الولايات المتحدة تفشل في صياغة عقد اجتماعي جديد لمواجهة العنصرية
في خضمّ المنافسة المشتعلة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات النصفية الأميركية، لا يبدو أن الولايات المتحدة تخلّصت من لوثة العنصرية القديمة، ويبدو أن مبدأ "البيض أولاً" ما زال راسخاً في نفوس الكثير من الأميركيين.
"أنا على يقين لو كان ابني أشقر بعينين زرقاوين لكان حياً الآن"، يقول أوبريت رايت، والد الشاب داونت رايت الذي قُتِل برصاص شرطيّةٍ في نيسان/أبريل 2021.
يقلّب الوالد المفجوع صوَر ابنه، "انظروا بشرته فاتحة، وعلى الرغم من هذا قتلوه"، يعلق بعينين دامعتين.
يتخيّل ربما لو كانت بشرة ابنه أفتح بدرجاتٍ بعد، هل كان سينجو؟
يلخّص أوبريت الأمر، في أثناء حديثه لوكالة الصحافة الفرنسية، بجملةٍ واحدة: "لسنا من العصابات ولا نؤذي أحداً، نحن أشخاصٌ صالحون. يُفتَرضُ ألاّ يحدث لنا هذا".
بين ما "يُفتَرضُ" وما "يحدث" تكمن القضية، قضية العنصرية التي تتفاعل في الولايات المتحدة منذ قيامها، من غير أن تصل إلى حلٍ نهائي.
في كتابه الأخير "كيف نكسب الحرب الأهلية: تأمين ديمقراطية متعددة الأعراق وإنهاء التفوق الأبيض من أجل الخير"، يشرح ستيف فيليبس كيف بُنيت أميركا على عقد اجتماعي عنصري، هو بحسب توصيفه، نتيجة سلسلة طويلة من التنازلات للمتعصبين البيض.
اليوم، وفي خضمّ المنافسة المشتعلة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات النصفية الأميركية، لا يبدو أن الولايات المتحدة تخلّصت من لوثة العنصرية القديمة، ويبدو أن مبدأ "البيض أولاً" ما زال راسخاً في نفوس الكثير من الأميركيين.
لعلّ الخطاب العنصري الأكثر وضوحاً و"صراحة"، كان خطاب السيناتور الجمهوري تومي فيل خلال تجمعٍ في ولاية نيفادا في تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، حين قال إن "السود مجرمون" ووصف الديمقراطيين بأنهم "مؤيديون للجريمة".
مارجوري تايلور غرين، النائبة الجمهورية من ولاية جورجيا، اعتمدت خطاباً عنصرياً مموّهاً، ففي أحد الاجتماعات الحاشدة لدعم مرشّحين جمهوريين، حذّرت غرين الجمهور الموجود من "مؤامرة على القوميين البيض" قائلةً للجمهور: "هناك خمسة ملايين من الأجانب غير الشرعيين المؤيدين لجو بايدن على وشك أن يأخذوا وظائفكم وأماكن أطفالكم في المدارس، وهم قادمون من جميع أنحاء العالم، ليستبدلوا ثقافتكم".
نظرية "المؤامرة البديلة" التي استندت إليها غرين تدّعي أن النُخب يستوردون المهاجرين "ليحلّوا محل البيض، "وهو ما ليس رائعاً بالنسبة إلى أميركا"، بحسب الجمهوريين.
هذه اللغة ليست جديدةً على الحزب المتأثر بالرئيس السابق دونالد ترامب.
ترامب الذي سأل صراحةً في أثناء اجتماع في البيت الأبيض تناول قضية الهجرة (في عام 2018): "لماذا يأتي كل هؤلاء الأشخاص القادمين من أوكار قذرة إلى هذا البلد؟"، قاصداً دولاً في أفريقيا وهايتي والسلفادور، ومعتبراً أن الولايات المتحدة يجب أن تستقبل بدلاً من ذلك مواطنين من النرويج على سبيل المثال.
كثيرة هي المواقف التي تظهر حجم العنصرية عند ترامب، لكن المقلق هو حجم المؤيدين لهذا الرجل الذي صوت له 74 مليون أميركي في عام 2020. صحيح أن شعبية ترامب قد تراجعت، لكن هذا لا يلغي أن ثمة الملايين من الأميركيين يؤيدون فِكره العنصري.
لا يبدو أن هذا الفكر العنصري هو حكرٌ على الحزب الجمهوري، ففي الوقت الذي كانت تخرج تصريحات الجمهوريين العنصرية إلى العلن بلا توقف، كان الحزب الديمقراطي يداري فضيحة خاصة به في لوس أنجلوس، حيث أدلى أعضاء مجلس المدينة الديمقراطي وزعيم عمالي بتصريحات عنصرية. استقال اثنان من هؤلاء بعد أن دعاهم ديمقراطيون بمن فيهم بايدن إلى القيام بذلك.
كارين جان بيير، المتحدثة باسم البيت الأبيض، حاولت احتواء الموقف، أو استغلاله، قائلةً في تصريحٍ: "هذا هو الفرق بين الديمقراطيين والجمهوريين.. عندما يقول ديمقراطي شيئاً عنصرياً تتم محاسبته، بينما عندما يتحدث أحد الجمهوريين بتصريحات عنصرية يتم احتضانه من قبل جماهيرهم".
الرئيس جو بايدن نفسه كان قد اتُهم بالعنصرية، على خلفية تصريحات أثارت نقمةً قديمةً لدى شريحةٍ من السود على الحزب الديمقراطي. تصريحات بايدن جاءت خلال مقابلة عبر الهاتف، في أيار/مايو 2020. حينها، توجّه المحاور لبايدن، بعد أن قال الأخير إنه يتوجّب عليه إنهاء المقابلة، وقال له: "عليك أن تأتي لزيارتنا حين تأتي إلى نيويورك، لدينا مزيد من الأسئلة". فكان ردّ بايدن: "لديكم مزيد من الأسئلة؟ سأقول لك شيئاً، إذا كانت لديك مشكلة في تحديد خيارك بيني وبين ترامب، إذاً أنت لست أسود".
كان في جواب بايدن الذي اعتذر وتراجع عنه لاحقاً إشارةً إلى أن أصوات السود مضمونة دائماً بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي، وهو ما يغضب الكثير من الناخبين السود.
أداء الحزبين لا يعطي مؤشراتٍ إيجابية في ما يتعلّق بآمال الحد من العنصرية. يبدو تركيز الحزبين منصباً في مكان آخر.
في كتابه عينه، يتساءل ستيف فيليبس قائلاً: "في قانون العقود، يصبح العقد لاغياً وباطلاً إذا لم يدخله أحد الطرفين بحسن نية، أو إذا خالف أحد الطرفين الاتفاقية وتراجع عن التزاماته المتبادلة. بالنظر إلى سوء النية الواضح وازدراء أي ولاء للصالح العام، لماذا يتعين علينا التمسك بالأطر القديمة؟".
ويجيب بنفسه على سؤاله: "الجواب هو أننا لا نفعل. لا يتعين علينا خنق أحلامنا والتنازل عن مبادئنا. يمكننا الآن صياغة عقد اجتماعي جديد ومختلف جوهرياً".
في مقالٍ له في صحيفة "نيويورك تايمز"، سأل الكاتب تشارلز بلو: "هل الولايات المتحدة دولة عنصرية؟"، وأجاب بلا تحفظ: "نعم". مقدّماً في مقاله شرحاً مطوّلاً يوضح صحة رؤيته، ومعتبراً أن "أميركا ليست البلد نفسه الذي كانت عليه، لكنها ليست الدولة التي تدعي أنها كذلك".
فهل ستتمكن الولايات المتحدة من صياغة عقد اجتماعي جديد أم أن العنصرية باتت سمةً من سماتها؟