباشرة من تلك المتعلقة بالاتصالات والإنترنت بتتبع بصمات صوتية والتتبع الجغرافي، إضافة إلى التنصت على المكالمات بشكل أوتوماتيكي ومحاولة التعرّف إلى أي محتوى أمني أو عسكري أو حتى اجتماعي.
كلنا نعرف أنّ المقاومين أفراداً وقيادات، يتجنّبون الهاتف الذكي أو أي جهاز إلكتروني يتصل بالإنترنت ربطاً بالمخاطر الأمنية، ولكن بالنسبة للإسرائيلي، فإنه يستفيد من بيانات الاتصالات أولاً لعدة أهداف:
· تحديد المكان الجغرافي لجهاز الهاتف، متصلاً كان بالإنترنت أم لا وذكياً كان أو لا.
· معرفة مضمون المكالمات بشكل أوتوماتيكي.
· التعرّف إلى بصمة الصوت لحامل الهاتف ولمن حوله حتى، وإن لم يكن هناك أي اتصال هاتفي.
أما بالنسبة للبيانات الآتية من شبكة الإنترنت، فحدّث ولا حرج من استفادة العدو الصهيوني منها:
· التعرّف إلى المكالمات والمحادثات بشكل أوتوماتيكي لمختلف التطبيقات الإلكترونية.
· تحليل محتوى ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
· تحليل الصور والأصوات المخزّنة.
· إمكانية التنصّت عبر كامير ومايكروفون الهاتف الذكي من دون علم صاحب الهاتف.
يمنّ على القطاع بالتواصل...وهو أكثر ما يحتاجه
مع كل ما تقدّم، فإنّ الاتصال بالإنترنت والاتصالات في قطاع غزة، ومع الممر الإلزامي لجميع تلك البيانات للعبور إلى الشبكة العنكبوتية أو حتى لشركات الاتصالات عبر الشبكة الإسرائيلية الإلزامية، هو حاجة ملحّة للإسرائيلي أكثر بكثير منها حاجة للغزّاويين.
يجب رفع الوعي المجتمعي بشأن خطورة التجسس الإلكتروني والحفاظ على خصوصية البيانات. و ليعلم كل فردٍ منا متى نستخدم الهاتف ومتى نحتفظ به إلى جوارنا ومتى نبقيه بعيداً، وربما متى نضع شيئاً يغطي الكاميرا أو الميكروفون.