هل تنجح المبادرة الأميركية السعودية في وقف الاقتتال في السودان؟

وضعت المبادرة السعودية الأميركية تصوراً متدرجاً من مراحل عدة لإنهاء الأزمة في السودان، يبدأ بالضغط على طرفي الصراع من أجل تمديد الهدنة وفتح الممرات الإنسانية.

  • هل تنجح المبادرة الأميركية السعودية في وقف الاقتتال في السودان؟
    هل تنجح المبادرة الأميركية السعودية في وقف الاقتتال في السودان؟

أفضت الاتصالات الأميركية السعودية بطرفي الصراع في السودان، بعد 3 أسابيع من الاشتباكات المتواصلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى بلورة مبادرة مشتركة بين الرياض وواشنطن قَبِل بها طرفا الصراع بعدما وصلت الأوضاع السودانية إلى حالة كارثية، ولم يستطع أي طرف حسم الصراع لمصلحته. 

وقد أفضت اتصالات الرياض وواشنطن سابقاً بطرفي الصراع إلى اجتراح 6 تعهدات بهدنة إنسانية هشة لوقف القتال مؤقتاً بينهما، لم يكد أي منها يصمد أكثر من بضع ساعات حتى يعود الطرفان إلى الاشتباك من جديد، متهماً كل منهما الآخر بخرق الهدنة.

الاختراق الجديد الَّذي أحدثته الوساطة الأميركية السعودية تمثّل في موافقة طرفي الصراع على إرسال ممثلين عنهما لبدء مفاوضات غير مباشرة بينهما في مدينة جدة. 

وقد تضمنت المبادرة الأميركية السعودية، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية السعودية في 5 أيار/مايو الجاري، استضافة طرفي الصراع بهدف "خفض مستوى التوتر" وتهيئة الأرضية اللازمة للحوار.

وضعت المبادرة السعودية الأميركية تصوراً متدرجاً من 3 مراحل يبدأ بالضغط على طرفي الصراع من أجل تمديد الهدنة بينهما لفتح الممرات الإنسانية وتسهيل حركة المواطنين والمقيمين للوصول إلى مناطق آمنة، على أن تكون المرحلة الثانية هي تطوير الهدنة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، تعقبها مرحلة ثالثة للجلوس إلى طاولة التفاوض المباشر. 

كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد لوّح بفرض عقوبات على طرفي الصراع قائلاً: "المأساة... يجب أن تنتهي"، ملوحاً بفرض عقوبات على "الأفراد الذين يهددون السلام"، لكن من دون أن يسمّي أحداً. ويبدو أن تلويح واشنطن بفرض العقوبات كان أحد المحددات التي أفضت بطرفي الصراع إلى الذهاب إلى جدة، من دون وقف القتال الدائر بينهما.

دخول واشنطن والرياض بالتوافق على مسارات المشهد السوداني لم يكن الأول، فقد سبق أن قُدمت مبادرة وساطة أطلقتها مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية مولي في والسفير السعودي في الخرطوم علي حسن جعفر عقب انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، من أجل إقناع قادة قوى "الحرية والتغيير" وقادة المجلس العسكري بإجراء محادثات مباشرة بينهما. ولم يفضِ اللقاء حينها إلى أي نتائج ملموسة. 

اصطدمت تلك المبادرة بثلاثة متغيرات؛ الأول تعنّت العسكر في تحريك المشهد باتجاه نقل السلطة إلى المدنيين، والثاني أن القوى السياسية السودانية الفاعلة في المشهد السوداني لم تبدِ أيّ استجابة لتلك المبادرة. أما المتغير الثالث، فهو أنّ الوفد السعودي اجتمع لمدة 3 ساعات مع البرهان فقط، وعاد إلى الرياض، ولم يقابل أي شخص آخر. 

وقد تعرضت المبادرة لانتقادات من جهات فاعلة، مثل لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين، وانتهت بإعلان الجيش انسحابه من المباحثات.

المبادرة الأميركية - السعودية في جدّة، وإن كانت أوّل محاولة جادّة لإنهاء القتال الدائر منذ أكثر من 3 أسابيع، لم تكن المبادرة الوحيدة التي قُدمت من أجل وقف القتال الدائر في السودان، فقد تقدمت عدة أطراف إقليمية ودولية في محاولة التوسط من أجل وقف الاشتباكات، مثل مصر والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، التي شكلت منفردة فريقاً من رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتي لإدارة الأزمة الحاصلة ومحاولة وقف الاشتباكات. 

أعلن الجيش السوداني أن قائده رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان أبدى موافقة مبدئية على مبادرة منظمة "إيغاد" لحل الأزمة الحالية في البلاد، موضحاً أن المبادرة تتلخَّص في "تمديد الهدنة الحالية 72 ساعة إضافية، وإيفاد ممثل واحد من القوات المسلحة والمليشيا المتمردة (قوات الدعم السريع) إلى جوبا (عاصمة جنوب السودان)، بغرض التفاوض حول تفاصيلها". ويبدو أن المبادرة الأميركية كانت أوفر حظاً، فقد تقدمت في حين تراجعت مبادرة "إيغاد"، ولكنها لم تنتهِ. 

وبينما ركزت مبادرة الرياض - واشنطن على بحث وقف الاشتباكات الدائرة، ذهبت مبادرة "إيغاد" إلى ضرورة وضع خطط لدمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني وتسلسل القيادة، وهما النقطتان الأساسيتان اللتان قادتا إلى اندلاع الاشتباكات المسلحة في 15 نيسان/أبريل الماضي بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

برزت المبادرة الأميركية السعودية بشكل أكبر من خلال اتصالات مباشرة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع كل من البرهان وحميدتي، أعقبتها اتصالات مماثلة أجراها معهما وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان أفضت إلى قبول مشروط من طرفي الصراع بالمبادرة، وهو أنهما سيبحثان هدنة إنسانية فحسب، ولن يتفاوضا على إنهاء الحرب.

بدء المحادثات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جدة لم يوقف الاشتباكات والمعارك الدائرة التي زادت وتيرتها في العاصمة الخرطوم، في غياب أي إشارات تهدئة محتملة في الأمد القريب، رغم موافقة الطرفين المتصارعين على المبادرة السعودية الأميركية وإرسال وفودهما إلى هناك، فهل تنجح المبادرة الأميركية السعودية في وقف الاقتتال الدائر في السودان؟ 

فرصة نجاح المبادرة الأميركية السعودية مرتبطة بمجموعة محددات يمكن إيجازها في التالي:

1.   تدرج المبادرة السعودية الأميركية إلى عدة مراحل مؤشر مهم، لكن يؤخذ عليها أنها لم تذهب إلى تقديم حل متكامل أو خارطة طريق لإنهاء الصراع بالبحث في أسبابه وجذور الأزمة، بل اكتفت ببحث النتائج المترتبة على الاقتتال، واكتفت بدعوة طرفي الصراع لبحث هدنة إنسانية، كما أنها لم تشترط عليهما وقف الاقتتال قبل بدء المباحثات في جدة، بدليل استمرار الاشتباكات رغم بدء المحادثات.

2.   غياب الرغبة الحقيقية لدى طرفي الصراع في وقف الاقتتال، فقد بدت دوافعهما لقبول المبادرة مرتبطة بالتهرب من تلويح واشنطن فرض عقوبات أميركية جديدة عليهما أو لمجرد كسب مزيد من الوقت لالتقاط الأنفاس نتيجة الإرهاق الذي أصاب قواتهما على الأرض بعد أكثر من 3 أسابيع من الاقتتال أو لاستمالة الشارع السوداني والظهور أمام المجتمع الدولي بمظهر الراغب في السلام. الملاحظ أن الاقتتال ما زال مستمراً حتى اللحظة، ورغم مرور عدة أيام على بدء مباحثات جدة.

3.    ترحيب القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري في السودان بالمبادرة يعزز حظوظها، لكنه ترحيب غير كافٍ، إذ إنَّ مباحثات جدة تقتصر على طرفي الصراع، ولا تشارك فيه ولم تُدعَ إليه باقي القوى السياسية السودانية الفاعلة في المشهد. 

كما أن بيان القوى المدنية السودانية، رغم ترحيبه بالمبادرة، لم يبدِ تفاؤلاً كبيراً، واكتفى بدعوة كل من القوات المسلحة والدعم السريع إلى "اتخاذ قرارات شجاعة تنتصر لصوت الحكمة لوقف القتال والمعاناة التي يعيشها الشعب السوداني". وبالتالي، لا يمكن الحديث عن إمكانية تحقق المبادرة في ظل غياب بقية المكونات السياسية السودانية واستبعادها، وإن اقتصرت المبادرة على هدنة فقط، فالصراع في السودان سياسي، وإن أخذ الطابع العسكري.

4.   هناك تعارض بين رؤية طرفي الصراع لسقف مخرجات المبادرة الأميركية السعودية. الملاحظ أن قوات الدعم السريع، ورغم ترحيب قائدها (حميدتي) بالمبادرة، فإنّه ترحيب مشروط وسقفه مرتفع، فالرجل شدد في موقفه على ضرورة الوصول إلى حكومة انتقالية مدنية تؤسس لتحول ديمقراطي، وهو ما أكّده المستشار الإعلامي لقوات الدعم السريع أحمد عابدين "بضرورة الوصول إلى مسار سياسي يقود إلى تحول مدني ديمقراطي حقيقي، ومسار عسكري يقود إلى جيش مهني موحد ومحترف بعيد عن السياسة والاقتصاد وخاضع لقيادة مدنية، وإبعاد العناصر الإسلامية من المؤسسات العسكرية والأمنية".

في المقابل، فإنّ سقف الجيش السوداني من المبادرة الأميركية السعودية متدنٍ، وهو ما أكده المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله بأنَّ "محادثات جدة ستقتصر على مسألة تمديد الهدنة لأسباب إنسانية لا علاقة لها بأي اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار أو إنهاء الأزمة في البلاد". وقد أعاد تأكيد ذلك المبعوث الخاص للجيش السوداني دفع الله الحاج قائلاً: "إنّ الجيش لن يُجري في جدة محادثات مباشرة مع أي وفد ترسله قوات الدعم السريع"، ووصفها بـ"المتمردة".

5.   دخول الخارجية السودانية على خط الصراع بشكل منحاز إلى الجيش قد يُعقد مباحثات جدة، لا سيما بعدما رهن المتحدث الرسمي باسم الخارجية السودانية عبد الرحمن خليل نجاح المبادرة الأميركية السعودية بإقناع "متمردي" الدعم السريع بالعدول عن تمردهم والانسحاب إلى مواقعهم وتسليم أسلحتهم للجيش، مستبعداً أي نقاش في موضوع سياسي مع "المتمردين" في الوقت الحالي، بل ذهبت الخارجية السوداني إلى دعوة المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية إلى تصنيف قوات "الدعم السريع" منظمة إرهابية وتطبيق إجراءات المساءلة القانونية والقضائية بحقّها.

6.   استثناء المبادرة الأميركية السعودية الأطراف الإقليمية والدولية، ولا سيما المؤثرة في المشهد السوداني، كالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة "إيغاد" وجامعة الدول العربية والقاهرة والإمارات، واكتفاؤها بدعوة طرفي الصراع إلى الهدنة من دون آليات ضغط ورقابة وضمانات تضمن التزامهما بالهدنة التي لم تتحقق حتى اللحظة، ومن دون البحث عن حل جذري للصراع تشارك فيه المكونات المدنية السودانية، وهو سيناريو تكرر في مبادرات سابقة لم تنجح أي منها في منع تدهور الأزمة السودانية حتى وصلت إلى الاقتتال الدائر.

منتصف نيسان/أبريل 2023 تندلع مواجهات عنيفة في الخرطوم وعدة مدن سودانية، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وتفشل الوساطات في التوصل لهدنة بين الطرفين.