غالونات وطوابير ومياه البحر.. البحث عن مياه نظيفة همّ يوميّ في غزة
تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بشِحّ كبير في المياه ومصادرها، وخصوصاً مع تدمير جيش الاحتلال معظم الآبار والمرافق التي تزود السكان بالمياه الصالحة للاستخدام.
بجهود شاقة، وبعد ساعات طويلة من الانتظار واتّباع الوسائل والطرائق التقليدية، يتمكن النازحون في قطاع غزة من الحصول على كميات شحيحة من المياه للاستخدام والشرب، في ظل استمرار الحرب، للشهر التاسع على التوالي.
فالحرب الإسرائيلية على القطاع تسببت بشح كبير في المياه ومصادرها، وخصوصاً مع تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي معظم الآبار والمرافق التي تزود السكان بالمياه الصالحة للاستخدام، في إطار حربها التدميرية.
ووفق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، "أونروا"، فإن "67% من مرافق المياه والصرف الصحي والبنية التحتية في قطاع غزة مدمَّرة أو متضرّرة، بسبب الهجمات الإسرائيلية"، مؤكدة أن الأمراض المعدية تواصل الانتشار.
مهمة يومية
محمد عابد، أحد النازحين من غربي غزة إلى شمالي القطاع، يقول إن البحث عن المياه ومصادرها هي المهمّة الأساسية بالنسبة إليه، بحيث يُمضي أكثر من نصف يومه من أجلها، ويعتمد على طرائق بدائية للغاية للحصول على كميات شحيحة من الماء.
ويفيد عابد الميادين نت بأنه "يقوم بالتنقل بغالونات المياه من مكان إلى آخر، بحثاً عن مصادر المياه، والتي أصبحت شحيحة بسبب القصف الإسرائيلي للآبار التابعة للبلديات، وعدم تمكن الآبار التي لم تُقصف من العمل بسبب النقص في الوقود".
بجهد شاق للغاية، يجرّ النازح الفلسطيني عربة عليها عدد من الغالونات، ويتنقل بين مختلف المناطق الشمالية للقطاع، آملاً في رحلته الحصول على المياه في أسرع وقت، مؤكداً أن سكان غزة يعتمدون على فاعلي الخير للحصول على المياه.
ويقف النازحون، وفق عابد، طوابير طويلة لتعبئة الغالونات والعودة بها إلى منازلهم المدمرة أغلبيتها. وهي مُهمة تستمرّ ساعات طويلةً يتبادلون فيها أطراف الحديث عن الحرب والقصف الإسرائيليين، ولا يُخفون قلقهم من طائرات الاحتلال التي لا تتوقف عن التحليق فوق رؤوسهم.
مياه البحر بديلاً!
في الشق الآخر من قطاع غزة، يواجه النازحون في الخيام في منطقة المواصي، جنوبي القطاع، الأمرّين من أجل الحصول على المياه، ويقف معظمهم في طوابير طويلة من أجل ذلك، بينما يعتمد عدد كبير منهم على مياه البحر من أجل غسل الملابس والأواني والاستخدام اليومي.
وتفيد النازحة من غزة إلى المواصي، سهى المقيد، بأنها بدّلت المياه الصالحة للاستخدام بمياه البحر المالحة، وهو الأمر الذي يمثل معاناة من نوع آخر لها ولآلاف النساء النازحات، مؤكدة أن توفير المياه الصالحة للشرب صعبة للغاية أيضاً.
وتقول المقيد، لـلميادين نت، إن "زوجها، قبل أن ينتقل إلى المواصي، بحث عن منطقة قريبة من مصادر المياه، بحيث إنه كانت تصل إلى مخيم النزوح، في بداية الأمر، شاحنات كبيرة لإيصال المياه إلى خيام النازحي،؛ إلا أنها لم تصل إلى المكان منذ فترة طويلة".
وتشير إلى أن "المهنة الأصعب على النازحين، في ظل الحرب الإسرائيلية، هي الحصول على المياه، كما أن المهمة المستحيلة تتمثل بتوفير مصدر مستدام للمياه الصالحة للشرب"، مبينة أنهم يضطرون، في كثير من الأحيان، إلى شرب مياه غير محلاة.
وتؤكد أن شح المياه في مناطق النزوح يشكل الأزمة الأكبر للنازحين، والتي تجبرهم، في كثير من الأحيان، على عدم الاستحمام أسابيعَ طويلة، وربما أشهراً، الأمر الذي يشكّل خطراً كبيراً على حياتهم الصحية وحياة أطفالهم، وفق التحذيرات الطبية.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن عدد النازحين في غزة بلغ نحو مليونَي نازح، بينهم مليون و600 ألفاً مصابون بالأمراض المعدية نتيجة النزوح، ضمنهم 71 ألفاً مصابون بالتهابات الكبد الوبائي الفيروسي، بينما تقدَّر خسائر البنية التحتية بمليارات الدولارات.
ويُعَدّ شح المياه وصعوبة الحصول عليها السببَ الرئيس في انتشار الأمراض المعدية والأوبئة في مراكز النزوح في قطاع غزة، بينما تؤكد الجهات الرسمية أن عودة البنية التحتية إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الحرب تحتاج إلى جهد دولي كبير.
تدمير الآبار
ويفيد الناطق باسم بلدية غزة، حسني مهنا، بأن الاحتلال دمر جميع آبار المياه في مختلف مناطق القطاع، كما حرم السكان والنازحين من مصادرها، في ظل منعه دخول الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية، التي تساهم في إيصال المياه إليهم وتكريرها في محطات التحلية الخاصة.
ويؤكد مهنا، لـلميادين نت، أنّ "الحرب دمرت خطوط المياه في الشوارع وكل المرافق، وهو ما يمنع وصول المياه إلى السكان حتى في حال توقف الحرب"، مؤكداً أن عودة عمل تلك الخطوط تحتاج إلى دعم دولي عاجل ومَبالغ مالية طائلة.
ويؤكد أن "جيش الاحتلال دمر كل شيء، من البنى التحتية ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، وتعمّد استهداف البلديات وطواقمها، الأمر الذي فاقم أزمات القطاع، وخصوصاً أزمة المياه"، مؤكداً أن جميع السكان يعانون الأمرّين من أجل الوصول إلى مصادر المياه.
ويضيف: "نعيش كارثة خطيرة غير مسبوقة، بيئياً وصحياً، ويمكن أن يؤدي نقص مصادر المياه إلى تفشي الأمراض والأوبئة بصورة أكبر، وإلى أزمات لا تُحمد عقباها"، مطالباً بتدخل عاجل لإنقاذ النازحين وإيصال المياه إلى جميع السكان والنازحين.
ويؤكد رئيس بلدية دير البلح وسط القطاع، دياب الجرو، أن "مناطق النزوح تعيش أزمة كبيرة للغاية بسبب قصف الاحتلال الإسرائيلي آبار المياه ومحطات التحلية"، لافتاً إلى أن 90% من الآبار ومحطات التحلية خرجت عن الخدمة، بسبب الحرب.
ويفيد الجرو الميادين نت بأن "الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف مصادر المياه، وأن تلك المصادر باتت شحيحة في مختلف مناطق القطاع بسبب استمرار الحرب"، مشدداً على أن عملية رفح زادت في شح المياه لدى النازحين.
وأوضح أن "السكان والنازحين مضطرون إلى السير كيلومترات طويلة للحصول على كميات قليلة للغاية من المياه الصالحة للشرب أو الاستخدام، ويدفعون أضعاف الأسعار التي كانت قبل الحرب، الأمر الذي يحول دون مقدرتهم على الحصول على الكميات الكافية منها".