خلفيات عودة التوتر بين أثينا وأنقرة وآفاقها
ما يمكن أن نعتبره "جولة جديدة" من جولات الخلاف بين تركيا واليونان هو في الواقع استنساخ للخلاف التاريخي الرئيسي بين الجانبين حول قسم من جزر بحر إيجه.
كان التوتر - المتعدد الطبقات والاتجاهات - أحد أهم معالم العلاقة بين اليونان وتركيا منذ حقبة الدولة العثمانية وحتى اليوم. هذا التوتر، الذي تتعدد أسبابه ودوافعه، بدأ يتخذ شكلاً تصعيدياً ملحوظاً منذ أوائل العام الجاري على خلفيات داخلية وإقليمية ودولية، بعد ما بدا أنه بوادر للتقارب بين أثينا وأنقرة، عبر اللقاء الذي جمع في شهر آذار/مارس الماضي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس مايتسوتاكيس.
عنوان ما يمكن أن نعتبره "جولة جديدة" من جولات الخلاف بين الجانبين هو في الواقع استنساخ للخلاف التاريخي الرئيسي بينهما حول قسم من جزر بحر إيجه، وتحديداً جزر "منتشه"، وهي عبارة عن 14 جزيرة تواجه الساحل التركي المطل على بحر إيجه.
تجدد هذا الخلاف جاء بعدما رصدت الطائرات التركية من دون طيار نقل سفن الإنزال البرمائي اليونانية مجموعة من العربات المدرعة "الأميركية الصنع" إلى جزيرتي "لسبوس" و"ساموس" الواقعتين في القطاع المتنازع عليه من جزر بحر إيجه، بواقع 23 مدرعة في الجزيرة الأولى، و18 مدرعة في الجزيرة الثانية.
أثارت هذه الخطوة غضب أنقرة، لا لأن هذه التعزيزات العسكرية تمت على جزر تقع على مسافة وجيزة جداً من الساحل التركي فحسب (جزيرة ساموس تقع على بعد نحو 2 كيلومتر عن الساحل، في حين تقع جزيرة لسبوس على بعد 15 كيلومتراً)، لكن أيضاً بسبب ما تعتبره أنقرة "تقارباً أميركياً مع أثينا"، يستهدف تقويض نفوذ أنقرة في منطقة شرق المتوسط، وكذا الإجراءات اليونانية المتعددة التي تراكمت خلال الأشهر الأخيرة، وبدا منها ملامح محاولة استفزاز تركيا، وخصوصاً على المستوى العسكري.
النزاع التاريخي الأساسي حول جزر بحر إيجه
ملف جزر بحر إيجه كان من ضمن أهم معالم المرحلة الأخيرة من حقبة الدولة العثمانية، فقد اضطرت الدولة العثمانية إلى الاعتراف بسيادة اليونان على جزر بحر إيجه ضمن "معاهدة سيفر للسلام" الموقعة عام 1920 عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، لكن قامت أنقرة لاحقاً، عقب تأسيس الجمهورية التركية، بالتراجع عن هذا الاعتراف، ودخل كلا الجانبين في نزاع حول ملكية هذه الجزر، إلى أن تم توقيع معاهدة سلام جديدة عام 1923 سميت "اتفاقية لوزان"، والتي كرست تبعية جزر بحر إيجه إلى كل من اليونان وإيطاليا، في مقابل عدم تسليح الجزر اليونانية المقابلة للساحل التركي، إذ نصت المادة الثانية عشرة من هذه الاتفاقية على عدم إنشاء قواعد عسكرية في هذه الجزر التي تضمنتها سابقاً معاهدتا أثينا ولندن.
خلال الحرب العالمية الثانية، انتقلت الجزر التي كانت تحت السيطرة الإيطالية في بحر إيجه، وعددها نحو 14 جزيرة، إلى ألمانيا النازية، ثم إلى بريطانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، ثم دخلت هذه الجزر التي تسمى "مجموعة جزر منتشه" ضمن السيادة اليونانية بموجب اتفاق "باريس" للسلام الموقع بين الحلفاء وإيطاليا عام 1947، وهو ما لم تقبله أنقرة التي رأت أن إدخال هذه الجزر ضمن السيادة اليونانية تم من دون التوافق مع الحكومة التركية. الموقف التركي في هذا الصدد يعتبر أساس الخلاف المعاصر مع اليونان بشأن جزر بحر إيجه. حقيقة الأمر أنَّ الخلاف بين الجانبين في هذا الصدد يحمل مستويات مختلفة.
المستوى الأول هو ملف "عسكرة الجزر"، فأنقرة تقول إنَّ أثينا عملت بشكل تدريجي منذ عام 1960 على توسيع وجودها العسكري في هذه الجزر، وتحديداً جزر "ساموس" و"ليسفوس" و"خيوس" و"إيكاريا" الأقرب إلى الساحل التركي. هذا الوضع دفع البلدين إلى حافة المواجهة العسكرية الشاملة مرتين على الأقل، الأولى عام 1987، والأخرى كانت منتصف تسعينيات القرن الماضي.
الاعتراض التركي في هذا الصدد مبني على البنود الخاصة بعدم تسليح هذه الجزر التي وردت في اتفاقية "لوزان" ومعاهدة باريس، في حين ترى أثينا أنَّ احتلال تركيا للقسم الشمالي من جزيرة قبرص عام 1947، وكذا بنود اتفاقية "مونترو" لإدارة المضائق الموقعة عام 1936، منحت تركيا - بالمخالفة لبنود اتفاقية لوزان - حقّ تسليح الجزر المحيطة بالمضائق التي تسيطر عليها، وهو ما يعطي اليونان الحق بالتعامل بالمثل مع البنود الخاصة بعدم تسليح جزر بحر إيجه.
أنقرة تعود إلى التشكيك في سيادة اليونان على جزر بحر إيجه
عودة الحديث عن الوجود العسكري اليوناني في جزر بحر إيجه، دفع أنقرة إلى إعادة طرح ملف "السيادة حول هذه الجزر"، وهو طرح تصعيدي متقدم، نظراً إلى أن تركيا حتى وقت قريب كانت تعترف، ولو ضمنياً، بسيادة اليونان على هذه الجزر، لكنها في الوقت نفسه ترى أن بعض الجزر الموجودة في هذا النطاق لم يتم تحديد موقف السيادة عليها بشكل واضح، مثل جزر "إيميا".
لوحظ في الآونة الأخيرة تزايد تصريحات المسؤولين الأتراك حول حقيقة هذه السيادة، وهو ما دفع الحكومة اليونانية في أيار/مايو الماضي إلى إرسال خطاب للأمم المتحدة، تطالب فيه بوقف التشكيك التركي في سيادتها على جزر بحر إيجه، لكن تصاعدت التصريحات التركية بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة، إلى درجة أن الرئيس التركي إردوغان اعتبر في تصريحات صحافية أن هذه الجزر "محتلة"، فنشرت الخارجية اليونانية رداً على ذلك خرائط تعود إلى عام 1923، توضح أحقية أثينا في ممارسة السيادة على هذه الجزر.
ملف "السيادة" يضم بين ثناياه ملفات خلافية مهمة أخرى، من بينها ملف ترسيم المياه الإقليمية، وحدود المجال الجوي المحلي لكل دولة، وكذا المناطق الاقتصادية الخاصة. إنّ عدم اعتراف تركيا الكامل بسيادة اليونان على جزر بحر إيجه كان سبباً رئيسياً في امتناع أنقرة عن التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، السارية منذ تشرين الثاني/نوفمبر 1994، وهذا ما جعلها عملياً غير معترفة بالمياه الإقليمية والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان، إذ تنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على أن يكون مدى المنطقة الاقتصادية الخالصة 200 ميل بحري من شواطئ آخر جزيرة تابعة للدولة، وتكون المياه الإقليمية على مسافة 12 ميلاً بحرياً، في حين لا تعترف تركيا سوى بمدى 6 ميل بحري فقط كمياه إقليمية لليونان، ولا تعترف بوجود منطقة اقتصادية خالصة للجزر اليونانية المتاخمة للساحل التركي على بحر إيجه، لخشيتها من تأثير ذلك في المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا في بحر إيجه، حيث توجد جزر - مثل جزيرة "كاستيلوريزو" - على بعد أقل من 2 كيلومتر من الساحل التركي، وهو ما يقلص بشكل حاد إمكانية استغلال أنقرة للثروات الموجودة في هذا النطاق، نظراً إلى أنها - في حالة اعترافها بالمطالبات اليونانية الخاصة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة - سوف تمنح اليونان معظم مساحة بحر إيجه.
هذا الوضع ينسحب أيضاً على المجال الجوي اليوناني الذي تعترف به تركيا فوق بحر إيجه، إذ ترى أثينا أنه يتراوح بين 10 و12 ميلاً بحرياً، في حين ترى تركيا أنه 6 أميال بحرية فقط، ما أدى إلى تكرار حوادث اختراق طائرات كلا الطرفين المجال الجوي للطرف الآخر.
المؤكد في هذا الإطار أنَّ تركيا باتت تضع مسألة السيادة اليونانية على هذه الجزر على رأس الملفات الخلافية بينها وبين اليونان، بعد فترة من تسيد الملف القبرصي هذه الملفات، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال التصريحات الأخيرة للرئيس التركي، التي قال فيها بوضوح إن تركيا لا تعترف بالوجود اليوناني في هذه الجزر، وإنها ستقوم على "حين غرة" بفعل "ما هو ضروري" لتغيير هذا الوضع.
وعلى الرغم من وضوح الرؤية التركية في هذا الصدد، فإنَّ إعادة طرح هذه القضية في التوقيت الحالي ربما يمكن اعتباره رد فعل على تقارب يوناني - قبرصي - أميركي واضح، وخصوصاً على المستوى العسكري.
التقارب العسكري بين اليونان والولايات المتحدة الأميركية
إشارات عديدة رصدتها أنقرة خلال الفترة الماضية بين الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" وفرنسا من جهة، وكل من قبرص واليونان من جهة أخرى، كان الجانب العسكري هو جوهرها الأساسي، بشكل يمكن من خلال جمع أوصاله فهم أسباب وموجبات التحفز التركي ضد الطرفين منذ إعادة إحياء أزمة حي "فاروشا" في مدينة "فاماغوستا" القبرصية منتصف العام الماضي، وصولاً إلى تناول ملف سيادة اليونان على جزر بحر إيجه، وكذا حديث الرئيس التركي منذ أيام عن بدء تركيا تعزيز وجودها العسكري شمال قبرص.
بالنسبة إلى اليونان، تبدو الخطوات الأميركية أكثر وضوحاً وقوة، فقد كان التعاون العسكري بين الجانبين مرتكزاً على اتفاقية التعاون الدفاعي المتبادل الموقعة عام 1990، والتي نظمت أثينا بموجبها إطار استغلال البحرية الأميركية قاعدة "سودا" في جزيرة كريت، وهو الاستغلال الذي كان قائماً عملياً منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، لكن تلقت هذه الاتفاقية دفعة جديدة إلى الأمام في تشرين الأول/أكتوبر 2019، بعدما اتفق الجانبان على استغلال الولايات المتحدة الأميركية 3 قواعد عسكرية يونانية، إضافة إلى قاعدة "سودا" البحرية.
هذا التعديل تم التصديق عليه من جانب البرلمان اليوناني في أيار/مايو الماضي. وقد انتقدت أنقرة بشدة هذه الخطوة، وخصوصاً أن التعديلات الجديدة على هذه الاتفاقية تضمنت تحديث قاعدة سودا البحرية، وتجديد قاعدتي "لاريسا" و"ستيفانوفيكيو" الجويتين، وتعميق ميناء "ألكساندروبولي" المطل على بحر إيجه وتحديثه، وهي جميعها خطوات أعرب الرئيس التركي عن قناعته بأنها موجهة ضد تركيا، وليس ضد روسيا.
تصعيد التعاون العسكري بين أثينا وواشنطن لم يقتصر على هذا الحد فحسب، فقد تلقت أثينا الأسابيع الماضية طائرتين مقاتلتين من نوع "أف-16 فايبر"، كدفعة أولى من برنامج لتحديث القوة الجوية اليونانية، تبلغ قيمته الإجمالية 1.5 مليار دولار، يتضمن تحديث 83 مقاتلة يونانية من هذا النوع إلى المعيار "فايبر"، على أن تصل 4 طائرات محدثة إضافية إلى اليونان قبل نهاية العام الجاري، ناهيك بدخول اليونان مراحل متقدمة من التفاوض مع الولايات المتحدة على شراء عدة طائرات من دون طيار من نوع "إم كيو-9".
تنظر أنقرة إلى التعاون في المجال التسليحي بين أثينا وواشنطن على أنه موجّه بشكل رئيسي ضدها لاعتبارات عديدة، أهمها الدور الذي أداه رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس خلال زيارته للولايات المتحدة الأميركية في الآونة الأخيرة في عرقلة الكونغرس الأميركي مفاوضات بيع مقاتلات "أف-16" لأنقرة، في حين كان يسيراً على أثينا التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن تحديث مقاتلاتها، وكذلك الحصول على موافقة واشنطن على حصول سلاح الجو اليوناني مستقبلاً على مقاتلات "أف-35" المتفوقة.
دور ميتسوتاكيس في هذا الملف كان سبباً رئيسياً في تصعيد الرئيس التركي منذ أيار/مايو الماضي لهجته ضد اليونان، وخصوصاً أنَّه يتهم رئيس الوزراء اليوناني بأنه تواصل مع برلين لمنع حصول أنقرة على المزيد من الغواصات الألمانية.
لا يمكن بالطبع إغفال ارتباط التصاعد الواضح في مستوى العلاقات العسكرية بين اليونان والولايات المتحدة عن التطورات الحالية في أوكرانيا، إذ ترتكز واشنطن بشكل كبير على الموانئ اليونانية لإيصال المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، ناهيك بقيام أثينا في شباط/فبراير الماضي بإرسال مساعدات عسكرية إلى كييف، تمثلت في 40 طناً من المعدات الدفاعية، إلى جانب إعلان وزارة الدفاع اليونانية منذ أسابيع بدء توريد 40 ناقلة جند مدرعة من نوع "بي أم بي-1" السوفياتية الصنع من مخزونها العسكري إلى أوكرانيا، على أن تتلقى بدلاً منها مدرعات "ماردير" الألمانية.
غاز شرق المتوسط وملفات خلافية أخرى
رغم ما بدا أنه "تهدئة" في ملف غاز شرق المتوسط، فإنَّ هذا الملف عاد ليشهد تطورات ساخنة خلال الأشهر الأخيرة، يمكن إضافتها إلى الخلافات التي بدأت بشكل واضح عام 2020 بين اليونان وقبرص من جهة وتركيا من جهة أخرى حول المناطق الاقتصادية الخالصة وعمليات التنقيب عن الغاز.
بداية هذه التطورات كانت في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بعد احتجاج أنقرة على قرار جمهورية قبرص منح حقوق استكشاف الغاز الطبيعي لشركتي "إكسون موبيل" و"قطر للبترول" في البلوك 5 من منطقتها الاقتصادية الخالصة، والمضي قدماً في أعمال الحفر الاستكشافية في منطقة البلوك 10.
قبرص من جانبها صعدت أكثر في هذا الملف في آب/أغسطس الماضي، بعد إعلان حكومتها اكتشاف شركتي "إيني" الإيطالية و"توتال" الفرنسية حقلاً غازياً ضخماً في بئر "كرونوس-1" الواقع في البلوك السادس، يحتوي احتياطيات محتملة تبلغ نحو 70 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما ردَّت عليه تركيا آنياً في الشهر نفسه، عبر العودة إلى سياسة "سفن التنقيب"، فأرسلت سفينة التنقيب "عبد الحميد خان" للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
التطورات الجديدة في ملف غاز شرق المتوسط وما سبقها وصاحبها من تصاعد واضح في ملف "عسكرة بحر إيجه"، ترافقها ملفات أخرى ساهمت بشكل أو بآخر في زيادة حجم التوتر في العلاقة بين الجانبين، منها اعتقال السلطات التركية أحد الأشخاص المشتبه في انتمائه إلى تنظيم فتح الله غولن، وحديثها عن أنه تلقى تدريبات في معسكر للاجئين يقع قرب العاصمة اليونانية، وكذا حديث أنقرة المتكرر عن تعرض بعض الأقليات التركية المسلمة في اليونان لـ"ممارسات تمييزية"، مثل المسلمين القاطنين في منطقة "تراقيا الغربية" المتاخمة للحدود مع تركيا.
يُضاف هذا إلى الغضب التركي من طريقة نشر القيادة البرية لحلف الناتو أواخر آب/أغسطس الماضي التهنئة الموجهة إلى أنقرة بمناسبة الذكرى المئوية لعيد النصر التركي، الذي يوافق ذكرى معركة "دوملو بينار" بين القوات التركية واليونانية، نظراً إلى أن الحلف، بعدما نشر نص التهنئة الموجهة لتركيا، حذفه بناء على اعتراض أثينا، ومن ثم أعاد نشره بعد تعديله.
إذاً، بالنظر إلى ما تقدم، يمكن القول إنَّ كلا الجانبين يصعّدان اللهجة في كل الملفات الخلافية التي تجمع بينهما، لكن يبدو التركيز بشكل أكبر على المشهد العسكري في بحر إيجه على خلفية التطورات الحالية في أوكرانيا.
هذا في ما يتعلق بالبعد المحلي من الخلاف بين الجانبين، لكن على المستوى الدولي، يبدو أنَّ كلاً من موسكو وواشنطن تتخذان من الخلاف بين أنقرة وأثينا وسيلة أخرى من وسائل المواجهة غير المباشرة بينهما، وخصوصاً أنَّ واشنطن أعربت عدة مرات عن عدم رضاها عن المواقف التركية من موسكو، حتى قبل الأزمة الأوكرانية، مثل الموقف من منظومات "أس-400".
لذا، تنظر أنقرة بتوجس إلى التعزيز العسكري الأميركي في اليونان، لا لأنه يبدو أقل ارتباطاً بالملف الأوكراني فحسب، بل لأنه يتضمن أيضاً تعزيزاً نوعياً للقدرات التسليحية والعسكرية اليونانية، وهو ما يمثل إخلالاً كبيراً بتوازن القوى في النطاق الجغرافي الأقرب إلى تركيا.
رغم تصاعد هذا التوتر، فإنّ طغيان التطورات الأخيرة في أوكرانيا يجبر القوى الأوروبية على محاولة لجم الطرفين - التركي واليوناني - عن الدخول في مواجهة عسكرية على خلفية الوضع في بحر إيجه، وخصوصاً أن كل الأطراف لا تمتلك الموارد اللازمة لتحمل تبعات حدوث مثل هذه المواجهة في التوقيت الحالي، وأغلب الظنّ أنَّ نتائج هذا التوتر ربما تظهر بشكل أكبر على المدى الطويل في العلاقات بين الجانبين اللذين يدخلان منتصف العام المقبل في دوامة الانتخابات العامة.