حاملة طائرات صينية جديدة تجدّد مخاوف واشنطن وتايبيه
يمكن النظر إلى مشروع هذه الحاملة، في إطار مشروع أكبر تستهدف من خلاله بكين، أن تكون لديها بحلول عام 2030، ست حاملات طائرات، إلى جانب ثماني سفن إنزال برمائي "TYPE-075".
في ظلّ حالة التحديث المستمرة التي دخلت إليها البحرية الصينية خلال السنوات الأخيرة، أطلقت البحرية الصينية منذ أيام قليلة، حاملة طائراتها الثالثة، "فوجيان"، وهي الأكثر تقدّماً في الترسانة البحرية الصينية في الوقت الحالي، ويتوقّع أن تدخل إلى الخدمة بشكل رسمي وكامل خلال العام المقبل.
حقيقة الأمر أنّ أهمية هذه الحاملة الجديدة لا ترتبط فقط بقدراتها التسليحية والتكنولوجية فحسب، بل ترتبط أيضاً بما ستحدثه من تغييرات هامة على مستوى القدرات العسكرية الصينية، حيث ستعزّز هذه الحاملة قدرة البحرية الصينية على نشر وحداتها القتالية في مناطق بعيدة جغرافياً، أو في مناطق تحتاج إلى قدرات بحرية خاصة للإمساك بشكل كامل بزمام المبادرة فيها، على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، مثل بحر الصين الجنوبي، ومحيط تايوان.
تُعدّ هذه الحاملة، وهي "تايب-003"، أكبر قطعة بحرية صينية والأكثر تقدّماً، وتمثّل نقطة تحوّل مهمة في سياق التنافس الصيني ـــــ الأميركي على تحديث القدرات البحرية، من حيث الكمّ والكيف، حيث تعتبر أول حاملة طائرات محلية الصنع بالكامل، مقارنة بـحاملتي الطائرات الأولى والثانية، اللتين اعتمدتا في تصميمهما على تصاميم حاملات الطائرات السوفياتية من الفئة "Kuznetsov".
بدأ التجهيز لتصميم وتشييد هذه الحاملة أوائل العقد الماضي، إلا أن تعديلات أساسية تمت على تصميمها، قبيل البدء الفعلي في تشييدها، في آذار/مارس 2017، بترسانة "Jiangnan" جنوبي الصين.
وقد استهدفت بكين إطلاق هذه الحاملة بشكل رسمي، بحلول نيسان/ أبريل 2022، بالتزامن مع الذكرى السنوية الثالثة والسبعين لتأسيس البحرية الصينية، لكن تسبّبت جائحة كورونا في تأخير هذا الإطلاق حتى حزيران/يونيو 2022، حيث بدأت عمليات تجهيزها لإجراء الاختبارات المختلفة، ومن ثم بدأت هذه الاختبارات في نيسان/أبريل 2023، وشملت تجارب الرسو واختبار أنظمة الدفع الرئيسية وأجهزة الاتصال وأنظمة التشغيل المختلفة.
ومن ثمّ شرعت البحرية الصينية أواخر العام الماضي في تجارب الإبحار وإقلاع الطائرات، وكذلك اختبار أنظمة التسليح المختلفة التي توجد على متن هذه الحاملة، بحيث تكون هذه الأنظمة كافة جاهزة بحلول موعد إدخال هذه الحاملة رسمياً إلى الخدمة العام المقبل، لتنضمّ إلى حاملة الطائرات الأولى "Liaoning"، التي دخلت الخدمة في أيلول/سبتمبر 2012، وحاملة الطائرات الثانية "Shandong"، التي دخلت الخدمة في كانون الأول/ديسمبر 2019.
مميّزات نوعية لحاملة الطائرات الصينية الجديدة
يبلغ طول الحاملة الجديدة نحو 316 متراً، وعرض سطحها 76 متراً، وتبلغ إزاحتها الكلية ما يقارب 90 ألف طن، ويتوقّع أن تبلغ سرعتها القصوى ما بين 29 و31 عقدة بحرية، وتتزوّد بسطح للإقلاع والهبوط، يبلغ طوله 314 متراً، وتتزوّد بـ توربينات بخارية تتضمّن ثماني غلايات، تولّد طاقة إجمالية تصل إلى 220 ألف حصان، ويتوقّع أن يبلغ عدد أفراد طاقمها نحو 2000 فرد.
لا تتميّز هذه الحاملة فقط بإزاحتها الكبيرة مقارنة بشقيقتيها الأولى والثانية، اللتين لا تتعدى إزاحة أيّ منهما 66 ألف طن، بل تتسم أيضاً بميزة تكنولوجية مهمة، لم يسبق أن تمّ تطبيقها إلا على متن حاملة الطائرات الأميركية النووية "Gerald R. Ford"، ألا وهي تزوّدها بثلاثة مسارات لإطلاق الطائرات، تعتمد على نظام المنجنيق الكهرومغناطيسي المتقدّم "CATOBAR"، الذي يوفّر للحاملة الجديدة، القدرة على إطلاق مجموعة واسعة من أنواع الطائرات المأهولة والمسيّرة، بما في ذلك طائرات الإنذار المبكر، ما يعزّز بشكل كبير تنوّع العمليات التشغيلية للحاملة، كما يوفّر هذا النظام إطلاقاً أسرع للطائرات، مع استيعاب حمولات أكبر من الوقود والذخائر، وهي جميعها مزايا لا تتوفّر في نظام الإقلاع التقليدي الذي تتزوّد به حاملتا الطائرات الأولى والثانية، وهو نظام الإطلاق البخاري التزلجي "STOBAR".
فيما يتعلّق بأنواع الطائرات التي يتوقّع أن تعمل على متن هذه الحاملة، التي تستهدف الصين أن تقوم بتشغيل ما لا يقلّ عن 60 طائرة من بينها 40 مقاتلة، تشير المؤشرات الحالية إلى أن نسخة متقدّمة من مقاتلات "J-15" ـــــ التي تعمل نسخ أقل حداثة منها على متن حاملتي الطائرات الأولى والثانية ـــــ سوف تكون بمثابة القوة الجوية الرئيسية الخاصة بهذه الحاملة، خاصة أن هذه النسخة المتقدّمة، قد بدأت عمليات تطويرها في أيلول/سبتمبر 2016، كي تكون قادرة على الإقلاع باستخدام نظام "CATOBAR" المتقدّم.
من الأنواع الأخرى التي يتوقّع أن تعمل على متن هذه الحاملة، إلى جانب المروحيات متعدّدة المهام والطائرات المسيّرة، طائرات الإنذار المبكر، فقد بدأت بكين منذ عام 2020، في اختبار طائرة إنذار مبكر جديدة، يمكن أن تقلع من على متن حاملات الطائرات، ألا وهي الطائرة "KJ-600". يضاف إلى هذا أن هذه الحاملة سوف تكون منصة التشغيل الأولى لمقاتلات الجيل الخامس الشبحية الصينية "J-35"، التي خضعت في آب/أغسطس الماضي لتجارب إقلاع وهبوط مكثّفة، وتعتبر مناظرة لمقاتلات الجيل الخامس العاملة على متن القطع البحرية "F-35C".
على مستوى التسليح الإضافي، لم تعرف حتى الآن ماهية التسليح المضاد للطائرات والمضاد للقطع البحرية الذي ستتزوّد به هذه الحاملة، لكن المعروف أنه سيتم تزويدها بثلاث محطات قتالية للاشتباك القريب "TYPE-1130"، من عيار 30 ملم، مزوّدة برادار"AESA"، يوفّر لها القدرة على اعتراض الصواريخ الأسرع من الصوت المضادة للسفن، بمعدل نجاح لا يقل عن 96%.
من منظور عام، يمكن النظر إلى مشروع هذه الحاملة، في إطار مشروع أكبر تستهدف من خلاله بكين، أن تكون لديها بحلول عام 2030، ست حاملات طائرات، إلى جانب ثماني سفن إنزال برمائي "TYPE-075".
لكن من منظور أوسع، يمكن اعتبار هذا المشروع بمثابة خطوة إضافية من جانب بكين، نحو تعزيز قوتها البحرية، خاصة في ما يتعلق بأنواع القطع البحرية التي تتفوّق فيها البحرية الأميركية، لذا كانت الحاملة الجديدة أكبر بكثير في إزاحتها من إزاحة حاملة الطائرات الفرنسية "Charles de Gaulle" البالغة 52 ألف طن، وحاملة الطائرات البريطانية "Queen Elizabeth" البالغة 65 ألف طن، وتعتبر عملياً مناظرة لحاملة الطائرات الأميركية "Gerald R. Ford"، على الرغم من أن هذه الأخيرة تفوقها في الإزاحة الكلية بنحو عشرة آلاف طن، إلى جانب أنها عاملة بالطاقة النووية.
نوايا صينية واضحة لدخول حقبة "البحرية النووية"
حقيقة الأمر أن امتلاك سفن عاملة بالطاقة النووية، يبقى من الأهداف الأساسية للبحرية الصينية، ففي عام 2017، شرعت الحكومة الصينية في برنامج لتصميم وتطوير مفاعلين نوويين مخصصين للعمال على متن القطع البحرية، بحيث يتم استخدام هذه التصاميم ضمن التصميم الأساسي لحاملة طائرات رابعة، تمت تسميتها "TYPE-004"، وهي فئة تعتزم بكين تطويرها في المدى المنظور، بحيث تكون عاملة بالطاقة النووية، بشكل يسمح بتشغيل أنظمة الأسلحة المتقدمة التي تستهدف البحرية الصينية تزويدها بها، مثل المدافع الكهرومغناطيسية وأجهزة الليزر الدفاعية.
على المستوى الإقليمي المحيط بالصين، أعربت كل من الولايات المتحدة الأميركية وتايوان، عن قلقهما من حجم تطور حاملة الطائرات الصينية الثالثة، فتايوان من جهتها، عبّرت عن ذلك بوضوح خلال تقرير الدفاع الوطني الأخير الذي أصدرته وزارة دفاع تايوان منذ أسابيع، حيث اعتبر التقرير أن هذه الحاملة ستعزّز قدرة الصين على إغلاق مضيق تايوان، مما قد يؤخّر أو يمنع الجيش الأميركي من دخول مسرح العمليات، للمساعدة في الدفاع عن تايوان في حالة وقوع هجوم صيني.
أما على الجانب الأميركي، وعلى الرغم من وجود قناعة لدى واشنطن، بأنّ التفوّق العددي للبحرية الصينية مقابل البحرية الأميركية، لا يعني بالضرورة أن بكين تمتلك تفوّقاً تكنولوجيا أو عملياتياً فيما يتعلق بالتسليح البحري، إلا أن قلق واشنطن يتزايد من الوتيرة المتسارعة التي تقوم البحرية الصينية فيها بتصميم وإنتاج وتشغيل القطع البحرية الجديدة.
ليس هذا فحسب، فعملية استنساخ التكنولوجيا الأميركية من جانب الصين، بدأت تدخل في مراحل متقدّمة، مثل ما يتعلق بنظام المنجنيق الكهرومغناطيسي المتقدّم "CATOBAR".
من الناحية الاستراتيجية، تتخوّف واشنطن من أنّ خطة بكين لتطوير حاملات طائرات متقدّمة، قد تطرح بقوة إمكانية امتلاك البحرية الصينية، القدرة على توسيع نطاق تحرّكها العملياتي خارج منطقة المحيط الهادئ، خاصة في ظل حرص بكين على وجود مرتكزات برية وبحرية لها في القرن الأفريقي ومناطق أخرى، وبالإشارة إلى أن البحرية الصينية، باتت على المستوى العددي، تتفوّق بفارق كبير على البحرية الأميركية، حيث تمتلك أكثر من 360 قطعة بحرية رئيسية، ويتوقّع أن يصل هذا العدد إلى 400 قطعة بحرية، بحلول عام 2025.
هذه التوجّهات الصينية، تثير بطبيعة الحال قلق كل من الولايات المتحدة الأميركية وتايوان، فالأولى تنظر إلى التفوّق العددي لقطع البحرية الصينية، وكذا الوتيرة السريعة التي تضيف بها الصين سفناً جديدة إلى ترسانتها، والتي تراعي في الوقت نفسه وجود تطوّر تكنولوجي نوعي في هذه السفن ـــــ كما سبق ذكره في ما يتعلق بحاملة الطائرات الجديدة ـــــ تعتبر جميعها مؤشرات على قرب بكين من الوصول إلى معادلة التفوّق البحري التكنولوجي الأميركي الحالي.
ولا سيما أن البحرية الصينية باتت تتبع الخطوات الأميركية في مجال التسليح البحري بشكل حثيث، لدرجة أنها عندما وجدت أن البحرية الأميركية قد قامت بتدريبات على التشغيل المتكامل البيني لحاملتي طائرات في الوقت نفسه بالمحيط الهادئ، قامت البحرية الصينية بإرسال حاملتي الطائرات اللتين تمتلكهما، إلى بحر الصين الجنوبي، من أجل تطبيق التدريبات نفسها.
أما تايوان، فقد أشار أحدث تقييم عسكري قامت به في أيلول/سبتمبر 2023، بشأن حاملة الطائرات الصينية الجديدة، إلى أنها سوف تعزّز قدرة بكين على إغلاق مضيق تايوان في أي وقت، ربما قد يؤخّر أو يمنع الجيش الأميركي من دخول المنطقة للمساعدة في الدفاع عن تايوان في حالة وقوع هجوم صيني.
لكن في الوقت نفسه، ترى بعض الأصوات في تايبيه أنه ما زال أمام بكين وقت طويل كي تطبّق وتجرّب وتستوعب التكنولوجيا الجديدة المطبّقة على متن حاملة الطائرات الجديدة، علماً أن البحرية الأميركية نفسها واجهت مشاكل عديدة حين بدأت في تطبيق تقنية "CATOBAR" لإقلاع الطائرات من على متن الحاملات، وبالتالي سيكون عامل الوقت والتجربة هو الحاسم في تحديد ما إذا كانت الحاملة الصينية الجديدة تمثّل نجاحاً باهراً للصناعات العسكرية الصينية، أم أن "التعجّل" في تطوير هذا النوع من القطع البحرية المعقّدة، سيلقي بظلاله على جاهزية الحاملة الجديدة وإمكانياتها الفعلية.