بيليه يفي بوعده.. كأس العالم للبرازيل
بيليه يعد واحداً من أفضل لاعبي كرة القدم في التاريخ، وهو من وضع البرازيل على خارطة كأس العالم، فكيف بدأ مسيرته في كأس العالم؟
يبرز عدد من قصص لاعبي كرة القدم، لكن تبدو قصّة البرازيلي إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو "بيليه" من أكثر القصص إثارةً وتشويقاً.
بدأ بيليه مسيرته الكروية مع نادي سانتوس في عمر 15 عاماً، ولعب مع منتخب البرازيل بعمر 16 عاماً. وكان لاستدعائه إلى المنتخب الأول وقع خاص، إذ تعرّض مُدرب المنتخب آنذاك لانتقادات كبيرة لصغر سن اللاعب الذي سيلعب في المنتخب الأول، ومخافة عدم قدرته على تحمل الضغوطات الكبيرة التي يتعرّض لها اللاعبون.
البرازيل ما قبل بيليه ليست كما بعده
لم تنَل البرازيل قبل بيليه أي لقب في المونديال، وهي من تتسيّد قائمة المنتخبات الأكثر تتويجاً باللقب العالمي (5 ألقاب). تُوج بيليه مع البرازيل في 3 نسخ في كأس العالم أعوام 1958 و1962 و1970، وكان اللاعب الوحيد الذي حقق هذا الإنجاز، فكيف بدأت مسيرته في كأس العالم؟
الدموع التي غيرت كل شيء
عندما كان دوندينهو (والد بيليه) وأصدقاؤه يجلسون إلى جانب جهاز الراديو ليتابعوا تفاصيل المباراة النهائية لكأس العالم 1948، والتي أقيمت في البرازيل، بين الأوروغواي والبرازيل، في ملعب "ماراكانا" الشهير، كانت البرازيل متقدمة بهدف من دون رد، لكن الأوروغواي قلبت النتيجة، وفازت بهدفين في مُقابل هدف، لتفشل البرازيل في تحقيق اللقب الأول.
يقول بيليه بشأن هذه التفاصيل: "عندما عدتُ إلى المنزل، أصبتُ بالذهول. رأيت أبي يبكي للمرة الأولى. كان مدمّراً، ولكنني تعهّدتُ له أنني سأفوز بكأس العالم يوماً ما من أجله". وهنا، كانت الانطلاقة. قبل هذه اللحظة، كان بيليه يريد أن يصبح طياراً، لكن هدفه تغيّر وأراد أن يصبح لاعب كرة قدم.
قبل مونديال 1958، استدعى مُدرب المنتخب فيسنتي فيولا لاعباً يافعاً اسمه إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو، الذي اشتهر باسم "بيليه"، لكن فيولا واجه اعتراضاً شديداً من طبيب نفسي يعمل مع الاتحاد الرياضي البرازيلي (الذي سبق تأسيس اتحاد كرة القدم البرازيلي) على اصطحاب بيليه لخوض منافسات مونديال السويد 1958، مؤكداً أن الفتى لم ينضج بعد.
اقرأ أيضاً.. أفريقيا لا تزال تحفظ كلمة بيليه في كأس العالم
ردّ فيولا على الطبيب بالقول: "قد تكون على صواب، إلا أنك لا تعرف شيئاً عن كرة القدم. وقد رأيتُ كيف يلعب بيليه".
بدأ بيليه مشواره في المونديال من دكة البدلاء، لكنْ عقب التعادل المفاجئ من دون أهداف مع إنكلترا، الذي كان أول تعادل سلبي في تاريخ كأس العالم، ظهر بيليه في التشكيلة الأساسية لخوض المباراة الثالثة للبرازيل، التي جمعت منتخب "السامبا" مع الاتحاد السوفياتي.
واصل بيليه الحضور في التشكيلة في السويد، وسجّل الهدف الوحيد لبلاده في مباراة ربع النهائي أمام ويلز، ومن ثم ثلاثية "هاتريك" في شباك فرنسا في نصف النهائي، وثنائية في عرين السويد في النهائي، ليقود بيليه بلده البرازيل إلى أول لقب كأس العالم، ويحقق الوعد الذي قطعه لوالده.
وقال بيليه في فيلمه الوثائقي عن شعوره بشأن ضغوط الجماهير: "عندما كنت موجوداً في قائمة كأس العالم، اعتقد الناس أنها ستكون تجربة يصعب عليّ تحملها، وأنها تنطوي على مسؤولية أكبر من اللازم، إلّا أن الأمر لم يكن على هذا الشكل. لم أشعر بالقلق. أول هدف سجلته في شباك ويلز كان لحظة مهمة، فقد كان الهدف الذي فتح الباب لمسيرتي".
بيليه وكأس العالم الثانية في تشيلي
مع بداية كأس العالم 1962، كان بيليه أفضل لاعبي العالم في ذلك الوقت، وكانت مشاركته الثانية على التوالي في المونديال بعد العام 1958.
لعب فريق البرازيل المباراة الأولى أمام تشيلي، وساهم بيليه في الهدف الأول، وسجّل الثاني. وفي المباراة التالية أمام تشيكوسلوفاكيا، تعرّض بيليه لإصابة في أثناء محاولته تسديد كرة من خارج منطقة الجزاء، فاضطر المُدرب البرازيلي أيموري موريرا إلى تغيير خططه.
كانت إصابة بيليه قوية، ولم يلعب في بقية المباريات، ونجحت البرازيل في تحقيق اللقب الثاني على التوالي في كأس العالم، بفضل تألق غارينشيا وأماريلدو.
المكسيك لم تنسَ.. بيليه عاد إلى المونديال
سيظلّ صيف العام 1970 خالِداً في تاريخ كرة القدم وسجلّات كأس العالم تماماً كما في قلوب البرازيليين. تلك النسخة من البطولة شَهِدَت الكثير الكثير، وقيل عنها كل ما هو جميل.
قبل انطلاق المونديال، لعب بيليه 6 مباريات في التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، وسجّل 6 أهداف. كان بيليه وقتها قد تراجع عن قرار اعتزاله اللعب الدولي، وأدّى ذلك إلى احتفاظ البرازيل بكأس "جول ريميه"، بعد حصدها اللقبل المونديالي الثالث، بحضور لاعبين متألقين، منهم كولودوالدو وجيرسون وريفالينو وتوستاو وجيرزينيو وكارلوس ألبيرتو.
اقرأ أيضاً.. لقميص منتخب البرازيل قصة في كأس العالم.. كيف أصبح أصفر اللون؟
يقول ماريو زاغالو (لاعب كرة قدم ومُدرب كرة قدم برازيلي سابق): "أعطى الطفل (بيليه) في كأس العالم 1958 علامات عبقرية. وفي المكسيك، وفى بكل الوعود، وأغلق الباب بمفتاح من ذهب".
شهدت المباراة النهائية في ملعب "أزتيكا" في مدينة مكسيكو تألقاً لافتاً للمنتخب البرازيلي الذي تفوَّق على نظيره الإيطالي بنتيجة 1-4. وكان جيرزينيو اللاعب الوحيد الذي تمكَّن من تسجيل هدف في كل مباراة.
وبعد فوز البرازيل في مونديال المكسيك، تحدَّث الكثيرون من متابعي كرة القدم واللاعبين المعتزلين عن أن الجيل البرازيلي في هذه النسخة من كأس العالم كان الأفضل والأقوى.
تُوفي أسطورة البرازيل، إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو، المعروف باسم "بيليه"، الخميس 29 كانون الأول/ديسمبر 2022، عن عمر 82 عاماً، بعد صراع مع مرض السرطان.