سيطرة "إسرائيل" على معبر رفح والبحث عن "نصرٍ مزيف"
هناك غضب متصاعد بسبب رعونة حكومة الاحتلال وتطوير المعارك باتجاه مناطق شرق رفح والسيطرة على المعبر. وفي القريب، ربما تجد "إسرائيل" نفسها منبوذة بقرارات دبلوماسية رسمية صادرة عن حكومات أو هيئات أممية.
لم تسترد حكومة الاحتلال عافيتها العقلية منذ يوم السابع من أكتوبر. ورغم جميع المجازر التي تم ارتكابها بحق أبناء قطاع غزة، لم يستطع بنيامين نتنياهو وباقي وزرائه تجاوز الأثر النفسي لعملية "طوفان الأقصى" التي نقلت عمليات المقاومة إلى فضاءٍ نوعي آخر.
منذ اليوم الأول لتصعيد العدوان الإسرائيلي، حدّد "جيش" الاحتلال مجموعة من الأهداف المرتبطة بالعمل العسكري، تتمثل في:
- القضاء على فصائل المقاومة التي تتخذ من قطاع غزة مسرحاً لتدريباتها ومنطلقاً لعملياتها.
- العثور على الإسرائيليين الذين نجح مقاومو غزة في أسرهم. وقد اكتسب هذا الهدف أهمية مضاعفة بسبب التظاهرات المستمرة لأهالي الأسرى.
حتى الساعة، تكون حكومة الاحتلال قد فشلت في تحقيق هدفيها الرئيسين، ويكون كل ما جنته "إسرائيل" هو تصدّع صورتها لدى مختلف عواصم العالم، وظهور قادتها بمظهر مجرمي حرب، إضافة إلى انكشاف أمرها "كدولة ضعيفة" أو على الأقل في مرتبة قوة أدنى كثيراً من الصورة التي روّجتها عن نفسها.
في ظل تلك المعطيات، أقدم نتنياهو على خطوة طائشة جديدة، ليل الاثنين الماضي، حين قرر توسيع المساحة الجغرافية للعدوان باتجاه مدينة رفح والسيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، إضافة إلى إغلاق معبر كرم أبو سالم.
علّل "جيش" الاحتلال هذا الإجراء بأنه جزء من عملياته شرقي مدينة رفح، والتي ترمي إلى تفكيك البُنى التحتية لحركة حماس وسواها من فصائل المقاومة، وأنه يملك معلومات استخبارية تزعم أن "المعبر يُستخدم لأغراض إرهابية".
الأزمة الكبرى تتمثل في أن إغلاق معبر رفح في ظل الظروف التي يمر بها قطاع غزة هو أمر يفاقم الأزمة الإنسانية القائمة بالفعل، ويعزل القطاع عن العالم الخارجي، ويمثل سياسة عقاب جماعي ضد أكثر من مليوني شخص.
أما أهمية معبر رفح، فيمكن رصدها في نقطتين:
الأولى: كونه المنفذ الرئيسي والوحيد للغزيّين إلى العالم الخارجي الذي لا تسيطر عليه "إسرائيل".
الثانية: أنه كان المنفذ الأساسي الذي يمكن عبره إيصال المساعدات القليلة منذ بداية العدوان قبل 7 أشهر، إضافة إلى المعونات التي تم إلقاؤها عبر الطائرات.
عقب السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح، ومن ثم إغلاقه، أعلنت الأمم المتحدة أن مخزونها من الوقود في غزة لن يكفي سوى يومٍ واحد فقط، كما حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" من أن عملياتها ومسؤولياتها الإنسانية في القطاع الذي يعيش فيه نحو 2,3 مليون نسمة على وشك أن تنهار.
بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن لدى "تل أبيب" مخططات لنقل مسؤولية إدارة معبر رفح إلى "شركة أميركية خاصة" بعد أن تضع الحرب أوزارها، كذلك لدى الآليات العسكرية الإسرائيلية تعليمات بأن تقتصر عملياتها الحالية على الاستحواذ على معبر رفح من دون تخريبه أو استهداف بنيته التحتية لضمان استمرار تشغيله.
اللافت في هذا السياق أن "إسرائيل" باتت تخطط لتوريط واشنطن معها في غزة بدرجة أكبر، سواء في ملف المساعدات التي من المتوقع أن تصل عبر البحر المتوسط و"الميناء العائم" أو عبر الدفع بمعبر رفح ومسؤولية إدارته إلى قبضة شركة أميركية خاصة، وهذا بدوره يكشف عمق الأزمة التي يعانيها القادة الإسرائيليون منذ اجتياحهم غزة.
نتنياهو والبحث عن "نصرٍ زائف"
تتراكم الأزمات التي تحيط ببنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال بمرور الوقت، وخصوصاً مع الضغوط الداخلية المستمرة عليه بسبب عجزه عن تحقيق أهدافه من الحرب، وفي ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية داخل "إسرائيل"، إضافة إلى حالة التوتر السياسي الناجم عن توغل اليمين المتطرف داخل الحكومة.
في ضوء تلك الظروف، من الطبيعي أن يبحث نتنياهو عن "نصر" مصطنع أو خيالي يستطيع الاتكاء عليه في مواجهة معارضيه من جهة، والرأي العام الغاضب داخل "إسرائيل" من جهة أخرى. وفي هذا السياق، جاء الهجوم على المناطق الشرقية من مدينة رفح وإجبار ساكنيها على النزوح منها.
لن تنجح تلك العملية في استعادة الإسرائيليين الأسرى لدى حماس والفصائل الفلسطينية، ولن تُحدث تأثيراً واسعاً بالنسبة إلى قدرات المقاومة، التي تبدو حتى الساعة متماسكة تنظيمياً وقادرة على توجيه ضربات إلى العدو في داخل القطاع وخارجه، وهو أمر يكشف عن قدرات تنظيمية فذّة في الحقيقة.
ويمكن رصد دوافع نتنياهو للسيطرة على معبر رفح، بعيداً عن السبب العسكري المعلن من جانب "جيش" الاحتلال، عبر النقاط الآتية:
أولاً: ممارسة المزيد من الضغوط على حركة حماس التي فاجأت حكومة الاحتلال بموافقتها على مقترح الوسطاء بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، في الوقت الذي يتمسك مجلس الحرب الإسرائيلي بمواصلة العملية العسكرية.
ثانياً: محاولة لرفع معنويات الإسرائيليين بسبب طول مدة الحرب، وعجز قوات الاحتلال عن تحقيق نصر محقق في مناطق مثل خان يونس، ما أدى إلى الانسحاب الكامل من كل مناطق جنوب قطاع غزة في الأسبوع الأول من الشهر الفائت، تحت دعوى التحضير لعملية في رفح.
ثالثاً: السيطرة على كل معابر القطاع يمنح قوات الاحتلال إحساساً بـ"القوة" و"السيطرة"، وهي مشاعر يحتاجها نتنياهو اليوم، وخصوصاً بعد الضربة التي وجهتها طهران إلى قلب الأراضي المحتلة الشهر الماضي.
رابعاً: محاولة لاسترضاء اليمين الإسرائيلي ممثلاً ببن غفير وسموتريتش، وخصوصاً أن العملية جاءت بعد قصف كتائب عز الدين القسام قاعدة للجيش الإسرائيلي قرب معبر كرم أبو سالم، ما أسفر عن مقتل 4 جنود إسرائيليين.
خامساً: استغلال ورقة المعبر في أي مفاوضات قادمة، فيكون الفلسطينيون في اضطرار إلى تقديم تنازلات مقابل سماح "إسرائيل" بدخول المساعدات ومواد الإعاشة من خلال المعبر.
انعكاسات عملية المعبر إقليمياً ودولياً
منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، اتخذت المعارك الدائرة أبعاداً دولية وإقليمية، حتى على مستوى نشرات الأخبار، فقد تخطّت معدّلات الاهتمام بالأحداث في قطاع غزة كل المعدلات التي صاحبت تغطية الحرب في أوكرانيا، ومن الطبيعي أن يصاحب التصعيد الإسرائيلي الأخير تأثيرات في عموم المنطقة والعالم.
على مستوى محور المقاومة، فإن كل العواصم والمعسكرات المنضوية تحت لوائه شريكة في المعركة مع "إسرائيل" منذ اليوم الأول للحرب، وهناك وعود بالتصعيد في حالة واصل "جيش" الاحتلال ارتكاب مجازره بحق أبناء غزة أو وسّع عملياته باتجاه رفح.
وكانت المقاومة الإسلامية في لبنان قد كثّفت عملياتها بالفعل، بداية من نهار يوم الثلاثاء الماضي، إذ أعلن حزب الله عبر بيانات متفرقة استهداف ضبّاط وجنود تابعين لقوات الاحتلال، إضافة إلى إعطاب منصّات للقبّة الحديدية. وقد حصلت تلك العمليات عبر صواريخ موجهة ومسيّرات. ومع فجر يوم الخميس، أعلن الحزب عن 11 عملية جديدة ضد القوات الإسرائيلية.
أما القاهرة، التي توجهت الأعين صوبها فور ورود الأخبار المتعلقة بمعبر رفح، فدانت العمليات العسكرية الإسرائيلية، محذرة من أي تصعيد، لكن المعضلة الأكبر في هذا السياق تتعلق باتفاقية كامب ديفيد، وتحذير الخبراء من أن العملية الأخيرة ربما تعد خرقًا للاتفاقات المبرمة مع مصر، وخصوصاً المتعلقة بمحور فيلادلفيا، وهو أمر تنفيه "إسرائيل"!
بشكل عام، تعيش مصر أوقاتاً صعبة، إما بسبب الضغوط الاقتصادية وإما بسبب الأحداث داخل فلسطين وعجزها عن رعاية اتفاق يحقن الدماء الفلسطينية ويُقلّل من معدلات التوتر المرتفعة في المنطقة.
أما على الصعيد الشعبي المصري، فتتعالى المطالبات باتخاذ مواقف رسمية أقوى في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، إذ يطالب العديد من الساسة المصريين باستخدام ملف التطبيع ورقة ضغط على "تل أبيب"، بهدف إجبارها على تقديم تنازلات.
في الجانب الدولي، هناك غضب متصاعد بسبب رعونة حكومة الاحتلال وتطوير المعارك باتجاه مناطق شرق رفح والسيطرة على المعبر. وفي القريب، ربما تجد "إسرائيل" نفسها منبوذة بقرارات دبلوماسية رسمية صادرة عن حكومات أو هيئات أممية.
ولعل هذا الأمر هو أشد ما تخشاه الولايات المتحدة، وهي تدفع "إسرائيل" لتجنّب هذا السيناريو، عبر ممارسة بعض الضغوط، مثلما حدث في قرار إدارة بايدن تعليق إرسال شحنة أسلحة إلى "إسرائيل". رغم هذا، تؤكد الإدارة الأميركية في كل مناسبة أن دعمها للحرب على حماس "لا يتزعزع"، وأن "دعم إسرائيل ثابت ولن يتغير رغم الخلافات".