إقالة رئيس الحكومة التونسية وتعيين المدوري بديلاً: أي خلفيات في هذا التوقيت
الرئيس التونسي، قيس سعيد، يُعيّن وزير الشؤون الاجتماعية الحالي، كمال المدوري، رئيساً للحكومة خلافاً لأحمد الحشاني، قبل أقل من شهرين من موعد الانتخابات الرئاسية، فأي خلفيات لهذه الخطوة في هذا التوقيت؟
عيّن الرئيس التونسي، قيس سعيد، وزير الشؤون الاجتماعية الحالي، كمال المدوري، رئيساً للحكومة خلافاً لأحمد الحشاني، حيث تأتي هذه الإقالة قبل أقل من شهرين من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
ولم يقدم بيان رئاسة الجمهورية أسباب هذه الإقالة أو خلفياتها، غير أنّ تلك الخطوة لم تكن مفاجأة لدى مراقبين، لا سيما وأنّ الرئيس لم يتردد في الفترة الأخيرة في توجيه أكثر من إنذار للفريق الحكومي. وقد بدا هذا واضح خلال زيارته يوم 29 تموز/يوليو الماضي إلى قصر الحكومة بالقصبة، ولقاءه لأحمد الحشاني، حيث نبه إلى ضرورة أن يعي أعضاء الحكومة أنّ وظيفتهم مساعدته في الوظيفة التنفيذية، وهو ما يعني إقرارا بعدم الالتزام بدورهم كما يجب، من أجل العمل على تحقيق انتظارات الشعب.
وقال الرئيس خلال تلك الزيارة إنّ "هناك جيوب ردّة داخل الإدارة زمنها انتهى، فضلاً عن ارتمائها في أحضان اللوبيات"، مشدداً على ضرورة تحمل المسؤولين لواجباتهم للاستجابة إلى المطالب المشروعة، و تأكيده أنّ هناك من لم يفهم دستور 2022، ودور الحكومة في معاضدة رئيس الجمهورية.
كل هذا يأتي في ظل تصاعد الانتقادات للأوضاع الاجتماعية وتواصل انقطاع الماء والكهرباء بشكل مستمر في عديد من المناطق في البلاد. وهذا واقع كان قد لاحظه الرئيس بنفسه من خلال زياراته لعدة مناطق، بما في ذلك المهدية، صفاقس، والعامرة، حيث إنّ خدمات المرافق العمومية أصبحت متردية جداً، ما يعكس تقاعس العديد من المسؤولين في الدولة عن أداء واجبهم.
وبالإضافة إلى هذه الأسباب غير المباشرة، هناك أسباب مباشرة قد تكون عجلت بهذه الإقالة وفق المحلل السياسي مراد علالة، الذي قال في تصريح للميادين نت إنّ رئيس الحكومة المقال "قد ارتكب خطأً سياسياً واتصالياً بنشره لأول مرة منذ توليه الحكومة - قبل ساعات قليلة من قرار إقالته - لتسجيلات يتحدث فيها عن إنجازات حكومته، واصفاً إياها بالإيجابية".
وأضاف علالة أنّ ذلك "الموقف لم يكن متناغماً مع موقف الرئيس سعيد في تفسير النقائص والفساد الذي ضرب عديد القطاعات، بل عزا الحشاني ذلك إلى ظروف طبيعية والمناخ وعناصر موضوعية، حيث قال إنّ حكومته حرصت على تزويد السوق بالمواد الأساسية، على الرغم من الوضع العالمي الصعب وارتفاع أسعار المواد الأولية والجفاف"، كما أكدّ أنّ الشح المائي سببه تواتر سنوات الجفاف".
وتحدّث الرئيس عن إخفاقات لعدد كبير من مسؤولين في الدولة في المستوى المركزي والجهوي في تلبية مطالب المواطنين، بما في ذلك قطع الماء والكهرباء وارتفاع الأسعار، وأيضاً عن محاولات لاستهداف التجربة التونسية، وكان قد أكد أنّ ظاهرة انقطاع المياه في عدد من مدن البلاد خلال الفترة الأخيرة، تقف وراءها شبكات إجرامية، وأنّ الانقطاع "غير طبيعي وغير بريء ومدبّر"، معتبراً أنّ هذا الأمر "جريمة بحق الشعب ويمس بالأمن القومي".
تحديات تنتظر المدوري
ويأتي تعيين رئيس حكومة جديدة قبيل أقل من شهرين من الانتخابات الرئاسية، في خطوة يقول المحلل السياسي كمال بن يونس، في تصريح للميادين نت، إنّ "سعيد أراد من خلالها بث روح جديدة في الفريق الحكومي واختيار وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري، فيه وعي بتوجهات المرحلة المقبلة باعتباره شغل لأكثر من 20 سنة صلب وزارة الشؤون الاجتماعية، مكلفاً بملفات صناديق التأمين، وله تجربة كبيرة في الإشراف على المؤسسات التي تهم المواطن، وأيضاً كان مفوضاً رئيسياً للاتحاد الأوروبي في سياسة الجوار، وفيما يتعلق بالشريك المميز لتونس في الاتحاد الأوربي في الملفات الاقتصادية والاجتماعية و السياسية والأمنية".
وأضاف بن يونس أنّ "اختيار هذه الشخصية فيه رسالة سياسية قبل الانتخابات، والتأكيد على أنّ الانتظارات الاجتماعية والاقتصادية لها الأولية، خصوصاً وأنّ البلاد في زمن انتخابي، لذلك كانت هناك سرعة في الإقالة، وأيضاً سرعة في التعيين".
وتنتظر الحكومة برئاسة كمال المدوري تحديات كبيرة، والعمل على ترجمة شعارات الرئيس الى أفعال، بما في ذلك تغير وضع التونسيين وتحسين الخدمات، خصوصاً وأنّ الأزمة في تونس أزمة مركبة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، لذلك لا يمكن الحديث عن تجاوز إخفاقات عمل الحكومة بتغيير رئيسها، لأنّ هناك مطالب اقتصادية و اجتماعية و ثقافية يجب النظر إليها بجدية، والمرحلة القادمة صعبة ولا يمكن الحديث عن انفراج الأزمة من دون الاخذ في الاعتبار كل هذه الانتظارات.
مناخ سياسي متوتر
أيضاً لا يمكن الحديث عن تعيين رئيس حكومة جديد بمعزل عن الزمن الانتخابي الذي تعيش على وقعه تونس وتسارع السباق نحو قرطاج، حيث تستعد تونس لإجراء الانتخابات الرئاسية في السادس من تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وسط انتقادات واسعة من المعارضة لتزايد وتيرة الملاحقات لنشطاء سياسيين معارضين وحقوقيين وإعلاميين، وهو ما قد يؤثر بحسب مراقبين على المناخ الانتخابي.
ومنذ بدء الحديث عن تنظيم الانتخابات الرئاسية تتالت الدعوات للمّ شمل المعارضة والاتفاق حول مرشح واحد قادر على منافسة قيس سعيد، غير أنّ تلك المحاولات لم تجد لها طريقاً. ولم تتمكن المعارضة في أي مرحلة منذ سنة 2011، من توحيد صفوفها.
ويضاف إلى توتر المشهد السياسي ، تردي الوضع اقتصادي، حيث تشهد تونس المثقلة بالديون تباطؤاً في النمو، وارتفاعاً في معدلات البطالة. وهو ما يضع عديد الملفات على طاولة الرئيس المقبل، ملفات أقل ما يمكن القول عنها، أنّها لم تعد تحتمل التأجيل.