لا أمان مع المحتل.. ناجون يروون رحلة النزوح إلى جنوبي غزة

ناجون من رحلة النزوح من شمالي قطاع غزة إلى جنوبيه يروون للميادين نت ما حدث لهم. ماذا قالوا؟

لا تنسى نغم كراجة اليوم الذي وقفت فيه عند نافذة بيتها لتراقب ما يحدث، بحيث كان كل من يقطنون حولها يحملون ما تيسر لهم من المتاع فارين، كأن الأمر أشبه بمشهد من فيلم هوليوودي. أناس يتدافعون بالمئات نحو جنوب قطاع غزة، في إثر رسائل وجهها جيش الاحتلال، تدعو سكان شمالي القطاع  وشرقيه إلى التوجه إلى جنوبيه، حيث، وفق قولهم، سيتم توفير ممرّ آمن للنازحين. ولأن الاحتلال كما عادته، غدار، تحول الممر "الآمن" إلى مقبرة جماعية.

تقول نغم: "إنني تأثرت بما حدث، فقمت بتجهيز متاع لي ولأطفالي بغرض التوجه نحو الجنوب كما طُلب إلينا، من أجل المحافظة على حياتنا. استقللت السيارة التي توجهت من شرقي قطاع غزة إلى وسطه، إلى أن سمعت دوي صوت يعرفه الجميع.  إنه صاروخ. نعم، صاروخ أطلقه الاحتلال في منتصف القافلة المتوجهة لينقسم الناس إلى قسمين. قسم عاد من حيث أتى مفضلاً الموت داخل بيوته، بينما قرر القسم الآخر استكمال طريقه إلى الجنوب ظناً منه أنه سيبلغ برّ الأمان".

تتذكر نغم أنها حين سمعت دوي انفجار الصاروخ أطلقت صرخة قوية خوفاً على أطفالها، لكنها ما إن اطمأنت عليهم حتى اختارت أن تكون ضمن فريق العائدين إلى القطاع، كون لا أمان مع المحتل ولا وجود لضمانات أو عهود. والدليل على ذلك خرقه العهد في غضون ساعات، ورجوع المئات من النازحين إلى مستشفى الشفاء بين وشهيد وجريح".

سعد الوحيدي شاهد إضافي على المجازر في حق النازحين، الذين يزعم الاحتلال أنهم سيكونون في مأمن من آلته العسكرية بمجرد انتقالهم إلى الجنوب. إذ يقول إن "رفح استفاقت على مجزرة إبادة دموية. أكثر من 70 شهيداً حتى الآن بعد قصف جنوني من الطائرات الحربية استهدفت بيوتاً وعمارات سكنية تم تدميرها فوق رؤوس ساكنيها النيام فجراً، في ظل استمرار محاولات المستشفى الكويتي في إسعاف المرضى في الممرات والساحات بعد امتلاء الأقسام بمئات الجرحى".

وبدأ القصف لمنطقة الجنوب منذ الساعة الثامنة صباحاً من يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر لتتوالى الغارات حتى الساعة الثانية عشرة تقريباً من دون توقف، داخل مدينة تطالب منذ أعوام بتوفير مستشفى. فمدينة رفح تفتقر إلى وجود مستشفى مركزي تخصصي، وما يتم تقديمه من خدمات طبية يتوقف على ما تقوم به المستوصفات فحسب.

واستكمالاً لبشاعة المشهد تفيد أفنان ناهض، "لا أعلم من أين أبدأ. فلقد بات واضحاً هوس الاحتلال الإسرائيلي وتعطشه إلى ارتكاب مزيد من المجازر في صفوف النازحين، بحيث كانت بدايتها قصف مدفعية الاحتلال لمدرسة إيواء النازحين في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، كما أطلقت برميلاً متفجراً على مدخل مخيم البريج، وللحديث بقية عما أحدثته تلك الجرائم بحق المدنيين الأبرياء من جرحى وشهداء بالمئات، وكلها ضمن المناطق الآمنة التي انتقل إليها المدنيون" .

أما محمد زقوت، وكان ممن اختاروا النزوح إلى الجنوب، فيصف كيف أن رحلة النزوح أثقلت كاهله: "ما بعد منطقة وادي غزة هناك عدد من المحافظات. لجأت إلى المنطقة الوسطى، وعندما وقعت بالقرب منا مجزرة، قررت الذهاب إلى خان يونس، لكن السيناريو نفسه تكرر هناك مع استهداف المنزل الملاصق لي، وأصبت أنا وعدد من أفراد عائلتي إصابات بالغة، بحيث نقلنا إلى المستشفى. وعندما أنهينا العلاج انتقلنا إلى رفح لنشهد غارات متواصلة على مدار اليوم".

يقول محمد، وهو يضرب كفاً بكف: "شاهدت مسلسل "التغريبة الفلسطينية" عدة مرات، وشعرت بقهر تجاه أبناء شعبي، لكن لم أكن لأتوقع أن تتكرر تلك الأحداث اليوم، بسبب يقيني بأنه، في ذلك الوقت، لم يكن هناك وجود للأمم المتحدة ولا مؤسسات حقوق إنسان، أو تطور إعلامي"، معرباً عن شعوره بالخيبة لأن "كل ما سبق ذكره ليس له قيمة ما دامت غزة تباد أمام أعين الجميع، وسط صمت مطبق، بينما الشعب الفلسطيني يتم تهجيره مرة أخرى قسراً، وأمام عدسات الكاميرات".

وكانت قوات الاحتلال طالبت، في 13 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، سكان قطاع غزة بالنزوح من مناطق الشمال إلى جنوبي وادي غزة، حيث ألقت مناشير وقامت استخباراتها باتصالات هاتفية أنذرت فيها بعض سكان القطاع بإخلاء منازلهم، مدعيةً أنها وفرت ممراً آمناً للنازحين عبر طريق صلاح الدين، قبل أن ترتكب بحقهم مجزرة وثقتها مقاطع فيديو مباشرة، وسط حفلة جنون وقتل إسرائيليين لم ينتهيا منذ أكثر من 40 يوماً. 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.