"الجيش" الإسرائيلي: اللص الذي يسرق نفسه؟ (2/2)
مع أنَّ سرقة العتاد العسكري من قواعد "الجيش" الإسرائيلي تكثفت في الأعوام الأخيرة، فإنَّ الظاهرة بدأت في وقت مبكر بعد نهاية الانتفاضة الثانية، حين كان الهدف إغراق الفلسطينيين بالجرائم.
عرضت الحلقة الأولى ما يحيط بظاهرة سرقة قواعد "الجيش" الإسرائيلي ومعسكراته، وضربت أمثلة عليها، وخصوصاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فيما لفتت تقارير عبرية نُشرت خلال السنتين الأخيرتين إلى أن 50 سرقة على الأقل تقع في "دائرة التهديد"، رغم المحاولات والخطط الإسرائيلية التي فُعّلت أخيراً لوقف هذه الظاهرة، ورغم أن القواعد والمعسكرات محاطة أصلاً بسياجات حديدية إلكترونية شائكة وكاميرات ورادارات وغيرها من وسائل التحذير والإنذار والحماية.
اقرأ أيضاً: "الجيش" الإسرائيلي: اللصّ الذي يسرق نفسه؟ (1/2)
مثلاً، وضمن سرقات العام الماضي، تعرضت قاعدة "ناثان" العسكرية في بئر السبع في شباط/فبراير 2022 لسرقة معدات استخدم خلالها اللصوص طائرة مسيّرة من أجل قطع الكهرباء عن القاعدة كلياً، بعدما التقطوا صوراً مكنتهم من التسلل إليها وسرقة معدات لا أسلحة.
ومما يجذب الانتباه بين ثنايا السطور العبرية، ما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بقولها: "ثمة مساعدة تلقاها اللصوص من داخل الموقع مكّنتهم من إتمام السرقة التي تضمنت أيضاً حاويات مزوّدة بمعدات تشغيلية".
مع ذلك، لا يوجد تصريح إسرائيلي واضح أو متكرر بشأن مساعدة من جنود أو ضباط في "الجيش" للصوص الذين هم غالباً "من البلدات البدوية غير المعترف بها"، وفق "يديعوت"، لكن سبق أن ذكرت وسائل إعلام عبريّة في 2021 أن رئيس الأركان السابق (أفيف كوخافي) سرّح أحد الضباط من قاعدة تقع قرب الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان إثر "خرق أمني تسبب بسرقة عشرات الأسلحة من القاعدة".
من هم اللصوص؟
مع أنَّ السرقات تكثفت في الأعوام الأخيرة، فإنَّ الظاهرة بدأت في وقت مبكر بعد نهاية الانتفاضة الثانية، ففي 2005، سُرقت 48 قطعة، بينها 8 قاذفات صواريخ مضادة للدبابات، و16 بندقية "إم-16" قصيرة، و18 "إم-16" طويلة من داخل "تسيئيليم" في النقب.
وفي 27/01/2008، ضبطت الشرطة الإسرائيلية قطع سلاح في مدينة الطيبة، ليتبين بعد الفحص أنَّها من صناعة الأسلحة الإسرائيلية، وأنها هُرّبت ضمن عملية اشترك فيها عاملون في مصنع السلاح في مستوطنة "هود هشارون" وسط فلسطين المحتلة.
في ذلك الوقت، اعترفت السلطات الإسرائيلية بأنها ضبطت بعض القطع في الطيبة من أصل 170، أي بقيت عشرات الأسلحة بين أيدي المواطنين. وفي وقت لاحق، أعلنت أجهزة الأمن منتصف 2017 وقوع سرقة كبيرة في معسكر لـ"الجيش" جنوبي فلسطين، ثم ضُبط متهمون و11 قطعة "إم-16" من أصل 33، أي بقيت 22 في السوق السوداء.
يُرجّح أن الجنود والضباط أيضاً يستفيدون من السرقات منذ ذلك الحين، ويقدمون المساعدة المختلفة إلى السارقين، ويحصلون بموجب ذلك على نسبة معينة من الأرباح، فضلاً عن أن جزءاً كبيراً من الأسلحة المسروقة يُستخدم في الجريمة المنظمة وحرب العنف بين فلسطينيي الـ48.
وسبق أن قال الضابط هرتسل مويال، وهو من وحدة الاستخبارات في شرطة لواء النقب، إن "المشكلة تكمن أيضاً في أن جنوداً من الجيش ضالعون في سرقة وسائل قتالية من قواعد عسكرية والإتجار بها". هنا، يُذكر أن وزير الأمن الداخلي الأسبق غلعاد إردان كان قد تحدث في اجتماع لإحدى لجان الكنيست عام 2017 عن أن بعض الجنود يبيعون أسلحتهم لتجار الأسلحة، ويبلغون لاحقاً في الدوائر المعنية بتعرض سلاحهم للسرقة، مشيراً إلى أن 90% من سلاح الجريمة المنظمة مصدره "الجيش"!
عمق المشكلة
نعود إلى التقرير الذي أشرنا إليه في الحلقة السابقة، والذي كتبه العقيد المتقاعد في "جيش" الاحتلال والمفوض السابق لشكاوى الجنود، يتسحاق بريك، بعنوان "الدفاع عن القواعد العسكرية ينهار والقيادة تتهرب من المسؤولية" (نشره موقع "نيوز وان" العبري في 14/2/2021).
يقول التقرير إن "الإخفاقات الأمنية المتتالية في حماية قواعد الجيش تدلّ على تفكك نظام الأمن والحراسة"، عازياً السبب إلى "مستويات الانضباط الدنيا، وغياب الاستعداد لتنفيذ الأوامر، وكذلك الرقابة والمحاسبة، فضلاً عن تهرّب القيادة العليا من مسؤولياتها".
لذلك، يقترح بريك أن "لا مفر من تشكيل لجنة تحقيق خارجية للجيش لكي تحقق في ما يجري هناك"، لافتاً إلى أن "الجيش فقد القدرة على التحقيق مع نفسه، إذ يعمد إلى إرسال رسائل وهمية من المتحدثين باسمه عند وقوع كل حادث خطر".
ويضيف: "صار جيش الدفاع الإسرائيلي أكبر مخزون من الأسلحة والذخائر والمعدات في الشرق الأوسط والعالم، الذي تستخدمه المنظمات الإرهابية والمافياوية ضد مواطني إسرائيل وجنود الجيش، كما سيستخدمون هذا السلاح ضدهم في الحرب المقبلة".
كذلك، يستعرض التقرير سقوط العديد من الضحايا سنوياً (بين قتلى وجرحى) في صفوف المدنيين الذين أصيبوا بنيران أسلحة وذخائر سُرقت من "الجيش"، والتي "يستخدمها مجرمون وإرهابيون من الأردن شرقاً، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً"، ليخلص إلى أنَّ "الجيش الذي يتصرف على هذا النحو لا يستحق أن يطلق عليه اسم جيش، لأن السلاح هو أداة لحماية المواطنين والوطن... الجيش الذي يتخلى عن أسلحته غير قادر على الدفاع عن وطنه".
ليبقَ السلاح في البيوت!
إلى جانب ما سبق، ذكر تقرير للقناة السابعة نُشر في 19/3/2022 أنه طرأ ارتفاع قياسي على سرقة قطع الأسلحة من الجنود في قلب معسكرات "الجيش"، واستنتجت القناة، بناء على معطيات رسمية صادرة عن "الجيش"، أنّ "نسبة تعرّض جندي لسرقة سلاحه داخل القاعدة أكبر بكثير من تعرضه لسرقة سلاحه وهو في بيته!"، في إشارة إلى أن السرقات تقع رغم تمتع القواعد بوسائل الحماية بخلاف البيت.
كان "الجيش" قد كشف عن هذه المعطيات التي أوردتها "السابعة" إثر مطالبة منظمة "تورات لحيماه" الصهيونية بالحصول على معطيات بشأن السرقات داخل القواعد بالمقارنة مع السرقات في البيوت. وبحسب معطيات السرقة بين 2017-2021، خلصت المنظمة إلى أنَّ "من الأسهل سرقة سلاح جندي من داخل القاعدة مقارنة بسرقتها من بيته". مثلاً، في 2019، سُرقت 31 قطعة سلاح من وحدات عسكرية، بالمقارنة مع 16 أخرى من البيوت. وفي 2020، سُرقت 27 قطعة من وحدات عسكرية في مقابل 15 من البيوت.
أيضاً، ذكر مركِّز منطقة الجنوب في هذه المنظمة، ميخال كرميل، أنّ "الجيش" ركّز، كما يبدو، على الإفصاح عن سرقة أسلحة الجنود، لا الضباط، وتجاهل المعطيات حول سرقة المعدات والأدوات العسكرية والقتالية الأخرى. أمّا مدير المنظمة، الراف أفيعاد جدوت، فقال للقناة نفسها: "هناك مشكلة أخلاقية خطرة: مخربون عرب يسرحون ويمرحون في القواعد والمعسكرات، ويحولون الجيش إلى أكبر مورد للأسلحة لمنظمات الإرهاب (الجريمة) في قلب إسرائيل، كما يحوّلون اللوم على الجنود، ويمنعون المقاتلين من الخروج إلى بيوتهم بقطع السلاح، حتى إنهم يجمعون السلاح من الذين يخدمون في الاحتياط بوظائف".
يستطرد جدوت مركّزاً على "العنصر العربي": "نشهد عالماً مقلوباً... بدلاً من الخروج بحرب ضد العدو العربي وإطلاق النار على كل عربي يفكر في الاقتراب من معسكر وميادين التدريب والقضاء على خلايا الإرهاب، نتسبب بالأذى للجنود وإلحاق الضرر بهم وبالروح القتالية. نطالب رئيس هيئة الأركان (كوخافي آنذاك) بتحمل المسؤولية تجاه هذه القضية بطريقة أخلاقية وعملياتية وإعادة الجيش إلى جيش منتصر".
إجراءات متأخّرة وناقصة
على أيِّ حال، طبقاً لمعطيات رسمية، اكتفى "جيش" الاحتلال في نهاية 2020 بتأليف لجان تحقيق وزيارات مفاجئة لرئيس الأركان إلى المواقع، وتقديم خطة لحماية 50 موقعاً من بين المئات من السرقات. وخلال شهر كانون الثاني/يناير 2021، أوعز كوخافي بـ52 تفتيشاً مفاجئاً في قواعد مختلفة، إلى جانب الزيارات العادية.
وسبق أن قال تقرير لمراقب الدولة عام 2018 إنَّ غالبية حالات السرقة لا يجري التبليغ عنها لدى الشرطة العسكرية (التابعة لـ"الجيش") إطلاقاً، وهناك قواعد في "الجيش" لا تملك معلومات دقيقة عن الأسلحة المسروقة منها. وفي رد الجيش، جاء: "تم تحديد مكان بعض الأسلحة المسروقة، لكن ليس من الممكن إنتاج معطيات حول هذا".
وتجري التحقيقات في سرقة الأسلحة من الشرطة أو "الجيش"، وفي بعض الحالات من كليهما، لكن وزارة الأمن التي يتبع الجيش لها "لم تمرر المعايير ذات الصلة بشأن تقسيم السلطة والمسؤولية عن التحقيقات".
الغريب أنه تقرر في 2018 إنشاء وحدة مشتركة لـ"الجيش" والشرطة يتمثل دورها بالانخراط في كشف سرقة الأسلحة وإحباطها. وقالت الهيئتان إنَّ هناك "تعاوناً جيداً بينهما في هذا الإطار"، لكن وفقاً لتقرير آخَر لمراقب الدولة في 5/2021، لم يبدأ نشاط هذه الوحدة إلا منتصف 2020، وهي تعمل جزئياً بسبب "تغيير في تصورها التشغيلي"!
سلاحٌ يدمي الفلسطينيين
نشر "معهد أبحاث الكنيست" أواسط في آب/أغسطس 2021 تقريراً تضمن أرقاماً حول المواطنين من فلسطينيي الـ48 في الكيان بين المصابين بالأسلحة النارية بين 2017-2020، ليتبيَّن أن نسبة هؤلاء من جميع المواطنين الذين أصيبوا تزيد على 80%.
اعتمد التقرير على 3 مصادر مختلفة، ليخلص إلى أن كثيراً من جرائم إطلاق النار يُرتكب بين صفوف الفلسطينيين، ويشمل إطلاق النار بالمسدسات والبنادق والقنابل اليدوية والمفرقعات النارية.
تبعاً للتقرير حتى موعد إعداده، كان هناك 145656 سلاحاً نارياً مرخصاً في "إسرائيل"، و58539 ترخيصاً لأسلحة لمؤسسات (مثل سلطات محلية ووزارات حكومية وشركات أمن ومصانع)، لكن "ليس لدى الشرطة أي تقدير لكمية الأسلحة غير القانونية"، علماً أن وزير الأمن الداخلي السابق، عومر بار-ليف، أعلن في شهر أيار/مايو 2022، وخلال جلسة الكنيست بكامل هيئتها، أنَّ "هناك عشرات الآلاف من الأسلحة غير المرخصة"، في إشارةٍ إلى أنَّ غالبية هذه الأسلحة مصدرها "الجيش".
إذاً، من الواضح أن السرقات من قواعد "الجيش" ليس سببها حصراً حنكة السارقين، مع أنهم يتمكنون من تجاوز إجراءات الحماية المعقدة، خصوصاً أن الطرق المتشعبة التي تسلكها الأسلحة المسروقة عادة أو غالباً ما لا تصبّ في أيدي المقاومين، إنما في أيدي منظمات الجريمة وتجار الأسلحة، لتستخدم في حصد أرواح الفلسطينيين بعضهم بعضاً في فلسطين الـ48.
إذا عدنا إلى نشوء هذه الظاهرة، فسنجد أنَّ ثمة علاقة وطيدة بين الجناية والأمن، فكيف وصلت هذه القطع القتالية إلى أيدي فلسطينيي الـ48 من الأمكنة الأكثر تحصناً وحمايةً في الكيان: معسكرات "الجيش" ومصانع الأسلحة؟
لن تكون الإجابة معقدة إذا ما خلصنا إلى أن الهدف من كل ما كان يحدث هو ضرب الحالة الوطنية في الداخل المحتل التي سادت إبّان الانتفاضة الثانية، ثم لما جاءت "هبة أيار" تكرر السيناريو.
آنذاك، كان الطريق إلى ذلك الهدف هو إغراق المجتمع بالسلاح ومدّ الإجرام بوقود لا ينضب ليظل العنف مستشرياً على نحو يفوق التصورات، وهي تجربة تكررت حتى في الضفة المحتلة، وتحديداً في الخليل (جنوب)، خلال "هبة القدس" (2015-2018)، فيما حاول الاحتلال تكرار التجربة في شمالي الضفة (نابلس وجنين) خلال السنة الماضية من دون نجاح، رغم بعض "الخسائر الجانبية" لهذه الطريقة، وهي وصول السلاح أو استخدامه ضد الاحتلال في وقت لاحق.
تظهر هذه الأسعار تقديرية، لكن ثمة تفاوت كبير بين الحد الأدنى والأعلى، لأنها خاضعة للتغير بسبب "سلوك غير منطقي" في الطلب والعرض داخل سوق سوداء كبيرة وخطرة، بالتوازي مع غلاء أعلى في الضفة بسبب غياب البيع المرخص للأسلحة.
هنا، تقول مصادر إسرائيلية أمنية إنَّ أسعار الأسلحة في الضفة شهدت قفزات في الأسعار؛ مرة عام 2016 حين ارتفعت 3 أضعاف بين شهري أيار/مايو وتشرين الأول/أكتوبر، وقفزات ثانية في العام الماضي (من دون تحديد القيمة).
يُلاحظ هنا أنَّ الكلاشينكوف ليس السلاح المنتشر في الضفة المحتلة وفلسطين 1948 لأسباب كثيرة، أبرزها اعتماد المنظومة الإسرائيلية على التسليح الأميركي، وهو ما يثبت أن جزءاً كبيراً من سلاح الجريمة مصدره إسرائيلي، في وقت تبدو السلطة الفلسطينية أكثر ميلاً نحو السلاح الروسي الأرخص سعراً، كما هي الحال لدى الفصائل في غزة، لكن مجموعات المقاومة في الضفة تكثر لديها "إم-16" و"إم-4"، ثم "تافور"، بسبب شرائها من السوق السوداء في 1948.
صحيح أنَّ شراء أسلحة روسية وألمانية وغيرها ممكن عبر الأردن، تماماً كما يدخل السلاح الأميركي، لكن لن يكون لها الكم الكافي من الرصاص الذي ينتشر منه أيضاً الأنواع المناسبة للأسلحة الأميركية، لكونها الطلقات التي تُسرق بعشرات، بل مئات الآلاف، من مخازن "الجيش" الإسرائيلي.
لذلك، سيكون انتشار الطلقات الأخيرة أكثر، وسيكون سعرها أرخص بالنسبة إلى الشبان الفلسطينيين، مع أن الكلاشينكوف أفضل لناحية قدرة التحمّل وظروف الاستخدام وسهولة الصيانة، علماً أنَّ مخازن الأمن الفلسطيني ليست عامرة أيضاً بالرصاص الحي - من أحد نتاجات التوصيات الإسرائيلية - ليصار إلى خلق سوق سوداء منها.
أما بشأن تهريب الأسلحة، فذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية أنه في 2022 سُجلت 27 حالة إخفاق في تهريب الأسلحة مقارنة بـ13 حالة فقط عام 2021، مشيرة إلى إنشاء وحدة عملياتية تسمى Metilan للحد من تهريب الأسلحة من الأردن.
لكن تشير التقديرات إلى أنه مقابل كل إحباط ناجح له من المحتمل أن يكون هناك تهريب ناجح، فقد وصلت آلاف الأسلحة من الحربين المتضائلتين في سوريا والعراق إلى الضفة. ونقلت الصحيفة عن مسؤول في جيش الاحتلال: "أنشأنا قيادة مشتركة للشرطة والشاباك والجيش لتنسيق الجهود ضد هذه الظاهرة... معظم الأسلحة التي ضبطناها كانت أميركية ومن قواعد تم التخلي عنها في العراق وقد سرقت قبل أن تصل هنا... من الصعب تجفيف هذا المستنقع لكن يمكن إبطاء الطريق السريع جزئياً عن طريق إغلاق الحدود والمناطق التي تم اختراقها" في الخليل والأغوار.
في 2022، أعلن "الجيش" الإسرائيلي مصادرة أكثر من 300 بندقية خلال عمليات تهريب من الحدود الأردنية، وهي الكمية نفسها التي صادرها خلال عامين: 2020 و2021. وحديثاً أعلن "الجيش"، الإثنين 23/1/2023، إحباطه تهريب 60 مسدساً وبندقية واحدة "إم-16" قرب بلدة الزبيدات القريبة من الحدود الفلسطينية-الأردنية. وسبق أن ادعت الشرطة الإسرائيلية أنها فككت شبكة لتهريب الأسلحة في الضفة ومدن فلسطينية داخل 1948 واعتقلت 60 فلسطينياً وصادرت أسلحة وكميات من الذخيرة ومخدرات ومبالغ مالية.
خاتمة
من المعروف أنَّ أصغر قطعة سلاح لدى "جيش" الاحتلال موصومة برقم تسلسلي، ومن السهل على أجهزة الأمن تتبع مسارها، غير أن هذا لم يسهم في كشف القتلة المتنقلين في صفوف فلسطينيي 1948، الذين يستخدمون أسلحة مسروقة من القواعد.
ورغم الارتباط الواضح بين سرقة الأسلحة والجريمة، فإنَّ تكرار السرقات يدل على فلتان الوحش الذي صنعه "الشاباك" والأجهزة الأمنية. وفي الوقت نفسه، يدلّ على حالة تراخٍ كبيرة يشهدها "الجيش" الذي قال عنه مفوَض شكاواه السابق: "الجيش الذي يتخلى عن سلاحه لا يستطيع الدفاع عن وطنه"، وهو ما يطرح أسئلة مفتوحة وواسعة عن العقيدة القتالية ومستجداتها.
في سياق متصل بما عرضته هاتان الحلقتان، ربما من الجيد التذكير بأنّ "الجيش" الإسرائيلي بنى قواعده ومقاره على أساس أنه لن يحدث شيء خارجي أو داخلي يمسها بضرر. داخلياً، لم تكن هذه القواعد محمية ومحروسة جيداً بالقدر الكافي، فجاءت السرقات سهلة في البداية، وقليلاً ما كانت تكتشف خلال وقوعها، ثم ساهم الفساد في تكرارها وتضخّمها. ومع الإجراءات الجديدة، طوّر السارقون أساليبهم، وباتوا يستعملون الطائرات المسيرة وقطع الكهرباء كما يحدث في الأفلام!
أما على المستوى الخارجي، فثمة فضيحة أخرى سبق أن كشفت عنها مصادر في المقاومة: وفق تقرير سابق (28/3/2019)، أظهرت معطيات ميدانية أن "الجيش" الإسرائيلي يضع معظم مواقعه العسكرية وثكناته - تحديداً في المنطقة الشماليّة - في أماكن ملاصقة لـ"المدنيين"، فمن بين 63 موقع اختصاص، و6 مواقع دفاع جوي، و12 للمدرعات، و22 للمدفعية، و94 للمشاة... لا يبعد الفاصل الجغرافي لأبعد هذه المواقع عن سكن المستوطنين إلا مئات الأمتار فقط. أمّا أقربها، وهي كثيرة، فالمسافة بينها وبينهم ليست إلا صفراً.
في مثل سيناريو الحرب الواسعة والشاملة، سيكون من الأفضل لهذه القواعد أن تبقى خالية من الأسلحة، سواء بسبب السرقات أو بسبب الإجراءات الاحترازية، من مثل إفراغ عدد المستودعات الكبيرة وتجزيئها أو تحويلها إلى متنقلة!