باعتراف إسرائيلي.. الاحتلال يسرق أعضاء جثامين الشهداء في غزة
بعد نبش الاحتلال الإسرائيلي القبور وتجريف المقابر، تبيّن أن قواته قامت بسرقة ما يقارب 150 جثماناً من جثامين الشهداء الذين ارتقوا حديثاً في حرب الإبادة الجماعية.
لم يكتفِ "جيش" الاحتلال بجرائمه ضد الفلسطينيين من قتل وتهجير، بل أضاف جريمة جديدة إلى سجله الإجرامي الأسود، وهي اختطاف جثامين الشهداء في قطاع غزة لسرقة الأعضاء منها.
المرصد الأورومتوسطي كشف في تقرير نشره في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2023، احتجاز جثامين للشهداء الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال خلال عدوانها الحالي على غزة، حيث تمّ احتجاز هذه الجثامين بعد أخذها من مجمّع الشفاء الطبي والمستشفى الإندونيسي وممرّ النزوح الذي خصصته قوات الاحتلال على طريق صلاح الدين الرئيسي.
وقال الصحافي الغزّي تامر لُبّد للميادين نت إنّ قضية احتجاز جثامين الشهداء لسرقة الأعضاء ليست بالجديدة، بل بدأت منذ انتفاضة الأقصى، حيث كانت قوات الاحتلال تختطف جثامين الشهداء وتحتجزها، وبعدها بفترة تعاد هذه الجثامين وتكون مُشرّحة من العنق لأسفل البطن ومحشوّة بالقطن. لكن في هذه الحرب كان الأمر واضحاً بشكل أكبر، حيث تمّ نبش عشرات المقابر، بينها مقبرة البطش والشجاعية ومقبرة الفالوجة في الشمال، ومقبرة أقيمت في جامع إحدى المجمّعات الطبية.
ومع انسحاب قوات وآليات الاحتلال من هذه المناطق، خاصة في حي التفاح، تفاجأ سكان القطاع بعد قيام قوات الاحتلال بتجريف كامل لهذه المقابر والعبث بها، وخلط الجثث ببعضها البعض لإخفاء أيّ ملامح سرقة، وليبدو الأمر بأنه مجرد عبث وانتهاك لحرمة المقابر، وقدّر عدد القبور التي تمّ نبشها بنحو 1100 قبر، خاصة في مقبرة حي التفاح (شرق مدينة غزة).
وأوضح المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أنه وبعد نبش هذه القبور وتجريف المقبرة، تبيّن أن قوات الاحتلال قامت بسرقة ما يقارب 150 جثماناً من جثامين الشهداء الذين ارتقوا حديثاً في حرب الإبادة الجماعية - طوفان الأقصى، وتمّ أخذها إلى مكان غير معلوم ليطرح المكتب الإعلامي السؤال مجدّداً: "هل يقوم الاحتلال بسرقة أعضاء الشهداء، ولماذا؟".
ليأتي الجواب بعد أيام، بعدما سلّمت قوات الاحتلال نحو 80 جثماناً من جثامين شهداء سابقين كانوا قد سرقوها من مدينة غزة ومن شمال غزة، ولوحظ أن هذه الجثامين قد تغيّرت بشكل كلّي؛ حيث تمّ العبث بها، في إشارة واضحة إلى أن هذه الجثامين قد فقدت أعضاء حيوية من مختلف أنحاء الجسم مما تسبب بتغيّر ملامحها.
وقال "حكيم " للميادين نت، وهو مواطن غزاوي وناشط اجتماعي يقيم في شمال القطاع، إن قوات الاحتلال اقتحمت عدة مقابر في منطقة الشجاعية ومحيط المستشفى الميداني الأهلي في منطقة الساحة وسط مدينة غزة، وقال إنه شاهد قوات الاحتلال تستخرج الجثامين وتنكّل بها، وأكد أنه تمّت سرقة جثامين الشهداء في شمال القطاع المنكوب، وتمّت إعادة ما يقارب 80 جثماناً في منتصف كانون الثاني/يناير العام الحالي، تمّ دفنها جميعاً في مقبرة جماعية نظراً لصعوبة التعرّف إليها.
وتابع حكيم أنّ جرائم الاحتلال التي تتمثّل بسرقة الجثامين ما هي إلّا لسرقة الأعضاء منها، واستخدامها في كليات الطب وزرعها في أجساد المستوطنين وربما بيعها، وتتمّ سرقة جثامين لبعض القياديين للتنكيل بها، ولكسر هيبة وحرمة وقدسية هذا الشهيد. وأضاف أيضاً أنّ العبث بالمقابر وتجريفها ما هو إلّا نكاية بالشعب الفلسطيني الذي يمجّد الشهداء.
وكشفت وسائل إعلام غربية عن اعترافات وتقارير تشير إلى تورّط "إسرائيل" بهذه السرقات؛ ففي 20 أيلول/سبتمبر 2018، كتبت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريراً بعنوان "أصبحت إسرائيل مركزاً لتجارة الأعضاء الدولية خلال العقد الماضي"، بدوره، أعلن موقعي "euronews"و"Newsweek" أنّ "إسرائيل" تسرق الأعضاء من الجثث في غزة.
تشويه الجثامين
وتمّ مؤخّراً الإفراج عمّا يقارب 17 جثة من دون رأس، وعدد منها كانت فروة الرأس منزوعة من على الجمجمة، وبعضها أشلاء، وبعضها متفرّقات كقدم أو ساق أو ذراع. هذه الحالات التي وجدت على الجثامين أعادت إلى الأذهان ملف سرقة أعضاء الجثث والجلود الذي تحدّثت عنه وزارة الصحة الإسرائيلية، وتفاخرت بأنها تمتلك أكبر بنك للجلود البشرية الذي أنشئ عام 1986، رغم أن المستوطنين في الأراضي المحتلة هم الأقل في العالم تبرّعاً بأعضائهم بعد الممات، حيث وصل احتياطي الجلد البشري لأكثر من 170 متراً مربّعاً، بحسب إحصائية نشرت منذ أعوام، وتستخدم هذه الجلود في علاج الحروق، وأيضاً تستخدم في عمليات التجميل ويتم بيعها.
وصرّح الخبير في الشؤون الإسرائيلية أنس أبو عرقوب بأنّ بنك الجلود الذي تتفاخر به "دولة" الاحتلال يتفوّق على بنك الجلود الأميركي الذي أنشئ قبله بأربعين عاماً، وقال أبو عرقوب أيضاً إن سرقة الجثامين وسرقة الأعضاء ليست مجرد شكوك واتهامات، بل هي حقيقة قالها الإعلام الإسرائيلي، وافتخر بأنه ينزعها انتزاعاً من دون معرفة ذوي الشهداء، حيث نشرت صحيفة "The ghardian" البريطانية في 12 كانون الثاني/ديسمبر 2009، اعترافات لطبيب يكشف أن علماء الأمراض الإسرائيليين قاموا بجمع الأعضاء من الشهداء من دون إذن من ذويهم، فيما بينت شبكة "سي أن أن" أيضاً في الفترة نفسها أنّ مسؤولين إسرائيليين يجمعون أعضاء من دون إذن.
ولم تقتصر السرقة على الجلود فقط، بل قالت وكتبت البروفيسورة الصهيونية مئيرة فايس في كتابها "على جثثهم الميتة" أنه تتمّ سرقة الأعضاء من جثامين الشهداء الفلسطينيين من أجل زراعتها في أجساد المرضى الصهاينة، ويتم استعمالها أيضاً في كلّيات الطب في الجامعات ولإجراء البحوث العلمية عليها، وقالت أيضاً إنه يمنع استئصال أعضاء من جثث الصهاينة بل تستأصل من جثامين الفلسطينيين، حيث يتمّ تخزينها وحفظها لاستخدامها لاحقاً.
وقالت فايس أيضاً في الكتاب نفسه إنها شاهدت الطريقة التي تتمّ بها سرقة الأعضاء من جثامين الشهداء، قائلة: "يأخذون القرنيات والقوقعات ويعوّضونها بأجسام بلاستيكية لا يكتشفها إلّا أصحاب الاختصاص، فيصعب على الأهل تمييزها". وأضافت أن الجلود تنتزع من ظهر الجثمان لكي لا تراه الجهات الرسمية ومنظمات حقوق الإنسان والأهالي، ويتمّ أخذ صمامات القلب لاستخدامها في الجامعات وكليات الطب، ويتمّ تخزينها للاستخدام في وقت لاحق.
وكشف الطبيب مروان الهمص مدير مستشفى الشهيد محمد يوسف النجار في رفح أن "جيش" الاحتلال أرسل في نهاية عام 2023 حاوية مليئة بالشهداء، حيث رفضت قوات الاحتلال تحديد أسماء هذه الجثامين وعددها ومن أين خطفتها، ودخلت هذه الشاحنة عبر معبر "صوفا" بين غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة (أراضي الـ 48).
وقال الهمص: "بمجرد فتح الحاوية انتشرت روائح صعبة للغاية، كانت الجثث موضوعة في الحاوية فوق بعضها البعض، بعضها جثامين كاملة وبعضها أجزاء، وحتى إنّ بعضها كان فقط عبارة عن جزء من جسد. وقال الهمص إنه كان من بين جثامين مغطاة بالتراب، وهذه إشارة إلى أنها الجثامين خطفت من المقابر، ووجد أيضاً جثامين متفحّمة، أي أنها تعرّضت للحرق لإخفاء أيّ ملامح سرقة، ووجد أيضاً عظاماً فقط، وأشلاء موضوعة في أكياس زرقاء، ووجد جثامين كانت مفتوحة البطن بشكل طولي من الرقبة إلى أسفل البطن وتمّت خياطتها، بدليل أنه تمّ تشريح هذه الجثامين وسرقة كامل الأعضاء الحيوية من داخل الجسم.
وتبرّر "إسرائيل" أنّ ما تفعله يأتي في إطار التبرّع بالأعضاء، وتحاول تغطيته بشكل أكاديمي، وتعطيه طابعاً أكاديمياً ومادة بحثية.
هذه الجريمة والسرقة ليستا بالشيء الغريب ولا الشيء الجديد على الاحتلال؛ بل هي جرائم قديمة جديدة أعيدت إلى الواجهة بعد 7 أكتوبر، حيث أنه كثرت وتعدّدت سرقة الجثامين، بل وتمّ أيضاً احتجاز عشرات الجثامين للشهداء في أماكن تسمّى مقابر الأرقام، حيث يتمّ احتجاز جثامين الشهداء في مقابر سرية تقع في مناطق عسكرية مغلقة تخضع لوزارة الأمن الإسرائيلية ويمنع الاقتراب منها وتصويرها، وتأتي هذه المقابر التي تسمّى بـ"سجون الأموات" للانتقام من الشهداء وذويهم؛ لأنّ الاحتلال يدرك قدسية الشهيد ومكانته وكيف يتحوّل إلى بطل بين أبناء شعبه.
وأنشئت هذه المقابر بالدرجة الأولى لإخفاء وطمس ومحو أيّ آثار لتورّط الاحتلال، وتثبت أنه قام بسرقة أعضاء هؤلاء الشهداء، وتمّ أيضاً احتجاز جثامين للمدنيين والأسرى الذين ارتقوا في سجون الاحتلال، على خلفية طوفان الأقصى، ورفضت قوات الاحتلال الإفراج عنها إلّا بعد مدة زمنية كبيرة، حيث تغطّى الاحتلال بقانون سنّه الكنيست الصهيوني، وشرّعه بقانون صهيوني عام 2021، يخوّل للشرطة الاحتفاظ برفات الشهداء الفلسطينيين.
وأعرب المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني في غزة عن دهشته وألمه من المواقف الصامتة للمنظّمات الدولية، وعلى رأسها الصليب الأحمر، تجاه هذه الجريمة التي يرتكبها الاحتلال، وقال إنّها "منظّمات باهتة وثانوية وبعيدة كلّ البعد عن الموقف الإنساني والأخلاقي ولا تؤدي واجباتها على أكمل وجه".