"الجيش" الإسرائيلي: اللصّ الذي يسرق نفسه؟ (1/2)

في الأشهر الأخيرة، ومع اشتعال الضفة، تعالت الأصوات الإسرائيلية العاجزة عن تقديم حل لما يجري، لتشير بأصابع الاتهام إلى سرقات الأسلحة من قواعد ومخازن جيش الاحتلال.

  • "الجيش" الإسرائيلي: اللصّ الذي يسرق نفسه؟

افتُتحت السنة الجديدة بمجموعة أحداث لـ"الجيش" الإسرائيلي، في مقدمها تعيين رئيس أركان هو هرتسي هليفي خلفاً لأفيف كوخافي، ومتحدّث جديد باسم "الجيش" هو دانيال هاجري بدلاً من ران كوخاف. ومن جهة أخرى، نزع صلاحيات كان أبرزها نقل مسؤوليات "الإدارة المدنية" من عهدة "الجيش" إلى وزير ثانٍ في وزارة الأمن يتابعه مكتب رئيس الوزراء.

بين هذه التغيّرات، صدرت تباعاً مجموعة تقييمات ودراسات من مراكز أبحاث وصحافيين بارزين حول التحديات التي تواجه "الجيش"، الخارجية والداخلية على حد سواء، ولا سيما الشكاوى وأوجه النقص والقصور، لكنها كلها أهملت قضية كانت تطل برأسها بين حين وآخر: سرقة القواعد العسكرية مراراً وتكراراً.

في ثنايا ما ورد، مرّ سريعاً خبرٌ يوم الجمعة 13/1/2023 قال فيه "الجيش" الإسرائيلي: "بناء على النتائج التي توصلت إليها لجنة الخبراء حول سرقة الذخيرة من قاعدة سديه تيمان، تقرر اتخاذ إجراءات تأديبية بحق قائد لواء غفعاتي لمسؤوليته العامة عما حدث وتوجيه إنذار إليه، كما ستُتخذ إجراءات أخرى ضد عدد من الضباط وإقالة آخرين".

ربما تكون هذه أقسى البيانات الصادرة عن المستوى العسكري منذ سنوات في قضايا سرقة الأسلحة، وخصوصاً تجاه لواء نخبوي، في مواجهة آفة مزمنة صارت ظاهرة متسعة تأكل سمعة "الجيش" الذي كان منذ زمن قريب "لا يُقهر"، وفق دعاية قادته. 

أما الحادثة المذكورة، فتعود إلى يوم 19/10/2022، حين تسللت مجموعة مرتين إلى القاعدة الواقعة قرب مدينة بئر السبع جنوبي فلسطين المحتلة، علماً أن هذه المنطقة سبق أن تعرضت لسرقة ذخيرة وأسلحة.

كانت نتيجة "التسلّل المزدوج" أن أُفرغ تقريباً مستودع الذخيرة (30 ألف رصاصة من مخازن "غفعاتي")، والمصيبة أنَّ ذلك لم يلاحظ إلا بعد 4 أيام. حتى بعد الاعتقال، ضُبطت 4 آلاف طلقة حتى الوقت المذكور من أصل 30 ألفاً، في مشهد وصفه المعلقون الإسرائيليون بأنه أوضح تعبير عن "الإهمال والفشل".

يأتي هذا الحادث بعدما سُمح للمرة الأولى بإنشاء مركز للشرطة داخل قاعدة عسكرية جنوبي فلسطين المحتلة، مخصص لمكافحة سرقات الأسلحة، وفق ما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 12/12/2022، أي بعد قرابة شهرين من الفضيحة الأخيرة التي أثارت كثيراً من علامات الاستفهام حول السرقات ومن يقف خلفها.

بقعة الزيت

في الأشهر الأخيرة، ومع اشتعال الضفة وتنامي حالة كتائب المقاومة، تعالت الأصوات الإسرائيلية العاجزة عن تقديم حل لما يجري في الضفة لتشير بأصابع الاتهام إلى هذه السرقات، ولا سيما أن جزءاً من "غنائمها" ينتهي في أيدي "المسلحين" الفلسطينيين، كأنَّ هذا هو السبب الوحيد! 

وفق الإعلام العبري، كان كوخافي في أيامه الأخيرة غاضباً من هذه الحوادث، فأمر بالتحقيق فيها حتى النهاية، بعدما أحصى كمية هائلة من السرقات.

  • السرقات من قواعد
    السرقات من قواعد "الجيش" الإسرائيلي (2013 - 2021)

هذه الأرقام الرسمية لا تعبّر في الواقع عن حقيقة ما سُرق، وخصوصاً أن عامَي 2021 و2022 شهدا سرقات بكميات ضخمة. هنا، تقول صحيفة "هآرتس" إنّ "الجيش" لا يستطيع جمع بيانات دقيقة عن كمية الأسلحة المسروقة من مستودعاته حتى 2015، مرجحةً أن تكون الأعداد أضعاف ما ذُكر، ومقدرة قيمة المسروقات كل عام بنحو 15 مليون دولار.

بينما صارت سرقة الذخيرة ظاهرة لا ينجح "الجيش" في وقفها، فقد بات يحاول مواجهتها بطرق غريبة، من ذلك ما أشار إليه مراسل قناة "كان" الإسرائيلية روبي همرشلاغ: "اتخذ القادة قراراً بإخراج الأسلحة الخاصة بطواقم الجاهزية في بلدات الشمال"، وهو إجراء يمس الجاهزية في منطقة حساسة قد تشهد اندلاع حرب بالخطأ في أي لحظة. 

هذا فعلاً ما سبق أنّ أقرّ به "الجيش" عام 2020، حين قال إنَّ السرقات تلحق ضرراً بالاستعداد للطوارئ، إذ أفاد الضباط الذين وصلوا إلى الوحدات بأنهم وجدوا نقصاً كبيراً في الرصاص. وإلى جانب ذلك، واجه "الجيش" منذ بداية السنة الجديدة مجموعة من الإخفاقات خلال التدريب والإصابات الناجمة عنها، إضافة إلى انفجارات غير معروفة السبب في عدد من القواعد.

  • حوادث تدريب في
    حوادث تدريب في "الجيش" الإسرائيلي خلال أسبوعين (01 - 2023)

لا بدّ من الإقرار بأن من الصعب تحليل ظاهرة السرقة هذه قبل عرض أهم حوادثها، وخصوصاً أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت تصاعداً دراماتيكياً في عمليات السرقة على نحو يصم أيّ جيش تقع بحقه مثل هذه الحوادث بالعار، فالسلاح يمثل جزءاً من "الشرف" في العرف العسكري، وهو واقع ما لم يركز عليه الإعلام العربي عموماً إلا بذكر الحوادث بصيغة إخبارية غالباً. لهذا، سيكون العرض هنا مقدمة لما ستتكفّله الحلقة الثانية من هذه السلسلة في نقاش الأسباب والنتائج والمحاذير.

سنوات العار: 2020-2022

يوم الأحد 18/12/2022، كشف موقع "والا" العبري عن سرقة غريبة ومتخصصة في النقب. قبل أسبوع من نشر الخبر (لاحظوا تأخير إعلان مثل هذه الأحداث)، "اقتحم مجهولون قاعدة شبطا التابعة لسلاح المدفعية في النقب، واستولوا على دراجة نارية وسيارة رباعية الدفع باهظة كانت الشرطة قد صادرتهما قبل وقت. وبعد عملية تمشيطٍ، اتضح أن المنفذين قطعوا سياج القاعدة، ودخلوا سيراً على الأقدام إلى مجمع المركبات، واستولوا على المركبات المصادرة سابقاً".

قبل ذلك، تحديداً في 29/11/2022، نقل موقع "0404" العبري خبراً عن "تسلل عدد من البدو إلى قاعدة تسيئيليم العسكرية، حيث تتدرب القوات، واستولوا على معدات عسكرية وتكتيكية ونحو 25 لتراً من الوقود... للمرة الثالثة خلال هذا الشهر يستولي البدو على معدات عسكرية في المنطقة". 

لكن الشهر نفسه شهد فضيحة كبيرة، إذ ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ "الجيش" والشرطة و"الشاباك" يحققون في سرقة كبيرة لنحو 70 ألف طلقة و70 قنبلة يدوية شديدة الانفجار من قاعدة "صنوبر" في الجولان المحتل (12/11/2022). 

السيئ لم يكن السرقة فحسب، بل "كانت هناك معلومات استخبارية عن جهد لتنفيذ الاختراق والسرقة. ورغم ذلك، لم يكن إحباط الاختراق مسبقاً ممكناً"، وفق القناة الـ13 الإسرائيلية. يقول تقرير للقناة: "كلما زادت التفاصيل، بدا أنّه إخفاق كبير ومحرج للجيش".

السبب أن القاعدة الكبيرة الحجم تقع على الطريق 91 الذي يصعد من إصبع الجليل إلى "كتسيرين" ووسط الجولان، وإلى قاعدة اللواء 474، وإلى لواء الجولان، أي في منطقة شديدة الحماية. ليس ذلك فحسب، بل اكتُشفت العملية نفسها في وقت متأخر بعد المساء: الثانية فجراً.

في اليوم التالي، 13/11/2022، كشفت قناة "كان" تفصيلاً لافتاً حول الحادثة عينها: "حذَّر جندي قادته مرات عدة من مؤشرات تنذر باقتحام القاعدة، لكن قادته تجاهلوا التحذير، ثم أجرى قائد المنطقة الشمالية اللواء أوري غوردين تحقيقاً أولياً".

 المشكلة أن هذه الحادثة جاءت بعد وقت قصير من سرقة "سديه تيمان" الشّهيرة، أي حين قرر "الجيش" تحسين الإجراءات الأمنية في عدد من القواعد، بما في ذلك وضع التقنيات المعدلة، واتخاذ المزيد من الإجراءات، وزيادة عدد الحراس (*).

بالعودة سنة إلى الوراء، أي 2021، تكفي الإضاءة على قرابة شهرين ونصف شهر للشعور بمقدار الكارثة، فقد عدّد العقيد المتقاعد والمفوض السابق لشكاوى الجنود، يتسحاق بريك، حوادث السرقة التي وقعت في مدة قصيرة وفي أوقات متتالية من كتابته تقريره الذي نشره موقع "نيوز وان" العبري في 14/2/2021:

-       10/2/2021: تسلَّلت عصابة إلى معسكر "ناثان" في بئر السبع، واستطاعت تعطيل الكهرباء في القاعدة وإظلامها مستخدمة طائرة مسيّرة. جمعوا معلومات بالطائرة، وتمكنوا من اقتحام المعسكر وسرقة معدات لا أسلحة، ثم الهرب. حتى كتابة التقرير، لم يعلن العثور على مشتبه فيهم!

-       ظُهر 9/2/2021: عثر متنزهون قرب قاعدة "تسيئيليم" على جيب لـ"الجيش" في داخله جهاز اتصال لاسلكي ورمز الشبكة ومجموعة من كلمات السر الخاصة بالشبكات. تبيّن لاحقاً أن السيارة سُرقت، ويستخدمها مهربو المخدرات في المنطقة الحدودية مع مصر. وفق بريك، هذا الجيب الثالث الذي سُرق حتى ذلك الوقت، ما يعني عملياً أن شبكة اتصالات "الجيش" في الجنوب مكشوفة.

-       ليلة 7-8/2/2021: اقتحم متسلل معسكر "كتسعوت" في حدود الرابعة فجراً، وتوغل إلى منطقة مهجورة بين "كتسعوت" و"ناحال رافيف" ضمن قاعدة "نباطيم" الجوية في النقب، ثم توغل 100 متر إلى أن وصل إلى حاوية فارغة، فدخل فيها للبحث عن معدات، ثم غادر بعدما بقي على بعد 500 متر جنوبي "المحور"، متجاوزاً صواريخ مضادة للدروع قبل اقتحامه المعسكر. 

في اليوم التالي، وصف مسؤولون مطلعون على تفاصيل الحادثة أنَّ سلسلة من الإخفاقات الأمنية كشفت عن سوء التصرف وقت الحادث، ومن بينها أن قوات الأمن لم ترد بإطلاق النار على خرق الجدار الأمني في الوقت الحقيقي، مع أن المتسلل تمكَّن من الوصول إلى منطقة حساسة جداً فيها طائرات "إف-35"!

-       8/2/2021: تعرضت "سديه تيمان" للسرقة، وسُرقت منها مقذوفات.

-       5/2/2021: شهدت كتيبة "بديم" - الارتباط 373 داخل معسكر "ناثان" اقتحام عدد من المستودعات وسرقة معدات عسكرية.

-       4/2/2021: تعرَّضت "سديه تيمان" لمحاولة سرقة في حقل الرماية، وأُلقي القبض على 3 أشخاص.

-       3/2/2021: تعرّض معسكر "تصرفين"، وتحديداً وحدة مخازن الطوارئ في مدرسة 6023، للتسلّل. اكتشف خلل في 113 قطعة سلاح (كما يبدو، سُرقت منها قطع خارجية مثل المنظار).

-       1/2021: سرقة 12 صندوق ذخيرة في داخلها نحو 12 ألف طلقة من قاعدة "نيتسانيم" في النقب.

-       1/2021: وقع سطو ضخم على الذخيرة في قاعدة "تسيئيليم" في النقب، وفُقدت 93 ألف رصاصة من عيار 5.56 من المخزن الرئيسي في "مركز التدريبات القومي" لسلاح البر، بعدما تمكَّن اللصوص بمساعدة بعض الجنود من إدخال شاحنة إلى منطقة المخزن، فحمّلوا خلال دقائق مئات الصناديق من الذخيرة الحية التي قُدّر ثمنها بمئات آلاف الدولارات. رجّحت الشرطة العسكرية أنها بيعت إلى عصابات الإجرام، وقسم منها ذهب إلى المقاومة في الضفة.

إضافةً إلى ذلك، أحصى بريك سرقة رشاشَي "ميغ" من دبابة في كتيبة نظامية في هضبة الجولان كانت داخل معسكرها (لم يفصح عن اسم الكتيبة)، فيما سُرقت 7 حاويات تحتوي معدات حساسة، بما في ذلك أجهزة اتصال ومشفرات تابعة لوحدة تشغيلية من "تسيئيليم".

وقبل نحو شهر ونصف شهر من تقريره، نام المقاتلون في إحدى كتائب "ناحال" التي كانت تتدرب في غور الأردن، فلاحظ الفلسطينيون ذلك، وسرقوا سلاحين من الجنود، أحدهما رشاش والآخر "تافور"، ثم عرف الجنود ذلك عندما استيقظوا.

أما عام 2020، فيكفي ذكر حادثة واحدة أوردتها القناة الـ13، حين قالت إنه قبل شهر ونصف شهر من تاريخ الخبر في 15/12/2020 (مجدداً يتأخر الكشف)، سُرق أكثر من 100 ألف رصاصة لأسلحة "إم-16" من مخازن الطوارئ للحرب في قاعدة "عين هزيتيم" التابعة للواء الاحتياطي "الإسكندروني". وكان لافتاً أن الشرطة تحدثت عن 150 ألف رصاصة، فيما كان "الجيش" يدَّعي أنَّ العدد أقل.

دخول "الشاباك"

جراء هذا الوضع، تقرر إدخال "جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي" (الشاباك) إلى التحقيق بصورة عاجلة، بعدما تنامت الخشية من "وصول الذخيرة إلى جهات إرهابية"، في وقت جرى تفعيل الرقابة العسكرية. ومع ذكر "الشاباك"، لا بد من التنبيه إلى أنَّ الاتهامات بتغذية السوق السوداء داخل فلسطين المحتلة بالأسلحة المسروقة لزيادة معدل الجريمة بين فلسطينيي 1948 خرجت من إطار نظرية المؤامرة إلى حقيقة واقعة في زمن قريب، حين أقر تقرير للقناة الـ12 الرسمية، نقلاً عن مصدر في الشرطة في 7/2021، أن معظم قادة المنظمات الإجرامية متعاونون مع "الشاباك".

الجرائم التي أوقعت أكثر من 1500 قتيل خلال العقدين الأخيرين ترتبط بـ"الشاباك" تحديداً الذي يلعب بالنار حين يسمح بتمرير الأسلحة المسروقة كمصدر رئيسي – إلى جانب التهريب - إلى هذه العصابات، إذ إنَّه يخلق وحشاً قد لا يستطيع السيطرة عليه، وهذا ما دق ناقوس الخطر في أحداث "هبة الكرامة" في أيار/مايو 2021.

من الواجب التذكير بأنَّ ما فعله "الشاباك" ولا يزال يفعله ليس إلا تطبيقاً لتوصية "لجنة التنسيق التابعة لأجهزة الأمن الإسرائيلية" الصادرة عام 1952: "منح السلاح لعناصر بعينها أو لأبناء طائفة ما قد يعود علينا بالفائدة، وسوف يؤدي إلى التوتر المنشود بين الفئات المختلفة في المجتمع العربي، ويتيح لنا التحكم فيهم والسيطرة عليهم" (من كتاب "عرب جيدون" لهيلل كوهين).

متّهمون فلسطينيون فقط!

في رصدٍ لخطوات المحاسبة، لم يتصدّر الإعلام العبري في السنة الأخيرة سوى التركيز على متهمين فلسطينيين في مقابل ذكر طفيف لتواطؤ بعض الإسرائيليين. مثلاً، أوردت القناة الـ12 في 20/12/2022 خبراً قالت إنَّ "الشاباك" تمكّن، بالتعاون مع شرطة النقب، من اعتقال 8 من قرية ترابين الصانع للاشتباه في اقتحامهم "سديه تيمان" والاستيلاء على عشرات الآلاف من الطلقات من مخزن "غفعاتي" بعد إتلافهم سياج القاعدة.

قبل ذلك، تحديداً في مطلع آب/أغسطس 2022، استُشهد الفلسطيني يزن مراحلة (20 عاماً) إثر مطاردة من وحدة المستعربين الإسرائيلية. تسبّبت المطاردة بحادث سير مروّع أدى إلى وفاة الشاب المتحدر من أصول بدويّة، وتحديداً من بلدة بئر هداج في النقب.

ووفق بيان العائلة، لم يكن ابنها "متورطاً" في مخالفة جنائية أو حتى قومية، بل لاحقته الوحدة المستعربة إثر دخوله ما يُعرف بـ"أرض جيش"، وهي أراضٍ فلسطينية أعلنتها سلطات الاحتلال مناطق عسكرية يمنع الدخول إليها.

كانت ذريعة الوحدة أن الشاب يزن "ينوي السرقة من معسكرات الجيش"، علماً أنَّ هذه الوحدة أُقيمت بذريعة "محاربة سرقة الجيش ومكافحتها"، ويلبس أفرادها زياً مدنياً، لكنها ترى في البدو وكل من يتجول أو يرعى في تلك الأراضي متهماً.

هذه الحادثة ليست الوحيدة، لكنها تدلّ من جهة على استسهال أذرع الاحتلال إلصاق تهمة بالفلسطينيين. ومن جهة ثانية، تعيد التذكير بالإخفاق في مواجهة السرقات المتتالية، مع أنَّ المفترض أن القواعد العسكرية هي الأكثر حمايةً وتحصيناً على المستوى الأمني.

اللافت أنَّ سرقات كبيرة وخطرة وقعت بعد أكبر مناورة في تاريخ "الجيش" الإسرائيلي، وهي "مركبات النار" (5/2022) التي أُجّلت سنة بسبب "سيف القدس". ومن المفترض أن "الجيش" فرض فيها هيبته، وعالج نقاط الخلل ومشكلات التنسيق بين الأذرع، فما قصَّة هذا "الجيش" الذي يشبه لصاً – سرق فعلاً أرض فلسطين - يسرق نفسه؟ 

إن "الإهمال" لا يجيب عن كل شيء، مع أنه الذريعة المتكررة في نتائج التحقيق التي قليلاً ما تُنشر، من دون الاعتراف بخلل بنيوي في "الجيش" أو بوجود أهداف أمنية وحتى اقتصادية (فساد) من وراء هذه السرقات. وببساطة، وجود قادة وضباط يستفيدون من هذه السرقات لأغراض عامة أو شخصية. 

حتى لو كان المقصد زيادة معدل الجريمة بين فلسطينيي 1948، يبدو أنّ خلق وحش ينذر أحياناً بصعوبة السيطرة عليه لاحقاً، فأين تكمن المشكلة بالضبط بين هذه الاحتمالات المتعددة: التجارة، زيادة الجريمة في فلسطين 1948، الإهمال، تطور السرقات، الخلل في البنية والعقيدة العسكرية... الإجابة في الحلقة الثانية.

* خطة الحماية

على الرغم من السرقات الضخمة، لا يزال "الجيش" الإسرائيلي يرفض الانتقادات، مدعياً أنه يعمل على الحد من ظاهرة السرقات من المعسكرات بخطط عمل مكثفة وتخصيص عدد من الموارد لتحسين البنية التحتية الدفاعية، وكذلك "تعلم الدروس والتعلم المتعمق من كل حادث من أجل الحد من الظاهرة الخطرة".

في النتيجة، وضمن مشروع "عين صوفيا"، زعم "الجيش" أنه أتم في نهاية 2022 حماية نحو 90% من الأسلحة في المعسكرات بتكلفة ناهزت ملايين الشواكل، مع خطوة إضافية هي شراء 50 غرفة مستودع أسلحة متنقلة مع حماية تكنولوجية متقدمة!

وفي مجال الرقابة، أجرى نظام الاحتياط في منظومة حماية المعسكرات، بالتعاون مع قادة الخدمة النظامية، أكثر من 430 عملية تفتيش ورقابة خلال السنة الماضية، على أن يتمّ قريباً تشكيل طواقم حماية إضافية، مع تكثيف الشرطة وجودها في معسكرات "الجيش".