هل يستعدّ "موهوزي كاينيروغابا" لخلافة والده في رئاسة أوغندا؟
أوغندا تعاني حالياً ممّا يشبه شقاقاً عائلياً مرتبطاً بالرئاسة بين الرئيس، يويري موسيفيني، ونجله الجنرال، موهوزي كاينيروغابا، واتضح مؤخّراً أن الأمر قد يرتبط أيضاً بمن سيترشّح للمنصب الرئاسي في انتخابات عام 2026.
يحكم دول أفريقية مختلفة رؤساء مهيمنون على السلطة وتشهد بعض هذه الدول مستجدات مرتبطة بالتوريث السياسي أو الخلافة الرئاسية، على غرار ما شهدتها دولة تشاد عندما عيّن الجيش القائد العسكري، محمد إدريس ديبي إيتنو، رئيساً انتقالياً للبلاد ليكون بذلك خليفة والده الرئيس، إدريس ديبي، الذي قُتِل إثر اشتباكات مع المتمرّدين في شمال البلاد.
وإذ كانت حلقات من التوريث السياسي تجري حالياً في دولتي غينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو، فإن أوغندا تعاني حالياً مما يشبه شقاقاً عائلياً مرتبطاً بالرئاسة بين الرئيس، يويري موسيفيني، ونجله الجنرال، موهوزي كاينيروغابا، واتضح مؤخراً أن الأمر قد يرتبط أيضاً بمن سيترشّح للمنصب الرئاسي في انتخابات عام 2026.
من هو موهوزي كاينيروغابا؟
وُلِد موهوزي كاينيروغابا في 24 نيسان/أبريل 1974 في دار السلام بتنزانيا، أبوه يويري موسيفيني، الذي يحكم أوغندا منذ عام 1986. وجاءت ولادته خلال فترة عمل والده مع "جبهة الإنقاذ الوطني" الأوغندية، وهي مجموعة حرب العصابات التي اتخذت تنزانيا مقراً لها وتشكّلت من منفيّين أوغنديّين برئاسة موسيفيني وخاضت المواجهة العسكرية ضد نظام عيدي أمين.
وتلقّى موهوزي تعليمه في تنزانيا وكينيا والسويد، كما درس في بكمبالا – عاصمة أوغندا – بعدما أصبح والده رئيساً لها؛ حيث ارتاد كلية "كينجز كوليدج بودو"، وكلية "سانت ماري" في كيسوبي وتخرّج منها في عام 1994.
حصل موهوزي أيضاً على التدريبات العسكرية في أكاديميات مرموقة حول العالم؛ حيث انضم رسمياً في عام 1999 إلى الجيش الأوغندي برتبة ضابط متدرّب، وتخرّج عام 2000 من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية التابعة للجيش البريطاني. والتحق بدورات قادة السرايا والكتائب بالكلية الحربية المصرية، وحضر في أوغندا مدرسة كالاما للتدريب على الحرب المدرّعة، وتخرّج في حزيران/يونيو 2008 من برنامج مدّته عام واحد في كلية قيادة الجيش والأركان العامة للولايات المتحدة في كانساس. إضافة إلى إكماله برنامج الأمن القومي التنفيذي في كلية الدفاع الوطني بجنوب أفريقيا.
جدير بالذكر أن موهوزي ارتقى بوتيرة سريعة عبر صفوف الجيش الأوغندي بعد انضمامه إليه، وأدّى دوراً محورياً في تشكيل وحدة قيادة القوات الخاصة المسؤولة عن أمن والده رئيس البلاد. وهي الوحدة نفسها التي اتُهمت بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك اعتقال وتعذيب نشطاء المعارضة الأوغنديّين.
وفي عام 2008 ارتقى موهوزي في الرتب وأصبح قائد حرّاس والده، وبقي في المنصب حتى عام 2017. ولكنه عاد إلى الوحدة خلال الانتخابات الأخيرة التي اتسمت بالعنف والاتهامات ضد الحكومة والحزب الحاكم.
شخصية مثيرة للجدل
إذا كان موهوزي شهيراً بكونه نجل الرئيس يويري موسيفيني وأنه الجنرال الذي يحظى بمكانة كبيرة في الجيش الأوغندي؛ فقد اجتذب أيضاً في الشهور الأخيرة اهتماماً كبيراً بسبب تغريداته التي تحدث التوتر داخل الحزب الحاكم والجيش الأوغندي، وفي علاقات أوغندا مع الجيران الإقليميين والأطراف الدولية المختلفة.
وعلى سبيل المثال، أشار موهوزي إلى أن أوغندا ستدخل الحرب مع خصوم مصر، وغرّد على تويتر داعماً متمرّدي تيغراي الذين قاتلوا القوات الفيدرالية الإثيوبية في الصراع الأخير، وأعرب عن دعمه للمسلحين في شرق الكونغو الديمقراطية، وادّعى بأن جميع الأفارقة داعمون لروسيا في حربها مع أوكرانيا، وعرض نشر القوات الأوغندية للدفاع عن موسكو من "الإمبرياليين".
وفي تشرين الأول/أكتوبر من عام 2022 تفاخر موهوزي عبر تغريدة له على منصة تويتر بأن جيشه قادر في أقل من أسبوعين على الاستيلاء على نيروبي عاصمة دولة كينيا التي تحد أوغندا من الشرق. وجاء هذا التعليق بعد إبداء الرئيس الكيني الجديد، وليام روتو، خلال تنصيبه في أيلول/سبتمبر 2022 احترامه للرئيس موسيفيني، واصفاً إياه بـ "أب" منطقة شرق أفريقيا.
وقد أثارت التغريدة مخاوف الكينيين الذين تذكّروا وجود نزاع قائم بينهم وبين الأوغنديين بشأن جزيرة "ميغينغو" الصخرية، وقارنوا تهديد نجل الرئيس، موسيفيني، بمزاعم عيدي أمين، الزعيم العسكري والرئيس الأوغندي الثالث في سبعينيات القرن الماضي، بأن جزءاً من كينيا ينتمي إلى أوغندا.
وبسبب الانتقادات وردود الفعل المختلفة من الكينيين على تعليقات موهوزي اضطر والده موسيفيني إلى الاتصال بالرئيس الكيني روتو معتذراً عن "خطأ" نجله. وتراجع موهوزي بدوره عن تغريداته طالباً التعامل مع الأمر بسهولة، ومشيراً إلى أنه لن يضرب الجيش الكيني "لأنّ والدي أخبرني ألا أحاول ذلك أبداً"!
وقد أفادت تقارير بأن موهوزي تمكّن من الاعتذار شخصياً للرئيس الكيني روتو أثناء حضور الأخير احتفالات الذكرى الستين لاستقلال أوغندا، وقدّم له دعمه الكامل لكينيا والتعاون معه في حل المشكلات والقضايا المعلّقة. ومع ذلك أصدر والده أمراً بإقالته كقائد القوات البرية التابعة للجيش الأوغندي مع تركه استخدام منصة تويتر بعدما عبّرت المؤسسة العسكرية الأوغندية عن قلقها بشأن سلوك موهوزي الذي يعتبر أحد ضباطهم وقائدهم.
وتُوحي متابعة تغريدات موهوزي وصياغتها أنه ضابط عسكري يحمل معه طموحات سياسية؛ وكأنه يلوّح لأتباعه أنه مختلف عن والده ومستقل في اتخاذ قراراته وأنه لم يكن عضواً في النخبة الحاكمة. بل ويلاحظ هذا عندما تحدّى موهوزي أمر إدارة والده بإيقافه من استخدام حسابه على تويتر، حيث غرّد قائلاً: "أنا شخص بالغ ولن يمنعني أحد من أي شيء"!
وفي حين اكتسب موهوزي لقب "الجنرال المغرّد" نتيجة لآرائه المستفزّة على تويتر التي يصفها بعض مؤيديها كمحاولات للفكاهة؛ فإن الكثيرين يرون أنها غير لائقة وخاصة بصفته ضابطاً في الجيش، حيث يمنعه دستور البلاد من الانخراط في السياسة الحزبية. ومن المؤكد أن أيّ ضابط آخر سيواجه محاكمة عسكرية في حال إبداء الآراء التي أبداها موهوزي.
خلافة الرئيس موسيفيني
يرى الكثير من الأوغنديين أن طبيعة نشأة موهوزي وتربيته وتعاليمه وتدريباته العسكرية وارتقائه السريع في المناصب؛ كلها توحي أنه مُهيّأ ليحلّ محلّ والده الرئيس موسيفيني كرئيس أوغندا، وتُرسّخ أيضاً ما يطلق عليه البعض بـ "الحكم الملكي" في أوغندا اعتماداً على حقيقة أن عائلة الرئيس موسيفيني تسيطر على السلطة، فزوجته أي والدة موهوزي في مجلس الوزراء. وبالرغم من أمر موسيفيني بإقالة نجله من المنصب العسكري؛ إلا أنه انتهز الفرصة أيضاً لترقيته إلى أعلى رتبة ضابط، وهي جنرال من فئة 4 نجوم، مع إبقائه كمستشار له.
وفي حين يحظى موهوزي باحترام الذين لازموه ووصفوه بشخصية لا تظهر القوة والثروة رغم نفوذ والده وتوليه هو مسؤولية وحدة الحرس الرئاسي، ورغم نفي والده الرئيس موسيفيني منذ فترة طويلة عزمه تسليم السلطة لـ موهوزي؛ فالرأي السائد هو أن موهوزي يسلك مسلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب من حيث التصريحات المستفزّة والمثيرة للجدل على منصة تويتر. ويطغى في تغريداته الإيحاء بأنه سيتولّى مهام والده قريباً ممّا يجعل البعض يعتبرون الهدف من تغريداته رفع ملفه الشخصي وجذب اهتمام الرؤساء الأفارقة والحكّام الأقوياء وحلفاء بلاده أوغندا.
ولتحقيق الهدف سابق الذكر؛ يستخدم موهوزي في تعليقاته حول الدول الأفريقية ورؤسائها مصطلحاتٍ أسرية، مما يكشف نظرته تجاههم وعلاقة عائلاته بهم. وعلى سبيل المثال: وصف في تغريدات له الروانديين كأقاربه، ووصف رئيس رواندا بول كاغامي بأنه "عمه" كما زاره في مزرعته. وحاول إصلاح العلاقات بين والده وعمه الرئيس الأوغندي كاغامي من خلال ترتيب لقاء بينهما عندما أدى الخلاف بينهما إلى إغلاق الحدود بين الدولتين.
من يمثّل الشباب الأوغندي: موهوزي أم بوبي واين؟
يشيد عدد من الأوغنديين بالرئيس موسيفيني وحزبه، لما تشهده أوغندا على مرّ العقود من استقرار بعد استيلائه على السلطة من الرئيس ميلتون أوبوتي في عام 1986 في ذروة حرب العصابات التي استمرت 5 سنوات. ولا يزال سكان المناطق الريفية وكبار السنّ من الأوغنديين يدعمون موسيفيني ويذكرون محاسن إدارته من حيث التغييرات الإيجابية في الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي تختلف عما عاشوه في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي.
على أن شعبية موسيفيني بين الشباب الأوغندي في تراجعٍ حادّ، وخاصة بعدما عدّل دستور أوغندا في عام 2005 لإلغاء تحديد الفترة الرئاسية، إلى جانب تعديل دستوري آخر في عام 2017 لإزالة حدود سنّ المرشح الرئاسي. ورغم هذه الانتكاسة يفهم كل ممارسي السياسة في أوغندا أن استمالة الشباب أمر ضروري وأن تأمين دعمهم مهمة ذات أهمية متزايدة حيث تعتبر ثاني أصغر دولة في العالم لكون 78 في المئة من سكانها أقلّ من 35 عاماً.
وقد جرت في أوغندا في السنوات الأخيرة تغيّرات في تشكّل القوى المعارضة؛ إذ كان المنافس الرئيسي ضد موسيفيني في انتخابات أعوام 2001 و2006 و2011 و2016 هو كيزا بيسيجي، الوزير السابق الذي أصبح زعيماً لحزب "منتدى التغيير الديمقراطي" المعارض بعد خلاف مع الرئيس موسيفيني.
ورغم وجود مراجعة قضائية وأدلة على التلاعب في الأصوات لصالح موسيفيني في انتخابات 2006، إلا أن استراتيجيات بيسيجي لمواجهة موسيفيني لم تكن مؤثّرة بما يكفي. بل واتُهم بيسيجي بالخيانة في عام 2016 إلى جانب سلسلة الاعتقالات والهجوم من قبل إدارة موسيفيني. وأدى تراجع أنشطته كمعارض وعدم خوضه للانتخابات الرئاسية في كانون الثاني/يناير 2021 إلى حلول الفنّان روبرت كياغولاني سينتامو، المعروف بـ بوبي وأين، محلّ بيسيجي كزعيم المعارضة الرئيسي في أوغندا.
تمكّن بوبي واين من تقوية ظهوره وجذب الناخبين الشباب إلى جانبه باستخدام موسيقى "أفروبيت" (Afrobeat). هذا إضافة إلى استراتيجيته التي تثبت أنه شخصية مختلفة تماماً عن كيزا بيسيجي الذي يمثل المدرسة القديمة للسياسة الأوغندية، وهو ما جعل إدارة الرئيس موسيفيني تعتبره تهديداً حقيقياً للمؤسسة الأوغندية وبالتالي التعامل معه بقوة وشراسة من قبل القوات الأمنية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لعام 2021.
وعلى أساس ما سبق، يمكن فهم العداء الجاري بين المعارض واين وموهوزي نجل الرئيس موسيفيني، حيث ينتقدان بعضهما البعض، ويصفان بعضهما بصفات مختلفة على تويتر، مثل وصف واين لـ موهوزي بأنه "الابن الوحشي" لـ "الديكتاتور المتغطرس"، ليردّ موهوزي على واين بوصفه بـ "المهرّج" و "بوبي الصغير".
وإذا كان ما يجري بين واين وموهوزي نابعاً عن كون أحدهما معارضاً يأتي من الأحياء الفقيرة والآخر منتمٍ إلى الحكومة ومتربٍّ على السلطة والثروة لكونه عضواً في الجيش ونجل الرئيس الحاكم؛ فإن كلاً منهما أيضاً يدّعي تمثيل الشباب الأوغندي ويقدّم نفسه كغريب عن النخبة الحاكمة وشخصية مختلفة عن السياسيين التقليديين.
جدير بالذكر أن انتخابات 2021 الأخيرة أثبتت مكانة بوبي واين بين الشباب الأوغندي، بينما لم يتضح حتى الآن مدى نجاح استراتيجية موهوزي لجذب الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي لصالح مشروعه السياسي، رغم كثرة متابعيه وتسلية بعض الأوغنديين من تعليقاته. إضافة إلى انتقاده لحزب والده، حركة المقاومة الوطنية، الذي أسسه والده في عام 1986 ويحكم أوغندا منذ ذلك الحين تحت قيادته، حيث وصفه بأنه "على الأرجح المنظمة الأكثر رجعية في البلاد" مضيفاً أن الحزب "بالتأكيد لا يمثّل شعب أوغندا".
ويضاف إلى ما سبق أنه بعد إقالته من منصبه كقائد للقوات البرية من قبل والده، لم يتضح حتى الآن مدى النفوذ الذي يمارسه موهوزي في الجيش، حتى وإن كانت هناك إشارات بأن الرئيس موسيفيني سيخوض انتخابات عام 2026 ممّا يقلّل من احتمالية خلافته قبل ذلك. بينما مضى موهوزي قدماً إلى إنشاء قنوات تلفزيونية وإذاعية مخصصة لحركته "حركة MK" التي سميت باسمه بعد سلسلة من التغريدات التي ألمحت فيها أصحابها أنه يجب على موهوزي تولّي مهام والده قبل 2026.
ويعضد هذا حقيقة أن موهوزي نفسه لوّح في تغريدات محذوفة رغبته في الترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2026، قائلاً: إنه بحلول تلك الفترة "سيكون 40 عاماً من حكم الجيل القديم".
يُذكر أن موهوزي دعم في نيسان/أبريل 2022 حملة شعبية لصالح طمعه السياسي أثناء احتفالاته بالذكرى 48 لميلاده، ويؤيد مبادرات مختلفة تعزّز صورته بين الشباب ويساهم في كسب ودّ الناخبين. وكأنه في محاولاته هذه ينفّذ استراتيجية محدّدة بينه ووالده أو يؤسّس لمواجهة الشعبية المتزايدة للمعارضين الشباب، بمن فيهم بوبي واين الذي يعتبر من الشخصيات السياسية المؤثّرة في أوغندا.
خاتمة
إن التطورات الأخيرة في أوغندا والسياقات السياسية في تغريدات موهوزي تجعل السؤال عمّن سيخلف والده الرئيس موسيفيني من القضايا الرئيسية في السياسة الأوغندية الحالية، ليس فقط بسبب تقدّم موسيفيني في العمر، حيث يبلغ الآن 78 عاماً، ولكن لكون السلطة تتركّز على يد أسرته، مما يجعل البعض يعتقدون أن جميع مساعي نجله موهوزي مدروسة من قبل الرئيس موسيفيني لاختبار مدى قبول الأوغنديين لنجله ولمعرفة ردود الأفعال داخل المؤسسات السياسية والعسكرية الداعمة.
وإذا كانت تغريدات موهوزي وتعليقاته المستفزّة تؤدّي الدور المتوقّع له من حيث جذب انتباه حلفاء والده والوصول غير المقيّد للقادة الأفارقة المؤثّرين بدعوى الاعتذار الشخصي لهم؛ فإنّ السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان موهوزي على قدر المسؤولية لتحمّل قيادة أوغندا، وما إذا كان يحظى بدعم هيكل المؤسسة العسكرية بعد إقالته من قبل والده وتهميشه من قبل بقية القيادة العسكرية.