كيم وكيشيدا.. هل يجتمع زعيم كوريا الشمالية ورئيس وزراء اليابان؟
خلال شهر آذار/مارس الماضي نقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية عن شقيقة الزعيم الكوري الشمالي أن رئيس الوزراء الياباني أبلغ بيونغ يانغ عبر "قناة أخرى" برغبته في لقاء كيم جونغ أون في أقرب وقت ممكن.
خلال القمة الأميركية اليابانية التي جمعت الرئيس الأميركي جو بايدن مع رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا في وقت سابق من هذا الشهر في البيت الأبيض، رحب بايدن بمساعي اليابان لعقد قمة مع كوريا الشمالية ووصف الأمر بالجيد، وأكد بايدن استعداد إدارته لإجراء محادثات مع بيونغ يانغ دون شروط.
يكثف رئيس وزراء اليابان كيشيدا جهوده للقاء زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، خاصة بعد التصريحات التي أطلقتها كيم يو جونغ، شقيقة زعيم كوريا الشمالية، في شباط/فبراير الماضي، إذ قالت بإن بيونغ يانغ منفتحة على تحسين العلاقات مع طوكيو وزيارة كيشيدا لبلادها ممكنة.
وأتت تصريحات كيم يو جونغ في أعقاب تلميحات لتحسين العلاقات بين البلدين، بما في ذلك رسالة تعاطف أرسلها زعيم كوريا الشمالية إلى كيشيدا في كانون الثاني/يناير الماضي بعد الزلزال الذي ضرب محافظة إيشيكاوا اليابانية.
وخلال شهر آذار/مارس الماضي نقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية عن شقيقة الزعيم الكوري الشمالي أن كيشيدا أبلغ بيونغ يانغ عبر "قناة أخرى" برغبته في لقاء كيم جونغ أون في أقرب وقت ممكن.
دوافع اليابان
يسعى كيشيدا إلى عقد قمة مع زعيم كوريا الشمالية دون شروط مسبقة لمعالجة مجموعة من القضايا أهمها قضية من تقول اليابان إنهم "مختطفين" يابانيين في كوريا الشمالية منذ سبعينات وثمانينات القرن العشرين. وتعطي اليابان هذه القضية أولوية قصوى لدورها في السياسة الداخلية لليابان وهي التعهد السياسي الأساسي للحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم.
يهدف رئيس وزراء اليابان من خلال القمة التي يسعى إلى عقدها مع كيم لتحقيق إنجازات داخلية وخارجية أيضاً:
فعلى المستوى الداخلي، يسعى كيشيدا إلى إنقاذ رئاسته المتعثرة للحكومة، إذ انخفضت شعبيته ووصلت إلى 24.5% بعد عمليات احتيال مالي نفذها أعضاء من حزبه أدت إلى استقالة وزراء من حكومته، فضلاً عن استياء اليابانيين من تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
أما على المستوى الخارجي، فتشهد العلاقات بين الكوريتين توتراً كبيراً، كذلك أيضاً بالنسبة للعلاقات الكورية الشمالية والأميركية، لذلك تريد اليابان عرض وساطتها لحل النزاعات في المنطقة وتأمين الاستقرار والسلام الإقليميين على غرار الجهود التي بذلتها كوريا الجنوبية في عهد الرئيس السابق مون جاي إن الذي سعى إلى تطبيع العلاقات بين بيونغ يانغ وواشنطن، وبالتالي تعزيز طوكيو مكانتها كقوى إقليمية، لاسيما في ظل تصاعد التوتر مع الصين.
كما أن اليابان تريد أن تكون جسراً يربط واشنطن وبيونغ يانغ، مما يعزز العلاقات الأميركية اليابانية ويزيد بالتالي من الدعم الأميركي لسياسة كيشيدا الخارجية، خاصة أنه من المحتمل أن يعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وربما يتطلع إلى استئناف المفاوضات مع كوريا الشمالية مجدداً، إذ سبق لترامب أن اجتمع بزعيم كوريا الشمالية 3 مرات عندما كان رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
حقيقة قضية المختطفين
خلال سبعينات وثمانينات القرن العشرين، اتهمت اليابان كوريا الشمالية بتنفيذ عمليات سرية لاختطاف مواطنين يابانيين. وتقول اليابان إن 17 شخصاً خطفوا، 5 منهم عادوا إلى اليابان في أعقاب محادثات جرت في العام 2002 بين زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ إل ورئيس وزراء اليابان وقتها جونيشيرو كويزومي، بينما بقي الآخرون في عداد المفقودين. وتعتقد اليابان أن بعضهم على الأقل ربما ما زالوا على قيد الحياة.
بالمقابل تقول كوريا الشمالية إن عدد المخطوفين 13 شخصاً أعيد 5 منهم إلى اليابان، أما الآخرون فقد ماتوا أو أنها لا تعرف شيئاً عن مصيرهم.
وفي أيار/مايو 2004 عاد رئيس وزراء اليابان جونيشيرو كويزومي إلى كوريا الشمالية من أجل التفاوض على إطلاق سراح عائلات المختطفين.
وفي أعقاب هذه الزيارة سُمح لعدد من أطفال المختطفين بالعودة إلى اليابان، واعتبرت بيونغ يانغ أن قضية المختطفين قد حلّت، إلا أن طوكيو أصرت على معرفة مصير باقي المختطفين، فعُقدت محادثات لاحقة بينها وبين كوريا الشمالية لم يصل فيها الطرفان إلى نتيجة.
ففي العام 2014، مع استئناف المحادثات بين اليابان وكوريا الشمالية، أعلنت الأخيرة أنها ستعيد فتح تحقيقاتها في قضايا الاختطاف وأنشأت لجنة خاصة للقيام بذلك. إلا أنه في العام 2016 أوقفت بيونغ يانغ التحقيقات وحلّت لجنة التحقيق الخاصة رداً على توسيع اليابان لعقوباتها ضد كوريا الشمالية لقيامها بإطلاق صاروخ بعيد المدى وإجراء تجربة نووية في وقت سابق من ذلك العام.
صعوبات تعيق عقد القمة
تعتبر كوريا الشمالية أن قضية الاختطاف قد تم حلّها، وأنه لعقد القمة بين اليابان وكوريا الشمالية وتحسين العلاقات بين البلدين، والتي وصفتها شقيقة زعيم كوريا الشمالية بأنها "ملئية بسوء الفهم وانعدام الثقة"، فيجب على طوكيو اتخاذ خطوات سياسية عملية، وإذا استمرت في التدخل في تنفيذ حقوق كوريا الشمالية السيادية، والانغماس في مشكلة المواطنين المختطفين فستبقى حظوظ كيشيدا مجرد تصريحات شعبوية.
يقول ليف ايريك إيسلي، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة "إيهوا" النسائية في سيول، إن قمة كيم وكيشيدا غير محتملة لأن "بيونغ يانغ غير راغبة في معالجة ملف المختطفين اليابانيين، ولأن طوكيو غير قادرة على تخفيف العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية".
قد تستفيد بيونغ يانغ من تخفيف توتراتها مع طوكيو من خلال إضعاف الشراكة الأمنية الثلاثية بين طوكيو وسيول وواشنطن، والاستفادة اقتصادياً من اليابان للتخفيف من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، إلا أن بيونغ يانغ غير مستعدة للتفاوض حول قضية المختطفين اليابانيين أو برنامجها النووي.
في هذا السياق قال مون سيونغ موك، المحلل في معهد الأبحاث الكوري للاستراتيجية الوطنية، مقره سيول، إن كوريا الشمالية الفقيرة تفكر على الأرجح في المساعدات الاقتصادية اليابانية المحتملة التي يمكن أن تحصل عليها إذا قام البلدان بتطبيع العلاقات، وأضاف بأن كيشيدا لن يتحدى على الأرجح الرأي العام الياباني لتقديم تنازلات بشأن قضية الاختطاف أو تحدي قرارات الأمم المتحدة التي تحظر البرنامج النووي لكوريا الشمالية.
ويرى سيباستيان ماسلو، الخبير في السياسة اليابانية وشرق آسيا في كلية Sendai Shirayuri Women's College، أن بيونغ يانغ تدرك جيداً مدى أهمية قضية الاختطاف في أجهزة السياسة الخارجية اليابانية وتعلم أن اليابان ليست في وضع يسمح لها بتجاهل مثل هذه المبادرات مع بيونغ يانغ وأن تجاهل كيشيدا لهذه المواضع يعرضه لانتقادات داخلية.
بشكل عام، من المستبعد أن تقبل اليابان حقيقة تطوير كوريا الشمالية لبرنامجها النووي، والتخلي عن قضية الاختطاف كشرط مسبق للمحادثات بين كيشيدا وكيم، ولكن بالمجمل فإن عقد القمة يعود بالنفع على الجانبين الياباني والكوري الشمالي ويخفف من حدة التوترات في المنطقة.