التسرب المدرسي في اليمن.. الحرب تستهدف جيل المتعلمين
يبلغ إجمالي عدد الطلاب في الجمهورية اليمنية، بحسب إحصائية صادرة عن وزارة التربية والتعليم، 5983707 طلاب. وقد تضرر عدد كبير منهم بفعل غارات العدوان السعودي.
لم يكن التعليمُ يوماً رفاهيةً أو حاجة كماليّة، شاء من شاء أن يكتسبَها وشاء من شاء أن يتركَها، بل هي حاجة ملحّة مُلزِمة تضمن الرفاهية المستقبلية للمجتمع.
لذا، كانت المؤسسة التربوية والتعليمية ضمن الأهداف الإستراتيجية ذات الأولوية لأي قوى تطمع بالسيطرة على بلدٍ أو مجتمعٍ ما، ذلك أنّ آثار استهدافها لا تقف عند حدود اللحظة أو العام، بل تتعداها إلى أجيالٍ متعاقبة ، واستهدافها ضربةٌ قاصمةٌ تُحدِثُ شرخاً عميقاً في أساس المجتمع.
لا تقف المؤسسات الحيوية عموماً، والتعليمية خصوصاً، بمنأى عن عدوان التحالف السعودي على اليمن، الذي أنتج كثيراً من الكوارث الإنسانية التي لم تعُد مجرّد أرقامٍ تظهر على شاشات التلفزة، أو تتصدر مانشيتات الأخبار في الوكالات والمواقع الإخبارية، بل أصبحت تمثّل تهديداً حقيقياً للحاضر والمستقبل.
من أروقة المدارس إلى أرصفة الشوارع
الطفل أحمد (12 عاماً) نازحٌ من محافظة الحديدة إلى العاصمة صنعاء، ترك تعليمه قبل عامين لينتقل من أروقة المدرسة إلى أرصفة الشوارع، ويبحث عن قوت يومه عاملاً في تنظيف السيارات. الحصار والعدوان اللذان طالا المحافظة سنواتٍ عدّة حرماه من إكمال تعليمه، واضطراه إلى اللجوء إلى العمل، فهو يعمل ليعيل أسرته النازحة التي تعيش ظروفاً معيشية صعبة وقاسية.
أحمد واحدٌ من آلاف الأطفال الذين هجروا مقاعدهم الدراسية من دون عودة. هو واحد من بين أطفال لم يمتلكوا رفاهية تحديد مصيرهم، فبعضهم أجبره نزوح عائلته على التوقف عن ارتياد المدرسة، والبعض الآخر دُمِّرت مدارسهم عنوة مع سبق إصرار وترصّد من صواريخ العدوان، إضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة والحرب الاقتصادية الخانقة التي وقفت حائلاً بين كثير من الأطفال ومواصلة تعليمهم سواء قبل العدوان أو خلاله.
إحصائيات تفتقر إلى الدقة والمصداقية
في الآونة الأخيرة، وردت إحصائية صادرة عن منظمة اليونيسف تفيد بأن أكثر من مليوني طفل يمني خارج مقاعد الدراسة نتيجة للصراع المستمر في البلاد، بحسب وصفها.
تقول رئيس منظمة انتصاف لحقوق المرأة والطفل سمية الطائفي للميادين نت: "يبلغ إجمالي عدد الطلاب في الجمهورية اليمنية بحسب إحصائية صادرة عن وزارة التربية والتعليم 5.983.707 طلاب. وقد تضرر عدد كبير منهم بفعل غارات العدوان السعودي".
وأضافت الطائفي: "بالفعل، هناك تسرب عدد كبير من الأطفال من التعليم، إذ تشير الإحصائيات إلى أنّ عددهم يزيد على مليون طالب وطالبة، إضافة إلى مليوني طفل وطفلة كانوا خارج مقاعد التعليم من فتراتٍ سابقة نتيجة الاستهداف الممنهج للعملية التعليمية في اليمن. وعلى مدى 8 أعوام، واجه التعليم منعطفاتٍ وتحديات خطرة، في مقدمتها الاستهداف المباشر لطيران تحالف العدوان للمدارس، وقتل الأطفال بوحشية، بهدف إيقاف العملية التعليمية وإجبار اليمنيين على عدم الدفع بأبنائهم إلى المدارس، خشية اعتداء العدوان عليهم. مع ذلك، لم تغلق المدارس. وحالياً، يواصل أغلب الطلاب تعليمهم في صمود أُسطوري أمام وحشية هذا العدوان".
كذلك، شكّك ممثل المركز اليمني لحقوق الإنسان ماجد الوشلي في الإحصائية الصادرة عن اليونيسف، قائلاً للميادين نت: "ليست هناك إحصائيات حكومية أو رسمية أو أخرى صادرة عن منظمات خاصة حول عدد الأطفال الموجودين خارج مقاعد الدراسة خلال سنوات الحرب والعدوان، نظراً إلى العجز التقني في مراكز الإحصاء، إضافة إلى أنّ هذه الإحصائية ليست حديثة، بل تجمّدت عند عام 2010، إذ لم تحظ هذه القضية باهتمام رسمي قبل العدوان على اليمن".
وأضاف الوشلي: "حالياً، هناك إهمال إقليمي ودولي في التعرّض للقضايا الإنسانية ومعالجتها، بالتالي فأي إحصائيات صادرة ليست دقيقة وليست مؤكدة، عدا أنّ المنظمات الإقليمية والدولية التي بقيت في اليمن لا تلبّي حتى 20% من احتياجات الطفولة، نظراً إلى الحصار الدولي وعدم توفر نية جديّة لمعالجة الوضع القائم! فاليونيسف لا تزال تخضع للرقابة السعودية بإيعاز أميركي، بالتالي تسعى لتمرير تقارير تجعل صورة السعودية مبجلة وإنسانية في مقابل دعم مالي مهول للمنظمة".
وتتفق المديرة التنفيذية للحد من الكوارث البشرية أمل المأخذي مع الوشلي، مشيرة في حديثها إلى الميادين نت إلى أنّ إحصائيات اليونيسف قد لا تكون دقيقة، نظراً إلى غياب المسوحات الميدانية، وتقول: "أجزم أن العدد في إحصائية اليونيسف تقريبي أو توقعي، وليس بناء على دراسة ومسح ميداني، لأن المنظمات الأممية والعديد من الوكالات، سواء كانت إعلامية أو تابعة لجهات إنسانية، غالباً ما تصدر تقارير وأرقاماً ونسباً من دون أن تذكر كيفية حصولها على هذه الأرقام، وأين تمت هذه البحوث و المسوح الميدانية، لكن كما هو ملاحظ في الواقع، هناك أطفال كثر يقومون بالتسول أو أي نوع من أنواع العمالة أثناء وقت الدراسة، في الوقت الذي تمتلئ المدارس بالطلاب!".
تسرب الأطفال من المدارس بين التراكم التاريخي والعدوان
وفي معرض الحديث عن الأسباب التي تدفع الأطفال إلى العزوف عن التعليم، تقول المأخذي: "لنكن واقعيين، ولنقل إن ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس ليست وليدة الأعوام الثمانية الأخيرة، بل هي حاضرة وموجودة من قبل، ومنتشرة بشكل كبير. تعود الأسباب غالباً إلى فقر الأسر واعتمادها على عمل الطفل، كذلك بُعد المدارس في المحافظات الأخرى والقرى، إذ تواجه الأطفال مخاطر عديدة ومشقة كبيرة في الذهاب إلى المدرسة، وغالباً ما كان التسرب لهذا السبب واضحاً بين الفتيات أكثر بكثير من الأولاد".
وأضافت: "هناك أيضاً أسباب عائلية، وخصوصاً في القرى، فالأسر التي تمتلك مزارع حيوانية ونباتية تحتاج إلى الفتيات للعمل في رعي الأغنام والأعمال المنزلية، كما تحتاج إلى الأولاد للعمل في الزراعة وبيع المنتجات. هذه الأزمة ازدادت كثيراً في السنوات الثماني الأخيرة بسبب ما خلفه العدوان من نزوح لملايين الأسر، وانعدام المرتبات لنسبة 70% من أبناء الشعب، ما تسبب بازدياد رقعة الفقر، فأصبح من الصعب على الأهالي إلحاق أبنائهم بالتعليم، كذلك قصف المدارس وتدميرها تدميراً كلياً أو جزئياً، وخصوصاً في المحافظات والقرى".
انتهاكٌ للمواثيق يقابلهُ صمتٌ دولي
تنصّ المواثيق والقوانين الدولية على ضرورة أن يتمتع الطفل بجميع الوسائل اللازمة والضرورية كي ينعم بنمو عقلي وجسماني سليم، فهل تنعكس هذه المواثيق واقعاً ملموساً أم أنها مجرّد شعاراتٍ وبروباغندا صفراء؟
تلفت المأخذي إلى أنّ المجتمع الدولي والأمم المتحدة هما المسؤول الأول عن الوضع المأساوي الذي يعيشه أطفال اليمن، قائلةً إن "المجتمع الدولي عموماً والأمم المتحدة تحديداً جعلا وضع الأطفال يزداد سوءاً، بالتستُّر على المجرم الحقيقي المتسبب بقتل الأطفال وتشريدهم من منازلهم وحرمانهم حقهم في التعليم والصحة وكل الحقوق التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية، كما جعلا مأساة الطفل اليمني وسيلة لكسب التمويلات والدعم خلال هذه السنوات، والمستفيد الأكبر منها هم العاملون عليها، وليس الطفل اليمني".
وأضافت: "المواثيق الدولية أيضاً لا تشير بأصابع الاتهام إلى من حاصر الشعب وتسبب بمعاناته، وإلى الدول التي تبيع أسلحتها لدول التحالف لتوجهها إلى صدور من حمتهم اتفاقية جنيف الرابعة، بل تجعل الضحية جلاداً أو تساوي بين الضحية والجلاد".
بدورها، قالت الطائفي: "لو كان للمجتمع الدولي موقف حقيقي يُذكَر، لكان العدوان قد توقف"، وعقبت: "استهداف تحالف العدوان للتعليم وقصفه المدارس والمنشآت التعليمية يمثل انتهاكاً لقانون حقوق الطفل. تحالف العدوان انتهك كل المواثيق والقوانين الدولية التي تمنع استهداف التعليم، وارتكب أبشع الجرائم والمجازر بحق المدارس والطلاب والكوادر التعليمية، كاستهداف مدرسة الفلاح في مديرية نهم في محافظة صنعاء، واستهداف مدرسة الراعي وحافلة طلاب ضحيان وغيرها من الجرائم المروعة".
ورأت أمل المأخذي أنّ على المنظمات الانتقال بجدية إلى معالجة الوضع بطريقة عملية، قائلة: "على المنظّمات العمل بجدية لدراسة وضع الأطفال في اليمن، والإعلان عن الأرقام والنسب الحقيقية التي تظهر معاناة الطفولة وأسبابها الجذرية وكيفية الخروج من هذه المعاناة باقتراح الحلول التي يجب على الدولة ومنظمات المجتمع المدني والدول المانحة التضافر للعمل بها" .
لقد بات وضع الطفولة في اليمن حرجاً نتيجة التراكم التاريخي والعجز السياسي الذي خلّفه النظام السابق، والعدوان الذي تسبب بإهدار دماء أطفال اليمن وتشريدهم وإفقارهم وحرمانهم حقهم في التعليم، بل وسلبهم حقهم الفطري في العيش الكريم!