هل يقتصر الرد الإسرائيلي على 3 مسيرات صغيرة في أصفهان؟
نخطئ إن ظننا أن ملف الضربة الكبيرة على إيران أُغلق، بل تأجل فقط، ريثما يجري تجميد موضوع غزة، وقد فرض على حكومة نتنياهو أن تقبل ذلك على مضضٍ، وبعد توسل شديد، بكل ما للكلمة من معنى، كما نقلت وسائل الإعلام الأميركية.
ما إن كسرت إيران قواعد الاشتباك غير المعلنة بأكبرَ وابلٍ من الصواريخ والمسيرات يتلقاها الكيان الصهيوني دفعةً واحدةً في تاريخه، حتى انطلقت رشقةٌ موازية من التقارير الإعلامية الغربية والعبرية في اتجاه سؤالين ناريين كبيرين ملآ الفضاء الإقليمي ذاته الذي كان، قبل هنيهةٍ منهما، ممتلئاً بمئات الطائرات والصواريخ الإيرانية والاعتراضية:
أ – هل سيرد الكيان الصهيوني على الضربة الإيرانية، أم لا؟
ب - إذا كان سيرد، فهل سيكون ذلك بالمثل، أي في الأراضي الإيرانية ذاتها، أم في أماكن أخرى؟ وهل سيعجل الكيان الصهيوني في الرد؟ أم سيؤجله عملاً بمبدأ "الصبر الاستراتيجي"، كما دعا رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق، إيهود باراك، عبر قناة CNN، في 15/4/2024، وكما دعا إيهود أولمرت، بحسب "فايننشال تايمز" اللندنية، في 17/4/2024؟
ويمكن تلخيص السؤالين أعلاه في سؤالٍ واحدٍ يلخص مغزاهما فعلياً: هل ستنشب حربٌ إقليميةٌ، أم لا؟ وكان ذلك السؤال هاجس إدارة بايدن أكثر من أي جهةٍ أخرى.
نلاحظ، في المقابل، أن تقارير وسائل الإعلام الغربية ذاتها، بعد المحاولة الهزيلة والفاشلة لـ 3 مسيرات "إسرائيلية" استهداف قاعدة جوية إيرانية في أصفهان، جاءت قصيرة وشحيحة، على الأقل مقارنةً بالتهويل المطول الذي أطلقته قبيل تلك العملية، كأن الهدف إغلاق الملف، بالتزامن مع رفض البيت الأبيض، ووزير الخارجية بلينكن في إيطاليا، التعليق على الحادثة، بالإضافة إلى تقارير بشأن توجيهات من إدارة بايدن للمسؤولين الأميركيين من أجل عدم التعليق عليها، بحسب الـ"واشنطن بوست"، في 20/4/2024. لكنّ ذلك الصمت قد يكون مراوغاً، ولا يُركَن إليه.
كانت طهران حذّرت دول المنطقة وتركيا مسبّقاً من أنها سوف تشن هجومها، حتى تتيح لها إغلاق أجوائها وتجنب الحوادث الجوية غير المقصودة، في حين تصر الولايات المتحدة على أنها لم تتلقَ تحذيراً بشأنه عبر سويسرا، راعية مصالحها في طهران، إلا بعد بدء الهجوم، بحسب وكالة "رويترز" في 15/4/2024.
على الرغم من ذلك، فإن الهجوم من داخل إيران، بصورةٍ كان مطلوباً إيرانياً أن تكون علنية، على الكيان الصهيوني مباشرةً، وبمثل هذا الزخم، هزّ أكثر من صورة ذلك الكيان الدفاعية، الذي احتاج إلى 1.3 مليار دولار، وإلى القدرات الدفاعية للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وعددٍ من الدول العربية، كي يصد الهجوم الإيراني عليه.
تقرير خطير بشأن دور الأنظمة العربية في صد الهجوم الإيراني
نشر موقع "ذا إنترسبت" الأميركي تقريراً خطيراً في 18/4/2024، بعنوان "حلف الولايات المتحدة السري، الذي دافع عن إسرائيل من هجوم إيران"، قال فيه إن العراق والأردن والسعودية شاركت في اعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية. ومما ذكره التقرير أيضاً، أن الهجوم الإيراني كشف وجود بطاريات باتريوت أميركية في العراق شاركت في صد الهجوم.
وأضاف تقرير "ذا إنترسبت" أيضاً أن قطر والإمارات والكويت والبحرين كانت كلها مستنفرة خلال الهجوم، ومرتبطة بمنظومة الدفاع الجوي والصاروخي، والتي تقودها الولايات المتحدة (وتشارك فيها "إسرائيل")، لكن تلك الجبهات بقيت هادئة.
وكشف تقريرٌ أقدم في الموقع ذاته، في 15/4/2024 تحديداً، أن المقاتلات "الإسرائيلية" أسقطت المسيرات والصواريخ الإيرانية فوق الأجواء الأردنية، من دون الإيضاح إن كانت دخلتها أم لا، وأن المقاتلات البريطانية اعترضت الصواريخ والمسيرات في الأجواء العراقية والسورية، وأن بطارية صواريخ باتريوت أميركية في أربيل، شمالي العراق، أسقطت صاروخاً باليستياً إيرانياً واحداً على الأقل، وأن مدمرات البنتاغون البحرية أسقطت وحدها أكثر من 80 طائرة مسيرة على الأقل، و6 صواريخ باليستية كانت متجهة إلى "إسرائيل" وجرى إطلاقها من إيران واليمن، وأن عملية الدفاع عن "إسرائيل" برمتها جرت إدارتها من قاعدة "العُديد" القطرية.
وكان البنتاغون نشر تقريراً في موقعه في الإنترنت، في 16/4/2024، بعنوان "إسرائيل، الولايات المتحدة، والحلفاء، يحيّدون هجمات جوية إيرانية"، لم يذكر فيه إلا التفاصيل المتعلقة بدور المدمرات الأميركية، وبأن مراجعة جرت "للعملية المشتركة الناجحة، والتي قامت بها الولايات المتحدة وإسرائيل وشركاؤهما للدفاع عن إسرائيل من هذه الهجمات غير المسبوقة من طرف إيران ووكلائها"، وذلك في اتصالٍ جرى بين وزير الحرب الأميركي، لويد أوستن، ونظيره "الإسرائيلي" يوآف غالانت.
لكن تقرير البنتاغون أورد نقطةً مهمةً غابت عن كثيرين، حين حدّد أماكن انطلاق المسيرات والصواريخ على "إسرائيل" على الشكل الآتي: "إيران، سوريا، واليمن"، وذلك في السطر الأول من الفقرة الأولى في ذلك التقرير.
وهي نقطة أكدها الرئيس بايدن في السطر الأول من الفقرة الأولى لبيان رسمي باسمه، نشر في 13/4/2024 في موقع البيت الأبيض: "في وقتٍ سابقٍ من اليوم، شنت إيران – ووكلاؤها الذين يعملون انطلاقاً من اليمن وسوريا والعراق – هجوماً جوياً غير مسبوق ضد المنشآت العسكرية في إسرائيل".
وإذا كانت مشاركة اليمن معروفة، فإن سوريا أيضاً كانت منطلقاً مباشراً في الهجوم، بحسب ما يقوله البنتاغون والرئيس بايدن، وهو ما يفسر بعضاً مما ورد على لسان رئيس الوزراء البريطاني سوناك بشأن اعتراض طائرات بريطانية لصواريخ ومسيرات في الأجواء السورية والعراقية، مع العلم بأن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أنكر انطلاق أي مسيرات أو صواريخ في اتجاه الكيان الصهيوني من العراق، بحسب "رويترز"، في 16/4/2024.
بالعودة إلى تقرير "ذا إنترسبت"، في 18/4/2024، فإنه يسجَّل أن السعودية تنكر بشدة أي مشاركة في صد الهجوم الإيراني، مشيراً إلى أن طائرات إعادة تزود بالوقود في الجو أقلعت من القواعد الأميركية في السعودية خلال الهجوم الإيراني، في حين أقر الأردن بمشاركة سلاحه الجوي في اعتراض الهجوم الإيراني. كذلك ينكر العراق أي مشاركة مباشرة في صده، لكنّ مشاركة القوات الأميركية في العراق مؤكدة، بحسب "ذا إنترسبت".
ما كشفه الهجوم الإيراني عن الكيان الصهيوني
العبرة مما سبق أن التصدي للهجوم الإيراني تطلّب جهداً "ناتوياً" وإقليمياً، بقيادة أميركية، على الرغم من إعلانه مسبقاً، وعلى الرغم من أن أيران لم تستخدم أقوى ما لديها من أسلحة في إطلاقه. وإن ذلك يؤكد أمرين:
أ – أننا لا نواجه الكيان الصهيوني فحسب، بل منظومة هيمنة، بل احتلالاً، تقوده الولايات المتحدة الأميركية. وهذا ليس جديداً طبعاً، وإنما لا بد من إعادة التذكير بأن معركتنا مع الكيان الصهيوني هي أيضاً معركة مع الهيمنة الأميركية وأدواتها. وهي المرة الثانية التي تبرز تلك الحقيقة مؤخراً بعد أن هرعت حاملتا طائرات أميركيتان إلى شرقي المتوسط بعد مأثرة الـ7 من أكتوبر.
ب – أن الكيان الصهيوني لم يعد قادراً على الدفاع عن نفسه وحده، وأنه اضطر إلى الكذب بشأن عدد الصواريخ والمسيرات الإيرانية التي أسقطها، عبر قدراته الذاتية، زاعماً أن 99% منها جرى اعتراضها، ليُطمئن جمهوره ويحافظ على صورته الردعية، ناسباً كثيراً مما "أنجزه" شركاؤه الغربيون و"العرب"، في هذا الصعيد، إلى نفسه، برضاهم، كلٌّ لأسبابه.
أما النقطة الأولى، فتؤكد أن مشروع تحرير فلسطين لا يتحقق عبر إمكانات الفلسطينيين وحدهم، وأنه يحتاج بالضرورة إلى الاحتياطي الاستراتيجي، عربياً وإسلامياً، ومن المؤكد أننا لا نتحدث عن الأنظمة العربية هنا، وأنه يحتاج بالتالي إلى مشروع أكبر من الرؤية الوطنية الفلسطينية الضيقة، والتي تضيق أكثر إلى "حدود" الضفة الغربية وغزة، عندما تقتصر رؤيتنا الاستراتيجية على ميزان القوى بين الحركة الصهيونية العالمية من جهة، والفلسطينيين فحسب من جهةٍ أخرى.
أما النقطة الثانية، فهي أن الهجوم الإيراني كشف عورةً استراتيجية للكيان الصهيوني، من حيث عجز دفاعاته عن التصدي لهجومٍ كبيرٍ بمفرده، وأن ذلك الانكشاف وحده كان كفيلاً بدفع صناع القرار الصهاينة إلى أن يردوا على إيران رداً مباشراً ساحقاً ماحقاً ليعلّموا كل من يجرؤ على مهاجمة الكيان الصهيوني مباشرة درساً قاسياً، وهي الذهنية التي حكمت العدوان الصهيوني المتعثر على غزة بعد الـ 7 من أكتوبر، والتي حكمت العدوان على العراق أيضاً من قبلُ.
كما أن العقلية الصهيونية أصيبت بجرحٍ نرجسيٍ من جراء الهجوم الإيراني نتيجة 3 عوامل حكمت تكوينها:
أ – عقدة الفرادة الاستثنائية، المستندة إلى مقولة "شعب الله المختار"، الأمر الذي يتيح استباحة "الأغيار" بصورةٍ غير مقيدة، قانونياً أو أخلاقياً، وهو ما تجلى على الملأ في ممارسات الاحتلال الهمجية في غزة منذ الـ7 من أكتوبر.
ب – السعي الحثيث لامتلاك أوراق قوة استثنائية، عسكرياً ومالياً وتكنولوجياً وأمنياً وسياسياً، تعطي "الأغيار" انطباعاً، مفاده أن الحركة الصهيونية "كلية القدرة"، وبالتالي لا يمكن الوقوف في وجهها مهما فعلت، وأن عليهم الخضوع لمشيئتها، وهو أساس المنطق الانهزامي، عربياً وفلسطينياً.
جـ - عقدة الاضطهاد، والهاجس الأمني المستعصي والمنبثق منها، وتراث الغيتو، وإعادة إنتاجه في فلسطين المحتلة ببناء جدران طويلة وعالية، لا تحمي من الصواريخ والمسيرات، أو من الأنفاق، وهي عقدة تملي برامج صهيونية طويلة المدى لاجتثاث مصادر الخطر المتصوَّر جذرياً، وهي في الحالة المباشرة: البرنامج النووي الإيراني، حداً أدنى، ثم حرس الثورة، وخصوصاً خارج إيران، ثم "النظام الإيراني" ذاته.
وتؤكد بنود القوائم التي تقاطعت عندها وسائل الإعلام الغربية و"الإسرائيلية"، كأهداف محتملة للرد "الإسرائيلي" على الهجوم الإيراني، أخطر ما يمكن استهدافه في إيران: المنشآت النووية الإيرانية، ثم قواعد حرس الثورة في إيران، كأفضل خيارين يمثلان رداً مقبولاً صهيونياً ومتلائماً مع الهجوم الإيراني، ثم العمليات السرية والاغتيالات الموجهة والهجمات السيبرانية على البنى التحتية، وخصوصاً تلك المرتبطة بالطاقة، وعلى المنشآت النووية. وعُدَّت المجموعة الأخيرة من الخيارات "أقل مما يتطلبه الموقف"، من وجهة نظر صهيونية على الأقل، وكذلك الهجوم على قواعد الحرس الثوري خارج إيران حالياً أو حلفاء إيران في المحور، انطلاقاً من أن المطلوب الآن هو رد متلائم داخل إيران.
تجاوز النزعة الصهيونية للقيام برد كاسح وكبير وفوري على إيران
حرّك الهجوم الإيراني كل تلك الأوتار الوجودية في الصميم إذاً، بالإضافة إلى الانكشاف الاستراتيجي دفاعياً. وكان على إدارة بايدن، والغرب الجماعي من خلفها، أن يتجاوزا كل ذلك لإيقاف الرد الصهيوني المباشر والكبير والفوري على إيران في الوقت الراهن.
والواقع أن الأميركيين هم الذين أسقطوا أكبر نسبة من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، وأنهم أداروا المعركة بأنفسهم من "العُديد" القطرية. لذلك، يصبح وجود بنية دفاعية (وهجومية) مشتركة مع شركاء عائقاً أمام حكومة نتنياهو للتصرف بصورةٍ منفردة.
يؤكد تلك النقطة تامير هايمان، رئيس الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" بين عامي 2018 و2021، ورئيس معهد دراسات الأمن القومي "الإسرائيلي" INSS حالياً، في تغريدة له في 14/4/2024 في موقع X قائلاً: "تحركت إسرائيل الليلة، لأول مرة، كجزء من ائتلاف. وهذا أمر فعال ومهم، لكنه سيحد حرية التصرف في الرد".
وكان مما قاله هايمان في تغريدته أيضاً:
أ – فشلت "إسرائيل" والولايات المتحدة في ردع إيران عن الهجوم (إطاحة "الهالة المقدسة" للكيان الصهيوني).
ب – تمكنت إيران من إيذاء "إسرائيل" من دون إلزام الولايات المتحدة بالتعاون مع "إسرائيل" في الرد (انكشاف القدرة الدفاعية "الإسرائيلية" استراتيجياً إذا أخذت بمفردها).
جـ - التحالف الذي عمل الليلة هو الرد على اليوم التالي للحرب في غزة. وهذا هو ما يجب أن نسعى جاهدين للوصول إليه: تشكيل إقليمي ضد إيران وجبهة المقاومة (لا تعليق!).
د – الرد "الإسرائيلي" سيأتي في الأراضي الإيرانية، لكن الوقت في أيدينا، ويمكنك التخطيط والتفكير والتصرف بذكاء، وترك الجانب الآخر يعاني عدم اليقين. والنجاح في الدفاع (يقصد صد معظم المسيرات والصواريخ الإيرانية) يجعل ذلك ممكناً.
النقطة الأخيرة بالذات تعني أن هايمان يدعو إلى التريث، والقيام برد كبير داخل إيران عندما تنضج ظروفه. وسنعود إلى هذه النقطة بعد قليل.
وإذا كان الأميركيون أكدوا أنهم لن يشاركوا في أي هجوم "إسرائيلي" على إيران، فإنهم أكدوا أيضاً التزامهم الراسخ "الدفاعَ عن إسرائيل" في مواجهة "إيران ووكلائها"، كما فعل بايدن مثلاً في 17/4/2024. وهذا يعني أن الولايات المتحدة و"الائتلاف"، لو هاجمت "إسرائيل" إيران هجوماً كبيراً ومباشراً، سوف يدافعان عنها مجدداً في مواجهة أي رد إيراني، كما فعلا ليلة 13/14 من الشهر الجاري.
وها هي إدارة بايدن في صدد إقرار مليار دولار من قذائف الدبابات والذخيرة والآليات للكيان الصهيوني بصورة عاجلة، فوق حزمة الدعم التي ينظر فيها الكونغرس حالياً، والتي تتضمن 26.4 مليار دولار تحت العنوان "الإسرائيلي"، وبينها 9 مليارات دولار تحت عنوان "مساعدات إنسانية في المنطقة"، و2.4 مليار دولار "دعماً للعمليات العسكرية الأميركية رداً على الهجمات الأخيرة"، لتبقى 15 ملياراً صافية للكيان الصهيوني، منها 4 مليارات لإعادة تذخير منظومتي القبة الحديدية ومقلاع داوود الجويتين، و1.2 مليار لتطوير منظومة الدفاع بالليزر.
لكن ترك الأمور في أيدي الموتورين في "تل أبيب" يهدد بتفجير حربٍ إقليمية واسعة النطاق وخارجة عن السيطرة، وهذا آخر ما تريده إدارة بايدن في هذه اللحظات الانتخابية بالذات. لذلك، برزت أصوات في الدول العربية، التي شاركت في صد الهجوم الإيراني، لتعزز موقف إدارة بايدن، ولتؤكد أنها لن تسمح بتحول بلدانها إلى "ساحة صراع" إيراني - إسرائيلي، وأنها ستصد أي مسيرات أو صواريخ تعبر أجواءها... إلخ.
المشكلة في صدقية هذا الطرح، فضلاً عن الموضوع المبدئي المتعلق بـ"حياديتها" المعلنة في الصراع مع الكيان الصهيوني، هي أن المنظومة التي تمنع وتصد ليست في أيدي تلك الدول أصلاً، بل في أيدي الأميركيين، الذين يمثلون هيئة أركانها المركزية وضباطها الميدانيين، وهي منظومة تأسست رسمياً بعد الاتفاقات "الإبراهيمية".
لذلك، فإن من راحوا يهددون بإسقاط الصواريخ والمسيرات "الإسرائيلية"، التي تعبر أجواءهم أيضاً، لا الإيرانية فحسب، يتصرفون كأن ذلك "قرار سيادي"، وكأن المراقبين لا يلاحظون أن مثل تلك التهديدات عززت ضغوط إدارة بايدن سياسياً على حكومة نتنياهو، وأنها تصب في جيب بايدن.
النقطة الأخرى هي أن أي ضربة "إسرائيلية" كبيرة ومباشرة لإيران سوف تزج بالغرب الجماعي في صراع عسكري مباشر مع محور المقاومة برمته.
وهذا، في ظل استمرار العدوان الصهيوني على غزة، يحتمل بقوة أن يحرك الشارع العربي بصورةٍ لا تفيد منظومة "الائتلاف" الأميركي - الصهيوني على الإطلاق، أي بصورةٍ مزعزعة للاستقرار، وخصوصاً للأنظمة العربية.
من هنا، نخطئ إن ظننا أن ملف الضربة الكبيرة على إيران أُغلق، بل تأجل فقط، ريثما يجري تجميد موضوع غزة، وقد فرض على حكومة نتنياهو أن تقبل ذلك على مضضٍ، وبعد توسل شديد، بكل ما للكلمة من معنى، كما نقلت وسائل الإعلام الأميركية.
فغلب فيها الصوت الداعي إلى المحافظة على وحدة "الائتلاف" الغربي والرسمي العربي، والمدافع عن "إسرائيل"، والداعي إلى عدم فتح معركتين كبيرتين في آنٍ واحد، لكن ذلك لا يعني أن الإدارة الأميركية سوف تتغاضى عن استهداف إيران مباشرة للكيان الصهيوني، والمعركة مفتوحة من قبلُ أصلاً، ولطالما اتخذت أشكالاً متعددة، ليست العقوبات إلا إحدى صورها.
وجّه الكيان الصهيوني رسالة عبر المسيرات الصغيرة، والتي يبلغ طول الواحدة منها عشرات السنتيمترات، بأنه قادر على استهداف قواعد الحرس في عمق إيران... والمعنى: البقية تأتي. وستأتي بالضرورة، ويجب أن يبقى المحور مستعداً.
أما الهجمات بطائرة "كوادكوبتر" الصغيرة في إيران، فليست جديدة، ونشرت "نيويورك تايمز"، في 19/4/2024، قائمة ببعض أشهرها:
أ – الهجوم خارج طهران في حزيران/يونيو 2021 على مصنع لأجهزة الطرد المركزي، التي تُستخدم في تخصيب اليورانيوم.
ب - الهجوم في كرمنشاه على مصنع ومخزن للمسيرات العسكرية في شباط/فبراير 2022، من طرف 6 مسيرات "كوادكوبتر" صهيونية.
جـ - الهجوم على منشأة باراشين للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة خارج طهران في أيار/مايو 2022، حين دخلت مسيرات "كوادكوبتر" في أحد مباني المنشأة وانفجرت فيه.
د – محاولة المسيرات الصهيونية استهداف مصنع ذخيرة في أصفهان في كانون الثاني/يناير 2023.