كايليا نيمور.. رفضتها فرنسا واحتضنتها الجزائر فأثمرت ذهباً
الجزائرية كايليا نيمور، أذهلت العالم بتتويجها بالميدالية الذهبية في أولمبياد باريس 2024، محقّقة إنجازاً تاريخياً للرياضة الجزائرية والرياضة الأفريقية، بعد أن رفضتها فرنسا. فما قصتها؟
في عالم الرياضة، قليلون من يملكون القدرة على تحويل التحديات إلى فرص للتفوّق والتميّز. وهو ما أثبتته البطلة الجزائرية، التي سطع اسمها عالياً في سماء باريس، كايليا نيمور، التي تُوِّجت بالميدالية الذهبية في منافسات الجمباز في دورة الألعاب الأولمبية الفائتة.
مع مرور الأعوام، أصبحت نيمور رمزاً للتفوّق، وخصوصاً بعد تتويجها بذهبية بطولة البحر المتوسط في عام 2019 مع فرنسا. ومع ذلك، لم يكن طريقها مفروشاً بالورود. فعلى الرغم من تمثيلها فرنسا في بداياتها، فإنها رفضتها في أصعب ظروفها، عندما واجهت تحديات صحية جسيمة، الأمر الذي وضع أحلامها على المحك.
ما قصة كايليا نيمور؟
حالها كحال معظم الأطفال، بدأت نيمور ممارسة الرياضة في سن الرابعة رفقة شقيقتها. ولأن والدتها فرنسية وتحمل الجنسية المزدوجة، نشأت في مدينة أفوان الفرنسية. ولم يستغرق الأمر طويلاً حتى برزت موهبتها ولفتت الأنظار إليها.
عند بلوغها الـ11 من عمرها، مهّدت موهبتها في الجمباز الطريق نحو البطولات الخارجية مع نادي المدينة التي تقطن فيها، وتوّجت بعدد من الجوائز والألقاب.
مثّلت نيمور المنتخب الفرنسي للجمباز في بطولة البحر المتوسط عام 2019، وتوّجت بالميدالية الذهبية في المنافسات الفردية على العارضتين متباينتي الارتفاع وعارضة التوازن، كما ساهمت في حصول فرنسا على المركز الثالث في البطولة.
واصلت نيمور تألّقها وتفوّقها على اللاعبات المحترفات الأكبر سناً، وكان كل شيء يسير نحو النجومية، لكن النمو السريع الذي شهده جسمها (نمت 14 سنتيمتراً في عام واحد) والتدريبات المكثّفة التي كانت تقوم بها، أدت إلى مشكلات في الركبتين، لتكتشف في عام 2021 أنها تعاني إعاقة "أوسغود شلاتر"، التي تؤثر في الركبة وتسبّب ألماً وتورّماً في الوتر الموجود تحت الرضفة، الأمر الذي استدعى إجراء عمليتين جراحيتين، واضطرّها إلى الابتعاد عن التدريب مدة 8 أشهر.
على الرغم من ابتعاد نيمور عن التدريبات، فإن إصرارها على تحقيق حلمها بالمشاركة في أولمبياد باريس 2024 ازداد. ولأنها تحمل الجنسية الفرنسية وتُعَدّ من اللاعبات المتألقات، كانت مسألة مشاركتها "سهلة" نوعاً ما، لكن حدث ما لم تكن تتوقعه، فبعد استئنافها التدريبات، بموافقة طبيبها الخاص ومدربها في النادي، رفض مدرب المنتخب الفرنسي عودتها، كما طالبها الاتحاد الفرنسي بالانتقال إلى التدرب تحت إشرافه وضمن ضوابط معينة، مع إبداء تحفّظات كثيرة، وهو ما رفضته نيمور.
كانت هذه علامة فارقة في مسيرة نيمور، ليتدخّل والدها ويعرض عليها أن تمثّل الجزائر بدلاً من فرنسا، وهو ما وافقت عليه. وسرعان ما توجّهت إلى الاتحاد الدولي للجمباز لتغيير جنسيتها إلى الجزائرية بدلاً من الفرنسية.
وافق الاتحاد الدولي على طلب نيمور، لكن بقيت موافقة الاتحاد الفرنسي للجمباز، لأن القوانين تنص على موافقة البلد الأصلي، وإلا فستضطر إلى التضحية بعدم المشاركة في البطولات الرسمية مدة عام. وهو ما حدث فعلياً، لأن الاتحاد الفرنسي رفض طلبها، فلم يبقَ أمامها سوى البقاء من دون مشاركات رسمية، الأمر الذي أجبرها على عدم المشاركة في بطولة العالم عام 2022 وبطولة أفريقيا.
خلال هذه الفترة، حافظت نيمور على تدريباتها وشاركت مع الجزائر في البطولة العربية التي لا تندرج تحت الاتحاد الدولي، أي أنها ليست رسمية، لتحقّق الميدالية الذهبية في الفرق.
لكن، بقيت قضيتها معلّقة، وبقي حلمها معلّقاً في يد الاتحاد الفرنسي، لأن تأهّلها يجب أن يمر عبر بطولة العالم التي لن تنجح في الوصول إليها قبل المشاركة في بطولة أفريقيا عام 2023.
أثارت قصة نيمور اهتمام الجماهير ومحبي الجمباز على مستوى العالم، الأمر الذي دفع الرياضيين والمدربين إلى إطلاق عريضة وقّعها آلاف الأشخاص، يطالبون فيها رئيس الاتحاد الفرنسي للجمباز بالسماح لها بتمثيل الجزائر، ليصل الأمر إلى وزيرة الرياضة والأولمبياد الفرنسية، التي فتحت تحقيقاً، أثمر إعطاء الموافقة لنيمور بتمثيل الجزائر.
بعد السماح لها رسمياً من الاتحاد الدولي، شاركت نيمور في البطولة الأفريقية وفازت بلقبها، الأمر الذي منحها بطاقة العبور إلى بطولة العالم، ونجحت في الوصول إلى النهائيات، وحقّقت الميدالية الفضية لتضمن تأهّلها رسمياً إلى أولمبياد باريس 2024.
وفي أولمبياد باريس، خاضت نيمور منافسات الفردي العام، واحتلت المركز الخامس، وهو أعلى مركز يصل إليه لاعب جمباز أفريقي في تاريخ الأولمبياد.
وفي منافسات العارضتين متباينتي الارتفاع في الجمباز، أبهرت نيمور، صاحبة الأعوام الـ 17، العالم بتتويجها بالميدالية الذهبية، متفوّقة على بطلة العالم وآسيا، الصينية تشيوان تشيو، والأميركية سونيسا لي، محققةً إنجازاً تاريخياً ليس فقط لها، بل للرياضة الجزائرية، وللرياضة الأفريقية بأسرها.