المنطق السياسي في الاستثمارات الإماراتية خارجياً
كيف يمكن الحديث عن مشروع إماراتي مستقل خارج الحدود، من غرب أفريقيا إلى شرق آسيا، راحت الإمارات تناطح به الصين برأسمالها المالي مؤخراً، إذا كانت ضمانة أمنها، محلياً وخليجياً، أميركية وبريطانية؟
عقد بين 7 و9 من الشهر الجاري مؤتمر "إدارة الاستثمار البديل" AIM في أبو ظبي، العاصمة الإماراتية، وهي المرة الـ13 التي ينعقد فيها هذا الملتقى منذ تأسيسه عام 2015 كرابطة للصناديق الاستثمارية والسيادية والخاصة والافتراضية وغيرها.
وما عدا ضيوف الشرف من مسؤولين حكوميين وشخصيات أكاديمية أو عامة، فإن عضوية الملتقى تقتصر على كل ذي شأن في عالم الاستثمار المالي إقليمياً ودولياً، أي أنه ملتقى لرأس المال المالي Financial Capital، ومقره الرئيس الإمارات، إذ انعقد دورياً من قبلُ في دبي وأبو ظبي، إلى جانب ملتقيات أخرى في أوروبا. ومن المقرر أن ينعقد العام المقبل في لندن، بحسب موقع المؤتمر في الإنترنت.
هو ملتقى دوريٌ مشروعه العولمة والاستثمار الحر إقليمياً ودولياً إذاً، ويركز منذ نشأته على فرص الاستثمار البديلة، وخصوصاً في القطاعات غير التقليدية، مثل الذكاء الاصطناعي مثلاً والتكنولوجيا المالية والطاقة الخضراء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والسياحة وإدارة الشحن البحري وتأمينه وغيرها.
تنخرط الصين وروسيا، ودول بريكس عموماً، بقوة في فعاليات المؤتمر. ينعكس ذلك في اهتمام الإعلام الروسي بها، فالملتقى بالنسبة إلى الصين وروسيا هو "نافذة" متصلة عضوياً بالعصب المركزي للغرب، أي رأس المال المالي الدولي، يمكن النفاذ منها إلى الاقتصاد العالمي واتجاهاته الصاعدة، في ظروف الصراع المحتدم بين مشروعي "بريكس" التعددي والأحادية القطبية الغربية، الأميركية تحديداً، وهذا ليس موضوعنا هنا.
وحيثما يوجد رأس المال المالي الدولي، توجد الحركة الصهيونية العالمية، لكن الحضور "الإسرائيلي" أقل بروزاً هذه المرة من المرات السابقة، ونبقى بانتظار ما يرشح عن ذلك في التقارير الإعلامية في الكيان الصهيوني، لكنّ ذلك ليس موضوعنا هنا أيضاً.
العبرة أن مثل هذه الملتقيات، بما تحشده من ثقل رأسمالي وازن، تمثل إعلاناً سياسياً لتسويق نجاعة نهج "الدول المعتدلة" في مواجهة خط محور المقاومة المتهم، عبر حملة منهجية واسعة النطاق، بأنه يستحضر الفقر والجوع والدمار الاقتصادي حيثما وجد، وبأنه لا يملك مشروعاً تنموياً، وبأن "بديل نهج المقاومة" هو نهج "الاقتصاد أولاً" والرفاهية والنظر إلى المستقبل باتجاه تكنولوجيا الفضاء والنانو... والنظر باتجاه الاقتصاد الدولي "الرحب" ومكاننا فيه، بدلاً من البقاء أسرى النظر "إلى الخلف"، باتجاه "الصغائر"، مثل "الأراضي المحتلة" و"الحقوق التاريخية" و"المقدسات"، وبدلاً من التأثر بـ"الشعارات الفارغة"، مثل "القرار المستقل" و"السيادة" وإلى ما هناك من مفردات الخطاب الوحدوي والتحرري والمقاوِم عموماً، بحسب ذلك المنطق "المعتدل".
تفكيك "معجزة" الاقتصادات الريعية في الدول الصغيرة: الإمارات نموذجاً
تعد مشكلة توافر المدخرات الكافية لإطلاق مشروع استثماري كبير في البلدان منخفضة الدخل إحدى أهم المشكلات التي تتناولها أدبيات التنمية الاقتصادية، إذ إنَّ السائد في تلك البلدان هو انتشار الفقر وانخفاض المداخيل الشخصية والإيرادات الحكومية، الأمر الذي يجبر العائلات والحكومات على توجيه ما تجنيه وما تستدينه نحو إكفاء الحاجات الأساسية للحياة، بما لا يترك فائضاً، أي ادخاراً كافياً، يمكن توجيهه نحو الاستثمار، والذي يعني بالتعريف: "تراكم رأس المال".
يؤدي ضعف تراكم رأس المال بدوره إلى إضعاف وتيرة نمو الطاقة الإنتاجية للبلاد، وبالتالي معدل النمو الاقتصادي، وبالتالي بقاء متوسط الدخل الفردي منخفضاً نسبياً، وبالتالي بقاء معدلي الادخار والاستثمار منخفضين، وبالتالي بقاء معدل نمو متوسط الدخل الفردي منخفضاً، الأمر الذي يعيد إنتاج ما يسمى "حلقة الفقر المفرغة".
هذا يعني، بتعبير أجدادنا، أنَّ الفقر يولد فقراً، والعكس صحيح، سوى أننا نستطيع اليوم إثبات ما كانوا يقولونه رياضياً بمعادلات علم الاقتصاد الكلي Macroeconomics، الأمر الذي يطرح تلقائياً السؤال الذهبي الكبير: كيف يمكن مراكمة مدخرات كافية لإطلاق مشروع استثماري كبير في البلدان منخفضة الدخل؟
انقسمت الآراء في الإجابة عن هذا السؤال، فهناك، في أقصى اليمين، المدرسة النيوكلاسيكية التي تتبناها المؤسسات الاقتصادية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي IMF، والتي ترى أن مفتاحَ النمو الاقتصادي هو الانفتاحُ غيرُ المقيد على الشركات متعدية الحدود، وتسليمُ الاقتصادات الوطنية لها كما يُسلم الميت إلى من يغسله، وتغيير القوانين والتشريعات بما يتيح استقطاب رأس المال الأجنبي، وهو الخطاب الأيديولوجي لرأس المال المالي الدولي طبعاً.
وهناك، على الطرف النقيض، المدرسة التي ترى أن التنمية الاقتصادية تتطلب تحرير الموارد الوطنية من الهيمنة الأجنبية، والخروج من شبكة العلاقات غير المتكافئة اقتصادياً مع الاستعمارين القديم والجديد، وتوجيه الموارد عمداً نحو مشروع تنموي، والعمل دولياً على بناء نظام اقتصادي عالمي بديل أكثر عدالةً، وهو الخطاب المتهم بأنه "أيديولوجي" و"شعاراتي" و"عاطفي" من طرف المدرسة النيوكلاسيكية التي تزعم أنها "غير أيديولوجية".
سنترك هذا الحوار بين المدرستين النقيضتين إلى مناسبة أخرى، فما يهمنا هنا هو أن التقسيم الاستعماري للوطن العربي تحديداً قضى بإنشاء دويلات من العدم، قام بعضها فوق ثروات طبيعية هائلة، مثل النفط والغاز، في مناطق كثافتها السكانية منخفضة وعدد سكانها قليل نسبياً، الأمر الذي عنى تلقائياً ارتفاع متوسط الدخل الفردي، وبالتالي ارتفاع معدل الادخار (المسمى في علم الاقتصاد الكلي "الميل الحدي للادخار")، وبالتالي تراكم مدخرات هائلة ذات طابع ريعي على مدى سنوات، أي نتجت من وجود ثروات طبيعية أو موقع استراتيجي، لا من نشاط إنتاجي، كما في حالة الصين الشعبية، أو من نشاط علمي أو إبداعي، كما في حالة المجمع العسكري الصناعي الروسي أو حتى صناعة السينما في هوليوود.
يبلغ عدد حاملي الجنسية الإماراتية مليوناً ونيفاً فحسب من أصل نحو 10 ملايين يقطنون الإمارات العربية المتحدة، بحسب إحصاءات عام 2023.
وكانت الإمارات ثامن أكبر منتج للنفط عالمياً عام 2023، عند 3.4 مليون برميل من النفط يومياً، وهناك مراجع تصنفها سابع أكبر منتج للنفط عالمياً، وما زالت صادرات النفط تمثل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، من دون حساب عائدات صناعة البتروكيماويات.
أما الغاز، فتمتلك الإمارات ثامن أكبر احتياطي مثبت منه عالمياً، بحسب إحصاءات عام 2024، عند أكثر من 6 تريليون متر مكعب منه، وهي تستهلك معظم ما تنتجه منه، وتصدر القليل منه خاماً، وتستورده مسالاً من قطر.
ويساهم توافر النفط والغاز في خفض تكلفة حوامل الطاقة، الأمر الذي يجعل كلفة الكهرباء مثلاً أقل بكثير من المعدل العالمي، وبالتالي يجعل كلفة المعيشة والإنتاج أقل، إذا أخذنا هذا المقياس وحده.
الأهم أن متوسط الدخل الفردي الإماراتي الذي يقدر بنحو 54 ألف دولار سنوياً عام 2024، ونحو 97 ألف دولار بحسب مقياس معادل القوة الشرائية PPP، يتيح مراكمة فوائض ادخارية كبيرة تناسب نموها طرداً مع أسعار النفط والغاز عالمياً.
وليلاحظ القارئ الكريم أن مراكمة فوائض ريعية نتجت مباشرةً هنا من ارتفاع معدل الادخار الوطني نتيجة ارتفاع متوسط الدخل الفردي، وأن اتباع سياسة تطبيعية أو تابعة للغرب أو اتباع وصفات صندوق النقد الدولي الانتحارية لم ينتِج "معجزات اقتصادية" على الإطلاق في الأردن ومصر والمغرب، حيث الثروات الطبيعية أقل بالنسبة إلى عدد السكان، وحيث تعداد المواطنين ضمن حدود الدولة أكثر بالملايين أو عشرات الملايين، في حين تحفل البلدان والجزر الصغيرة، مثل موناكو وليشتشتاين ولوكسمبورغ وبرمودا وجزر كايمان وسنغافورة، في صفوف المراتب الأعلى دخلاً نتيجة موقعها وتحولها إلى ملاجئ ضريبية للشركات المسجلة في الخارج Offshores، وإلى مرافئ للخدمات المالية والمصرفية.
تتطلب النقطة الأخيرة بالذات تحول البلاد إلى محور لتدوير رأس المال المالي الدولي، وهذا يعني بداهةً اندماجها في منظومته وعدم وجود عقوبات عليها.
وليلاحظ القارئ الكريم أننا لم نتطرق بعد إلى مصفوفات العقوبات والحصارات المفروضة على البلدان ذات التوجهات المستقلة غير المرضي عنها غربياً، بل الحروب الاقتصادية وغير الاقتصادية التي تشن عليها، ومشاريع تفكيكها وإفقارها ووضع اليد على مقدراتها، ومنها مؤخراً "تجميد" 300 مليار دولار من الأصول الخارجية الروسية، والسعي لتفكيك الصين، وتدمير النهر الصناعي العظيم في ليبيا، وتدمير 10 آلاف مشروع اقتصادي في العراق في 45 يوماً بالقصف عام 1991، وحصار سوريا واحتلال شرقيها، والحرب الاقتصادية على إيران... ولعل الأمثلة هنا لا تعد ولا تحصى.
توظيف فوائض الريع النفطي والغازي سياسياً ليس دليلاً على نجاح مقولة "الاقتصاد أولاً"
من المعروف طبعاً أن الإمارات تحاول تنويع اقتصادها باتجاه السياحة والتجارة والشحن والخدمات، ولا سيما المالية والمصرفية، وغيرها من القطاعات، لكنّ ما أتاح الاستثمار في مثل ذلك التنويع هو وفرة الفائض النفطي والغازي بالنسبة إلى عدد المواطنين بالأساس، إضافةً إلى موقعها الجغرافي في الخليج العربي الذي يمثل بدوره ثروة طبيعية يعد عائده ريعاً بالتعريف.
أدى ذلك، فيما أدى إليه، إلى تحول مجموعة الصناديق السيادية الإماراتية، مثل شركة أبو ظبي التنموية القابضة وسلطة استثمار أبو ظبي وشركة Dubai World وسلطة الاستثمار الإماراتية وشركة دبي للاستثمار ومبادلة وغيرها، إلى ثالث أكبر مجموعة من الصناديق السيادية في العالم مع بداية عام 2024.
بلغت ثروة الصناديق السيادية الإماراتية مجتمعة 2.04 تريليون دولار من الأسهم والسندات والأملاك والأدوات المالية، وهي تأتي في التصنيف بعد مجموعتي الصناديق السيادية الصينية عند نحو 2.75 تريليون دولار، ثم السنغافورية عند 2.07 تريليون.
تلي الإمارات الصناديق السيادية للنرويج (1.555 تريليون دولار)، والسعودية (1.345 ترليون)، والكويت (804 مليارات دولار)، وهونغ كونغ (576 ملياراً)، وقطر (450 ملياراً)، وأستراليا (357 ملياراً)، والولايات المتحدة (322 ملياراً)، وكوريا الجنوبية (181 ملياراً)، وروسيا (174 ملياراً)، إذا أخذنا المراتب الـ12 الأولى للصناديق السيادية عالمياً.
الصندوق السيادي تملكه الدول طبعاً، أي أنه ملكية عامة، مقابل رأس المال الخاص، ويديره بالتالي من يحكم تلك الدول. أما توظيفه سياسياً، فرهنٌ بوجود مشروع، أصيل أو دخيل، معني بتحويل تلك الفوائض المالية إلى رأس مال سياسي، وهي لعبة عالية المخاطر بالنسبة إلى الدول الصغيرة.
لذلك، لا نجد سنغافورة الصغيرة مثلاً تناطح عمالقة مثل إندونيسيا وماليزيا وفيتنام في محيطها الإقليمي، ولا النرويج تناطح بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا، ناهيك بمناطحة كل تلك القوى في آنٍ واحد.
يعني ذلك أن توظيف رأس المال المالي بصورةٍ هجوميةٍ، على غرار مبادرة الحزام والطريق الصينية مثلاً، يتطلب القدرة على حماية انتشاره خارج الحدود استثمارياً وسياسياً. يتطلب ذلك بدوره قاعدة سكانية عريضة، وتماسكاً داخلياً في الدولة، والأهم، قدرات عسكرية وافرة يمكن نشرها بعيداً ومطولاً عند الضرورة، وهذا على افتراض أننا نتحدث عن مشروع سياسي مستقل غير محميٍ من طرف قوة هيمنة دولية.
لا تكفي إذاً القدرة على تثمير رأس المال المالي سياسياً بحد ذاتها كشرط للنجاح، فالمال لا يشتري الأمن القومي، على عكس ما يظن البعض. وهنا تبرز نقاط ضعف استراتيجية في بنية الدول الصغيرة الغنية، وخصوصاً تلك القابعة على خطوط التصدع الجيوسياسية إقليمياً ودولياً؛ الإمارات نموذجاً:
أ – قلة عدد السكان، وهم نحو مليون ونيف فحسب في حالة الإمارات، الأمر الذي يحد من القدرة على تعبئة قوات كافية قادرة على الدفاع عن الحدود الوطنية، ناهيك بالهجوم والتمدد.
ب – كثرة عدد غير المواطنين بالنسبة إلى المواطنين، وهم أكثر من 88% في حالة الإمارات، الأمر الذي يهدد هوية الدولة ومجتمعها من الداخل، وخصوصاً إذا جرى فرض مقاييس العولمة التي تروجها الإمارات، والتي لا تعترف بالقوميات والدول المركزية، بل لا تعترف بمشروعية الملكية العامة لرأس المال أصلاً.
جـ - هزال القدرات العسكرية الإماراتية مقابل إيران أو السعودية أو اليمن مثلاً، على الرغم من وجود آلاف الجنود الأميركيين والبريطانيين في الإمارات.
المنطق السياسي في استثمارات الإمارات الخارجية
كيف يمكن الحديث عن مشروع إماراتي مستقل خارج الحدود إذاً، من غرب أفريقيا إلى شرق آسيا، راحت الإمارات تناطح به الصين برأسمالها المالي مؤخراً، إذا كانت ضمانة أمنها، محلياً وخليجياً، أميركية وبريطانية؟
إن الضمانة الحقيقية لتحويل رأس المال الإماراتي إلى رأس مال سياسي هي انخراطه في مشروع منسجم مع المحيط العربي والإسلامي، لا في مشروع مجير ضده في المحصلة وموظف في الصراع الدولي عملياً، إذ لا تقوى الإمارات على خوض الصراع في كلتا الحالتين.
بلغت الاستثمارات الإماراتية في الخارج مع بداية عام 2024 من طرف القطاعين العام والخاص 2.5 تريليون دولار، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية في 19/3/2024، فما هي حماية الاستثمارات الإماراتية في الخارج عندما يجري التعدي غربياً بجرة قلم على أصول قوى مثل روسيا وإيران؟ "القانون الدولي"؟!
تركزت الاستثمارات الإماراتية حتى الماضي القريب في الغرب عموماً، مع لفتة باتجاه مصر مؤخراً (مشروع رأس الحكمة بقيمة 65 مليار دولار)، لكنّ الاتجاهات الجديدة للاستثمارات الإماراتية تسير باتجاهين كبيرين:
أ – منطقة آسيا-المحيط الهادئ.
ب – القارة الأفريقية.
في كلتا الحالتين، نرى أن التوجهات الإماراتية تنحو في مسارات تطوق الصين سياسياً واستثمارياً، فلمصلحة من؟
استهلت الإمارات دخولها على خط منطقة آسيا-المحيط الهادئ، والتي قرر البنتاغون تسميتها "الهادئ-الهندي" عام 2018، باتفاقية شراكة استراتيجية مع الصين. نعم، لكنّ ذلك جاء على خلفية تطوير العلاقات بصورةٍ أكبر مع الهند، وفي سياق مرتبط بالغرب، ومن ذلك على سبيل المثال تأسيس مجموعة I2U2 عام 2021، والتي تضم الولايات المتحدة والهند والإمارات والكيان الصهيوني، وإطلاق مبادرة الشراكة الثلاثية عام 2022 بين فرنسا والهند والإمارات.
أضف إلى ذلك توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع اليابان عام 2022 مثلت تتويجاً لعلاقات وطيدة بين البلدين، واتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الهند، وأخرى مع إندونيسيا عام 2022، ناهيك بالعلاقات الاستراتيجية التي تتضمن مكوناً نووياً مع كوريا الجنوبية منذ عام 2009، والتي توجت باتفاقية تجارة حرة عام 2023.
أما في أفريقيا، فإن الإمارات دخلت، تحت شعار "الاقتصاد أولاً" البريء، في منافسة حامية الوطيس مع الصين، وخصوصاً في مجال الشحن واللوجستيات والخدمات البحرية، واضعة شبكة المرافئ البحرية الأفريقية على المحيطين الهندي والأطلسي، والعربية على البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، نصب عينيها. ولا يمكن فهم الاستراتيجية الإماراتية البحرية في اليمن خارج ذلك السياق.
وتمثل الإمارات اليوم رابع أكبر مستثمر في القارة الأفريقية بعد الصين وأوروبا والولايات المتحدة أساساً عبر ذراعيها الاستثماريتين: مجموعة DP World، ومجموعة "موانئ أبو ظبي"، لتشغيل الموانئ أو بنائها، بالترافق مع إقامة روابط عسكرية وتأسيس قواعد أحياناً في البلدان التي يجري الاستثمار فيها.
ويزداد الحضور الإماراتي من شمالي أفريقيا إلى جنوبيها في دول تتعمق فيها المصالح الروسية والصينية اقتصادياً وأمنياً، مثل الجزائر ومصر والسودان وجيبوتي وجنوب أفريقيا وأنغولا وجمهورية الكونغو الديموقراطية وجمهورية الكونغو-برزافيل، إذ تتنافس الإمارات مع الصين بصمتٍ استثمارياً وسياسياً.
وتقول الإمارات إنها سبقت الصين وروسيا في دولٍ مثل أرض البنط (بونت لاند الصومالية)، ورواندا والموزامبيق وغينيا والسنغال، وإنها موجودة في دولة "أرض الصومال"، حيث يغيب كلاهما، بحسب تقرير في موقع "المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية" في 13/6/2023، بعنوان "ميناء واحد، عقدة واحدة: الطريق الجيوستراتيجي الإماراتي إلى أفريقيا".
لا اقتصاد من دون مشروع سياسي في المحصلة، وليست السياسة سوى اقتصاد مكثف تحكمه ضوابط الجغرافيا السياسية وقوانين الاقتصاد السياسي، ولا تخرج الاستثمارات الإماراتية عن تلك المعادلة، وهي ليست معادلة "محايدة" ولا "اقتصادية صرفة"، كما يبدو للوهلة الأولى، بل تمثل مشروعاً جيواقتصادياً إن لم يكن موظفاً في خدمة الغرب الجماعي فإنه سيكون مهدداً من طرفه، وإن كان موظفاً من طرفه، فإنه يكون قد دخل حلبة الصراع الدولي عبر أضعف حلقاته. يقول مثلٌ أفريقي: عندما تتقاتل الفيلة، فإن قامات الأعشاب الصغيرة هي التي تتقصف. ولا اقتصاد من دون أمن قومي أيضاً.