ملامح المرحلة الجديدة من التسليح الغربي لأوكرانيا
من أبرز ملامح الوضع القتالي الحالي في أوكرانيا، ارتباطها بشكل واضح بتطورات "الحالة التسليحية" التي خضعت لها أطرافها-خاصة الطرف الأوكراني-ضمن مساعيها لتأمين ما تحتاجه من منظومات قتالية.
تدخل المعارك الدائرة حالياً في الجبهات الجنوبية والشرقية الأوكرانية، مرحلة جديدة يبدو من ملامحها أن مسار القتال "المتعرّج" يسير في اتجاه لا يشي بنهاية قريبة للعمليات العسكرية، في ظل وضع ميداني أشبه-إلى حد كبير-بحروب سابقة عبر التاريخ، فشل خلالها كلا الطرفين في الوصول إلى نقطة "التعادل" الميدانية، التي من خلالها يتم الانطلاق نحو وقف دائم لإطلاق النار، وبدء مرحلة التفاوض.
من أبرز ملامح الوضع القتالي الحالي في أوكرانيا، ارتباطها بشكل واضح بتطورات "الحالة التسليحية" التي خضعت لها أطرافها-خاصة الطرف الأوكراني-ضمن مساعيها لتأمين ما تحتاجه من منظومات قتالية، وهي حالة متشابكة نظراً لارتباط بكمّ ونوع الأسلحة الغربية المقدّمة للجانب الأوكراني، باعتبارات سياسية واقتصادية واستراتيجية، جعلت من الحتمي تقسيم عملية التسليح الغربي لكييف إلى مراحل أساسية، تبعاً لتطوّر مسار الحرب وما يطرأ من تغيّرات على الأهداف العسكرية المرحلية لكل من كييف وموسكو، وكذا تبعاً للتغيّرات التي تطرأ على الأهداف الجيوسياسية والعسكرية الغربية، التي تستهدف تحقيقها من خلال دعمها العسكري للجيش الأوكراني.
مراحل متتالية للتسليح الغربي لكييف
هذا يتضح بشكل أكبر من خلال النظر إلى الصورة الإجمالية لما تمّ تزويد كييف به خلال الفترة الماضية، وما تعتزم القوى الغربية تزويدها به خلال المدى المنظور. ففي المرحلة الأولى من القتال في أوكرانيا-وتحديداً حتى أواخر نيسان/أبريل 2022-كان جوهر الدعم التسليحي الغربي للقوات الأوكرانية، يتمحور حول الأسلحة المضادة للدبابات والطائرات، إلى جانب الذخائر المتنوّعة والألغام الأرضية، بهدف امتصاص الزخم الهجومي الروسي، حيث كانت التحركات الهجومية الروسية في هذه المرحلة تشمل الجبهات الشمالية والجنوبية والشرقية لأوكرانيا.
ساهم هذا الدعم في تلك المرحلة إلى حد كبير في امتصاص القوات الأوكرانية لصدمة الاختراقات التي حققتها القوات الروسية في الجبهة الشمالية قرب العاصمة، وبالتالي تمكّنت من الصمود الميداني ما أسفر عن إنهاء العمليات الروسية في كامل هذه الجبهة منذ ذلك التوقيت وحتى الآن.
انتقل الدعم التسليحي الغربي لأوكرانيا إلى مرحلة ثانية بداية من أيار/مايو 2022، جوهرها كان وسائط المدفعية المختلفة والصواريخ التكتيكية قصيرة المدى، فتدفّقت على كييف عدة أنواع من المدافع الثقيلة ذاتية الحركة والمقطورة، إلى جانب منظومات "هيمارس" الصاروخية التكتيكية. كانت الدواعي الميدانية هي السبب الرئيسي أيضاً في دخول الدعم التسليحي الغربي إلى هذه المرحلة، حيث ضغطت تلك الدواعي في اتجاه محاولة إدخال القوات الروسية التي تقاتل في الجبهات الجنوبية والشرقية والشمالية الشرقية في قتال استنزافي، عبر تنفيذ خطط دفاعية نشطة تعتمد من خلالها القوات الأوكرانية على الدعم المدفعي والصاروخي المعزّز بطائرات من دون طيار.
من أهم بواعث التحوّل إلى هذه المرحلة من الدعم التسليحي، تناقص مخزونات كييف من الذخائر وقذائف المدفعية، بفعل استنزاف هذه المخزونات خلال المرحلة الأولى من العمليات في الجبهة الشمالية، وكذا القتال في الجبهات المختلفة الأخرى، ناهيك عن تأثّر هذه المخزونات بأنشطة القاذفات الروسية التي استهدفت بشكل دوري مواقع تخزينها وصناعتها.
تزوّد القوات الأوكرانية بأعداد كافية ومؤثّرة من مدفعية الهاوتزر الثقيلة وراجمات الصواريخ، إلى جانب تزايد أنشطة الطائرات من دون طيار والذخائر الجوّالة الأوكرانية، منحها القدرة على استهداف نقاط التحشيد والتجميع الروسية، ومواقع تخزين الوقود والذخائر في الخطوط الخلفية، وصولاً إلى بعض المناطق الموجودة في شبه جزيرة القرم، وهو ما كانت له بشكل عام تأثيرات سلبية على عمليات القوات الروسية في عموم الجبهات القتالية، وبشكل خاص في الجبهة الجنوبية، التي اضطرت فيها القوات الروسية إلى تقليل زخمها الهجومي في اتجاه الغرب، والانسحاب كذلك في حزيران/يونيو الماضي من جزيرة الثعبان "زميني" في البحر الأسود، بعد أن تعرّضت فيها لخسائر كبيرة.
وعلى الرغم من أنّ انعكاس هذا الوضع على ميزان السيطرة الميدانية لم يكن كبيراً، إلّا أن الدعم التسليحي الغربي للجيش الأوكراني تمّ تطويره بشكل لافت في شهر تموز/يوليو، عبر كميات كبيرة من العربات المدرعة والذخائر الجوالة، بهدف تنفيذ عمليات خاطفة يمكن من خلالها عكس السيطرة الميدانية واكتساب أرض، والتحوّل من حالة الدفاع النشط إلى الحالة الهجومية بشكل جزئي، وهو ما نتج عنه تحقيق القوات الأوكرانية خلال الفترة بين شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر نجاحات مهمة في النطاق الشمالي الشرقي، خاصة محيط مدينة "خاركيف"، ما أدى إلى سلسلة من التراجعات الروسية في هذه الجبهة.
انكفاء الزخم الهجومي الأوكراني واقتراب الهجوم الروسي الكبير
لم تفلح القوات الأوكرانية في إدامة زخمها الهجومي في الجبهة الشمالية الشرقية، وتحوّلت عملياً منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إلى حالة الدفاع النشط، حيث فضّلت الرهان بشكل أكبر على القتال في الجبهة الجنوبية، حيث بدا بحلول هذا الشهر، أنها في طريق تحقيق نجاح ميداني مهم، بعد أن انسحبت القوات الروسية من الضفة الغربية لنهر الدنيبر.
لكنّ التقييم العام للنشاط الميداني الأوكراني بحلول أواخر العام الماضي، أظهر أن الجيش الأوكراني لم يستفد بشكل نوعي من التخلخلات التي أحدثتها الأنشطة المدفعية والصاروخية التي نفّذتها وحداته خلال الأشهر الماضية، لتحقيق تقدّم ميداني مؤثّر، وهو ما أضيف إليه تناقص أعداد العربات المدرّعة ومدفعية الميدان التي تلقّتها من الدول الغربية نتيجة لتزايد نشاط الذخائر الجوالة والطائرات الروسية من دون طيار.
هذا الوضع لم تتمكّن الدول الغربية من تعويضه نتيجة لتعقيدات لوجيستية وأخرى تتعلق بعدم كفاية الأعداد المتوفرة من هذه العربات المدرعة-خاصة غربية المنشأ-وهو ما كان له بالتأكيد انعكاس على الوضع الميداني، خاصة في الجبهة الشرقية. هذا التقييم كان دافعاً أساسياً من دوافع ما يبدو أنه "مرحلة ثالثة" من التسليح الغربي الموجّه للجيش الأوكراني، جوهرها هو "الدبابات وعربات القتال المدرّعة" إلى جانب وسائط الدفاع الجوي بعيدة المدى.
الوضع الميداني الحالي للقوات الأوكرانية، خاصة في الجبهة الشرقية، كان دافعاً آخر من الدوافع التي ساهمت في تشكيل ملامح هذه المرحلة، فقد بات واضحاً أن القوات الروسية قد استفادت من أخطائها التكتيكية التي سادت أداءها في الجبهتين الجنوبية والشمالية خلال أشهر القتال الماضية، حيث تفادت أن تكون في مناطق لا توجد ضرورة ميدانية ملحة للتمسك بها، وعادت للتركيز على الجبهة الأهم، وهي جبهة إقليم دونباس. ناهيك عن توخي هذه القوات إجراءات عديدة للتعامل مع المخاطر التي مثّلتها منظومات "هيمارس" الصاروخية، مثل إعادتها تموضع مراكز القيادة والسيطرة ومواضع تخزين الأعتدة والذخائر، لتصبح في مناطق أبعد من متناول هذه المنظومات، مثل المناطق الواقعة جنوبي شبه جزير القرم.
النقطة الأبرز في هذا الإطار تتعلّق بظهور دلائل واضحة على تحوّل الموقف الميداني الأوكراني-خاصة في الجبهة الشرقية-إلى حالة من الجمود، تلقّت فيها القوات الأوكرانية خسائر بشرية كبيرة، ولم تتمكّن منذ فترة من تحقيق تقدّم ميداني يذكر مقارنة بما كان الحال عليه منذ نحو شهرين. وهو ما يوحي بتغيّر جذري في ديناميكية القتال على الجبهات كافة، خاصة بعد إتمام موسكو عملية حشد ما يقرب من 300 ألف شخص، وتزايد احتمالات لجوئها إلى تنفيذ عمليات حشد إضافية، تمهيداً لهجوم كاسح قد يتمّ الشروع فيه بحلول الربيع المقبل، خاصة بعد أن بدا أنها تمكّنت بشكل أو بآخر من حل بعض المعضلات المتعلقة بالدعم اللوجيستي والتسليحي لقواتها، خاصة فيما يتعلق بالذخائر والصواريخ.
برلين والتمهيد السابق لمرحلة "تدريع" الدعم التسليحي الغربي
الحديث الحالي عن "الدبابات" فيما يتعلق بالدعم التسليحي الغربي لكييف ليس جديداً، فقد طلبت كييف منذ بداية المعارك بشكل متكرّر تزويدها بأنواع مختلفة من الدبابات وعربات القتال المدرعة غربية المنشأ، وكانت بداية هذه الطلبات في نيسان/أبريل 2022، حين طلبت كييف من برلين تزويدها بنحو 90 دبابة من نوع "ليوبارد-1" ومئة ناقلة جند مدرعة من نوع "ماردر". لكن لم تتجاوب برلين مع هذا الطلب حينها، لأسباب عديدة تتعلق بشكل أساسي بعدم رغبتها في استفزاز موسكو، لذا رفض مجلس الأمن الفيدرالي الألماني الطلبات المتكرّرة التي قدّمتها شركة "راينميتال" الألمانية لوزارة الاقتصاد، من أجل تزويد أوكرانيا بهذين النوعين، وقد حذت كل من تركيا واليونان حينها حذو برلين في رفض تزويد أوكرانيا بدبابات "ليوبارد-1" التي يمتلكانها أيضاً.
لكن رغم تشدّد برلين في هذا الصدد، إلا أنها أوجدت حينها حلاً مرحلياً يمكن من خلاله منح كييف دبابات وعربات قتال مدرعة شرقية المنشأ، تساهم في تعويض ما يتم فقده من دبابات وعربات مدرعة خلال المعارك، وقد تمثّل هذا في برنامج "التبادل الدائري"-(Ringtausch)-والذي ينص على الاتفاق مع بعض الدول الأوروبية لتسليم الدبابات وعربات القتال المدرعة من مخزوناتها، مقابل الحصول على أسلحة مناظرة ألمانية الصنع مجاناً. وهو ما ساهم في وصول أعداد من عربات القتال المدرعة والدبابات-شرقية المنشأ-إلى أوكرانيا خلال العام الماضي، من كل من السويد وسلوفينيا وبولندا وسلوفاكيا واليونان والتشيك.
وعلى الرغم من وجاهة فكرة البرنامج الألماني، ومساهمته بشكل كبير في تقديم دعم تسليحي مهم لكييف، إلا أن الأنظمة الألمانية المقابلة التي تلقّت دول مثل التشيك وسلوفينيا وسلوفاكيا واليونان وعوداً حولها، ظهرت حيالها عدة معضلات، منها ما يتعلّق بالجاهزية الفنية واللوجستية، ومنها ما يتعلّق بأنّ هذه الدول تتوقّع استبدال دباباتها ومدرعاتها التي تم إرسالها إلى أوكرانيا، بأعداد من المنظومات الألمانية أكبر مما تستطيع برلين حالياً توفيره. وهذا إلى جانب عوامل أخرى، أدى إلى محدودية الأعداد التي تم إرسالها من الدبابات وعربات القتال المدرعة إلى أوكرانيا في المجمل.
إذاً ممّا سبق يمكن فهم أن الجيش الأوكراني قد طالب مراراً بتزويده بدبابات وعربات قتال مدرعة غربية المنشأ، وهذه الأخيرة تعتبر من الوسائط القتالية المهمة التي كانت القوات الأوكرانية تفتقر إليها خلال مرحلة التقدّم الميداني في الجبهة الشمالية الشرقية. وقد كان لافتاً عودة القيادة العسكرية الأوكرانية للحديث عن الدبابات مرة أخرى، وذلك على لسان القائد العام للجيش الأوكراني، الفريق فاليري زالوجني، الذي أقرّ مؤخراً بوجود دلائل واضحة على قرب تنفيذ القوات الروسية هجوماً رئيسياً على الجبهات كافة، ورأى أنه يحتاج إلى نحو 300 دبابة وأكثر من 700 عربة قتال مدرعة، وأكثر من 500 مدفع ثقيل، من أجل تعزيز دفاعاته.
عودة الحديث عن الدبابات وعربات القتال المدرعة
اتجهت كييف مؤخّراً-مرة أخرى-إلى برلين، وجدّدت طلبها الحصول على دبابات "ليوبارد"، لكن كان الطلب هذه المرة يتمحور حول دبابات "ليوبارد-2" وليس النسخة الأقدم "ليوبارد-1"، لكن للمرة الثانية ظهر بشكل واضح تلكؤ برلين في التجاوب مع هذا الطلب، لذا كان مفهوماً لجوء كييف إلى دول أخرى لبحث هذا الملف، من منطلق أن مبادرة دول أوروبية أخرى بإرسال دبابات وعربات قتال مدرعة غربية المنشأ إلى أوكرانيا، سيحفّز برلين على القيام بالخطوة نفسها، فخاطبت كييف كلاً من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، من أجل الحصول على دبابات "أبرامز" و"تشالينجر-2". علماً أن النوع الأول لا يتوافق مع الظروف القتالية الحالية-نظراً لاعتماده على محركات توربينية غازية، وهو ما لا يتناسب مع القدرات الاقتصادية الحالية لأوكرانيا.
وقد رأت الولايات المتحدة من جانبها أن الأمثل في هذه المرحلة هو تزويد أوكرانيا بعربات القتال المدرعة "M2 Bradley"، في حين وافقت المملكة المتحدة على تزويد كييف بـ 14 دبابة من نوع "تشالينجر-2"، حيث سيتم نقل 4 دبابات فوراً إلى أوكرانيا، على أن يتم نقل الدبابات الباقية خلال المرحلة المقبلة.
فرنسا وألمانيا من جانبهما كانت لهما مساهمة في هذا الإطار، ففرنسا التي تمتلك دبابات "لوكليرك" بدأت في دراسة إمكانية تزويد كييف بأعداد منها، لكن لم يتم حتى الآن اتخاذ أي خطوة في هذا الصدد، واكتفت باريس بالإعلان عن قرب تزويدها كييف بعدد غير محدّد من عربات القتال المدرعة "AMX-10"، في حين أعلنت ألمانيا أنها بصدد تزويد كييف بنحو 40 عربة قتال مدرعة من نوع "ماردر"، وبدأت في دراسة إمكانية تزويدها أوكرانيا بدبابات "ليوبارد"، لكن أظهرت الوقائع الحالية وجود عدة تعقيدات تتعلّق بهذا الأمر.
تتمثّل هذه التعقيدات في حقيقة أن الجيش الألماني غير جاهز على المستوى اللوجستي للاستغناء عن بعض دباباته العاملة في الخدمة لإرسالها إلى أوكرانيا، ناهيك عن أن شركة "راينميتال" المصنّعة لدبابات "ليوبارد"، أعلنت أنها لن تستطيع إرسال أي دبابات من هذا النوع ألا العام المقبل، نظراً إلى حاجة الدبابات الموجودة في مخازنها لعمليات إصلاح وتأهيل، حيث تمتلك الشركة في مخازنها 88 دبابة من النسخة السابقة"ليوبارد-1" و22 دبابة من النسخة الأحدث"ليوبارد-2".
يضاف إلى هذا حقيقة أن برلين ما زالت غير راغبة في اتخاذ خطوات تستفز موسكو، وأنه قد تولّد اعتقاد لدى أوساط داخلية ألمانية عديدة، مفاده أن بعض الدول الأوروبية-مثل فرنسا وبولندا -تضغطان عليها من أجل تزويد أوكرانيا بشكل عاجل بدبابات"ليوبارد". هذا يتضح بشكل أكبر، من إعلان برلين بشكل واضح، أنها لن تتخذ قراراً إيجابياً بشأن تزويد كييف بهذه الدبابات، إلا إذا ما اتخذت واشنطن خطوة مماثلة.
لكن جدير بالذكر هنا، أن برلين قد ألمحت إلى عدم وجود موانع لديها بشأن إرسال دول أخرى تمتلك دبابات "ليوبارد" دبابات من هذا النوع إلى أوكرانيا، وهو ما يجب النظر إليه بجدية لأن ألمانيا-الدولة المصنّعة لهذا النوع من الدبابات-لديها الحق في رفض أو قبول أي طلب لإعادة تصدير هذا النوع من الدبابات لدول أخرى، وبالتالي يفتح هذا التلميح الباب أمام احتمالات قوية لنشوء "تحالف أوروبي"، لتسليح كييف بالدبابات، حيث تمتلك نحو 13 دولة أوروبية دبابات "ليوبارد"، بمجموع يصل إلى 2000 دبابة من مختلف النسخ.
حتى الآن لم تعلن سوى بولندا فقط عن استعدادها إرسال دبابات من هذا النوع إلى أوكرانيا، في حين أعلنت الدنمارك وفنلندا أنهما يمكن أن يشاركا مع دول أخرى مثل بريطانيا وبولندا في تحالف لإرسال دبابات إلى أوكرانيا. وما زال موقف دول مثل إسبانيا متناقضاً حتى الآن فيما يتعلّق بهذه المسألة. فوزير خارجيتها قال إن بلاده لا تدرس مسألة إرسال دبابات "ليوبارد" إلى أوكرانيا، في حين تتحدّث الصحافة الإسبانية حول عكس ذلك.
الدبابات وعربات القتال الغربية في ميزان الميدان الأوكراني
تشترك الوسائط المدرعة التي تم الإعلان عن إرسالها إلى أوكرانيا-أو يتم بحث إمكانية إرسالها-في عناصر أساسية يجب وضعها في الاعتبار إذا ما أردنا قياس حجم القيمة المضافة التي ستنتج عن دخولها الخدمة الفعلية في الميدان الأوكراني. من بينها حقيقة أن الأعداد التي تم الإعلان عنها حتى الآن-سواء من الدبابات أو عربات القتال المدرعة-لا تمثّل أرقاماً كبيرة يمكن من خلالها تحقيق نتائج ميدانية رئيسية، خاصة في ظل التفوق الجوي الروسي المسيطر على أجواء الجبهات المختلفة، والذي يشمل استخداماً مكثفاً للذخائر الجوالة والمروحيات المزودة بصواريخ مضادة للدبابات.
على المستوى العملياتي، وإذا ما وضعنا جانباً النقطة التي تتعلق بالمدى الزمني الذي يمكن من خلاله أن تصبح الدبابات وناقلات الجند المدرعة الغربية المنشأ جاهزة للتشغيل القتالي الكامل في أوكرانيا-وهذا يتضمن تدريب الأطقم القتالية والأطقم الفنية الخاصة بالصيانة-ستظهر بعض التحديات التي تتعلق بتشغيل الدبابات الغربية، التي تحتاج إلى وسائط نقل خاصة تستطيع تحمّل الأوزان الثقيلة، فدبابات "ليوبارد-2" على سبيل المثال، تزن زهاء 70 طن، في حين تزن دبابات "تشالينجر-2" نحو 72 طناً، وبالتالي تحتاج هذه الدبابات إلى ناقلات أكبر وأثقل من الناقلات المتوفّرة حالياً لدى الجيش الأوكراني.
إذاً معضلة الوقت والعدد تجعل من الصعب وضع المزايا الفنية لأنواع الدبابات وعربات القتال المدرعة المطروح إرسالها إلى أوكرانيا في الاعتبار، خاصة وأن هذه الأنواع-رغم أن جميعها غربي المنشأ-لكنها تنتمي إلى مدارس تصنيعية مختلفة. فعربات القتال المدرعة الفرنسية الصنع "AMX-10"، ورغم تسليحها الجيد الذي يتكوّن من مدفع من عيار 105 ملم، تعاني من ضعف الدروع التي تتزوّد بها، على عكس عربات القتال المدرعة "برادلي" و"ماردر"، علماً أن الأخيرة تعتبر من المنظومات المتقادمة، التي بدأ إخراجها من الخدمة في الجيش الألماني. يضاف إلى ذلك أنه حتى الآن لا يوجد يقين واضح بشأن النسخة التي سيتم إرسالها إلى أوكرانيا من دبابات "ليوبارد".
خلاصة القول إن ملامح المرحلة المقبلة على المستوى الميداني في أوكرانيا، تبدو من وجهة النظر الغربية أشبه بمحاولة لضمان "تثبيت الجبهات" في المرحلة المقبلة، ومساعدة كييف على الاستعداد لامتصاص الهجوم الروسي المتوقّع، بالإضافة إلى الاستمرار في سياسة "تعظيم التكاليف"، التي من خلالها تعمل القوات الأوكرانية في الجبهة الشرقية، على إلحاق القدر الأكبر من الخسائر في صفوف القوات الروسية المهاجمة.
هذا الوضع يمكن قراءته من خلال التدريبات التي بدأت الشهر الجاري في منطقة "جرافينوير" في ألمانيا، لتدريب القوات الأوكرانية على عمليات القوات المشتركة، التي تشارك فيها الدبابات والمدفعية وعربات القتال المدرعة في وقت واحد، وهذا يتم بالتزامن مع بدء التجهيز لتشغيل عدد كبير من طائرات الإنذار المبكر "E-3A" من رومانيا.
وبغض النظر عن تمكّن القوات الروسية من تحقيق تقدّم أكبر في جبهة"دونيتسك"، وتحديداً السيطرة-بعد مدينة سوليدار-على مدينة باخموت الاستراتيجية، ومن ثم عبور نهر باخموت غرباً ومهاجمة قوس دفاعي أوكراني أساسي في هذه الجبهة. وهو خط سلوفيانسك-كراماتورسك-دروزكيفكا-كونستانتينوفكا، يمكن اعتبار أن الأسابيع المقبلة ستكون فاصلة بين حرب استنزاف شتوية وبين حرب مفتوحة قد تبدأ بحلول الربيع، وفيها تكون معارك رئيسية للأسلحة المشتركة، بهدف نهائي وهو تحسين الموقف التفاوضي، في المباحثات التي ستأتي عاجلاً أم آجلاً. ولهذا كان التصريح الأخير للأمين العام لحلف الناتو، رابطاً بين وصول مزيد من الدعم التسليحي لأوكرانيا، وبين تزايد فرص نجاح أي مفاوضات محتملة.