يهود "إسرائيل".. لهذا نهايتهم محتومة
يفسّر كل ذلك المشاكل الاجتماعية والثقافية التي يعاني منها "المجتمع" الإسرائيلي، وتحاول الصهيونية أن تحافظ على تماسكه عبر اللغة العبرانية.
عندما انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1897، كان عدد اليهود في فلسطين 15 ألفاً، ليصل بعد 6 سنوات إلى 25 ألفاً، ثم 40 ألفاً بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914. وفي العام 1917، أي بعد انسحاب الدولة العثمانية واحتلال القوات البريطانية لفلسطين، أصبح العدد 80 ألفاً، ليرتفع إلى 600 ألف في العام 1947، عندما اتّخذت الأمم المتحدة قرار التقسيم.
وللتذكير فقط، كان عدد اليهود في القدس الشرقية قبل اتفاق أوسلو 1993، 153 ألفاً فقط، ليصل إلى ربع مليون الآن، وهي الحال بالنسبة إلى الضفة الغربية التي كان عدد المستوطنين فيها عام 1993، 105 آلاف، وهم الآن أكثر من 700 ألف.
والسؤال الأول: لماذا وبأي حق جاء اليهود إلى فلسطين؟
والسؤال الثاني: ما علاقة هؤلاء اليهود، وهم من أعراق وقوميات مختلفة، بفلسطين العربية لأكثر من ألف عام؟
وحتى لا ندخل في متاهات المقولات الدينية التي تمّ تدوينها بعد ما لا يقل عن 700 عام من عصر النبي موسى وسفسطة الأساطير اليهودية من النوع الخفيف والثقيل، نكتفي بالقول إن اليهودية دين، واليهود ليسوا بشعب أو أمة، وكما نجحت الصهيونية في تسويق ذلك بالأكاذيب التي صدّقها اليهود أولاً، ثم تبنّاها حلفاؤهم في الغرب المسيحي، بعد أن نسوا أو تناسوا معاً أن الذين صلبوا النبي عيسى هم اليهود أنفسهم، بحسب العقيدة المسيحية. كما هم نسوا أو تناسوا أنهم هم (الغرب) الذين لاحقوا وطردوا وعذّبوا وقتلوا اليهود لأسباب هم أدرى بها، في الوقت الذي لم يقم فيه العرب بأي عمل شنيع ضد اليهود عبر التاريخ برمّته، على الرغم من كل ما فعلوه هم ضد العرب، مسلمين كانوا أو مسيحيين. ويفسّر كل ذلك عصابات الإجرام التي أسّسها الصهاينة الأوائل الذين هاجروا إلى فلسطين بعد المؤتمر الصهيوني الأول، تارة بتسهيلات عثمانية في عهد السلطان عبدالحميد، وتارة أخرى بدعم أوروبي، ولا سيّما بريطاني وألماني وروسي وفرنسي.
كما هو يفسّر العمليات الإرهابية التي قامت بها هذه العصابات التي شكّلها حكام "إسرائيل" الأوائل، وهو ما جعل من هذه الدويلة المصطنعة دولة إرهابية لسببين أساسيين؛ الأول هو أن الذين جاؤوا من الخارج ليسكنوا فلسطين كان لا بد لهم من أن يلجأوا إلى الإرهاب لضمان بقائهم، وثانياً لأنهم أساساً إرهابيون قولاً وعملاً وعقيدة. وإلا، فلماذا غادر هؤلاء، وهم من أعراق وقوميات مختلفة، البلدان الذين كانوا يعيشون فيها منذ آلاف السنين، وتسللوا إلى فلسطين بحجج ومبررات مختلفة ادّعوا من خلالها أن فلسطين لهم، بعد أن طُردوا من 79 دولة عبر التاريخ، ومن دون أن يسألوا أنفسهم لماذا هم كذلك؟
وعودة إلى الصهاينة الأوائل، فإن سجلاتهم جميعاً دموية، وليس لأي منهم أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بفلسطين التي غادرها اليهود كما هم يقولون قبل ما لا يقل عن 2500 عام.
فرئيس وزراء "إسرائيل" الأول، ديفيد بن غوريون، هو من يهود بولندا، هاجرت عائلته إلى فلسطين، وهو من مؤسّسي عصابة هاغانا الإرهابية، ولعب دوراً مهماً في نقل نحو مليون يهودي من أوروبا وباقي دول العالم إلى فلسطين، ووقّع على اتفاقية التعويضات مع ألمانيا، ليقول إن أجداده من فلسطين، متناسياً أنه سلافي الأصل، ولا علاقة لهذا العرق بأي من الشعوب التي عاشت في فلسطين قبل آلاف السنين، بمن فيهم العبرانيون.
وهذه هي حال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق موشيه شاريت، فهو أيضاً من أصل أوكراني، هاجر إلى فلسطين وكان عمره 12 عاماً. وهاجر ليفي اشكول مع عائلته إلى فلسطين من أوكرانيا عام 1914، وخدم في الفيلق اليهودي داخل الجيش البريطاني.
وأما غولدا مائير، فقد هاجرت مع عائلتها من روسيا إلى أميركا عام 1915، ومنها انتقلت إلى فلسطين عام 1921. ولعبت دوراً مهماً في جمع التبرعات من يهود أميركا للعصابات الصهيونية في فلسطين. وهو ما فعله إسحاق رابين ووالده من روسيا البيضاء ووالدته أوكرانية هاجرا إلى أميركا بعد الثورة الشيوعية في روسيا، ومنها انتقلا إلى فلسطين عام 1922. وانضم رابين حال كل الحكام الآخرين في شبابه إلى عصابة هاغانا الإرهابية، وشارك في العديد من العمليات الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، لإجباره على الهرب.
وأما مناحيم بيغين، فهو من مواليد روسيا، وغادرها إلى بولندا عام 1938، ثم عاد إليها بعد عام حيث بقي هناك ثلاث سنوات، قبل أن يهاجر إلى فلسطين. وهو من مؤسّسي عصابة الأرغون الصهيونية، التي نفّذت العشرات من العمليات الإجرامية ضد الفلسطينيين، كما قامت بتفجير فندق الملك داود في القدس، وكان مقراً لقيادة القوات البريطانية، ثم اغتالت الكونت برنادوت ممثل الأمم المتحدة، بحجة أنه منحاز إلى جانب الفلسطينيين، ليكون ذلك أول عمل إرهابي دولي قام به الصهاينة.
وإسحاق شامير هو الآخر من يهود بولندا، وأسهم بشكل فعّال في عصابة الأرغون الإرهابية، ثم انضم إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلية بعد قيام "إسرائيل". وهذه هي حال شمعون بيريز حامل جائزة نوبل للسلام، فهو أيضاً من يهود بولندا وهاجر إلى فلسطين مع عائلته عام 1934، ولعب دوراً مهماً في شراء الأسلحة ونقلها من بولندا وألمانيا إلى فلسطين، وإيصالها إلى عصابة هاغانا.
وأما بنيامين نتنياهو، فهو الآخر والداه من يهود بولندا، وخدم في وحدة العمليات الخاصة في الجيش الإسرائيلي، حاله حال شقيقه ناتان الذي قُتل في عملية عنتيبي بأوغندا 1976.
وأما إيهود باراك فوالده من يهود ليتوانيا، ووالدته من يهود بولندا، وخدم في الجيش والموساد لسنوات طويلة، حاله حال أرييل شارون الذي هاجرت عائلته اليهودية من روسيا إلى فلسطين عام 1928، وخدم في الجيش والاستخبارات، وهو معروف بدمويته في التعامل مع الفلسطينيين، واشتهر بمجازر صبرا وشاتيلا. وأما إيهود أولمرت، فوالده يهودي روسي، ووالدته يهودية أوكرانية، وهاجرا إلى فلسطين قبل الحرب العالمية الثانيةـ فيما نفتالي بينيت هو الوحيد الذي هاجرت عائلته من أميركا إلى فلسطين بعد حرب حزيران/يونيو 1967.
وأما عن رؤساء "إسرائيل"، فلا يختلفون في المضمون والهدف عن رؤساء وزرائهم أبداً.
فحاييم وايزمان هاجرت عائلته من روسيا البيضاء إلى فلسطين، وخدم في الجيش البريطاني، ولعب دوراً مهماً في الحركة الصهيونية، في الوقت الذي هاجرت فيه عائلة إسحاق بن تسيفي إلى فلسطين من أوكرانيا عام 1907، وخدم في صفوف عصابة هاغانا، وكتب كتاباً عن تاريخ المذاهب في المنطقة، وقال إن آل سعود ذوي المذهب الوهابي هم من أصل يهودي. وهاجرت عائلة زالمان شازار من روسيا إلى فلسطين عام 1924، فيما هاجرت عائلة أفرائيم كاتزير من أوكرانيا.
وأما عائلة إسحاق نافون، فقد هاجر والده من إسبانيا إلى اسطنبول ومنها إلى فلسطين، حيث تزوج من يهودية إسبانية هاجرت إلى المغرب ومنها إلى فلسطين. وشارك نافون في العمليات الإرهابية لعصابة هاغانا وشتيرن، وأسهمَ في التغلغل الصهيوني في أميركا اللاتينية حيث شغل منصب سفير "إسرائيل" بعد قيامها في الأورغواي والأرجنتين.
وأما حاييم هرتسوغ، والد الرئيس الحالي إسحاق هرتسوغ الذي خدم في عصابة هاغانا، فهو الوحيد من يهود إيرلندا الشمالية، وهاجر إلى فلسطين عام 1935، وتزوّج من يهودية مصرية ولدت في الإسكندرية. وأما عزرا وايزمان فقد هاجرت عائلته من روسيا البيضاء إلى فلسطين، وانضم إلى عصابة هاغانا الإرهابية، ثم خدم في الجيش الإسرائيلي.
وكان موشيه كاتساف الوحيد من يهود الشرق، حيث هاجرت عائلته اليهودية من إيران إلى فلسطين بعد قيام "إسرائيل"، حيث كان والده قصّاباً.
ريفين ريفلين هو الوحيد الذي يعتبر من يهود فلسطين، حيث عاشت عائلته فيها منذ العام 1810، وكان يتحدث العربية بطلاقة، وقام بترجمة القرآن الكريم إلى العبرية.
هذا عن الرؤساء ورؤساء الوزراء، ولا يختلف وضع المسؤولين الآخرين عنهم كثيراً، فجميعهم جاؤوا إلى فلسطين من الخارج، ومعظمهم خدموا في العصابات الإرهابية وبعدها في الجيش وأجهزة الاستخبارات المختلفة، ليقتلوا الشعب الفلسطيني.
يُضاف إلى ذلك أن سبعة من رؤساء الوزراء، بمن فيهم نتنياهو، اتُّهموا بالفساد، والبعض منهم أُودع السجن، ومنهم رئيس الوزراء إيهود أولمرت. كما أُودع الرئيس كاتساف السجن بتهمة التحرش والاعتداء الجنسي على النساء العاملات في مكتبه، وهي التهم التي وجهت إلى الرئيس بيريز بعد وفاته، ومن دون أن يمنع كل ذلك عشاق الصهيونية من تسويق "إسرائيل" كدولة "ديمقراطية علمانية نموذجية" صدّقها الكثيرون، رغم كل المعطيات التي تثبت عكس ذلك.
فـ"إسرائيل" دولة دينية باعتراف حكامها، ولا علاقة لها بالعلمانية، وديمقراطيتها ديمقراطية العسكر والاستخبارات في إطارها الصهيوني، ونظامها الاجتماعي والثقافي عنصري متخلّف بمقولاته الدينية، ودموي بتعامله مع الآخرين، أي أبناء الشعب الفلسطيني، مسلمين كانوا أو مسيحيين. وهو طبع اجتماعي يفسّر انغلاق اليهود على أنفسهم في المجتمعات التي عاشوا وما زالوا يعيشون فيها، فهم لا يثقون بأحد، وفي المقابل لا أحد يثق بهم.
وهو شيء طبيعي في مجتمع لا علاقة لأفراده بالأرض التي يعيشون فيها، ولا تجمعهم أي قواسم مشتركة سوى الدين، بعد أن فرّقتهم الثقافات والعادات والتقاليد التي حملوها معهم من حوالى 120 دولة هاجروا منها إلى فلسطين. فليس من المنطقي بأي شكل كان أن تلتقي ثقافات اليهودي الذي هاجر من إثيوبيا أو كينيا مع عادات وتقاليد اليهودي الذي هاجر من الصين أو الهند أو جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز. وهذه هي الحال بين يهود الدول العربية ويهود روسيا وأوروبا الشرقية.
ويفسّر كل ذلك المشاكل الاجتماعية والثقافية التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي، وتحاول الصهيونية أن تحافظ على تماسكه باللغة العبرانية التي نجحت في جعلها قاسماً مشتركاً لليهود الذين هاجروا إلى فلسطين، وكان معظمهم لا يتكلمها، وخاصة في بدايات الهجرة، بل في السنوات الأولى من قيام "إسرائيل".
فالعبرانية لا تختلف عن المئات بل الآلاف من اللغات واللهجات التي ما زالت تُستخدم في العديد من دول العالم في أميركا اللاتينية وأفريقيا والهند التي فيها فقط 460 لغة و22 منها رسمية، في بلد يزيد عدد سكانه على 1,2 مليار نسمة، وأي أقلية عرقية أو لغوية يتجاوز عدد أفرادها أضعاف سكان "إسرائيل" من اليهود، بل جميع يهود العالم، وعددهم 15 مليوناً فقط. ويؤمن معظمهم بالمقولات الصهيونية التي ترى في فلسطين أرض الميعاد، فجاؤوا من كل حدب وصوب، فقط لأنهم يهود. وبدليل أنه عندما قامت الدولة العبرية عام 1948، لم يكن 97% من مواطنيها أو آبائهم من مواليد فلسطين، بل هم جاؤوها من الخارج.
وفي هذه الحالة، على 1,7 مليار مسلم و2,4 مليار مسيحي أن يهاجروا هم أيضاً إلى فلسطين التي وُلد النبي عيسى فيها، كما كانت القدس قبلة المسلمين الأولى. ولكن لم يفعلوا ذلك كما فعل الصهاينة بالشعب الفلسطيني منذ مئة عام، ومن دون أن ينتصروا عليه، فهو صامد وسوف يبقى كذلك.
وكل ما قيل عن الشعب الفلسطيني لم يكن إلا في إطار الدعاية الصهيونية المدعومة إمبريالياً ومن الرجعية العربية. فالشعب الفلسطيني لم يبع أرضه ولم يغادرها إلا بالتآمر والخيانة، وهو ما تفعله أنظمة عربية الآن أيضاً. ويكفي التذكير بأن ملكية اليهود في فلسطين لم تتجاوز 6% فقط من مساحتها عندما قامت "دولة إسرائيل"، مع التذكير أيضاً بأن هذه النسبة من الأراضي اشترى اليهود البعض منها من عائلات لبنانية ما زالت مؤثرة في الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان. وهي العائلات المتواطئة الآن مع ملوك وأمراء ومشايخ الخليج، ومعهم حكام عرب ومسلمون آخرون، وهم جميعاً يتآمرون على الشعب الفلسطيني. ويعرف الجميع أنه سينتصر عليهم مهما طال الزمن، كما هو سينتصر على "إسرائيل"، ولم يعد أمامها إلا خيار واحد:
إما العيش جنباً إلى جنب مع الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس، أو العودة من حيث جاؤوا أو جاء آباؤهم وأجدادهم.
وإلا فدولتهم زائلة من دون أي شك، والصيغة بسيطة جداً:
ففي حال نشوب حرب فلسطينية - إسرائيلية داخل حدود فلسطين التاريخية، فإن أبناء هذا الشعب العظيم في الضفة وغزة وفلسطين 48 (نحو سبعة ملايين) سوف يحسمون المعركة لصالحهم، حتى لو تجاهلنا السند والدعم الذي سيأتيهم من دول وشعوب وقوى المقاومة التي لن تتردّد في الانقضاض على هذا الكيان المصطنع، وكل من هو معه من المتآمرين والخونة في أنظمة وكيانات عميلة لا ولن تنقذ "إسرائيل" من نهايتها الحتمية.
ويفسّر ذلك بكل بساطة خوف من فيها ومن معهم في المنطقة من حزب الله الذي أصبح الهم الوحيد لهم جميعاً، ونهايتهم باتت وشيكة، ليعود كل منهم ومهما طال الزمن إلى حيث جاؤوا، وهي فرصتهم الآن، لأن السيد حسن نصرالله وعد بشراء تذاكر لهم مجاناً، وقبل أن يرسل المسيّرة "حسان" ليبشّرهم بذلك.