لماذا اختارت بريطانيا جمهورية رواندا في خطتها لترحيل اللاجئين؟
الرئيس الرواندي كاغامي يرفض ربط قبول صفقة طالبي اللجوء في بريطانيا بالعنصر المالي، أو التلميحات إلى أن حكومته كانت مدفوعة بالمال.
تعرضت المملكة المتحدة وجمهورية رواندا لانتقادات مؤخراً بعد أن صرّحت حكومتا الدولتين رسمياً في 14 نيسان/أبريل 2022 بأنه سيتم نقل المهاجرين غير الشرعيين - والذين وصلوا إلى المملكة المتحدة - إلى رواندا، الواقعة في شرقي وسط أفريقيا. وبموجب هذا التعاون ستكون الحكومة الرواندية مسؤولة عن التعامل مع طلبات اللجوء للمهاجرين الذين يصلون إلى بريطانيا، حيث سترحّل أولئك الذين يدخلونها بحثاً عن اللجوء إلى رواندا، وإذا نجحت طلباتهم سيُسمح لهم بالبقاء هناك، من دون خيار العودة إلى بريطانيا.
وأطلق رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون على هذه السياسة اسم "شراكة الهجرة والتنمية الاقتصادية"، بحيث أشار، في خطابه، كما أوضحت وثائق أخرى، إلى أن طالبي اللجوء قد يكونون مؤهَّلين للترحيل إلى رواندا إذا وصلوا إلى بريطانيا في 1 كانون الثاني/يناير 2022 أو بعده، وقرّرت الحكومة البريطانية أنهم كانوا موجودين سابقاً في دولة أخرى، أو لهم ارتباط بها، بحيث يستطيعون طلب اللجوء في تلك الدولة.
ومما يُلاحَظ في هذه السياسة البريطانية ما أُطلق عليه "السفر المحفوف بالمخاطر"، والذي عُرّف بأنه السفر الذي يمكن، أو من المحتمل أن يؤدي إلى ضرر أو إصابة لصاحبه، مثل أولئك الذين يسافرون سراً في شاحنات أو قوارب صغيرة. وتشمل هذه السياسة أيضاً أيّ شخص من أي عمر يستوفي المتطلبات البريطانية، باستثناء المواطنين الروانديين والقصّر، غير المصحوبين، طالبي اللجوء.
وتفيد الوثائق والتقارير المرتبطة بهذه السياسة أيضاً بأن الالتزامات القانونية للمملكة المتحدة تجاه هؤلاء الأفراد اللاجئين ستكون منتهية بعد نقلهم إلى رواندا، ولن يُسمح لهم بتقديم طلب لجوء إلى المملكة المتحدة، كما أن الحكومة الرواندية هي التي ستتولى نظام اللجوء ومعالجة طلباتهم.
وندّد رئيس الكنيسة الإنكليزية بهذه السياسة، واصفاً إياها بأنها "غير أخلاقية"، بينما وصفها المفوض السامي للأمم المتحدة بالـ "كارثية". وعلى الرغم من الانتقادات والضغوط والغضب منها، فإن المحكمة العليا في لندن قضت، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بأنها قانونية.
لماذا قبلت رواندا هذه الصفقة؟
كشفت الإحصاءات الرسمية في المملكة المتحدة أن ما يقرب من 40 ألف مهاجر دخلوا بريطانيا في عام 2022 في قوارب صغيرة، وأن أغلبية هؤلاء المهاجرين من إيران وأفغانستان. وكان موقف بعض مسؤولي الحكومة البريطانية أن نظامها للجوء ينهار في ظل "الأزمات الإنسانية الحقيقية"، وتمكّنِ مهرّبي البشر من استغلاله لتحقيق مكاسبهم الخاصة.
لكن، لماذا قبلت رواندا مثل هذه الصفقة؟ الأجوبة والتفسيرات بشأن ذلك كثيرة، ويتطلب فهم أغلبيتها الرجوع إلى تاريخ رواندا وإمكاناتها الاقتصادية وتحركات رئيسها الأخيرة في مناطق استراتيجية أفريقية، إذ شهدت رواندا إبادة جماعية أودت بحياة مئات الآلاف من الروانديين في عام 1994. وجاءت بعد الحادثة المؤلمة قيادة الرئيس الحالي بول كاغامي، الذي عزّز استقرار البلاد، وأطلق مشاريع هائلة ساهمت في استقرارها الأمني وتنميتها الاجتماعية وتقدمها الاقتصادي، وهو ما أكسبه ثناءً من الأفارقة والغرب، ووصف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، جونسون، رواندا، بواحدة من أكثر البلدان أماناً في العالم.
ومن خلال تحركات كاغامي الأخيرة يتّضح أنه شخصية طموحة لا يكتفي بما حصد لبلاده من التقدم والثناء العالميّ، بل كان يريد أن تكون بلاده قوة إقليمية وأفريقية، عبر وسائل متعدّدة، مثل التدخلات العسكرية في دول، مثل جيرانها الكونغو الديمقراطية وحتى الصومال. وانتشرت قوات رواندية في جمهورية أفريقيا الوسطى بعد مزاعم محاولة الانقلاب على رئيسها، فوستان آرشانج تواديرا، في عام 2020. وبالاتفاق والتعاون مع حكومة موزمبيق، نشر الرئيس الرواندي كاغامي قواته في مقاطعة كابو ديلغادو الموزمبيقية الغنية بالغاز، وتمكّنت هذه القوات من طرد الإرهابيين من أجزاء من المقاطعة. هذا إلى جانب مساعي رواندا العسكرية في جمهورية بنين.
وفي حين تُحَسّن رواندا صورتها، أفريقياً وعالمياً، كدولة قادرة على التعامل مع التهديدات الأمنية والإرهابية وتأمين المصالح والممتلكات، فلقد نفّذت الحكومة الرواندية بين عامَي 2019 و2021 استراتيجية أخرى أكسبتها صفة الدولة القادرة على التعامل مع أزمة الهجرة غير الشرعية واللاجئين، بحيث رحبّت كيغالي بالمهاجرين من جميع الأطياف – بمن فيهم مئات اللاجئين الأفارقة المحاصَرين في ليبيا، بالإضافة إلى الأفغان الفارّين من سيطرة "طالبان" على بلادهم - ودمجتهم مع المجتمع الرواندي. وبحسب الأرقام من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، يوجد في رواندا 127.163 لاجئاً وطالب لجوء، اعتبارا من أيلول/سبتمبر 2021.
وهناك من ربط قبول الحكومة الرواندية هذا الاتفاق بمساعي كيغالي لتعزيز علاقاتها بالغرب وتقديم نفسها كحليفها وممثل مصالحها في القارة الأفريقية. فعلى الرغم من الانتقادات الموجَّهة ضد الرئيس كاغامي واتهامه بارتكاب انتهاكات متعددة لحقوق الإنسان وإسكات معارضيه السياسيين، فإنه يحظى باحترام الغرب وتعاونه.
يُضاف إلى ما سبق أن الفرص الاقتصادية وخيارات تنويع العوائد - التي تتمتع بها أغلبية الدول الأفريقية – لم تكن متوافرة لرواندا. فهي دولة صغيرة، من حيث الحجم، وغير ساحلية، من حيث الموقع الجغرافي، ولا تملك سوى قليل من الموارد الطبيعية ومن المساحة من الأراضي الصالحة للزراعة. لذلك، كانت من الدول الأفريقية القليلة التي لا تستهدفها القوى الأجنبية بسبب ثروتها المعدنية، بالإضافة إلى أن المشاركات العسكرية الرواندية في دول أخرى، وأنشطتها في شرقي الكونغو الديمقراطية، تثير معارضة أفريقية واسعة وانتقادات مفادها أن كيغالي تؤجج الصراع لدى جيرانها كي تتمكن من السيطرة على مواردها الطبيعية.
يعني ما سبق أن على رواندا البحث في مجالات أخرى لتوليد دخل مستقرّ. ويمكن فهم أهمية صفقة الهجرة بينها وبين بريطانيا من خلال النظر في الأرقام المتعلقة بها، بحيث كشف مكتب رئيس الوزراء البريطاني السابق، في نيسان/أبريل الماضي، أن نظام اللجوء كان ينفق 2.4 مليار دولار سنوياً، بما في ذلك أكثر من 7 ملايين دولار يومياً على إسكان طالبي اللجوء واللاجئين.
بموجب هذه الصفقة، ستقدم بريطانيا إلى رواندا مساعدات تنمية اقتصادية يبلغ مجموعها 188 مليون دولار. وهذا المبلغ لا يشمل التكاليف المرتبطة بسفر المرحّلين وإقامتهم ومعالجتهم واندماجهم في رواندا، مع توقّع أن تضيف هذه التكاليف ما يصل إلى نحو 19 ألف دولار إلى المبلغ المخصص لكل فرد من طالبي اللجوء واللاجئين المرحلين لفترة تجريبية مدتها 5 سنوات.
هل الصفقة مستدامة وواقعية؟
كان من النقطة المثارة لدى المشككين في جدوى الصفقة وواقعيتها أن حجم رواندا قليل، وبالتالي هي غير قادرة على استضافة مزيد من طالبي اللجوء، بحيث تبلغ مساحة البلاد 26.338 كيلومتراً مربعاً، لتكون رابع أصغر دولة في أفريقيا. وتُعَدّ رواندا أيضاً واحدة من أكثر الدول اكتظاظاً بالسكان في أفريقيا، بحيث لا تملك كثيراً من الأراضي المفتوحة، وهو ما يعني أن استقبال عشرات الآلاف من اللاجئين قد يؤدي إلى الاحتكاك، أو تصاعد الاستياء المحلي، أو المواجهة بين اللاجئين والسكان الآخرين.
على أن الرئيس الرواندي كاغامي يرفض ربط قبول صفقة طالبي اللجوء بالعنصر المالي، أو التلميحات إلى أن حكومته كانت مدفوعة بالمال، مشيراً إلى أن الاتفاق لا يتعلق بـ"المتاجرة بالأشخاص"، لكنه مرتبط باهتمام كيغالي بتوفير فرصة لطالبي اللجوء من أجل بدء حياة جديدة. وأضاف: "لقد سمعت أن بعض الناس يزعم أن المملكة المتحدة أعطتنا المال، وتريد التخلص من الناس إلى هنا. لا، نحن لا نفعل هذا النوع من الأشياء. نحن لا نشارك في بيع الناس وشرائهم. لا يمكننا فعل ذلك بسبب قيمنا الأساسية".
ومع ذلك، تضع هذه الصفقة دولة رواندا بين آراء متناقضة حتى في الداخل الرواندي، ما بين الذين انتقدوا الحكومة بسبب قبول صفقة تعظّم المشاكل الإنسانية وتجعل الدولة الأفريقية تقوم بـ "الأعمال القذرة"، وتتلقى جميع اللوم نيابة عن بريطانيا، وبين الذين أثنوا على الحكومة الرواندية ويرون الخطوة إيجابية كونها تجعل أفريقيا "مكاناً للحلول"، وصالحاً لعيش الجميع.
سياسات أخرى مشابهة
لم تكن رواندا جديدة على سياسات قبول المهاجرين واللاجئين من دول أخرى، إذ كانت البلاد مع أوغندا ضمن خطة توطين في دولة ثالثة أطلقتها "إسرائيل" في عام 2014 من أجل إرسال مهاجرين وطالبي لجوء غير شرعيين، بحيث عُرض على هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء - ومعظمهم من السودان وأريتريا - خيار الترحيل إلى وطنهم أو قبول مبلغ 3.500 دولار مع الترحيل إلى أوغندا أو رواندا، مع خيار احتمال سجن من اختاروا البقاء في "إسرائيل". وفي حين تعرّضت هذه الخطة الإسرائيلية لانتقادات دولية وضغوط محلية قبل تعليقها من جانب المحكمة العليا الإسرائيلية، إلّا أن "إسرائيل" ادّعت أنه بموجب هذه السياسة عاد ما يقرب من 20 ألف فرد إلى ديارهم، أو انتقلوا إلى رواندا وأوغندا.
يُضاف إلى ما سبق أن الحكومة الرواندية اتخذت خطوة مشابهة في عام 2019 عندما اتفقت مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والاتحاد الأفريقي على إنشاء آلية عبور طارئة للاجئين وطالبي اللجوء، الذين تقطَّعت بهم السبل في ليبيا. ووفقاً لوزارة إدارة الطوارئ في رواندا، استقبلت البلاد، بموجب هذه الاتفاقية، نحو 824 شخصاً تم إجلاؤهم من ليبيا على دفعات متعددة. وأُعيد توطين نحو 565 شخصاً - من بين الذين استقبلتهم رواندا - في دول ثالثة، بما في ذلك كندا (186 شخصاً) والسويد (142 شخصاً) والنرويج (113 شخصاً) وفرنسا (66 شخصاً) وبلجيكا (26 شخصاً) وفنلندا (32 شخصاً).
جدير بالذكر أن الرئيس الرواندي كاغامي صرّح، عقب توقيع صفقة بريطانيا في العام الماضي، بأن نجاح خطوة عام 2019 هي التي ألهمت المملكة المتحدة التواصل معها بشأن التعاون في حل أزمة الهجرة البريطانية. وسنّت الدنمارك أيضاً، في عام 2021، قانوناً يسمح بنقل اللاجئين إلى مراكز اللجوء في الدول الأجنبية، بحيث يمكن تقييم طلباتهم، وتجري مناقشات مع رواندا بشأن التعاون في هذا المجال.